يُظهر تقرير نشرته منظمة أوكسفام في 09 شتنبر بعنوان: “السلطة والأرباح والجائحة”، أن الطبقة الرأسمالية قد ملأت جيوبها خلال جائحة كوفيد 19.
في خضم أعمق أزمة اقتصادية واجتماعية في تاريخ النظام الرأسمالي -حيث يتعرض عشرات الملايين من الناس لخطر الإصابة بفيروس قاتل، وتمت خسارة 400 مليون وظيفة، وانهارت 430 مليون شركة صغيرة، وتزايد عدد الأشخاص الذين يواجهون المجاعة بأكثر من الضعف بحيث وصلوا إلى 265 مليونا- يكشف التقرير الرهيب الذي نشرته أوكسفام إلى أي مدى استمر أغنى أغنياء العالم في الاستفادة من الأرباح الفاحشة، بل وحتى استخدام الوضع العالمي اليائس لصالحهم.
إن هذا السلوك الإجرامي لهؤلاء المليارديرات وأصحاب الشركات متعددة الجنسيات في وضع الأرباح قبل الأرواح ليس مفاجئا على الإطلاق. لقد سبق لموقع الدفاع عن الماركسية أن تطرق بالفعل لتلك القضايا التي وردت في تقرير أوكسفام –في مقالات عديدة[1]. في مقدور أي شخص، لديه عيون ليرى أو آذان ليسمع، أن يشعر بحجم اللامساواة الهائل الذي كشفته هذه الأزمة. لكن ورغم ذلك فإن التفاصيل المروعة التي تظهر في البيانات والأمثلة التي جمعتها منظمة أوكسفام تثير الصدمة والغضب. إن حجم الاستهتار القاسي الذي تتعامل به الطبقة الحاكمة مع الحياة البشرية، والذي يظهر في الأرقام والتحاليل الواردة في التقرير، تعطينا الصورة الكاملة عن نظام فاسد ومتعفن لا يمكن إصلاحه.
الأرباح وسط الفقر
الرقم الرئيسي الذي أورده تقرير أوكسفام هو أن 32 شركة من أكبر الشركات في العالم ستشهد في عام 2020 زيادة في أرباحها بقيمة 109 مليار دولار، في حين أن نصف مليار شخص سيرمون إلى براثن الفقر بسبب الجائحة.
من المتوقع أن تحقق شركات التكنولوجيا الخمس الكبرى “GAFAM” (غوغل وآبل وفايسبوك وأمازون ومايكروسوفت) 46 مليار دولار من الأرباح الإضافية خلال عام الجائحة هذا. وبالإضافة إلى ذلك فمن المقرر أن تنهي أكبر سبع شركات أدوية في العالم هذا العام بتحقيق معدل ربح جيد مقداره 21%، الشيء الذي يضيف إلى صناديقها 12 مليار دولار من الأرباح بسبب جائحة كوفيد -19.
زادت 100 من أكثر الشركات قيمة مبلغ 03 تريليونات دولار كقيمة إضافية في سوق الأسهم خلال عام 2020. وقد زاد جيف بيزوس، رئيس أمازون، ثروته الشخصية بمقدار 92 مليار دولار منذ بداية الجائحة. حسبت منظمة أوكسفام أن هذا المبلغ سيكون كافيا لكي يدفع مكافأة قدرها 105.000 دولار لكل موظف من موظفيه، البالغ عددهم 876 ألفا، ومع ذلك ستبقى لديه نفس الثروة التي كانت عنده في شهر مارس. ومع ذلك فإن عمال أمازون عالقون في أجور منخفضة ويقومون بعمل مرهق في ظروف غير آمنة على الاطلاق.
