الرئيسية / دول العالم / افريقيا / من ماذا يهرب المهاجرون الأفارقة؟

من ماذا يهرب المهاجرون الأفارقة؟

  ملاحظة: لا تزال مستمرة لحد اللحظة مأساة مئات المهاجرين الأفارقة، الذين يحاولون الهروب إلى الضفة الأخرى فرارا من البؤس والقهر، ولا تزال قوات القمع المغربية والإسبانية تواصل اضطهادها لهم، في المنطقة الحدوديةسبتة ومليليةحيث يعيشون ظروفا رهيبة بكل ما في الكلمة من معنى، في هذا السياق نعمل هنا على نشر هذا المقال الذي صدر على موقعنا: (www.elmilitante.org)، والذي يفضح الأسباب الحقيقية التي تجعل مئات آلاف الأفارقة يفرون من بلدانهم وتعريض حياتهم للخطر.


   لقد جاءت الصور الرهيبة، التي رأيناها خلال الأسابيع الأخيرة، لمئات المهاجرين الجنوب صحراويين وهم يحاولون بيأس الدخول إلى بلدنا وكل أملهم الفرار من البؤس والفقر ولو بدفع حياتهم ثمنا، – لتعري من جديد ظروف الحياة الرهيبة التي تعيشها شعوب إفريقيا.

   إن وسائل الإعلام عادة ما تمتنع عن الإشارة إلى معانات سكان إفريقيا، إلا عندما تكون بصدد نشر التقارير السنوية لمنظمة التغذية والزراعة أو برنامج الأمم المتحدة من أجل التنمية ، أو عندما تحدث هناك مجاعات أو حروب تصفية عرقية يكون من الصعب التستر عليها. وكلما حدثت واحدة من تلك الحروب اللانهائية التي تدمر القارة منذ أكثر من عقدين، يكون السبب دائما حسب وسائل الإعلام تلك، هو نفسه: “مشاكل بين القبائل يعود تاريخها إلى قرون”. و”مشاكل عرقية”. و”ضعف المستوى الثقافي.” وغيرها من التبريرات المماثلة التي ليس لها من هدف سوى إخفاء حقيقة أن القارة الإفريقية قد تحولت إلى رقعة شطرنج كبيرة تحرك فيها القوى الإمبريالية العظمى (لصالح كبريات الشركات المتعددة الجنسيات) الحكومات المحلية العميلة، والمليشيات المسلحة العديدة، كما لو كانوا بيادقا، من أجل الحصول على جزء أكبر فأكبر من الموارد والثروات الطبيعية الهائلة التي تختزنها أرض القارة.

  النمو الإقتصادي والبؤس:

   من المفارقات أن القارة الإفريقية سنة 2004، هي المنطقة التي حققت أعلى نموا اقتصادي في العالم، وصل إلى 5%، وهو ما يعتبر الأعلى خلال ثماني سنوات. ولقد تحقق هذا المعدل بفضل مداخيل النفط. ثم خلال السنوات الأخيرة اكتشاف احتياطات هائلة من النفط تصل إلى 9% من الاحتياطي العالمي، مع توفر ظروف جيولوجية ملائمة تجعل استخراجه أقل كلفة وأسرع مما هو عليه الحال في أي مكان آخر في العالم، إضافة إلى وجود يد عاملة كثيفة تشتغل في شروط أقرب إلى العبودية. 15% من واردات الولايات المتحدة من النفط مصدرها إفريقيا ومن المتوقع أن تصل خلال السنوات القليلة إلى 25%.

   كيف يعقل أن تكون أغنى قارة في العالم من حيث الثروات الطبيعية والموارد الخام غارقة في الفقر المطلق؟ نكتفي للإجابة على هذا السؤال برقم معبر: مابين 60% و80% من مداخيل النفط “تختفي” على يد الحكومات وشركائها في تلك البلدان. إن هدف الرأسمالية هو تحقيق أكبر الأرباح للخواص وليس تحقيق الرفاه الاجتماعي.

  إفريقيا جنوب الصحراء:

   إن إفريقيا جنوب الصحراء التي تتشكل من أربعين بلدا وتضم أكثر من 10% من الساكنة العالمية، هي المنطقة الأشد فقرا في العالم والمنطقة الوحيدة في إفريقيا التي لم تسجل نموا اقتصاديا. في الواقع، ومند سنوات الستينيات، سار النمو الاقتصادي في هذه البلدان في منحى تناقصي متواصل.

  مبلغ الدين الخارجي لهذه البلدان يصل إلى 300 مليار دولار. جزءه الأكبر مقابل تطبيق مخطط التقويم الهيكلي التي يفرضها صندوق النقد الدولي. سنة 1994 سجل الناتج بالنسبة للرأسمال 460 دولار أي أقل من خمس مثيله المسجل في البلدان المنتمية إلى منظمة التجارة والتنمية الاقتصادية. ويوجد 24 بلدا في وضع غذائي محرج، من بين الأسباب التي أدت إليه أن صندوق النقد الدولي أجبر تلك البلدان على بيع احتياطاتها من الحبوب وجعل الساكنة بدون حماية أمام سنوات القحط وفرض التوقف عن تمويل المساعدات الموجهة لتوفير الغذاء. ففي مالاوي على سبيل المثال، أدى ارتفاع ثمن الدرة إلى أن صار 4.6 مليون شخص مهدد بالجوع أما في زيمبابوي فقد وصل إلى ثلاثة ملايين.

  الحرب في الكونغو، مثال حرب النهب:

   لعل الحرب في جمهورية الكونغو الديمقراطية، هي من أفضل الأمثلة عن كيف يكون الاستغلال الإمبريالي، لقد ثم الآن، من الناحية الرسمية، التوصل إلى اتفاق سلام، لكن في الواقع لا تزال المواجهات متواصلة ولا يزال شرق البلاد محتلا من طرف جنود أجانب. لقد قتل خلال الستة سنوات الأخيرة، أكثر من 3.3 مليون شخص في هذه الحرب التي اعتبرتها مادلين أولبرايت “الحرب العالمية الإفريقية الأولى”.

  يشارك في هذه الحرب سبعة بلدان، فمن جهة أرسلت أنغولا وزيمبابوي وناميبيا قواتها لمساندة الحكومة الكونغولية ومن جهة أخرى تحتل أوغندا ورواندا النصف العربي من البلاد. ماذا كان موقف الإمبريالية الأمريكية؟ لقد أرسلت الأسلحة والمال وعملت على تدريب جنود البلدان السبعة المتصارعة، بينما تقوم هذه الجيوش – في مقابل الدعم الأمريكي- بتموين الولايات المتحدة بالمواد الخام بأثمان أقل من أثمان السوق العالمية. يعتبر الكونغو أغنى بلدان إفريقيا، إذ يمتلك أكبر إحتياطي العالم من النحاس والكوبالت والكدميوم. وحسب الخبراء كان من الممكن للكونغو أن يؤدي كل ما عليه من ديون خارجية بنصف كمية الذهب المستخرجة من منجم سيزر فقط. إضافة إلى هذا يمتلك أغلب احتياطات الكولتان (الذي يعتبر معدنا أساسيا لتصنيع الهواتف النقالة المحمولة والصورايخ والمفاعلات النووية(وهذا ما يجعل لشركات من قبيل سيمنس وهيتاشي وسوني مصالح مباشرة في المنطقة وما دفعها إلى تمويل تلك الجيوش هي أيضا.

  يمكننا أن نسرد اللائحة الطويلة للحروب التي حدثت خلال السنوات الأخيرة (ساحل العاج، رواندا أنغولا، الموزمبيق) وعلاقتها بالمصالح الإستراتيجية والمؤامرات الإمبريالية (الولايات المتحدة، فرنسا بريطانيا بلجيكا…).

  إذا ما كان هناك من مثال على انحطاط النظام الرأسمالي فهو بالضبط ما يحدث في القارة الإفريقية. حيث أن قارة غنية غارقة في البؤس وحيث يموت آلاف الأشخاص بسبب الجوع وأمراض كالسيدا (في إفريقيا يوجد أكثر من 20 مليون مصاب) ويعيشون في ظروف العبودية بمدخول أقل من دولار يوميا وحيث يستخدم عشرات ألآلاف من الأطفال في الجيش. حقيقة لا يمكن لأي كان أن يستغرب ممن دفعهم كل هذا البؤس إلى الهروب من إفريقيا.

ماريا كاسترو
14 نوفمبر 2005

عنوان النص بالإسبانية:

África, ¿de qué huyen los emigrantes?

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *