الرئيسية / قضايا نظرية / تحرر النساء / النساء والثورة – اليوم الأممي للمرأة العاملة – 2005

النساء والثورة – اليوم الأممي للمرأة العاملة – 2005

 لقد حاولت التيارات النسوانية تحويل يوم 8 مارس إلى مجرد احتفال عادي بدون مضمون سياسي لجنس النساء باعتبارهن مجموعة منسجمة. لكن من وجهة نظر الاشتراكيين ونساء الطبقة العاملة يعتبر يوم 8 مارس يوما لتعبئة القوى. إن اليوم الأممي للمرأة العاملة، تم إقراره بناءا على مقترح تقدمت به الرفيقة كلارازيتكن خلال كونفرانس الأممية الثانية للمرأة الاشتراكية الذي انعقد بكوبنهاغن سنة 1910. بهدف تعبئة النساء للنضال ضد السيطرة البرجوازية.

   لسوء حظ اللبراليين والمعتدلين من أمثالهم، لعب اليوم الأممي للمرأة العاملة هذا الدور الذي خصص له بالضبط، وخاصة سنة 1917. لقد بدأت ثورة فبراير 1917 الروسية في هذا اليوم بإضراب قامت به عاملات النسيج. وسارت تظاهرة حاشدة من النساء في اتجاه مقر الدوما للمطالبة بالخبز. وقد وجهت هذه الشريحة (الأكثر اضطهادا وانسحاقا من بين صفوف الطبقة العاملة) النداء إلى أزواجهن وإخوانهن للالتحاق بهن في يوم المرأة الأممي (23 فبراير حسب التقويم القديم) 90.000 عامل دخل في الإضراب (تروتسكي : تاريخ الثورة الروسية). وتزايد عدد المضربين في الأيام التي تلت، حيث طالبت الجماهير بالخبز ووقف الحرب وإسقاط القيصر والبوليس. لقد شكل هذا بداية الثورة الروسية.

   المساواة مطلب ملح بالنسبة للماركسيين ومن أوائل المجموعات ذات التطلعات الاشتراكية كانت هناك جماعة المساويين (levellers) خلال القرن 17 في إنجلترا. لقد أطلقوا على أنفسهم اسم المساويين لأن هدفهم كان هو “تسوية” الفرق الهائل في الثروة والملكية والمجتمع – بتخفيض مستوى عيش الأقلية الصغيرة المشكلة من الأرستقراطية والطبقة البرجوازية الحديثة النشأة ورفع مستوى عيش الأغلبية إلى درجة لم يحلموا بها. – وعلى حد تعبير لينين – في خطابه بمناسبة اليوم الأممي للمرأة العاملة سنة 1920 : « إن الرأسمالية تزاوج بين المساواة الشكلية وبين اللامساواة الاقتصادية ومن ثم الاجتماعية». إن المساواة التي بشرت بها الثورة البرجوازية الفرنسية، لم تكن سوى “مساواة” الشبعانين مع الجائعين، “مساواة” المالكين لوسائل الإنتاج مع الغير مالكين، بينما لم يكن شعار الحرية يعني سوى الحرية في بيع عملك وأن يتم استغلالك من أجل تحقيق الربح. إن اللامساواة بين الرجل والمرأة هي أحد المظاهر الأكثر وضوحا للامساواة التي بني عليها المجتمع الطبقي والتي يعتمد عليها”.