أشارت أوكسفام أيضا إلى مثال عن تمكن شركات الشاي الهندية من الحفاظ على أرباحها، بل وزيادتها خلال الجائحة وذلك ببساطة من خلال الامتناع كليا عن دفع أجور النساء العاملات في مزارع الشاي. شركة Kohl’s لتجارة الملابس قامت هذا العام بإلغاء طلبات بقيمة 150 مليون دولار، وأرسلت العمال إلى منازلهم في بنغلاديش وكوريا الجنوبية بدون أجور، لكنها مع ذلك قسمت 109 مليون دولار في شكل أرباح على المالكين. في بنغلاديش وحدها تأثر 2,2 مليون عامل بإلغاء طلبات المنسوجات هذا العام. وأدى إغلاق المصانع إلى خسارة البلاد ما يقدر بنحو 03 مليارات دولار من العائدات. ومع ذلك فقد حصل المساهمون في أكبر 10 شركات ملابس في العالم على 21 مليار دولار خلال عام 2020!
ويذكر التقرير أيضا كيف قامت شركة الوقود الأحفوري الأمريكية العملاقة، شيفرون، بخفض ما بين 10 إلى 15% من عمالها في العالم، البالغ عددهم 45.000، وفي نفس الوقت دفعت المزيد من الأرباح للمالكين خلال الربع الأول من العام. وبالمثل فقد قامت أكبر شركة للإسمنت في نيجيريا (Dangote Cement) بإلغاء أكثر من 3000 وظيفة لكنها ستدفع 136% من أرباحها للمساهمين هذا العام.
أرباح المساهمين
تشكل أرباح المساهمين موضوعا رئيسيا في التقرير. معظم أسهم الشركات في العالم هي بالطبع في ملكية كبار الأثرياء. يشير التقرير إلى أن أغنى 10% من الأمريكيين يمتلكون 89% من جميع الأسهم الموجودة في الولايات المتحدة، كما أن 46% من جميع ثروات المعاشات التقاعدية في المملكة المتحدة في ملكية أغنى 10% من السكان -مقارنة بأفقر 50% من السكان الذين يمتلكون أقل من 01%. والتباين أكثر حدة في البلدان الأقل ثراء في العالم.
جميع البلدان العالم تشهد تركز غالبية القيم والأسهم في أيدي أقلية صغيرة، تمثل جزءا بسيطا من سكان العالم. وخلال هذه الفترة التي تسجل انخفاضا تاريخيا في الاستثمار في القوى المنتجة عالميا، بالنسبة إلى إجمالي الناتج الاقتصادي، تعمل هذه الأقلية الصغيرة على الاستيلاء على قسم أكبر من الكعكة وذلك ببساطة عن طريق دفع المزيد لنفسها -إما على شكل حصص الأسهم والأرباح أو من خلال رواتب ومكافآت المدراء التنفيذيين. وما تشير إليه أوكسفام بعبارة “المساهم أولا” هو مجرد تعبير عن قيام الطبقة الرأسمالية بضمان استمرار زيادة ثروتها في حين تتقلص الأسواق ويبدو الاستثمار في القطاعات المنتجة بلا جدوى.
يسلط التقرير الضوء على أنه خلال الفترة من 2016 إلى 2019 ، دفعت 59 شركة من أكثر الشركات ربحية في العالم ما يقرب من 02 تريليون دولار أمريكي لمساهميها، ما يمثل 83% من متوسط الأرباح. وفي كثير من الحالات كانت المدفوعات لصالح المستفيدين تتجاوز أرباح الشركة. وفي أحد الأمثلة ذات الصلة بشكل خاص بجائحة كوفيد 19، قدمت أكبر ثلاث شركات للرعاية الصحية في جنوب إفريقيا[2] نسبة لا تصدق من الأرباح للمساهمين تبلغ 163%. وتربط منظمة أوكسفام، بحق، بين هذه المدفوعات الضخمة ومدى الضرر الذي أصاب جنوب إفريقيا بسبب الجائحة، حيث تعاني خدماتها الصحية من نقص مزمن في التمويل واستغلال رهيب للعاملين الصحيين غير المجهزين تماما للتعامل مع تفشي فيروس كورونا.
والجانب الأكثر إثارة للاشمئزاز في التقرير هو عندما يوضح بالتفصيل كيف استمرت الشركات في جميع أنحاء العالم في دفع مبالغ كبيرة للمساهمين، بينما استمرت تطلب -وتتلقى- مساعدات حكومية ضخمة بمبرر الجائحة. منحت الحكومة البريطانية شركتي المواد الكيماوية العملاقتين BASF وBayer 1,6 مليار جنيه إسترليني في وقت أكدت فيه الشركتان خططهما لدفع ما يقرب 06 مليارات يورو من الأرباح للمساهمين. كما قامت سبع شركات فرنسية بدفع أرباح للمساهمين في نفس الوقت الذي تستخدم فيه الأموال العامة لدفع رواتب الموظفين. وفي المجموع دفعت أكبر 40 شركة في فرنسا ما بين 35 و40 مليار يورو للمساهمين هذا العام. وفي الولايات المتحدة حافظت رويال كاريبيان وهاليبرتون وجنرال موتورز وماكدونالدز و101 كاتربيلر وليفي شتراوس وستانلي بلاك آند ديكر وستيلكيس وورلد ريسلنغ إنترتينمنت، على نفس مستويات المدفوعات للمساهمين مع استمرارها في تلقي أموال الإنقاذ الحكومية و/ أو تسريح العمال وتقليص ساعات العمل والأجور. في ألمانيا، قدمت BMW أكثر من 1,6 مليار يورو من الأرباح للمساهمين على الرغم من إرسالها للعمال في إجازة بأموال حصلت عليها من الدولة. والمثال الأكثر فظاعة على الإطلاق هو أن عمالقة الأدوية الأمريكية الثلاثة الذين حصلوا على مليارات من الأموال العامة لتطوير لقاح لكوفيد 19، (Johnson & Johnson وMerck وPfizer) قد منحوا للمساهمين مبلغ 16 مليار دولار منذ يناير.
وتشير المديرة التنفيذية لمنظمة أوكسفام الدولية، شيما فيرا، بشكل صحيح إلى السبب الكامن وراء الوضع العالمي، إذ تقول:
«إن الأزمة الاقتصادية، التي نعانيها بسبب الجائحة، يفاقمها نموذج اقتصادي فاسد. تجني أكبر الشركات في العالم المليارات على حساب العمال ذوي الأجور المنخفضة وتحول الأرباح إلى المساهمين وأصحاب الملايير».
المقصود بالنموذج الاقتصادي الفاسد هو الرأسمالية.
استغلال مميت
كما نجد في التقرير أيضا العديد من الأمثلة حول مسؤولية الشركات عن وفاة الآلاف من موظفيها خلال هذه الجائحة.
شهدت مصانع معالجة اللحوم حول العالم انتشار كوفيد -19 في صفوف عمالها كالنار في الهشيم. في الولايات المتحدة تبينت إصابة حوالي 27.000 عامل في قطاع تعبئة اللحوم. لكن أكبر شركة للحوم في البلد، تايسون فودز، قضت وقتا طويلا وبذلت الكثير من المال والجهد للضغط على الحكومة لضمان عدم إغلاق مصانعها. وفي البرازيل تضغط شركة اللحوم JBS -التي يمتلك مجلس إدارتها تاريخا طويلا في رشوة المسؤولين الحكوميين- من أجل مراجعة تدابير السلامة الجديدة فيما يتعلق بالتباعد الاجتماعي لعمال مصانع الأغذية. وقد ثبتت إصابة المئات من عمالها بكوفيد 19.
تبدأ مقدمة التقرير باقتباس من تصريح لأرملة عامل دواجن توفي بسبب فيروس كورونا في ماريلاند بالولايات المتحدة، حيث تقول:
«إنهم يحتاجون إلى العمال للعمل لكسب المال، لكنهم لا يهتمون بحياة الناس. مصنع الدجاج ما زال يعمل، وما زال يجني المال… أما زوجي، فإنهم لو كانوا يهتمون بصحته، لو أنهم أبلغوه بالحمى، لكان ما زال على قيد الحياة الآن».
كان مصنع الدواجن على علم بأعراض مرض زوجها لكنه أجبره على مواصلة العمل. والشيء الأكثر جوهرية هو أن تصريحها يشير إلى تقدم الوعي الطبقي عند الطبقة العاملة بسبب الإهمال الإجرامي من طرف أرباب العمل وارتفاع عدد القتلى بين صفوف العمال خلال الجائحة.
واجهت شركات توصيل الطعام رد فعل عنيف جدا من طرف العمال عند انفضاح وحشية نموذجهم الفاسد “للعمل الحر” الذي لا يعترف بالحقوق الأساسية للعمال في الإجازة المرضية أو الرعاية الصحية. يتطرق التقرير إلى كيف أدى غياب هذه الحقوق، إلى جانب ضعف شروط السلامة مثل معدات الحماية الشخصية للسائقين، إلى إضرابات في جميع أنحاء العالم، مثل عمال Instacart في الولايات المتحدة ، وعمال Zomato وSwiggy في الهند.
وفي مكان آخر، يذكر التقرير كيف قام عمال مركز الاتصالات العالمية Teleperformance، أيضا بتنظيم إضراب ضد النقص الكبير في شروط السلامة، ورفض أرباب العمل السماح لعمال مركز الاتصال بالعمل من المنزل. وقد اتخذت الشركة إجراءات انتقامية ضد العمال بسبب الإضرابات التي اندلعت في 10 بلدان مختلفة.
وأوضحت أوكسفام أنه في بيرو والمكسيك وغواتيمالا والكونغو، ظلت المناجم مفتوحة دون أي احترام لشروط السلامة على الرغم من تسجيل مئات الإصابات بفيروس كوفيد 19. بقيت المناجم مفتوحة دون أي احترام لشروط السلامة، وذلك على الرغم من الإبلاغ عن مئات حالات الإصابة. كما يشرحون كيف ازدادت عمالة الأطفال في مزارع الكاكاو في غرب إفريقيا أثناء الجائحة، حيث أدى الإغلاق القسري إلى نقص في العمالة العرضية للبالغين. وفي تايلاند تُرك عمال المأكولات البحرية لتدبر أمورهم بأنفسهم لأن الجائحة أثرت على سلاسل التوريد العالمية، بما في ذلك توفير معدات السلامة لأنفسهم بينما يعملون في ظروف غير آمنة.
قطرات المبادرات الإحسانية في المحيط
منذ انطلاق الجائحة امتلأت وسائل الإعلام الكبرى بقصص سخاء الشركات. نعم ربما يجني الرأسماليون أرباحا ضخمة ويفرضون حرفيا على عمالهم الكدح حتى الموت، إلا أنهم يفعلون ذلك بدافع الحب للإنسانية. ويتضح هذا، كما قيل لنا، من خلال المبالغ المالية التي يتبرعون بها هم وشركاتهم -بدافع الخير الذي يملأ قلوبهم- لأهداف إحسانية.
لكن تقرير أوكسفام يحطم هذه الخرافة، فقد وجدت أن الشركات في جميع أنحاء العالم قد تبرعت، في المتوسط، بنسبة 0,32% فقط من دخلها لمثل هذه القضايا في عام 2019. وخسرت الولايات المتحدة، في عام 2017 ، ما يقرب من 135 مليار دولار من العائدات بسبب التهرب الضريبي للشركات، لكن التبرعات الخيرية للشركات الأمريكية بلغت أقل من 20 مليار دولار.
وكما يشير التقرير فإن معظم الشركات تفضل المساهمة الطوعية في الأنشطة الاجتماعية على المساهمات الإلزامية -مثل الضرائب المطلوبة قانونا أو دفع أجور محترمة لعمالهم. وهذا لأنه من خلال التبرعات الطوعية يمكن للشركات أن تقدم ما تريد، وترتدي قناع الكرم لإظهار نفسها في أفضل صورة ممكنة. وتمكنهم هذه الممارسة من صرف الانتباه عن المبالغ الأكبر التي يتجنبون دفعها للحكومات والعمال. كما أنها تلعب كاستراتيجية تسويق، إذ توفر لهم الكثير من المال، بينما لا تحقق شيئا لمحاربة الفقر والأزمات الاجتماعية الأخرى.
دور الحكومات
على الرغم من أن التقرير يركز على جشع الشركات فيما يتعلق بجائحة كوفيد 19، فإنه فضح حكومات جميع أنحاء العالم لدورها في التواطؤ مع الشركات الكبرى. لقد ناقشنا بالفعل العديد من الأمثلة للحكومات التي تنقذ الشركات، بل وتخفض أرقام انتشار الجائحة لتناسب مصالحهم، في حين استمر أصحاب تلك الشركات في جني وتقاسم أرباح ضخمة على حساب عمالهم. في الواقع إن كل ذلك العدد الكبير من خطط التحفيز الكينزية، التي طبقتها الدول في جميع أنحاء العالم لمكافحة الأزمة، هي لأجل دعم الشركات الكبرى.
تضم قائمة الشركات التي تم إنقاذها آلاف الشركات التي لها تاريخ في التهرب الضريبي. وقد وجدت رويترز أن أكثر من 40% من الشركات المستفيدة من مساعدة 04 ملايين دولار أو أكثر من الدولة، بموجب برنامج حماية المدفوعات الأمريكي، لم يدفعوا أي ضرائب على الإطلاق خلال العام الماضي. وفي الوقت نفسه استفادت الشركات الكبرى أيضا من صندوق إغاثة حكومي أمريكي، بتكلفة 350 مليون دولار، موجه بشكل خاص إلى الشركات الصغيرة. ومن المقرر أن تحصل 19 شركة للوقود الأحفوري على 1,9 مليار دولار إضافية كإعفاءات ضريبية كجزء من خطة إنقاذ حكومية للشركات الكبيرة. وفي المملكة المتحدة 29% من أولئك الذين حصلوا على القروض الحكومية للشركات أثناء الجائحة لديهم ارتباط بالملاذات الضريبية المعروفة، وهذه النسبة الصغيرة سببها ربما أنه لم يتم التعرف على البقية بعد.
ولكي يتأكد الرأسماليون تماما من أن ممثليهم في الحكومات يتصرفون وفقا لمصالحهم خلال هذه الأزمة، كانوا مشغولين بممارسات الضغط (Lobbying) كما لم يحدث من قبل. أنفقت جماعات الضغط الأمريكية 903 مليارات دولار خلال الربع الأول من هذا العام وحده –وهو رقم قياسي. وتشير أوكسفام إلى مجموعة من الطرق التي لاقت من خلالها جماعات الضغط نجاحا خلال هذه الفترة، فقد تمكنت العديد من الشركات، بدءا من مصنعي الأغذية في الولايات المتحدة إلى مصانع الملابس في المكسيك، من الحفاظ على استمرار أنشطتها بكامل طاقتها، ضدا على توجيهات منظمة الصحة العالمية والمبادئ التوجيهية للحكومات. تمكنت جماعات الضغط الهندية من وقف أداء الضرائب على عمليات إعادة شراء الأسهم، واستفادت العديد من شركات التعدين العملاقة من إعفاءات ضريبية بشكل قانوني. وفي الاتحاد الأوروبي، استخدمت العديد من الشركات -خاصة في صناعة الطيران- جائحة كوفيد 19 ذريعة لتأخير تطبيق اللوائح البيئية وإجراءات التقليل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وعلى الرغم من أن الحكومات في جميع أنحاء العالم تتخذ على مضض تدابير لتجنب حدوث كارثة اقتصادية واجتماعية كاملة، وهو ما ظهر في البداية للعديد من الناس العاديين وكأنه استجابة لدواع إنسانية، فإن هذا التقرير يوضح الجانب الذي يدافعون عنه حقا. لقد أثبتت كل الحكومات، خلال هذه الأزمة أكثر من أي وقت مضى، أنها حكومات الأغنياء وبالأغنياء ومن أجل الأغنياء.
أسطورة “إعادة البناء بشكل أفضل”
إن الواقع الذي يفضحه تقرير أوكسفام، المتميز بالتركيز الجامح للثروة والاستغلال الفاحش، يمثل تحذيرا خطيرا لأولئك الذين يتصورون أن مسار العالم قد تغير للأفضل بسبب الجائحة:
«كوفيد 19 ليست خللا. وإذا استمر العالم في مساره الحالي، فمن المرجح أن تؤدي الجائحة إلى تغييرات هيكلية وطويلة الأمد. ومن المرجح أن تتعمق الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية القائمة. ومن المتوقع أن يكون الفائزون الرئيسيون في اقتصاد ما بعد كوفيد 19 هم الشركات الكبيرة والمساهمون الأثرياء الذين ستكون لديهم المزيد من القوة والموارد لتشكيل السياسة العامة».
يتحدث التقرير بشكل حاسم ليس عن أزمة خلقتها الجائحة، بل عن “اتجاه اقتصادي مقلق” تعمل “جائحة كوفيد 19 على تسريعه”. لقد كانت أزمة الرأسمالية موجودة بالفعل قبل الجائحة التي أدت إلى ظهورها وتعميقها. كما أن فجوة الثروة الهائلة بين الطبقات، التي يشير إليها التقرير في عدة نقاط، كانت تتزايد بالفعل على مدى فترة طويلة.
لا مستقبل في ظل الرأسمالية
ومع ذلك تحب أوكسفام أن تتخيل أن الأمور كان من الممكن أن تكون مختلفة على أساس رأسمالي، فقط لو لم تمنح الشركات الكبرى الكثير من الأموال للمساهمين. كما يقترحون أنه يمكن أن يكون هناك مستقبل مختلف أمامنا، فقط لو “اختار” هؤلاء الأشخاص الموجودين في القمة اختيارات مختلفة. تقول فيرا: «لدينا خيار بين العودة إلى العمل كالمعتاد، أو التعلم ابتداء من هذه اللحظة لتصميم اقتصاد أكثر عدلا واستدامة». إن كلمة “نحن” التي تستعملها هنا تقصد بها الطبقة الحاكمة ذاتها التي تستغل النظام لامتصاص كل ما يمكنها الحصول عليه، وممثليها المأجورين في الحكومات حول العالم!
سبق لكارل ماركس، منذ أكثر من 150 عاما، أن أوضح، في كتاب رأس المال، أن تراكم الثروة يؤدي حتما إلى تركيزها في أيد أقل فأقل. ويعترف تقرير أوكسفام نفسه بأن آليات، مثل عمليات إعادة شراء الأسهم -التي تمكن الطبقة الحاكمة من الحصول على نسبة أكبر من الثروة التي ينتجها العمال- ليست شيئا جديدا. وبينما تتحدث فيرا عن امتلاك الطبقة الحاكمة المزيد من “السلطة والموارد لتشكيل السياسة العامة”، فإنها تتخيل أن هذه القوة والثروة يمكن كبح جماحهما في حدود النظام المصمم لخدمة مصالح نفس تلك الطبقة الحاكمة؟
هناك سبب وراء ذلك، بالطبع، وهو أن منظمة أوكسفام لا تستطيع أن ترى ما وراء حدود النظام الرأسمالي. لقد مكنت المساعدات الإحسانية المنظمة من مضاعفة عدد مدرائها التنفيذيين برواتب من ستة أرقام خلال السنوات الأخيرة. ويذكر التقرير أن الطبقة الرأسمالية تفضل التبرع بفتات المائدة طواعية للجمعيات الخيرية مثل أوكسفام! وبالتالي فإنها جزء من نفس النظام الذي تفضحه في هذا التقرير.
إن توقعات التقرير موجهة في الواقع إلى منظري رأس المال كتحذير ينذرهم بالسوء حول مستقبل نظامهم. فلسوء حظ الرأسماليين يشكل «التآكل المتزايد للثقة الشعبية في الحكم الديمقراطي (اقرأ: الرأسمالية) وزيادة الاضطرابات الاجتماعية» النتيجة الحتمية للأزمة الحالية. لا يوجد مجال للإصلاح داخل نظام يواجه الانهيار الاقتصادي، ولن تكون أي إصلاحات جزئية كافية لتخفيف حدة الغضب المتصاعد بين صفوف الطبقة العاملة العالمية.
البديل الاشتراكي
عوض محاولة إصلاح نظام لا يمكن إصلاحه، نظام يتميز بخلق الفقر المدقع للأغلبية جنبا إلى جنب مع الثراء الفاحش لصالح أقلية مسرفة من الطفيليات، فإن الحل هو التخلص منه تماما.
ستكون استجابة المجتمع الاشتراكي لجائحة كوفيد 19، والمشاكل الاقتصادية التي تواجه الناس العاديين اليوم، مختلفة تماما. لن يقتصر الأمر على مجرد تقليص توزيعات الأرباح أو إبقاء العمال الذين يحصلون على أجور البؤس في ظروف غير آمنة. سوف يعمل النظام الاشتراكي على تجميع موارد المجتمع بالكامل بحيث يمكن ضمان جميع الضروريات الأساسية للجميع، بما في ذلك الحفاظ على العمالة الكاملة بأجور كاملة أثناء ظروف الإغلاق، وتوفير الرعاية الصحية المجانية عالية الجودة لكل من يحتاج لها. سيكون العمال أنفسهم –الذين هم الخبراء الحقيقيون في أماكن العمل الخاصة بهم- مسؤولين عن اتخاذ قرار ديمقراطي حول كيفية جعل ظروف عملهم آمنة ومستدامة. إن بعض اللمحات عن هذه العملية، والتي رأيناها هذا العام في العديد من البلدان، سيكون من الممكن تعميمها وتشجيعها في كل المجتمع.
لن يكون هناك شيء من قبيل نقص معدات السلامة الأولية للعاملين في مجال الرعاية الصحية؛ ولا شيء مثل الاضطرار إلى الاختيار بين المخاطرة بحياتك أو المخاطرة بمعيشتك، أو أن يتخذ الآخرون هذا الخيار لك. إن المبالغ الفلكية التي ذكرت منظمة أوكسفام أنه تم تحويلها لصالح أرباب العمل والمساهمين في العام الماضي، تثبت أن الثروة موجودة بالفعل لتوفير العديد من الضروريات الأساسية التي يجب تحقيقها للمجتمع بأسره. وذلك رغم أن النظام الرأسمالي نظام قائم على الهدر والتدمير، وبعيد كل البعد عن تحقيق أقصى استفادة من إمكاناتنا الإنتاجية.
إن تقرير أوكسفام يصب المزيد من الوقود على نار كفاحنا من أجل نظام يمكنه تحرير الإمكانات الكاملة للبشرية.
عنوان المقال على موقع الدفاع عن الماركسية:
Oxfam reveals how bloodsucking billionaires have profited from the pandemic
[2] Netcare وMediclinic وLife Healthcare Group