يجتمع قادة العالم للمرة السابعة والعشرين لبحث أزمة المناخ وتقرير ما سوف يفعلونه لاحتواء تلك الأزمة. تلك الأزمة التي نستطيع أن نلخصها في: تعيش الرأسمالية على تدمير الإنسان وبيئته.
هذه الأزمة التي بات محسوسة في كل مكان، من ارتفاع درجات الحرارة والتسبب في حرائق، حيث يتم ضخ 90 مليون طن من الغازات المسببة للاحترار العالمي كل 24 ساعة، ونتيجة لذلك من المتوقع انقراض من 20% إلى 50% من جميع الكائنات الحية في هذا القرن، إلى فيضانات وسيول تجرف قرى ومدن وتودي بحياة العشرات والمئات، من المتوقع اختفاء أماكن مثل جزر المالديف بنهاية هذا القرن، مرورا بالأعاصير العاتية والجفاف، مع تراكم النفايات الكيميائية السامة المعمرة التي تشكل تهديدًا مستمرًا للبشر وأشكال الحياة الأخرى، واستنزاف موارد التربة السطحية والمياه الجوفية بمعدلات غير مستدامة وأمور كثيرة أخرى.
هذا بخلاف تلوث المياه والإفراط في استخدام مصائد الأسماك في المحيطات الذي يهدد بالقضاء على التنوع البيولوجي في المحيطات والأنهار، لدرجة أن ثلث الثروة السمكية تقريبًا في خطر، ووفقاً للأمم المتحدة فإن مخزونات الأسماك الكبيرة انخفضت أعدادها بنسبة 90% منذ ستينيات القرن الماضي، هذا بخلاف تحمض المحيطات، ونضوب أنواع مهمة من الثروة السمكية والفقدان الوشيك للشعاب المرجانية، بالإضافة إلى تلوث الهواء الذي يتسبب في العديد من الأمراض الصدرية والتنفسية والتشوهات الخلقية.
جعلت الرأسمالية المجتمع البشري تربة خصبة للأمراض، طبقًا لدراسة أجراها باحث في جامعة برينستون، أندرو دوبسون، فإن الاحترار العالمي هو الذي يسبب انتشار البكتيريا والفيروسات والفطريات التي تسبب الأمراض البشرية في مناطق كانت في السابق عدائية تجاهها، حيث يقول: “تغير المناخ يحدث خللا في النظام الإيكولوجي بطريقة تجعل سبل الحياة أفضل بالنسبة إلى الأمراض المعدية”.
كل عام تبرز الأزمة البيئية نفسها بصورة أقوى من ذي قبل، هذا العام فقط انتشرت حرائق في أوروبا وارتفعت درجات الحرارة لتقتل المئات، منهم العشرات في يوم واحد، على سبيل المثال فقد 360 شخصًا حياتهم في اسبانيا خلال 5 أيام، سيول جارفة في باكستان أزهقت حوالي 1,400 نفس، سيول في نيجيريا مازلت آثارها مستمرة حتى الآن، جفاف يضرب الصومال وعدة بلدان أخرى في أفريقيا، مع شبح مجاعة يلوح في الأفق هناك.
تواجه البشرية اليوم أزمة جدية قد تتحول إلى أزمة وجودية في المستقبل، وماذا تفعل الطبقات السائدة وحكوماتها في مقابل ذلك؟ لا شيء، يجتمعون مرة كل عام ليحتفلوا بفشلهم في مواجهة تلك الكارثة التي تسببوا هم فيها وتدفع جماهير العالم ثمنها يومياً.
أسباب أزمة المناخ
أزمة المناخ هي أزمة سياسية وطبقية وليست قدرية، هي نتاج لنظام اقتصادي واجتماعي أصبح وجوده خطرًا على البشرية. إن الطبقة السائدة هي المسؤولة عن التدهور البيئي الحالي، حيث أن أكبر 100 شركة فقط مسؤولة عن أكثر من 70% من انبعاثات الغازات الدفيئة.
النظام الرأسمالي الذي يتمحور حول الربح هو السبب في هذا السباق نحو الهاوية، حيث يتم الإنتاج باستخدام أردأ المواد البلاستيكية وغيرها والسماح بالانبعاثات الغازية بدلاً من معالجتها وانتاج منتجات عمرها الافتراضي قصير لضمان البيع مجددًا إلى آخره من إجراءات السوق، لضمان أقصى قدر ممكن من الربح في أقصر وقت ممكن. المسؤول عن هذا هي الشركات الكبرى التي تقرر ماذا يُنتج وكيف يُنتج، وتقرر ذلك بناءً على شيء واحد فقط: هو الربح، ليست الاحتياجات البشرية ولا البيئية.
ولم يكفيهم هذا، وإنما يحاول الرأسماليون الاستفادة من التغيرات البيئية، لدرجة أن شركات النقل البحري تشعر بحماس نتيجة تغير المناخ في القطب الشمالي، وهو ما يسمح بحركة ملاحية على مدى عدة شهور في السنة، وأساطيل صيد السمك تستعد لاستغلال الموارد البيولوجية الغنية للمحيط المتجمد الشمالي التي كانت حتى الآن محمية بواسطة الجليد، وتشعر العديد من الشركات النفطية بالسعادة الغامرة من وجود آفاق لفرص تنقيب جديدة، وبعض هذه الشركات قد نقل فعلا منصات تنقيب إلى المكان.
هذه الشركات لا تهتم بالقوانين الموضوعة وتضرب بها دائماً عرض الحائط، وهذا ليس بسبب نقص الإرادة لدى السياسيين لمجابهة أزمة المناخ فقط، ولا حتى بسبب نزعة شر متأصلة في الرأسماليين المنفردين، بل هو نتاج طبيعي لنظام اقتصادي قائم على المنافسة والرغبة في تقليص نفقات الإنتاج ومدته.
في ظل النظام الرأسمالي الشركات هي من تتحكم في السياسيين وليس العكس، لا يمكن التحكم في تصرفات تلك الشركات وكبح جماح الشره المدمر للربح. طالما ظل الإنتاج مرهوناً بالربح، سوف تدوس تلك الشركات دائمًا على القوانين عندما تمثل تلك القوانين عقبة أمام مزيد من الأرباح، ولدى تلك الشركات عملاء كثر في البرلمانات والمحاكم والإعلام توفر لها غطاءً يمكنها من التهرب من عواقب أفعالها الإجرامية.
هذه الأفعال الاجرامية أصبحت واضحة للكثيرين، وهو ما يظهر في التحركات المناهضة للتغير المناخي التي تحدث في العديد من بلدان العالم، وهذه ظاهرة تقدمية بالطبع، ومثلت ضغطًا حقيقيًا على السياسيين. لكن مازالت تلك الحركة في غالبيتها تحمل أوهامًا ليبرالية وفردانية ولا تتوجه للطبقة العاملة، وهو ما تسعد به دائماً الطبقات السائدة وسياسيها وتستخدمه كستار للتغطية على المشكلة التي تسبب نظامها فيها، إذ دائماً ما يتم تحميل “الفرد” ونمط “استهلاكه” مسؤولية أزمة المناخ. هذا النمط الاستهلاكي الذي يتحكم فيه الشركات وليس الأفراد اصلا. وهو تصرف رجعي حقير متوقع من الطبقة السائدة، توفر قيادات الخضر وحركة المناخ الغطاء له. وآخر إبداعات الطبقة السائدة في المكر والحقارة هي ما تسمى “الضريبة الخضراء” التي تدفع بشكل واضح لتحميل الطبقة العاملة والفقراء ثمن أزمة خلقها الرأسماليون، تلك الضريبة التي يتبناها ويدافع عنها الخضر والاشتراكيون الديمقراطيون!!!
لم نكن نحن من تسببنا في تلك الكارثة والآن نحن المطالبين بدفع ثمنها، ولم تكن البلدان الفقيرة هي من تسببت في تلك الكارثة ومع ذلك جماهير تلك البلدان هم أكثر من يدفع ثمنها، هذه هي الحلول التي تقدمها الطبقات السائدة اليوم في عصر إفلاس وأزمة الرأسمالية.
الحل الاشتراكي
بشكل واضح: النظام الرأسمالي يقتلنا، ولا حل سوى بإسقاطه. طالما بقي الإنتاج من أجل الربح هو النظام السائد، وطالما بقي العالم مقسم إلى دول قومية متنافسة ومتناحرة فلا يمكن التحكم في أزمة المناخ والانبعاثات الكربونية.
لا يمكن ممارسة الرقابة وتخطيط على ما لا نتحكم فيه ولا يمكن أن نتحكم فيما لا نمتلكه، لهذا لا يمكن أن نتحكم في الشركات الخاصة التي تتسبب في التلوث البيئي. من أجل التحكم فيها لابد من مصادرتها، يجب أن يدفع الرأسماليون ثمن الأزمة. هناك من الثروات الكثير ما يكفي ليمكننا من مجابهة أزمة المناخ والقضاء على الفقر والبطالة وغيرها من المشاكل الملحة، لكن هذه الثروات مستولى عليها من قبل أقلية في المجتمع ومكدسة في البنوك.
كما لا يمكن أن تحل أزمة المناخ على المستوى القطري، لابد من حل أممي، وهو ما يظهر بشكل واضح في “اتفاقية باريس” التي انسحب منها دونالد ترامب بجرة قلم وجعلها حبرًا على ورق.
بوضع خطة اقتصادية عقلانية تعمل على استغلال الموارد بطريقة عقلانية وديمقراطية وباستخدام التكنولوجيا والتقدم والعلم وبالاعتماد على أفضل العقول العلمية والعملية وتحت الرقابة العمالية نستطيع أن نحل مشكلة المناخ. فقط بالقضاء على آخر عواميد المجتمع الرأسمالي والطبقي (الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والدولة القومية)، ووحده التحويل الاشتراكي للمجتمع هو من يوفر مخرج لهذه الأزمة المستمرة في التفاقم.
ستواجه البشرية في المستقبل -قد يكون القريب- مفترق الطرق الذي طرحه كارل ماركس ومن بعده روزا لكسومبروغ: إما الاشتراكية أو الهجمية. إما أن نسقط النظام الرأسمالي ونمسك بناصية حياتنا بأيدينا وإما أن يقذف بنا النظام الرأسمالي إلى العصور البدائية حيث كانت تواجه البشرية الظواهر الطبيعية مغلوبة على أمرها ولا تفهمها.
من أجل خطة اقتصادية عقلانية وديمقراطية!
من أجل الرقابة العمالية!
من أجل مصادرة المفاتيح الرئيسية للاقتصاد!
الرأسمالية هي المشكلة – الاشتراكية هي الحل!
يا عمال -وشباب- العالم اتحدوا!
لا حل سوى انتصار الثورة الاشتراكية بقيادة حكومة عمالية!