الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / شمال إفريقيا / الجزائر / الجزائر: المقاطعة الجماهيرية تهزم انتخابات النظام

الجزائر: المقاطعة الجماهيرية تهزم انتخابات النظام

كان الهدف من وراء تنظيم الانتخابات البرلمانية، في 12 يونيو، منح النظام الجزائري بعض الشرعية ووضع حد لسنتين من الحراك الثوري. لكن المقاطعة كانت بأغلبية ساحقة، على الرغم من حملة قمع واسعة النطاق خلال الفترة التي سبقت الانتخابات.

تعرف الجزائر، منذ 22 فبراير 2019، حراكا هز المجتمع الجزائري، قالت خلاله الحركة الجماهيرية للعمال والفقراء والشباب: “كفى!”، وانتفضت ضد محاولة الرئيس العجوز، بوتفليقة، إعادة انتخابه رئيسا للمرة الخامسة. ضمت الحركة الثورية ملايين المحتجين في مظاهرات حاشدة في جميع أنحاء البلاد، وأثارت حركة إضرابات عمالية. بعد شهرين على ذلك، أُضطر بوتفليقة إلى الاستقالة، وهو ما كان أول انتصار للحركة. لكن وبالرغم من إبعاده عن المشهد، فقد بقي النظام على حاله.

رفع الحراك مطالب ديمقراطية، وكان نضالا لمحاربة الفساد، ومن أجل الحقوق القومية للأمازيغ في منطقة القبايل، لكنه كان أيضا حركة لإحداث تغيير جذري في المجتمع. لقد عبر عن الغضب الشديد المتراكم من “الحكرة” -الظلم والشطط في استخدام السلطة- من قبل النظام ضد جماهير الشعب. لقد كان أيضا صرخة من أجل المستقبل من جانب الشباب الذين حُكم على مئات الآلاف منهم بـ”الحركة” -الهجرة غير الشرعية- مخاطرين بحياتهم بحثا عن مستقبل أفضل في أوروبا.

لقد أظهرت الحركة صمودا ومقاومة عظيمين، مع مظاهرات حاشدة ضخمة كل يوم جمعة، واحتجاجات طلابية كل يوم ثلاثاء. لكنها افتقرت إلى الهياكل والتنظيم، وقبل كل شيء إلى برنامج واستراتيجية واضحين.

تسبب انتشار جائحة كوفيد 19، في مارس 2020، في إيقاف دورة المظاهرات الأسبوعية. لكن ما كان النظام يأمل في أن يكون نهاية للحركة اتضح أنه مجرد وقفة مؤقتة. فقد شهد شهر فبراير 2021، الذكرى الثانية للحراك، استئناف المظاهرات الأسبوعية الجماهيرية، وذلك رغم مضايقات الشرطة. تزامن تجدد المظاهرات مع موجة من الإضرابات (عمال بريد، عمال قطاع الصحة، إلخ) في بلد تضرر بشدة من الجائحة والأزمة الاقتصادية. انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6% وتفاقمت جميع المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي كانت موجودة مسبقا.

في شهر ماي، قررت الحكومة حظر مظاهرات الجمعة، وتمكن التواجد المكثف للشرطة من منع التظاهر في الجزائر العاصمة، على الرغم من استمرار المظاهرات في منطقة القبايل. واقترن ذلك بموجة من القمع هدفت إلى سحق الحركة وإرساء سلطة حكومة تبون بشكل نهائي.

لقد فشلت المحاولتان السابقتان للنظام لتدعيم شرعيته أمام حملة مقاطعة جماهيرية من جانب الحراك. ففي 12 دجنبر 2019 تمكنت الحركة من هزم انتخابات الجنرالات. إذ حسب الأرقام الرسمية لم يشارك سوى 39% من الناخبين. وربما كان الرقم الحقيقي أقل من 10%. كانت تلك هي الانتخابات التي أوصلت تبون إلى الرئاسة. إنه ممثل صريح للنظام، كان قد شغل منصب وزير ومنصب رئيس للوزراء في عهد بوتفليقة.

حاول النظام مرة أخرى استعادة شرعيته من خلال الاستفتاء الدستوري، في 01 نوفمبر 2020. ومرة أخرى نظمت الحركة الجماهيرية مقاطعة الاستفتاء. وبحسب الأرقام الرسمية لم يشارك سوى 23% فقط، مما شكل كارثة أخرى.

لذلك فقد كانت الانتخابات البرلمانية، التي جرت يوم 12 يونيو، بمثابة اختبار حاسم لتبون والجنرالات الذين ما زالوا يسيطرون بشكل محكم على جهاز الدولة. شن النظام حملة أكاذيب وافتراءات على الحراك الذي وصف بأنه “معاد للثورة” وأنه يعمل بتمويل من “قوى أجنبية”. وبالإضافة إلى حظر مظاهرات الجمعة، تم اعتقال أكثر من 2000 ناشط وسجن 200. كما تم تهديد العديد من أحزاب المعارضة باتخاذ إجراءات قانونية، وكانت هناك إجراءات لحظر حزب العمال الاشتراكي وإغلاق مقراته. وتم القبض على ثلاثة من قادة الحراك البارزين عشية الانتخابات.

لا شيء من ذلك أخاف الحركة، التي نظمت مقاطعة قوية للانتخابات. دعت أحزاب المعارضة الرئيسية إلى المقاطعة، بما في ذلك جبهة القوى الاشتراكية (FFS) وحزب العمال الاشتراكي (PST) وحزب العمال (PT) والحزب من أجل اللائكية والديمقراطية (PLD) وحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (RCD) الليبرالي. كانت المقاطعة قوية بشكل خاص في منطقة القبايل، حيث لم تتمكن العديد من مراكز الاقتراع من فتح أبوابها وقام الناس بتحطيم صناديق الاقتراع ومزقوا أوراق الاقتراع. وفي بجاية تظاهر الآلاف، في اليوم السابق، لرفض الانتخابات والمطالبة بإسقاط النظام. وهناك أحصت الأرقام الرسمية مشاركة 4000 ناخب من أصل 500.000 ناخب.

فُتحت مراكز الاقتراع على الساعة الثامنة صباحا، وأظهرت أرقام الإقبال الرسمية مشاركة أقل من 4% في الساعة 10 صباحا، و14% فقط بحلول الساعة الرابعة مساء، وهي كارثة كاملة للنظام الذي قرر بعد ذلك إبقاء مراكز الاقتراع مفتوحة لمدة ساعة إضافية. وبحلول وقت إغلاق صناديق الاقتراع على الساعة الثامنة مساء، أعلنوا عن نسبة مشاركة “متوسطة” تبلغ 30%، وهو الرقم الذي لم يصدقه أحد. كانت الحيلة هنا هي استخدام كلمة “متوسط”، أي أنه، بعبارة أخرى، تم حساب متوسط ​​الإقبال في كل الدوائر دون مراعاة عدد الناخبين في كل دائرة على حدة. وفي النهاية كان الرقم الرسمي للإقبال الذي قدمته السلطة الانتخابية بالكاد 23,03%، وهو الأدنى على الإطلاق في تاريخ الجزائر، بل أقل حتى من الرقم الرسمي الذي أعطي للاستفتاء الدستوري لعام 2020. ومن بين 5,6 مليون بطاقة اقتراع، ألغي أكثر من مليون صوت. كما أن منطقة القبايل قاطعت بأكملها، حيث بلغت نسبة المشاركة في بجاية 0,79% فقط، وفي تيزي وزو 0,62% فقط.

عملية فرز الأصوات في الانتخابات الجزائرية (رويترز)

أعطت نتيجة هذه الانتخابات غير الشرعية “انتصارا” لحزب جبهة التحرير الوطني، حيث حصل على 105 مقعدا من إجمالي 407، أي بخسارة 59 مقعدا. وفي المركز الثاني حصل المستقلون على 78 مقعدا. وكان الحزب الثالث هو حركة مجتمع السلم المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين برصيد 64 مقعدا، والذي تمكن من مضاعفة عدد مقاعده السابقة، وكان الرابع هو حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي حصل على 57 مقعدا، بخسارة 43 مقعدا. وهذا يعني أنه حتى الأقلية الصغيرة التي صوتت عاقبت أحزاب النظام بشدة.

الاستنتاج الرئيسي الذي يمكن أن نستخلصه من هذه الانتخابات هو أن محاولة تبون لإضفاء الشرعية على “جزائره الجديدة”، التي هي مجرد عملية تجميل لنظام الجنرالات، قد باءت بالفشل. فالانتقال المرسوم من القمة لم يكتمل، حيث ما تزال الجماهير تناضل وتستمر في المطالبة بتغيير حقيقي.

ومن ناحية أخرى، فإن الحركة الثورية وعلى الرغم من قوتها الهائلة وحيويتها، فإن نقاط ضعفها ما تزال قائمة: لا توجد قيادة سياسية واضحة ولا هياكل ديمقراطية. تكشف الطبيعة العفوية للحركة عن حدودها. لقد استطاعت حصار النظام القديم في الزاوية، لكنها لم توجه له الضربة القاضية بعد. وسيبقى النظام في السلطة، حيث سيعمل فقط على تغيير أقنعته، ما لم تتم الإطاحة به من طرف الحركة الجماهيرية.

من الواضح أن هدف الحركة هو إسقاط النظام بشكل كامل. ويمكن تحقيق ذلك فقط من خلال النضال الجماهيري الذي يبلغ ذروته في إضراب عام ثوري يشل المجتمع ويضرب قلب القوة الاقتصادية للجنرالات والرأسماليين. تأسيس اللجان الديمقراطية المنتخبة من قبل التجمعات الجماهيرية في جميع أماكن العمل والجامعات والمدارس والقرى والأحياء العمالية والفقيرة، سيوفر للحركة طابعا منظما لا يتعارض مع سماتها الديمقراطية الجماهيرية. وسيمكن آنذاك انتخاب مندوبين للتنسيق بين اللجان على مستوى البلدية ثم الولاية وأخيرا على المستوى الوطني.

يجب أن تقترن المطالب الديمقراطية للحركة (حرية التعبير، حرية التنظيم، حق الإضراب، العدالة لضحايا قمع النظام) بالمطالب القومية (احترام اللغة والثقافة الأمازيغيتين، والتحرر من التدخل الإمبريالي)، لكن يجب أن تقترن أيضا، وبشكل حاسم، مع المطالب الاجتماعية والاقتصادية (توفير مناصب الشغل للجميع، الحصول على حد أدنى لائق للأجور، مصادرة الثروات غير المشروعة للجنرالات وغيرهم من مسؤولي النظام القديم، مصادرة ممتلكات الشركات متعددة الجنسيات، الدفاع عن الملكية العمومية للثروات الطبيعية).

إذا لم تتمكن الثورة الجزائرية من إزاحة مسؤولي النظام القديم من السلطة، فسوف تخيب آمال جماهير العمال والشباب، كما سبق لنا أن رأينا في تونس. يجب أن تكون صرخة المعركة هي الثورة الدائمة. لا يمكن كسب النضال من أجل المطالب الديمقراطية والقومية بشكل جدي، إلا من خلال حركة ثورية شعبية، تحتل فيها الطبقة العاملة دور القيادة. وبمجرد أن تستولي الطبقة العاملة على السلطة لن يمكنها التوقف عند المطالب الديمقراطية والقومية، بل سيتوجب عليها أيضا توجيه الضربات ضد حق المِلكية الخاصة للرأسماليين الذين يقفون إلى جانب الجنرالات ويدعمونهم، وضد ملكية الشركات متعددة الجنسيات التي تستنزف البلد، بينما تحكم على الشباب بالهجرة القسرية. كما أن الثورة المنتصرة في الجزائر لن تتوقف عند حدود الجزائر، بل ستؤثر فورا على العمال والشباب في كل منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، بدءا من جيرانها: المغرب وتونس.


مترجم عن الإنجليزية من موقع “الدفاع عن الماركسية”:

Algeria: the regime’s elections defeated by mass boycott