الرئيسية / قضايا نظرية / الأصولية الإسلامية / باكستان: اجتياح المسجد الأحمر، عندما تعود الدجاجات إلى الخم لتضع بيضها

باكستان: اجتياح المسجد الأحمر، عندما تعود الدجاجات إلى الخم لتضع بيضها

تعتبر المذبحة الأخيرة التي شهدتها إسلام أباد، يوم 10 يوليوز الماضي، فصلا آخرا من فصول المأساة الباكستانية. فالدولة التي أنهكتها الأزمات الداخلية والانهيار الاقتصادي تخوض معركة طاحنة لكنها عقيمة ضد الوحش فرانكنشتاين الذي خلقته هي بنفسها، أي الأصوليين الإسلاميين. ويحاول رجال الدين، الذين تراجعت قوتهم هم أيضا، تحويل انتباه الجماهير عن مآسيهم وأحزانهم وآلامهم لجعلهم حلفاء عميانا للتعصب الديني.

منظر جوي لمدرسة جامع حفصة ، داخل مجمع المسجد الأحمر. الصورة: /AFP/Getty Images

تدفقت الأزمة الداخلية العميقة للدولة الباكستانية إلى الشوارع عندما أصر المحامون على النضال ضد الدكتاتور العسكري بسبب إقالته لرئيس المحكمة العليا. وبينما كانت أجهزة الدولة تصارع بعضها البعض، عمل رجال الدين في لال مسجد (المسجد الأحمر) على تحدي النظام مشيرين إلى أنهم لن يسمحوا بسهولة بزوال الامتيازات والمكانة التي يتمتعون بها وأنهم سيقاتلون من أجل استعادة سلطتهم المفقودة.

بداية العملية

بدأت المواجهة خلال شهر يناير من هذه السنة عندما بدأت السلطات في هدم المساجد والكتاتيب المبنية بطريقة غير شرعية على الأراضي العمومية. سنة 2006 عرفت بناء أكثر من 60 كتاب في إسلام أباد وحدها. أثار هذا التكاثر الهائل للمؤسسات الدينية حذر الحكومة التي تعتبر الآن حليفا رئيسيا للإمبريالية الأمريكية في “حربها على الإرهاب”. نفس هذه الدولة الباكستانية ونفس الجيش الباكستاني كانا حليفين للأمريكان ولعملائهم طالبان في جهادهم ضد الجيش السوفييتي في أفغانستان.

عندما بدأت السلطات تدمر المساجد قاومها رجال الدين في كل أنحاء البلد واستخدموا الحمية الدينية للتصدي لأمر الدولة. أطلق المسجد الأحمر، الذي بني خلال فترة حكم الجنرال أيوب (1958- 1968) حملة ضد عمليات الهدم هذه وخرجت طالبات من جامعة حفصة المجاورة وهن يرتدين البرقع (النقاب) ومسلحات بالعصي فاستولين على مكتبة أطفال موجودة في الجوار.

كل هذا حدث في مكان لا يبعد كثيرا عن مقر إقامة الرئيس والجمعية الوطنية. كما أن المسجد الأحمر يقع بالقرب من مقر وكالة المخابرات الباكستانية (ISI)، حيث أن العديد من ضباط المخابرات كانوا يؤدون صلواتهم هناك.

كان هذا المسجد مركز الجهاد الأفغاني خلال الثمانينات وأغلب المقاتلين الذين ذهبوا إلى أفغانستان للقتال ضد الجيش السوفييتي تدربوا هناك. كما كان هذا المكان أيضا مركز جميع المعاملات الاقتصادية التي تمت خلال تلك الفترة.

الحكومة المنهكة بتناقضاتها الداخلية الحادة ترددت كثيرا قبل أن تبادر بالهجوم. لقد خشيت من أن تؤدي أية محاولة منها لإسكات الملالي في المسجد الأحمر إلى فضح الأسرار وراء دعم الدولة للأصولية. إن الجبن الذي تبديه الدولة هنا هو تعبير عن رغبتها في إخفاء دورها ودور أجهزتها السرية في تشجيع الأصوليين. سمح هذا التردد لرجال الدين باتخاذ موقف هجومي. وقد استفاد عبد العزيز غازي، رئيس المسجد الأحمر، وزوجته أم حسن وأخوه عبد الرشيد غازي من عجز الدولة وعملوا على فرض أجندتهم الرجعية على الشعب في إسلام أباد.

في أول هجوم لهم قامت طالبات مغطيات بالكامل بالنقاب ويحملن العصي باختطاف امرأة تقوم بتوفير العاهرات للمسئولين الكبار في الدولة. وقد احتفظت تلك النساء المنقبات المحبطات جنسيا بتلك المرأة طيلة ثلاثة أيام وسألنها عن تجاربها الجنسية. هذا يبين الأمراض التي يعاني منها الأصوليون والأشخاص الرجعيون الذين يعيشون داخل الكتاتيب في كل أنحاء البلد.

في مواجهه هذه الاستفزازات السافرة أظهرت الحكومة عجزا مطلقا عن وقف هؤلاء المشاغبين الذين يعملون بدناءة على إرهاب الساكنة المحلية، ويقومون بإغلاق المحلات التي تبيع أشرطة الفيديو والموسيقى. بل سمح لهم حتى باختطاف رجل شرطة ثم إحراق جميع أقراص الموسيقى والفيديو في المحلات المجاورة بهدف فرض أجندتهم الرجعية.

حاولت الحكومة العاجزة مطلقا والفاقدة لأي سلطة سياسية في البلاد برمتها، أن تستعمل جميع الطرق من أجل تهدئة الإخوة غازي بالمسجد الأحمر عبر المفاوضات، لكنهم استمروا في عنادهم. أجابا بتحد أنه لا يمكن تدمير المسجد إلا على جثتهما.

بلغت الأزمة ذروتها عندما قامت المحجبات السوقيات في إسلام أباد باختطاف ثلاثة عاملات صينيات يشتغلن في صالون مجاور. فلم يعد لمشرف الذي ضغطت عليه الحكومة الصينية أي خيار ما عدا وضع حد نهائي لهذه الدراما المنافقة وإطلاق الحملة العسكرية. انتهت العملية بمقتل غازي الأصغر (عبد الرشيد) إلى جانب 300 طالب وطالبة. بينما اعتقل غازي الأكبر، عبد العزيز، وهو يحاول الفرار مرتديا لبرقع (نقاب). كما قتل في هذه المواجهات ثمانية أعضاء من القوات المسلحة، من بينهم كولونيل وقائد، مما يبين ضعف الجيش الباكستاني والدولة الباكستانية.

المسجد الأحمر

عندما كان الأصوليون الإسلاميون حلفاء للدولة والإمبرياليين، تم استعمالهم من أجل الدفاع عن مصالحهم الموجودة في كل أنحاء البلد. كان عبد الله، والد الإخوة غازي، أحد هؤلاء الذين كانوا أهم المحرضين على الجهاد مقابل الدولار. كان مشهورا بخطاباته الداعية إلى الجهاد (الحرب المقدسة). ولد في روجهان، التي هي بلدة متخلفة في جنوب البنجاب، قدم إلى إسلام أباد سنوات الستينات وأصبح تابعا لبير ديوال شريف (رجل دين محلي) والذي كان من أتباعه أيضا الرئيس آنذاك الجنرال أيوب خان، دكتاتور باكستان الذي بنى العاصمة وأطلق عليها إسم إسلام أباد. ساعدته هذه العلاقات على الحصول على قطعة أرض كبيرة في إسلام أباد لبناء مسجد ضخم حيث كان يعيش مع أسرته.

طرحت الثورة الباكستانية 1968-1969 مسألة سلطة العمال. وكان هذا سيسحب البساط كليا من تحت أقدام الأصوليين الرجعيين. لكن قائد حزب الشعب الباكستاني ذو الفقار علي بوتو عجز عن إتمام الثورة فضاعت الفرصة. لقد كان من المستحيل على أساس الرأسمالية حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الرهيبة التي يعيشها الشعب ومن تم استعادت القوى الرجعية في البلد انتعاشها وبدأت تتقوى، خاصة في ظل دكتاتورية ضياء. كان بوتو مهادنا جدا اتجاه الإسلاميين الشيء الذي أدى إلى تقويت شوكتهم. وقد دفع حياته ثمن ذلك.

بدأ حكم ضياء عندما كانت الإمبريالية الأمريكية تشجع الجهاد وتنظم وتمول القوى الأصولية الرجعية للقتال ضد الجيش السوفييتي في أفغانستان. خلال تلك المرحلة قدمت ملايين الدولارات لرجال الدين الرجعيين عبر جهاز المخابرات الباكستانية (ISI) لإقامة الكتاتيب حيث كانوا يدربون الشباب المنحدر من أسر فقيرة على القتال. خلال هذه المرحلة تم تقديم أسلحة متطورة لجميع المدارس والكتاتيب من أجل التدريبات العسكرية.

بعد انتهاء الحرب الأفغانية اندلعت حرب أهلية في أفغانستان بين مختلف الفصائل التي كان بعضها مدعوما من طرف جهاز المخابرات الباكستانية (ISI) ووكالة المخابرات الأمريكية. كما دعمت الشركات المتعددة الجنسيات مختلف تلك الفصائل من أجل التحكم في الثروات الطبيعية في أفغانستان وبلدان آسيا الوسطى المجاورة. قدمت إحدى الشركات الأمريكية الكبرى، Unocal، لوحدها 30 مليون دولار لطالبان من أجل الاستيلاء على كابول سنة 1996. كل هذه الحروب والدماء مكنت رجال الدين من أن يصبحوا أغنى فأغنى. فقام المزيد من رجال الدين ببناء كتاتيبهم الخاصة للحصول على حصتهم من الكعكة.

من الأسباب الرئيسية الأخرى الكامنة وراء كل تلك المواجهات هناك تجارة المخدرات. خلال سنوات الثمانينات شجعت وكالة المخابرات الأمريكية زراعة الخشخاش وتجارة المخدرات من أجل تعويض نفقاتها خلال الحرب. جميع رجال الدين هؤلاء كانوا متورطين في تجارة المخدرات وكانوا يعملون بتعاون وثيق مع بارونات المخدرات الذين استعملوا باكستان كبوابة إلى العالم الخارجي (أفغانستان بلد بدون منفذ بحري). كانت المخابرات الباكستانية والجيش الباكستاني لاعبين كبارا في الحرب الأفغانية وكانوا أيضا متورطين جدا في تجارة المخدرات، التي راكم جنرالات الجيش بفضلها ثروات ضخمة.

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، فبرك صامويل هينتنغتون نظريته المزيفة “صراع الحضارات” لإخفاء التناقضات الطبقية ومنع وحدة العمال الطبقية. فلعب الدين مجددا في خدمة مصالح الإمبريالية. لكن الملالي الذين تم استخدامهم في السابق كأصدقاء للإمبريالية ظهروا الآن كأعداء. بن لادن الذي خدم القوى الأمريكية بإخلاص في أفغانستان خلال الثمانينات، انقلب الآن ضد أسياده. لكنه لازال عدوا للجماهير المسحوقة والمستغلين الذين أجبروا على التفكير على أسس دينية بدل الأسس الطبقية.

انتعشت تجارة المخدرات في أفغانستان بعد الاجتياح الأمريكي. سنة 2006 وحدها بلغ محصول الأفيون في أفغانستان 6.000 طن، الشيء الذي يعتبر رقما قياسيا. وقد سجلت الأراضي الواقعة تحت سيطرة القوات الأمريكية والبريطانية أعلى الأرقام. إقليم هلمند بأفغانستان، الواقع تحت سيطرة القوات البريطانية، يأتي في مقدمة جميع الأقاليم الأخرى فيما يخص زراعة الخشخاش.

رجال الدين من الأسمال إلى الثروة

أدت كل هذه الدماء ودولارات الجهاد وتجارة المخدرات إلى تحويل رجال الدين من أناس ينتمون إلى الطبقة الدنيا إلى رجال عصابات عنيفين. قبل حرب أفغانستان كان هؤلاء الملالي يعيشون حياة جد متواضعة، على صدقات المحسنين. كان الغذاء اليومي للملا وأسرته هو البقايا التي يجود بها الجيران. وأقصى ما كان الملا يمتلكه هو دراجة هوائية يشتريها من التبرعات التي يجمعها. لم يكن لهؤلاء الناس أي دور منتج في المجتمع.

الدولارات القادمة من الغرب حولت هؤلاء الناس المحرومين إلى رجال دين عنيفين يمكنهم أن يقتلوا أيا كان تحت ستار الدين. رجال الدين الذين كانوا يركبون الدراجات الهوائية صاروا الآن يمتلكون عشرات السيارات الفارهة التي تساوي ملايين الروبيات إضافة إلى جيش من الرجال الذين يحرسونهم ليل نهار.

من هم طلاب تلك الكتاتيب؟

حسب الأرقام التي نشرتها الحكومة الباكستانية خلال الشهر الماضي، يعيش 74% من الباكستانيين تحت خط الفقر. كما أن أوضاع أغلبية من يعيشون في مستوى خط الفقر أو فوقه بقليل ليست أفضل حالا. تبين هذه الأرقام عمق الحرمان والفاقة والمعاناة والبؤس المنتشر بين صفوف الجماهير. يجبر بعض البؤساء في ظل هذا النظام الرأسمالي الاستغلالي على بيع أعضائهم وفي بعض الأحيان يبيعون أجنتهم من أجل العيش.

في ظل هكذا ظروف تقدم الكتاتيب الملجأ لهؤلاء المحرومين حيث يجدون السكن والمأكل والملبس مجانا. وفي مقابل ذلك يتوجب على الطلبة أن يتعلموا ترتيل وحفظ القرآن عن ظهر قلب. وبالموازاة مع هذا يتم شحنهم بتعاليم منتقاة لخدمة مصالح أولياء نعمتهم. تستعمل الكتاتيب، المدعومة من طرف وكالة المخابرات، جميع الوسائل الممكنة من أجل جمع الأموال. وبفضل أموال المخدرات والدولارات التي قدمتها لهم الإمبريالية تمكنوا من إلهاب الحماسة الدينية عند البرجوازية الصغرى. التجار الذين يلجئون إلى كل الأساليب لخداع زبنائهم يقدمون جزءا من أرباحهم لهؤلاء الملالي لتغفر خطاياهم ويحصلوا على تذكرة إلى الجنة. ومن بين المانحين للمسجد الأحمر هناك تجار مشهورون في إسلام أباد.

يتم حقن هؤلاء الطلاب، المنحدرين من بين صفوف الشرائح المسحوقة والمتخلفة، بالكراهية والحقد ضد جميع هؤلاء الذين يعيشون حياة أفضل منهم. ويتم استغلال التفاوتات الطبقية واللامساواة المميزة للنظام الرأسمالي كوسيلة لحماية مصالح الطبقة السائدة وتحويل الحقد على هذا النظام في مسارات دينية. تستخدم المواعظ والخطب الدينية العنيفة لتحضير الطلاب من أجل القيام بأي شيء يمليه عليهم معلموهم، بما في ذلك العمليات الانتحارية.

الأصولية وضعف البرجوازية

برجوازيات “العالم الثالث” دخلت التاريخ متأخرة جدا مما جعلها عاجزة عن إنجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية، والتي من بينها فصل الدين عن الدولة. برجوازية هذه البلدان عاجزة، في ظل نير الرأسمال العالمي، عن تطوير البنية التحتية للمجتمع. البلدات الصغرى والقرى البعيدة عن المدن الرئيسية محرومة من أساسيات الحياة. والاختلافات بين المدن والمناطق القروية البعيدة هائلة. ليست هناك أية طرق ولا مستشفيات ولا مدارس. و80% من سكان باكستان محرومون من الماء الصالح للشرب.

عندما يأتي سكان المناطق البعيدة إلى المدن الرئيسية يشعرون بالحقد على أعضاء الطبقة السائدة الذين يعيشون حياة البذخ المعتمدة على استغلال الطبقة العاملة. يدفع بهم هذا الحقد إلى ارتكاب الجرائم ويتورطون في جرائم القتل والسلب والسرقة. وتقدم المؤسسات الدينية والأحزاب الدينية الحماية لهؤلاء المجرمين وتستخدم غضب هؤلاء الشباب لخدمة مصالحها.

أغلبية المتدربين في معسكرات الجهاد في كشمير أناس ارتكبوا جرائم رهيبة في مناطقهم والتجئوا إلى تلك المعسكرات. وطالبان التي تقاتل في المنطقة القبلية في باكستان وفي أفغانستان مشكلة بدورها من حثالة المجتمع الذين يتلقون مبالغ كبيرة من المال والسلاح من طرف مصالح الاستخبارات لكي يعملوا على تطبيق أجندتها الرجعية.

ضعف البرجوازية سمح للجيش والمجموعات الدينية باقتحام الحياة السياسية واستعمال هذا المجال من أجل تقوية نفوذهم الاقتصادي في البلد. إن تدخل الجنرالات في السياسة ونشاطاتهم الاقتصادية حولهم إلى أصحاب ملايير وهم الآن يستخدمون كل الوسائل من أجل حماية مصالحهم الاقتصادية. جميع جنرالات الجيش الباكستاني لديهم مشاريع عقارية وأسهم في البورصة ومقاولات صناعية تمتد من الماء المعدني حتى السكر ومصانع النسيج.

أدى هذا، إضافة إلى الدعم الإمبريالي لبعض القطاعات ومصالح الشركات المتعددة الجنسيات في المنطقة، إلى خلق انشقاق داخل صفوف الجيش الباكستاني ومصالح الاستخبارات. السبب الرئيسي وراء هذا الانشقاق هو ملايير الدولارات المتأتية من تجارة المخدرات، التي يريد الجميع وضع يده عليها. وقد أدت هذه الأزمة، إضافة إلى أزمة الرأسمالية، إلى إضعاف الدولة، التي تقاتل ضد العديد من المجموعات في المنطقة القبلية وفي بالوشيستان.

حادثة المسجد الأحمر جزء من هذا الانشقاق الداخلي حيث كانت بعض أجنحة الدولة تدعم الأخوان غازي. أراد مشرف أن ينقذ الأخوان غازي وأن يحطم نفوذهم في نفس الوقت، الشيء الذي طبع العملية بالارتباك وأدى إلى تأجيلها. يعود هذا الارتباك إلى عجز الدولة عن تنفيذ أهدافها.

الصورة التي يقدمها مشرف كمتنور معتدل ليست سوى ديماغوجيا وفكرة سطحية لا تتفق مع مآسي الجماهير المضطهدة. لا يمكن لعروض الأزياء والحفلات والمهرجانات أن تعطي الدواء لمريض ولا أن تمسح دمعة طفل يبكي من الألم والجوع. لا يمكن لمسرحية “التنوير” هذه أن تحل المشاكل العميقة للمجتمع، التي سببها انحطاط النظام الرأسمالي. إن اللبرالية المزعومة التي يقدمها النظام الحالي تزيد في استلاب الجماهير المحرومة وترمي بهم في أيدي الرجعية والتخلف.

العواقب

تبين هذه الحادثة العجز المطلق للدولة عن مواجهة هذه المشاكل. وتبين أيضا أن الأصوليين لا يمتلكون أية قاعدة اجتماعية في المجتمع. تنشر وسائل الإعلام الغربية الفكرة الخاطئة القائلة بأن الحركة الأصولية قوة كبيرة في باكستان وتحاول البرهنة على صحة نظرية “صراع الحضارات” الخاطئة. تبين هذه الحادثة أن الأصوليين لا يمتلكون أية قاعدة اجتماعية وأن الدجاجات بدأت تعود الآن إلى خمها لكي تضع بيضها، مهددة الدولة التي صنعتهن. ليست هذه الحادثة بداية أفول الحركة الأصولية بل هي استمرارية للأفول السريع الذي عرفته طيلة السنوات القليلة الماضية.

الجماهير ساخطة بسبب المشاكل التي تواجهها، من قبيل ارتفاع نسبة التضخم والبطالة، لكنها لم تعبر عن أي غضب اتجاه عملية القتل التي تعرض لها صنائع الدولة. وحدهم رجال الدين الذين تعرضت مصالحهم للخطر، من سوف يصابون بالرعب وسيخرجون في بعض المناطق هم وطلابهم إلى الشوارع. لكن وبما أنه ليست لديهم أية قاعدة جماهيرية وبسبب انتهاء شهر العسل بينهم وبين الدولة، فإنهم عاجزون عن فعل أي شيء يذكر.

يمكن للدولة أن تستغل الحادثة من أجل تقوية نفسها وتهاجم العمال بشكل أكثر وحشية. ومع تعمق الأزمة الاقتصادية مع وجود عجز تجاري ومالي كبير، سوف تتفاقم الأزمة المستشرية داخل جهاز الدولة، مما سوف يؤدي إلى المزيد من مثل هذه الأحداث والمزيد من الدماء والقتل. استغلت الدولة هذه القضية من أجل التغطية على الدمار الذي سببته الفيضانات والأعاصير الأخيرة التي ضربت بالوشيستان والسند حيث قتل مئات الأشخاص وأصبح ما يقارب مليونا -2 مليون- شخص بدون مأوى.

فضحت هذه الكوارث تعفن الدولة وانحطاط النظام الرأسمالي، حيث الدولة عاجزة عن توفير أي نوع من المساعدة لضحايا هذه الكوارث الطبيعية. وبالتزامن مع ادعاءات الحكومة بتحقيق التقدم نشهد انهيار البنية التحتية الأساسية. كل هذا يعني المزيد من الاضطراب والغليان.

هل هناك من بديل؟

لا تقدم قيادة حزب الشعب الباكستاني، الحزب التقليدي لعمال باكستان، أي بديل لهذه الوضعية الحرجة. ويعود الفوز الجزئي الذي حققه تحالف رجال الدين خلال انتخابات 2002 إلى تأييد قيادة حزب الشعب الباكستاني للغزو الأمريكي لأفغانستان (في الوقت الذي أعلن رجال الدين إدانتهم له). لقد ساعدهم هذا على تشكيل حكومة في باختونخوا (التي كانت تعرف سابقا بالحدود الشمالية الغربية) وبالوشيستان. كما أنهم لعبوا دورا كبيرا داخل الجمعية الوطنية. لكن منذ ذلك الحين انفضح رجال الدين أمام أعين الجماهير. ليس لديهم أي بديل ماعدا تطبيق سياسات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. إنهم يطبقون نفس السياسات القذرة التي كان الآخرون يطبقونها.

لم تتعلم قيادة حزب الشعب أي شيء. لا تزال تعتمد على دعم الولايات المتحدة من أجل العودة إلى السلطة. وفي هذا السياق أعلنت بينازير بوضوح دعمها لمشرف وأدانت رجال الدين المتحصنين في المسجد الأحمر. هذا نفس موقف وزارة الخارجية الأمريكية. ومما يثير السخرية هو أن طالبان انتظموا في ظل حكومة بينازير، سنة 1996، بناءا على تعليمات الشركة الأمريكية المتعددة الجنسيات Unocal.

هذا الإفلاس التام لقيادة الحزب ترك العمال في مأزق. إنهم يعانون من الاستغلال الرأسمالي. ولم تعمل سياسات الخصخصة فقط على الرفع من معدل البطالة والبؤس بين صفوف الطبقة العاملة، بل عملت على فضح ضعف الرأسماليين وعجزهم عن تسيير المجتمع. وبعد كل عمليات الخصخصة هذه، صارت البنية التحتية المتعفنة تنهار بسرعة. لا يتوفر الشعب على الماء الصالح للشرب ولا الكهرباء ولا التطهير الصحي ولا الطرقات ولا المستشفيات ولا المدارس والجامعات. إنه يعاني الويلات في ظل قمع هذا النظام الرأسمالي المتحلل. يغذي هذا التعفن والاضطهاد القوى الرجعية من قبيل الحركات الأصولية والإرهابية والفاشستية.

وحده الاقتصاد المخطط تحت الرقابة العمالية من يمكنه تخليص المجتمع من كل هذا البؤس والحرمان، حيث ستستخدم كل الثروات المتوفرة من أجل تحسين ظروف عيش الجميع. سوف يؤدي هذا ليس فقط إلى القضاء على العناصر الرجعية في المجتمع، بل إلى القضاء أيضا على استغلال الإنسان من طرف الإنسان. يمكن لحزب ثوري يمتلك برنامجا اشتراكيا أن يقود الجماهير إلى التخلص من جحيم الظلام واليأس هذا وبناء عالم جديد من السعادة والحرية.

آدم بال
الجمعة: 13 يوليوز 2007

عنوان النص بالإنجليزية:

Pakistan: the Storming of the Red Mosque – When Chickens come home to Roost

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *