يروي الفيلم الجديد للمخرج شاكا كينغ قصة حزب الفهد الأسود واغتيال أحد قادته الثوريين، فريد هامبتون، ويسلط الضوء على المدى الذي ستذهب إليه الطبقة السائدة من أجل سحق النضال الاشتراكي.
“يهوذا والمسيح الأسود” أحدث فيلم يحاول تقديم حزب الفهد الأسود -وأحد أبرز قادته: فريد هامبتون- للجمهور.
الفيلم من إخراج وإنتاج شاكا كينغ، ويسلط الضوء على السياسة الاشتراكية والثورية لهامبتون -الذي لعبر دوره ببراعة الممثل البريطاني دانييل كالويا. يقوم كينغ بهذا من خلال تصوير أحداث أواخر الستينيات في شيكاغو، برواية تتبع المخبر في مكتب التحقيقات الفيدرالي، ويليام بيل أونيل، الذي تسلل إلى الحزب.
نضال السود
تم تشكيل حزب الفهد الأسود في أعقاب حركة الحقوق المدنية في أمريكا، في وقت تم فيه تحقيق بعض الإصلاحات للطبقة العاملة السوداء، بما في ذلك إلغاء قوانين جيم كرو. كانت تلك الإصلاحات مهمة، بالرغم من محدوديتها، وقد تم كسبها بشق الأنفس خلال فترة طويلة من الصراع الطبقي.
أرادت الفئات المتقدمة داخل حركة تحرر السود الذهاب إلى أبعد من ذلك، من خلال المزيد من النضال الكفاحي النشط. وقد كان هذا على النقيض من النزعة المسالمة المضللة التي أظهرت أنها غير قادرة على تحقيق أهداف النضال بشكل كامل.
ونتيجة لذلك ظهر حزب الفهد الأسود مع مقاربة ثورية لمسألة تحرر السود.
سرعان ما صعد هامبتون ليصبح جزءا من قيادة الحزب بعد أن انضم إليه عام 1966. ومن ذلك الموقع أرعب الطبقة السائدة في أمريكا، وأظهر قدرته على التواصل مع العمال واستقطابهم إلى الحزب.
لذلك شعرت الطبقة السائدة أنه من الضروري اغتيال هامبتون –الذي كان ما يزال شابا- من أجل منعه من التطور إلى ثوري يمكنه ربط نضال السود بالنضال الطبقي الأوسع من أجل الاشتراكية.
تسلل مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى الحزب، من خلال مخبرين مثل أونيل، حيث تمكن من تحديد مخطط لشقة هامبتون ومكان سريره. بفضل هذه المعلومات، نظمت السلطات عملية مداهمة، حيث اقتحم 14 شرطيا الشقة وأطلقوا 90 رصاصة، على الأقل، على مجموعة من أعضاء الحزب الذين كانوا هناك. تم إعدام هامبتون وألقي القبض على جميع من نجوا.
كان ذلك قرارا واعيا من قبل الطبقة السائدة لسحق حركة الفهد الأسود، من خلال تعبئة قوات الدولة -مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي وجهاز الشرطة- لاغتيال هامبتون. نرى هنا الطبيعة الحقيقية للدولة الرأسمالية، التي هي جهاز لتصفية أولئك الذين يمثلون تهديدا للملكية الخاصة والطبقة السائدة بشكل عام.
التثقيف السياسي
قبل الوصول إلى هذه النقطة، قدم الفيلم العناصر المختلفة لنضال حزب الفهد الأسود: من برنامج الإفطار المجاني إلى المظاهرات الجماهيرية إلى تنظيم كمائن للشرطة.
هذا التنوع في الأنشطة يعكس الأفكار المختلفة التي كانت موجودة داخل الحزب: كانت هناك تيارات ماوية؛ والتيارات القومية السوداء؛ ومجموعة من الأفكار المتضاربة الأخرى، مما أدى إلى غياب التجانس بين أعضاء الحزب.
كان ذلك أيضا أحد أعراض نقص التثقيف السياسي المنهجي داخل الحزب. وتظهر آثار ذلك في الفيلم مع سجن هامبتون، وفي النهاية مع تفكك الحزب وانحطاطه بعد وفاة هامبتون.
تحتاج المنظمة الثورية إلى منظورات وبرنامج واضح، من أجل توحيد الفئات الأكثر تقدما من الطبقة العاملة في النضال من أجل الاشتراكية.
لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال دراسة تجارب الحركات السابقة والتعلم من نجاحاتها وأخطائها، وتطبيق تلك الدروس. فبعد كل شيء، أولئك الذين لا يتعلمون من التاريخ محكوم عليهم بتكرار أخطائه.
يقدم لنا الفيلم لمحة عن طريقة التثقيف السياسي داخل حزب الفهد الأسود، حيث يستمع الرفاق إلى هامبتون وهو يلقي خطابا عن الصراع الطبقي بين “الشعب” والدولة.