   إذا ما كنا نريد فعلا القضاء على اللامساواة السائدة في المجتمع، يتوجب أن نفسر لماذا توجد هذه اللامساواة، من أين أتت وكيف يتم الحفاظ عليها. وفيما يتعلق بقضية تحرر النساء، يجب علينا ألا نعتمد على أي تفسير مبني على كون النساء أدنى من الرجال من الناحية الجسدية أو النفسية. في الواقع إن معدل الحياة عند النساء وبالرغم من الحمل، أعلى من مثيله لدى الرجل وفي العديد من المجتمعات تقوم النساء بإنجاز العمل الشاق. لقد كانت النساء في روسيا القيصرية مفضلات على الخيول في جر الزلاجات وحتى العربات لأنهن يكلفن أقل طبعا (!!!) ولا يزال من “الصحيح سياسيا” من وجهة نظر المندوبات المنتخبات أن تنهضن أثناء اللقاءات النقابية أو الحزبية، عندما تصير النقاشات على أشدها، ليقلن “يجب علينا أن نهدأ، إن هذا ليس جو لائقا بالنساء”، كما لو أن النقاش والحماس يخيفان النساء، لذا يتوجب إبقائهن بعيدات عن السياسة التي هي “مجال حكر على الرجال”. لكن ولسخرية القدر فإن أفضل المتحدثين وأعلاهم صوتا وأوضحهم خطابا في هذه اللقاءات “الصاخبة” عادة ما يكن نساء.

   النساء في الحركة العمالية

   هنالك بالطبع نقص في نشاط النساء في صفوف الحركة العمالية وأحزابها، لكن مرة أخرى، عندما تصير الأمور جدية، أي عندما تصير المسألة متعلقة بالخبز اليومي وتكون هنالك نتائج ملموسة يمكن تحقيقها، تخرج النساء للمشاركة بكثافة. لقد ناضلت أولى الحركات النسوانية اللبرالية (حركة suffragettes الشهيرة) من أجل الحق الشرعي للنساء في المشاركة في الحياة السياسية والعمل خارج البيت. لكن كان هناك فرق واضح بين الجناح الذي كانت تمثله النساء العاملات اللائي كنا ينشدن أغنية العلم الأحمر خلال اللقاءات وكن يعتبرن تلك الحقوق مجرد محطة أولى، وبين نساء الجناح اللبرالي اللائي كن ينسين أن نساء الطبقة العاملة كن دائما يعملن داخل البيت وخارجه. بالنسبة للعناصر البرجوازية اللبرالية، كانت المشاركة في الحياة السياسية والعمل خارج البيت تعني ببساطة استئجار نساء الطبقة العاملة للقيام بالعمل البيتي لهن وتربية أطفالهن بدلا عنهن، لأن هذا يجعل الأمور أسهل لهن.

   إن عدد النساء المشاركات في الحياة السياسية أقل من عدد الرجال، وهذا ليس بسبب كوننا نخاف السياسة أو لأننا لا نتحملها، بل لأننا مشغولات في القيام بمليون مهمة ومهمة يفرضها علينا المجتمع الطبقي دون أن يدفع لنا أجرا في مقابلها. إن هذا التفسير المادي لأسباب مشاركة أو عدم مشاركة النساء في السياسة يصير أكثر وضوحا إذا ما نظرنا إلى المسألة بمقاييس طبقية. إن الطبقة العاملة هي الطبقة الوحيدة التي تمتلك القدرة على تغيير المجتمع، لكنها أيضا هي الطبقة التي لديها أقل وقت للمساهمة في النشاط الحزبي والنقابي، خاصة عندما تكون أنشطة هذه المنظمات مفتقرة لنتائج ملموسة. فعندما يقضون ثمانية ساعات إلى اثنا عشر ساعة من العمل المضني لصالح رب العمل، يفضل العمال والعاملات قضاء الوقت القليل الذي يتبقى لهم، مع أسرهم أو أصدقائهم أو متمددين أمام جهاز التلفاز، بدل الذهاب إلى اجتماع النقابة أو الحزب. إن أغلبية الناس الذين يكونون فاعلين في الأنشطة البرلمانية والنقابية، خلال المراحل الغير ثورية، هم في الغالب برجوازيون صغار، طلبة وشباب وبيروقراطيون ونقابيون وأعضاء ذوي أجور عالية. بينما تظل القاعدة الواسعة من الطبقة العاملة، غير ممثلة عموما حتى يكون لديهم سبب ملموس للمشاركة وعندها يدخلون النشاط السياسي ويبدأون في استعادة منظماتهم الجماهيرية التقليدية. هذا هو الحدث الذي نراه مرارا وتكرارا في أوقات الثورة، وتلعب نساء الطبقة العاملة دورا حاسما في هذا.

   من أين تأتي اللامساواة

   ترجع النسوانيات الأكاديميات مسألة اللامساواة (ليس فقط الجنسية بل أيضا العنصرية وجميع أنواع التمييز الأخرى) إلى قوة غريزية مجردة مفترضة يسمونها البطريركية، توحد الرجال البيض باعتبارهم مجموعة محظوظة متساوية ومنسجمة ضد باقي المجتمع. إن هذه الحجة لا تشرح شيئا. أغلبية الطبقة السائدة في ظل الرأسمالية مكونة من الرجال البيض هذا مؤكد. كما أنه لا يوجد شك في أن نساء الطبقة العاملة واقعات تحت نير اضطهاد مزدوج، وأن عددا كبيرا من الناس الملونين والأقليات الاثنية وأصحاب العاهات يشكلون أدنى شريحة بين الطبقة العاملة والفقراء. لكن أن يتم تفسير هذه اللامساواة على قاعدة الجنس أو لون البشرة وحدها، لا يفسر حقيقة أن نساء الطبقة العاملة من جميع الاثنيات لديهن من القواسم المشتركة مع إخوانهن رجال الطبقة العاملة، أكثر مما لهن مع مارغرث تاتشر أو غندوليزا رايس. وهذا ما يتم تجاهله بشكل متعمد دائما، ليست إستراتيجية فرق تسد صالحة فقط في لُعَب الفيديو، بل هي إستراتيجية تستعملها دائما الطبقة السائدة لتحويل الانتباه عن السبب الحقيقي وعن العدو الحقيقي أي الرأسمال.

   لحسن الحظ ليس تفسير اللامساواة ضد النساء موجودا في الاعتقاد في هذه الروح الشريرة البطريركية, التي تجعل جميع الرجال يميلون بالفطرة إلى إخضاع النساء. إن اللامساواة لم تظهر إلا مع ظهور المجتمع الطبقي. وعلى عكس ادعاءات أساتذتنا الذين يريدون أن يجعلونا نعتقد بأن الرأسمالية كانت موجودة منذ الأزل وسوف تظل قائمة إلى الأبد، فإن المجتمع لم يكن دائما مقسما إلى طبقات إحداها تمتلك وسائل الإنتاج بينما الأخرى لا تملك شيئا. يبدأ البيان الشيوعي (بعد الفقرة الهامة عن شبح الشيوعية الذي يجتاح أوروبا…) بما يلي : « إن تاريخ كل المجتمعات حتى الآن هو تاريخ الصراع الطبقي » (ماركس إنجلز 1948). ويضيف إنجلز في إشارة له لمقدمة كتبها للطبعة الإنجليزية 1888, «أي كل التاريخ المكتوب»

   منذ 8.000 سنة على وجه التقريب (مع إضافة ألف سنة أو إزالتها) حدث التحول الذي غير مصير المجتمع إلى الأبد. يسمى هذا التحول بالثورة النيوليتيكية، التي فتحت الطريق أمام تطور التقنيات والعلوم والفلسفة والفن والأدب، لكن أيضا كانت بداية ظهور الملكية الخاصة وانقسام المجتمع إلى طبقات – بداية ظهور اللامساواة. إن السبب في هذا التحول العنيف كان ظهور الإنتاج القيمة الذي تحقق بفضل اكتشاف إمكانية زراعة النباتات وإمكانية تدجين الحيوانات وتربيتها. ليس من الصعب معرفة كم كان هذا الاكتشاف أكثر مردودية وفعالية من التقاط الثمار البرية ومطاردة الحيوانات الضخمة باستعمال العصي والحجارة. وبينما كان كل شخص يقضي ساعات يومه كلها من أجل الحصول على الحد الأدنى للبقاء (وهو ما لم يكن يتحقق دائما حيث أن تجمعات بأسرها ماتت بسبب المجاعة) صار الآن من الممكن إنتاج فائض. وصارت الحروب التي تشتعل بين القبائل المجاورة، توفر للمرة الأولى إمكانية الحصول على العبيد الذين من الممكن تغذيتهم بذلك الفائض، ليقوموا بأعمال الزراعة بينما ينصرف مالكوهم إلى أعمال أكثر تجريدا- من قبيل العلوم والثقافة. ويمكن أن نرى إلى ما يؤدي كل هذا- إن أهم تطور عرفه تاريخ البشرية، صار جنبا إلى جنب مع أبشع ما ميزه.

