يوم أمس [الثلاثاء، 21 نوفمبر 2006] اغتيل بيير جميل، وزير الصناعة في الحكومة اللبنانية، في بيروت. كان معروفا بأنه من أشد الموالين للولايات المتحدة. لقد زاد مقتله في تصعيد التوترات في لبنان، بعد الاستقالة الاحتجاجية للوزراء الشيعيين من الحكومة قبل أسبوعين. في هذه الأثناء يحضر حزب الله للتظاهر في الشوارع بعدما رفضت حكومة السنيورة مطالب نصر الله بإجراء انتخابات مبكرة أو تشكيل حكومة وحدة وطنية.
لقد أصبح خطر تجدد المواجهة الإثنية في لبنان حاضرا بقوة بعد الحرب الأخيرة. أحيت إسرائيل، بقصفها الشديد للبنان، الصراعات الداخلية. بل إن بعض الجنرالات الإسرائيليين قد صرحوا علانية أن هدفهم كان قصف لبنان لإرجاعه إلى الماضي، أي إلى ماضي الحرب الأهلية. إن عملية يوم أمس أعادت إلى ذهن العالم الخطر الحقيقي المتمثل في غرق لبنان مرة أخرى في الصراعات الداخلية الدموية البربرية.
حكومة فؤاد السنيورة كانت قد بدأت تترنح. وزعيم حزب الله، نصر الله، كان قد بدأ يهاجم الحكومة منذ فترة. السياسيون المسيحيون بدءوا يلوحون بشبح محاولة جمهورية إيران الإسلامية السيطرة على لبنان. ومن تم فإن اغتيال جميل، الوزير المسيحي الماروني، لم يكن سوى خطوة أخرى إلى الأمام في طريق إشعال نيران المواجهة بين مختلف الطوائف التي تشكل لبنان. لقد جاء رد الفعل في الأحياء المسيحية سريعا، حيث خرج مئات الشباب إلى الشوارع وأشعلوا النيران.
وفي حادث منفصل، أطلقت أعيرة نارية على مكتب وزير الدولة اللبناني، ميشيل فرعون، مباشرة بعيد مقتل جميل. فرعون هو عضو برلماني من طائفة الكاثوليك اليونانيين ينتمي إلى الكتلة البرلمانية المعادية لسوريا والموالية لبوش.
جميل هو ثالث سياسي لبناني معادي لسوريا يقتل بعد مقتل، رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري، شهر فبراير 2005.
وبما أن جميل كان واحدا من أشد منتقدي سوريا، فإن أصابع الاتهام توجهت إليها فورا.
اتهم سعد الحريري، ابن رئيس الوزراء اللبناني الأسبق المغتال رفيق الحريري وزعيم كتلة المستقبل في البرلمان، سوريا بتنفيذ هذه العملية: «قتل اليوم واحد من أشد المؤمنين بيننا بلبنان حر وديموقراطي. نحن نعتقد أن أيادي سوريا تحوم حول المكان…». لكن أحمد مللي، أحد أعضاء حزب الله، صرح للجزيرة قائلا:«نحن ندين بشدة ونشجب عملية الاغتيال هذه. لقد نفذتها تلك القوى التي تريد الإساءة إلى مستقبل لبنان.»
وأدانت وزيرة الخارجية الإسرائيلية عملية الاغتيال قائلة: «إن الدور السلبي لسوريا في لبنان ليس شيئا جديدا أو غير متوقع.»
لكن سوريا أدانت بشدة هذه العملية وأنكرت أية علاقة لها بها. في الواقع لقد جددت الحكومة السورية للتو علاقاتها الدبلوماسية مع العراق وبدأت تعرض يد المساعدة للإمبرياليين لتحقيق نوع من “الاستقرار” في المنطقة.
في تصريح للجزيرة، يوم الثلاثاء، قال سمير جعجع قائد القوات اللبنانية، أن الكتلة الحاكمة «لن تسمح بالرجوع إلى وضع ما قبل 14 آذار (مارس) من السنة الماضية» [ أي عندما كانت سوريا تلعب دورا محوريا بوجودها العسكري في البلد] قال أن حزب الله والأحزاب الأخرى التي وصفها “بالمتعاونة” مع سوريا، كانوا يقفون في طريق المحكمة الدولية في ما يخص قضية اغتيال الحريري وطالب بتنحي الرئيس اللبناني، حليف حزب الله، إيميل لحود.
بالرغم من أنه ليس بإمكاننا طبعا أن نجزم في من اغتال جميل، فإن المستفيد من ذلك واضح. لقد أدان الرئيس بوش فورا عملية الاغتيال واتهم سوريا وإيران بكونهما يسعيان إلى إسقاط حكومة السنيورة. وكاد يتهمهما مباشرة بقتل جميل، بالرغم من أن السفير الأمريكي في الأمم المتحدة، جون. ر. بولتون، كان قد أشار إلى احتمال وقوف الولايات المتحدة أو إسرائيل وراء مثل هذا النوع من الاغتيالات باعتبارها تخدم مصالحهما. في هذا السياق يجب علينا أن نتذكر أيضا البيان الذي أصدرته القاعدة، يوم الجمعة الماضي، ضد حزب الله (مذكور في المقال أعلاه).
لماذا يكون لسوريا، التي لم يمضي سوى يومان منذ أن أعلنت دعمها للحكومة العراقية الموالية للولايات المتحدة، أية مصلحة في اندلاع مواجهة تخدم مصالح الولايات المتحدة وإدارة بوش التي تريد إسقاط الحكومة السورية؟ النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة، كما نعلم، منقسمة أكثر فأكثر حول سياسة بوش في الشرق الأوسط. فالديموقراطيون الذين يريدون الانسحاب من العراق، يودون لو تلعب سوريا و/ أو إيران دورا ما في حماية النظام الإمبريالي بعد خروج الولايات المتحدة وبريطانيا من العراق. لكن إدارة بوش لديها أفكار أخرى. ومن ثم فإن عملية الاغتيال هذه لا تخدم سوى مصلحة بوش والحكومة الإسرائيلية التي تريد استمرار نفس الوضع.
هكذا نرى كيف أن الانقسام داخل الطبقة السائدة الأمريكية لديه تأثير مباشر على الحياة السياسية في لبنان. بينما تتصارع الطبقة السائدة في الولايات المتحدة حول أي سياسة تطبقها في الشرق الأوسط، بعد حرب العراق الكارثية، يواجه الشعب اللبناني احتمال اندلاع حرب أهلية. أي برهان أكثر من هذا نحتاجه لكي نقتنع بضرورة إزالة هذه الطبقة السائدة المتعفنة، التي من المفترض أن تكون قد ألقيت في مزبلة التاريخ منذ زمن طويل؟
يوسي شوارتز، إسرائيل
الأربعاء: 22 نوفمبر 2006
عنوان النص بالإنجليزية:
Whose interests are served by yesterday’s assassination of Pierre Gemayel?