لكن من الواضح أن معظم الرفاق -وحتى هامبتون إلى حد ما- لم تكن لهم سوى ثقافة سياسية ضعيفة ومشوشة. وقد بلغ ذلك ذروته في قيام البعض بالسير في طريق قتل رجال الشرطة، مما استدعى المزيد من قمع الدولة ضد الحزب وأعضائه.
دور الفرد
ليس هناك من شك في أن هامبتون كان ثوريا ملهما. لقد كان قادرا على أن يشرح بحماس الحاجة إلى الاشتراكية، من أجل تحرر ليس فقط السكان السود المضطهَدين بشكل مزدوج، بل أيضا الطبقة العاملة ككل.
لكن فيلم “يهوذا والمسيح الأسود” يستند إلى المنظور البرجوازي النموذجي للتاريخ، الذي ينظر إلى التاريخ على أنه مجرد نتيجة لجهود وأفعال الأفراد “العظماء” وأفكارهم. وفي هذا الصدد، يجعل الفيلم الأمر يبدو كما لو أن شخصية هامبتون وكارزميته وحدهما اللذان مكنا الحزب من النمو والازدهار.
بعد سجن هامبتون (بتهمة ملفقة، سرقة حوالي 70 دولارا من الآيس كريم) ، يظهر أعضاء الحزب ضائعين، مع “تناقص العضوية وتضاؤل التبرعات”؛ وغير قادرين على الاستمرار في البناء وكسب أعضاء أكثر راديكالية للحزب.
يصور الفيلم صعود الحزب وسقوطه على أنه حادث مؤسف، يتزامن مع بروز هامبتون ودوره القيادي داخل الحركة باعتباره ثوريا اشتراكيا.
إلا أنه كانت هناك مشاكل أعمق عند الفهود السود، والتي عكست في جذورها تناقض الأفكار السياسية بين الفصائل المختلفة داخل الحزب. كان الأعضاء مجبرين على “الانحياز” إلى أحد الأطراف. وبدلا من أن يقوم الحزب بتمويل نفسه من خلال مساهمات الأعضاء، صار يلجأ بشكل متزايد إلى استخدام وسائل غير مشروعة لجمع الأموال، مثل تجارة المخدرات وسرقة الملاهي الليلية.
لا شك في أن المتسللين الأنذال من مكتب التحقيقات الفدرالي قد تسببوا، إلى جانب اغتيالهم لهامبتون، في مفاقمة تلك التناقضات. لكن لو كان الحزب يتوفر على أساس نظري قوي، مع برنامج واستراتيجية سياسيين واضحين، لكان في إمكانه أن يكون أكثر استعدادا ومرونة وقوة في مواجهة التحديات التي طرحت عليه.
“العدل” والدولة البرجوازية
يؤكد شاكا كينغ بوضوح أن فريد هامبتون كان مناضلا ثوريا. لكن خاتمة الفيلم تكشف أوهام المخرج في الدولة الرأسمالية، وبالتالي في الرأسمالية.
يذكر الفيلم في النهاية الدعوى القضائية التي نظمت في أعقاب اغتيال هامبتون، والتي بلغت 1.8 مليون دولار، واعتبرها إحقاقا “للعدالة” لمقتل هامبتون وللقمع الأوسع الذي يتعرض له السود في ظل الرأسمالية.
بعبارة أخرى إن الفيلم يظهر لنا مرة كيف تم استخدام كامل قوة الدولة لسحق ذلك الحزب الثوري وقادته، وبعد ذلك، يقول لنا إنه يجب علينا الاعتماد على نفس جهاز الدولة القمعي للحصول على “العدالة”!
هذه النظرة إلى الدولة وكأنها حكم محايد، فوق المجتمع، تتناقض بشدة مع الواقع، ومع ما يظهر في الفيلم. أما الحقيقة فهي أن الطبقة السائدة ستستخدم “أي وسيلة ضرورية”، بما في ذلك القتل بدم بارد، للحفاظ على سلطتها وممتلكاتها وأرباحها.
لقد أدركت الطبقة السائدة بوعي التهديد الذي يشكله حزب الفهد الأسود على مصالحهم الرأسمالية. ونتيجة لذلك سعوا إلى تدميره: من خلال استخدام المخبرين المأجورين لاستغلال التوترات القائمة داخل الحزب؛ والقضاء على قادة الحركة السياسيين الواعدين مثل هامبتون.
إن الدولة، في آخر المطاف، هي أداة للدفاع عن مصالح الطبقة السائدة وحمايتها. ولا يمكن لأي قدر من الإصلاحات تغيير هذا.
وحدها الثورة الاشتراكية -من خلال النضال الطبقي الموحد، ووضع الزمام في أيدي العمال المنظمين- هي القادرة على إنهاء الاستغلال والاضطهاد وتوفير التحرر للسود، ولكل الطبقة العاملة.
زاك جاسم
1 مارس/آذار 2021
ترجم عن النص الأصلي:
Review: ‘Judas and the Black Messiah’ – The revolutionary vs repression