   قبل اكتشاف الزراعة وتدجين الحيوانات كان الحصول على الغذاء يتم عبر القنص والالتقاط. وكانت النساء اللائي كن يقمن بشكل دائم بالحمل وتغذية الصغار، يشتغلن داخل المأوى وحوله ويعملن على التقاط ما يصلح للأكل في الجوار « إن واحدة من أكثر الآراء سخافة والتي ثم اعتمادها من مفكري ق 18 المتنورين أن المرأة كانت أمة للرجل منذ بداية المجتمع » (انجلز,أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة). في الحقيقة لم تكن الأسرة النووية المكونة من أم وأب وأبنائهما “الشرعيين” موجودة. لم تكن مسألة عملية عندما كان الحفاظ على البقاء يقتضي وجود الجميع مقيمين في مكان واحد ويشتغلون معا. كانت مهمة تدبير شؤون البيت تعني، في المجتمع المشاعي البدائي، هيمنة المرأة في المجتمع. وفي الوقت التي كان فيه معروفا من تكون أم الولد، لم تكن هناك أية طريقة للتعرف على أبيه. لهذا السبب كان تحديد النسب يتم عبر خط الأم وكان ينظر إلى النساء باحترام. هذا لا يعني أن الحياة كانت سهلة أو سعيدة بالنسبة لهؤلاء النساء(أو لهؤلاء الرجال). تصوروا حياتهن بلا كهرباء ولا آلات غسيل ولا تحديد نسل ولا تلقيح أو علاج للأمراض. لا شيء أكثر سخافة من ادعاء بعض النشطاء البيئيين الذين يعتبرون التطور التكنولوجي شرا حقيقيا في عالمنا وأنه يجب علينا “العودة للأرض” وإلى هذه الحياة الشيوعية البدائية. بالنسبة للنساء، كان الفائض الذي تحقق بفضل الإنتاجية العالية، يعني نهاية وضعهن المميز في ذلك المجتمع الأمومي. الزراعة عوضت القنص عند الرجال لكن النساء بقين هن من يحملن بالأطفال ويسهرن على تغذيتهم. وكان الفائض الذي يحقق في الزراعة ملك للرجل، وللمرة الأولى طرح السؤال عن من يملك الثروة. لقد ظل تقسيم العمل بين الرجال والنساء على ما هو عليه لكن علاقاتهم انقلبت رأسا على عقب. واقع أن النساء كان عليهن البقاء في البيت لرعاية الأطفال- وهو ما أعطاهن المكانة السامية في المجتمع الأمومي- هو ما منعهن من المشاركة في عملية إنتاج الثروة واقتسامها. وبما أنه صار من الممكن الآن امتلاك الثروة، صار من الممكن لبعض الناس أن يمتلكوا أكثر من الآخرين. ماذا يحدث لملكية الرجل الذي يمتلك عددا كبيرا من العبيد وينتج فائضا كبيرا عندما يموت؟ لأجل انتقال تلك الملكية إلى الأبناء صار من الضروري معرفة أب الطفل. كان هذا يعني أن يبقي الرجل زوجته له وحده ويتأكد من أنها لا تضاجع أحدا آخر ويتأكد أنها “شريفة” ومطيعة, الخ. وعندما تبنت الطبقة السائدة الدين الشعبي عملت على التأكد من أنه يعلم كل هذه المسائل. لقد نشأت الأسرة المبنية على الزواج الأحادي المشكلة من أب مسيطِر وأم مسيطَر عليها من الرغبة في معرفة من هو أب الطفل بشكل أكيد.(أصل العائلة يعطي قدرا كبيرا من الإشارات بهذا الخصوص).

   الرأسمالية تقوم على اللامساواة ضد النساء.

   قال الاشتراكي الطوباوي الفرنسي فوريه إن وضع المرأة في المجتمع مؤشر على مدى سلامة المجتمع وتطوره. (وهي العبارة التي طالما استشهد بها الماركسيون).وعندما سألت ملكة جمال العالم لسنة 2004 (وملكة جمال استراليا السابقة) عن العصر الذي تفضل أن تعيش فيه والجنس الذي تختار أن تكونه، ردت بفخر:«علي أن أقول أني أفضل العيش في هذا العصر لأننا نتمتع بكل الحرية التي نريدها. وأختار جنس الإناث لأنه لديهن الكثير مما يمكنهن قوله في مجتمعنا الحالي» (منقول عن www.ruggedelegantliving.com ). أغلبية نساء العالم يرغبن لو أنه في مقدورهن أن يعشن حياة سهلة مثل حياة هذه الحسناء الاسترالية الساذجة. النساء يشكلن 70% من فقراء العالم, وفي كندا هناك امرأة فقيرة بين كل خمسة نساء. 56 % من النساء الائي يعلن أسرهن لوحدهن يعشن تحت خط الفقر، كما هو شأن 49% من النساء العازبات والأرامل والمطلقات المسنات (Morris, “Women and Poverty” 2002 www.criaw-icref.ca).جميعنا نعرف الإحصائيات.

   إن المساواة في شكلها المشوه في ظل الرأسمالية تعني أنه صار بامكان الرأسمالي أن يدفع نصف الأجرة لعماله، لأن إعالة الأسرة لم تعد مسؤولية الرجل وحده. ولم تؤدي المكاسب القانونية التي حققتها النساء في الغرب إلى تقليص حجم الأشغال المنزلية. وبالمثل يستغل الرأسماليون عمل الأطفال لتقليص التكاليف. في جميع أنحاء العالم وحتى عندنا هنا في كندا(في كولومبيا البريطانية من الممكن قانونيا لطفل يبلغ 12 سنة من عمره أن يذهب إلى العمل) من المفروض على الأسرة بأكملها أن تعمل لتوفر حاجياتها.. إن شعار “المكتسبات للنساء” لم يخدم في الواقع إلا مصلحة الرأسماليين.

إن المشغلين يدفعون للعمال الحد الأدنى الضروري لحاجياتهم، وإذا صار من الممكن تقسيم هذا الحد الأدنى على ثلاثة أو أربعة أفراد من الأسرة، فإن هذا يعني أنه يمكن الحصول على ثلاثة أو أربعة أضعاف العمل مقابل نفس الأجر.

   كل شيء متعلق بالعمل الغير مدفوع أجره

   الرأسمالية نظام مرتهن بالسعي وراء الربح، وهو الشيء المرتهن بدوره بالتوسيع المستمر للأسواق وتقليص التكاليف. في عالم محدود حيث يعني تخفيض التكاليف مهاجمة العمّال وضرب قدرتهم الشرائية، الشيء الذي يمكنه أن يكون تحديا عظيما. لحسن حظ الطبقة السائدة، فإن جزءا من العمل العالمي يقدم مجانا ونعني العمل المنزلي وتربية الأطفال. هناك بالتأكيد أساس للقول أن هذا العمل يشكل أهم عمل يتم بذله، وأن تقسيمه على الأسر لإنجازه يعتبر أكثر الطرق غرابة وأكثرها لا فاعلية ولا منطقية. سيكون من الأجدى جعل ذلك العمل مهمة للمجتمع، إذ الكثير من الأشغال المنزلية يمكن أن تنجزها الآلات ولا تتفرض لإنجازها من طرف الإنسان مطلقا.

   لكن ذلك يفترض استثمارات لا فائدة منها من وجهة نظر مجتمع تذهب ملايين الدولارات التي تنتجها الطبقة العاملة إلى أرصدة أقلية من الطفيليات..إن تحويل أشغال البيت إلى مهام للمجتمع مدفوع أجرها غير ممكن في ظل الرأسمالية – انظروا إلى حجم المشاكل التي تواجهها الحكومة الكندية في سعيها إلى تطبيق برنامج لرعاية الأطفال، شحيح لدرجة مخجلة! تصوروا أن نطالب الرأسماليين الكبار أن يدخلوا أيديهم في جيوبهم ويستخرجوا منها أموالا تدفع مقابل العمل البيتي الذي تقوم به النساء كل يوم مجانا. هذا هو الحلم الطوباوي للاشتراكيين الديمقراطيين ذوي النوايا الحسنة، وتشريعاتهم حول المساواة بين الجنسين والإعانات المالية للأسرة العاملة، لكن هذا لن يتحقق.

   لقد شرح الماركسيون دائما أن المساواة بين الجنسين لن تكون ممكنة إلا عندما سيصبح بامكان النساء المساهمة الكاملة في الإنتاج وتسيير المجتمع، وهذا لن يكون ممكنا إلا إذا تم القضاء على العبودية المنزلية – إلا إذا صارت أشغال البيت وتربية الأطفال عملا مدفوع الأجر وليس ملقى على عاتق امرأة منعزلة في أسرتها وبيتها. يشرح تروتسكي في “النساء والأسرة” « تغيير وضعية المرأة تغييرا جذريا ممكن فقط إذا ما تغيرت جميع الشروط الاجتماعية والأسرة والبيت » ومن تم عندما تكون الأكاديميات النسوانيات تثرثرن عن محاولاتهن خلق « أوساط ملائمة للمرأة» يكون من المهم أن نركز، نحن، انتباهنا على النضال من أجل اجتثاث هذا النظام المتعفن الذي لا يمكنه أن يحقق المساواة.

   الاقتصاد المخطط مفيد للنساء

   بالرغم من الانحطاط الستاليني للاتحاد السوفياتي فإن العديد من المكاسب الهامة تحققت في ظله. أن فعالية الاقتصاد المخطط وإنتاجيته الهائلة أثارت عجب الجميع، والتحسن الذي عرفته وضعية النساء على وجه الخصوص لا يمكن إنكاره. كما أن الوثيرة التي تراجعت بها هذه الوضعية منذ انهيار الاتحاد السوفياتي دليل آخر. « فمن بلد متخلف شبه إقطاعي أمي سنة 1917 صار الاتحاد السوفياتي يمتلك اقتصادا حديثا ومتطورا، لديه ربع علماء العالم ونظام صحي وتعليمي يساوي أو يفوق أي نظام آخر في الغرب، وكان قادرا على إطلاق أول قمر صناعي وإرسال أول إنسان إلى الفضاء» (آلان وودز. مقدمة لكتاب تيدغرانت Russia: from Revolution to Counter-Revolution.) «خلال خمسين سنة ضاعف الاتحاد السوفياتي ناتجه الداخلي الخام تسعة مرات (…) كان لديه ميزانية متوازنة بل حتى فائض صغير كل سنة (…)لا توجد أي حكومة غربية تمكنت من تحقيق هذه النتيجة.». في ظل النظام القيصري كانت القوانين تسمح بل تشجع الرجل على ضرب زوجته. كانت النساء، من وجهة نظر القانون، مجرد إماء مهمتهن العمل البيتي و«في بعض المناطق القروية كانت النساء مجبرات على ارتداء الحجاب وممنوعات من تعلم القراءة والكتابة». لقد تبنت السوفييتات بشكل سريع سلسلة من القوانين التي تحقق للنساء المساواة (بما فيها الحق في الطلاق والإجهاض والحق في الأجرة عن عطلة الوضع، المساواة في الأجور. كما تم القضاء على مفهوم الأطفال الغير الشرعيين) إلا أن لينين أكد أن هذا ليس كافيا. سنة 1919 أعلن برنامج الحزب الشيوعي: « إن الحزب لا يحصر نفسه في المساواة القانونية للنساء مع الرجال، بل يناضل من أجل تحررهن من الأعباء المادية للعمل البيتي وتعويضه بالمساكن الشعبية والمطاعم الشعبية والمصابن العمومية ودور الحضانة الخ» (Marxism and the emancipation of Women. by Ana Muñoz and Alan Woods,www.marxist.com).

   ولقد وفرت الحكومة السوفياتية منذ بدايتها« الطعام المجاني في المدارس والحليب للأطفال ومساعدات خاصة من الغذاء واللباس للأطفال المحتاجين» – آلان وودز. مقدمة لكتاب تيدغرانت Russia: from Revolution to Counter-Revolution- مراكز الاستشارة للحوامل ودور الحضانة عوضت جرعات وشعوذة البابوشكات (نساء عجوزات ترملن مرات عدة فلم يعد لهن مكان في المجتمع القيصري ومن تم كن مجبرات على العيش كساحرات في أطراف القرى). وبشكل غير متوقع تضاعف معدل احتمال الحياة عند النساء من 30سنة في ظل النظام القيصري إلى 74 سنة في السبعينات، بفضل التحسن العظيم الذي عرفه النظام الصحي. بحلول سنة 1971 كانت هناك مقاعد في روض الأطفال لأكثر من خمسة ملايين طفل و49% من طلاب التعليم العالي كن نساء. «البلدان الوحيدة الأخرى في العالم التي شكلت فيها نسبة النساء أكثر من 40% من إجمالي طلاب التعليم العالي كان هي فنلندا وفرنسا والولايات المتحدة».

   جميع المكتسبات التي حققتها النساء في ظل الاتحاد السوفياتي تم القضاء عليها مع سقوطه. « لم تشهد أوروبا منذ العصور المظلمة التي تلت سقوط الإمبراطورية الرومانية انهيارا كارثيا للاقتصاد، في سنوات السلم، مثل هذا.» انهار الاقتصاد بحوالي 60% مابين 1990و1997. بطالة القادرين على العمل (الذي تعتمد عليها الرأسمالية) كانت أمرا غير قانوني في الاتحاد السوفياتي ولم تكن موجودة مطلقا. الأشخاص بدون مأوى لم يكن لهم وجود والآن كلاهما يعرفان ارتفاعا صاروخيا. الأجور والمعاشات الغير المدفوعة، ارتفاع الأسعار والفقر الكاسح أدى إلى ارتفاع نسبة التعاطي للكحول. « والشيء الصعب على التصديق هو أن 150مليون مواطن روسي يستهلكون اليوم من الفودكا سنويا أكثر مما استهلكه 280 مليون مواطن سوفياتي أواخر سنوات الثمانينات» وقد أدى ذلك إلى ارتفاع عنيف في معدل العنف المنزلي. « سنة 1993 قتلت 14.000 امرأة روسية على يد أزواجهن أو أصدقائهن وهو الرقم الذي يزيد 20 مرة عن مثيله في الولايات المتحدة »..إن الطريقة الوحيدة لكسب العيش بالنسبة للعديد من النساء الروسيات هي الدعارة. “المحظوظات” من بينهن هن اللائي يبتاعهم أغنياء غربيون، عاجزون لأسباب من السهل تصورها عن إيجاد زوجات بالطرق المعتادة.

   الاشتراكية تعتمد على نضال النساء

   تعطينا المكاسب التي تم تحقيقها في ظل النظام الاقتصادي السوفياتي المخطط لمحة عن عظمة الإمكانيات التي ستنفتح أمامنا في ظل نظام اشتراكي حقيقي، باقتصاد مخطط بشكل ديمقراطي، تقرر فيه النساء بشكل ديمقراطي ما هي الأولويات..إن مساهمة النساء النشيطة في الإنتاج وتسيير المجتمع مسألة ملحة لبناء الاشتراكية. لقد أكد لينين، وكل الماركسيين، أنه « حيث لا يوجد ملاكون عقاريون ولا رأسماليون ولاتجار، وحيث تبني حكومة الشعب العامل حياة جديدة بدون مستغِلين، النساء والرجال متساوون أمام القانون. لكن هذا ليس كافيا […] نحن نريد أن تصير المرأة العاملة مساوية للرجل العامل ليس فقط أمام القانون بل في الواقع المُعاش. ولتحقيق هذا يجب أن تحتل المرأة مكانة أكبر في إدارة الشركات المؤممة وإدارة الدولة» (لينين: إلى المرأة العاملة1920. عن تحرر النساء). سوف يدعي ستالين فيما بعد أن المرأة السوفياتية قد حققت المساواة الكاملة مع الرجل. لكن آنذاك أدى تبقرط الدولة إلى القضاء على كل إسهام للعمال، ومن تم للنساء، في تسيير الدولة. وبالرغم من كل المكتسبات التي تحققت كان ادعاء ستالين بعيدا عن الحقيقة بالنسبة للمرأة السوفياتية ولم يؤدي إلا إلى المزيد من استلابها.

   إن مسألة تحقيق النساء للمساواة مسألة جد هامة من وجهة نظر الماركسيين. وعلى حد تعبير لينين: « لن تتمكن البروليتاريا من تحقيق الحرية الكاملة إلا إذا حققت الحرية الكاملة للنساء». نعم دعونا نعطي اهتماما خاصا للنضال اليومي الذي تخوضه نساء الطبقة العاملة. فلنحرص على النقاش معهن ونقوي عزيمتهن، فلنعمل على إعطائهن سببا للمشاركة النشيطة في الحياة السياسية. فلنتوجه إلى النقابات للنضال من أجل مطلب أداء الأجور عن العمل البيتي وتربية الأطفال وجعله مهمة عمومية يجب علينا أن نعارض بصلابة التمييز الجنسي والعرقي وجميع أشكال التحامل المميزة للمجتمع الطبقي. لكن يجب علينا أن نشرح بشكل مستمر أنه لا وجود لحل دائم في ظل الرأسمالية. وطالما استمرت الرأسمالية والمجتمع الطبقي في الوجود فإن هذه المشاكل لا يمكن أن تحل جذريا. عندما كانت الرأسمالية تعيش مرحلة ازدهار اقتصادي كان بالإمكان تحقيق نوع من المكاسب، لكننا الآن نعيش مرحلة انحدار طويل الأمد وانحطاط للرأسمالية. ومن ثم ليس فقط سوف تبقى هذه المشاكل موجودة، بل ستصير في الواقع أسوء. وعليه فإن إضاعة طاقاتنا السياسية في محاولة إيجاد حل في ظل الرأسمالية ليس سوى تبذير لوقتنا الثمين!

   النساء يناضلن وسوف يناضلن، لكن نضالهن سوف يكون على قاعدة طبقية إلى جانب رفاقهن الذكور وستكون نضالات لأجل مطالب عملية – السلام، الأرض، الخبز. وعندما ستنتصر ثورة ما سوف يمتد مداها كالحريق في حقل من القش. وسوف تعلن بداية نهاية الأسرة البرجوازية. سوف لن يبقى العمل البيتي وتربية الأطفال عبئا كما هو عليه الحال اليوم بالنسبة للكثير من النساء، بل سوف يتم القيام به من طرف دور حضانة وخدمات اجتماعية بميزانيات كافية وذات جودة عالية وهو الشيء الممكن فقط في ظل النظام المخطط. وهكذا سيصبح إنجاب الأطفال مصدر سعادة حقيقية، وسيكون للنساء الوقت الكافي ليتعلمن ويشاركن كليا في تسيير المجتمع. عندها فقط نرى التمييز الجنسي واللامساواة تختفي من الوجود.

بقلم : ميريام مارتين، فانكوفر
الثلاثاء – 8 مارس 2005

عنوان النص بالإنجليزية:

Women and Revolution – On International Working Women’s Day 2005

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *