الرئيسية / قضايا نظرية / اقتصاد وعولمة / آلان وودز يتحدث عن المنظورات العالمية لسنة 2008

آلان وودز يتحدث عن المنظورات العالمية لسنة 2008

خطاب آلان وودز حول المنظورات السياسية والاقتصادية العالمية لسنة 2008، خلال اجتماع لقيادة التيار الماركسي الأممي، في 13 يناير 2008، يمكنك الاستماع إلى الخطاب بالإسبانية عبر هذا الرابط.


سبق لنا أن قلنا أننا سنشهد تغيرات حادة ومفاجئة. ما هو الشيء الأكثر حدة ومفاجئة الذي يمكن للمرء أن يشهده أكثر مما حدث في باكستان، التي تعيش الآن وضعا متفجرا؟ بعد انهيار الستالينية، وعندما كان البرجوازيون يفركون أيديهم فرحا، قال تيد غرانت، أن هذه المرحلة ستكون أكثر المراحل تفجرا واضطرابا في تاريخ البشرية. حتى بعض الرفاق ارتابوا في صحة هذا القول. سقوط روما كان حدثا عاصفا جدا، وبالمصادفة يوجد هناك العديد من التشابهات الصادمة بين الفترة الحالية وبين مرحلة انحطاط وسقوط الإمبراطورية الرومانية. حتى بعض المحللين البرجوازيين أشاروا إلى هذا. نفس شيء رأيناه إبان سيرورة انحطاط الفيودالية.

  ما هي خاصية مرحلتنا الحالية؟ هل هي مرحلة نمو وتوسع وتقدم رأسمالي؟ يجب على المرء أن يكون ساكنا في كوكب غير كوكبنا لكي لا يرى كل أعراض الانحطاط النهائي للنظام الرأسمالي الذي وصل إلى الباب المسدود. الحضارة الإنسانية نفسها في خطر. الخيار المطروح هو إما الاشتراكية أو الهمجية.

  فلننظر فقط إلى كينيا – كان من المفترض أنها تشكل قصة نجاح، تطبق إصلاحات السوق والخصخصة، الخ. لقد كانت تعتبر مثالا مضيئا للديمقراطية. والآن نشهد النقيض: البربرية، وعناصر التفكك الاجتماعي، كنتاج لكل ذلك. من السهل تلمس عناصر الهمجية التي يمكننا أن نراها حتى في البلدان الأوروبية المتقدمة: الجريمة، المخدرات، القتل، انهيار الروح المعنوية داخل المجتمع. لكن كيف نتوقع شيئا آخر غير ذلك من نظام يحتضر؟ إن الرأسمالية، كما قال لينين، هي الرعب بدون نهاية.

  ليس لنقاش المنظورات هدف أكاديمي، كما لو أن الأمر يتعلق بحلقة دراسية في الجامعة. وليس الهدف منه تبيان مقدار ذكائنا، بل الهدف هو تحليل الوضع القائم من أجل التدخل فيه – ونحن نتدخل فعلا: في إيران، البلد ذو الأهمية الحاسمة، وفي فنزويلا والمكسيك وإيطاليا وإسبانيا وخاصة في باكستان، البلد الذي يكتسي أهمية حاسمة لأمميتنا. كيف صار من الممكن لرفاقنا هناك أن يحققوا مثل ذلك التدخل الرائع؟ ليس من المصادفة أننا كنا في المكان الصحيح في الوقت الصحيح. فذلك نتاج لصحة منظوراتنا – نتاج لكل تلك النقاشات التي خضناها طيلة سنين وعقود.

  لقد سبق لجميع الماركسيين المزيفين في العالم أن أدانونا بسبب توجهنا نحو حزب الشعب الباكستاني. والآن ألقوا نظرة إلى الوضع: لقد كنا الوحيدين الذين استطاعوا تفسير كيف سيكون رد فعل الجماهير اتجاه عودة بينازير بوتو. هل تعتقد أن الجماهير قرأت وثائق حزب الشعب الباكستاني أو وثائق حزب الثورة الديمقراطية [المكسيك -م-] أو الحركة البوليفارية [فنزويلا -م-]؟ كلا على الإطلاق، لكننا نفهم كيف تتحرك الجماهير عندما تتحرك.

  هناك بعض التشابهات بين التاسع من يناير 1905 في روسيا القيصرية وبين الوضع القائم في باكستان اليوم. كيف يمكن لمنظمة ماركسية أن تحقق مثل هذا التقدم والتطور في بلد متخلف، مع وجود الأصوليين، الخ؟ ذلك راجع لتفوق الأفكار والمنهجية الماركسية. يظهر هذا ليس في باكستان وحدها، وليس في آسيا وحدها، بل على الصعيد العالمي.

  لقد توقعنا أنه سيحدث انهيار كبير في أسواق الأسهم العالمية، وأن ذلك ستتلوه موجة من الهلع. يجد الاضطراب انعكاسا له في ارتفاع أسعار البترول، والتي تجاوزت الآن سقف المائة دولار للبرميل. إذن ما هو المزاج السائد بين صفوف البورجوازية؟ يمكننا بشكل من الأشكال أن نقيس مزاج البورجوازية بواسطة “ترمومتر” سوق الأسهم المالية. قبل 12 شهرا فقط، كان المزاج السائد هو التفاؤل: خمسة سنوات من النمو السريع الشبه قياسي. والآن نشهد سيادة جو من التشاؤم العميق. إن البورجوازية، كما سبق لتروتسكي أن قال في البرنامج الانتقالي، تنحدر نحو الكارثة بعيون مغلقة.

  قبل اثنا عشر شهرا كان البرجوازيون يقولون أنه لا توجد أية مؤشرات عن وجود اضطراب لأنه كان من المفترض أن اللااستقرار قد تم القضاء عليه من خلال اختراع الاشتقاقات. لقد توقعنا حدوث ذلك قبل بضعة سنوات. قلنا أن الاقتصاد الأمريكي كان يتحدى قانون الجاذبية، مثل شخصية الرسوم المتحركة (الذي يسمى رود رانر Roadrunner على ما أعتقد)، الذي يتجاوز حافة الجرف ويواصل الجري في الهواء، ثم ينظر تحت قدميه ويحك رأسه وبعد ذلك يسقط في الهاوية عندما يدرك أنه لا يوجد أي شيء تحت قدميه. إنها نفس حالة الاقتصاد الأمريكي الآن. لا يوجد أي شيء حقيقي تحت أقدامه.

  لقد باعت البورجوازية كميات هائلة من… الديون! تم اقتطاع الديون وبيعت في أسواق الأوراق المالية. والآن تملكهم الجنون. لقد كان للأزمة نتائج خطيرة على الصعيد العالمي: شهدت بريطانيا انهيار بنك نوردن روكست، وهو الانهيار الذي حدث بشكل مفاجئ وبدون سابق إنذار. نوردن روكست ليس بنكا صغيرا، إنه خامس أكبر بنك في بريطانيا. لقد رأينا، للمرة الأولى منذ 160 عاما في بريطانيا، اندفاع الناس نحو الأبناك: يمكنك أن ترى ذلك على شاشة التلفزيون وليس في الكتب الأكاديمية. لقد كان الناس يصطفون أمام الأبناك بالمئات من أجل استعادة أموالهم.

  لقد رأينا حتى خلال فترة الازدهار أشد الهجمات شؤما على مستوى عيش الجماهير وعلى أنظمة التقاعد، الخ. كان ذلك الازدهار ازدهارا على حساب الطبقة العاملة. لا جدوى من الاقتصار على اقتطاف أرقام عامة حول النمو وغيره من المؤشرات الاقتصادية؛ نحتاج إلى النظر في تأثير ذلك على الجماهير. نعم لقد تم تحقيق أرباح هائلة، لكن ذلك تم على حساب الجماهير. لقد تم تحقيق معدلات نمو عالية في أمريكا الجنوبية أيضا، لكن الجماهير لم تستفد من ذلك. في كل مكان هناك ازدياد هائل لعدم المساواة وتراكم الغنى الفاحش في جانب والفقر المدقع في الجانب الأخر. ليس من المصادفة أن يكون أغنى رجل في العالم هو كارلوس سليم المكسيكي وليس بيل غيتس.

  هذا هو وضع الجماهير في ظل أفضل ظروف الرأسمالية. ما الذي سيحدث عندما سيقع الركود؟ إن العالم يسير نحو حدوث كساد. تتجه الولايات المتحدة نحو حدوث كساد، لكنه سيضرب على وجه الخصوص بريطانيا وإسبانيا وايرلندا. ستنهار المزيد من الأبناك، كما كان الحال في الثلاثينات. هناك تضافر للعديد من العوامل التي تشكل خطرا كبيرا على الاقتصاد العالمي. التضخم يرتفع (الشيء الذي يعتبر طبيعيا إبان ذروة الازدهار). سيتجاوز سعر البترول سقف المائة دولار للبرميل قبل أن يحدث انهيار في الأسعار في النهاية. لقد تجاوز الذهب معدل 900 دولار للأوقية، وهو المعدل الأعلى خلال 28 سنة. يرتفع سعر الذهب، كما نعلم، عندما يكون البرجوازيون يبحثون عن مكان آمن يضعون فيه أموالهم قبل حدوث ركود، إن هذا مؤشر واضح عن اقتراب حدوث ركود.

  لا يزال الاقتصاد الأمريكي هو المحرك الرئيسي للاقتصاد العالمي. الولايات المتحدة، البلد الذي يضم 5% من الساكنة العالمية، مسئولة عن حوالي 20% من النمو. إنه نمو مستند على الطلب، على الاستهلاك، لكن الولايات المتحدة سجلت رقما قياسيا يتمثل في تجميد الأجور طيلة حوالي 30 سنة، بالرغم من أن العامل الأمريكي المتوسط ينتج الآن ثلاثة أضعاف أكثر مما كان قبل عقد من الزمن.

  هناك تراكم لديون ضخمة في الولايات المتحدة: دين خاص، ديون الشركات، دين عمومي. لكن لتراكم الديون هذا حدوده، التي تم الوصول إليها. كان هناك ارتفاع هائل في معدل البطالة (+5%). فقاعة العقارات انتهت وصارت أسعار المنازل تهوي. لقد كان الناس يقترضون الأموال مقابل ارتفاع أسعار العقارات. وطالما كان الازدهار مستمرا كان هناك كرنفال بهيج لكسب الأموال، وأصبح الناس يشعرون بالدوار وكانت الأبناك تقرض الأموال لأي كان. والآن هناك موجة هائلة من الحجز على الممتلكات. لقد صارت آلاف العائلات الأمريكية عاجزة عن بيع منازلها لأنها تدين بمبالغ رهن تفوق قيمة منازلها. يطلق عليهم البعض اسم “طبقة جديدة من عبيد الرهن”. ليس هذا نقاشا أكاديميا. إن هذا الوضع سيكون له تأثير. وقد بدأ يمارس تأثيرا نفسيا عميقا والطبقة السائدة قلقة.

  عندما انتخب بوش، شعر أغلب اليساريين بالتشاؤم، لقد اعتقدوا أن كل شيء يتجه بعناد نحو اليمين. لكننا، على العكس من ذلك، توقعنا أنه سيصبح أكثر الرؤساء مقتا في التاريخ. لا تعرف الطبقة السائدة ما يجب فعله. الجمهوريون منشقون بسبب المستنقع العراقي والمأزق الاقتصادي. قال لاري سمرز، وزير المالية السابق في حكومة كلينتون: «أمريكا مهددة بأسوأ كساد منذ أوائل الثمانينات.»

  لا يعلم أحد مدى عمق أو طول موجة الكساد المقبلة. «السؤال الحقيقي – حسب صحيفة الإيكونوميست- لا يتعلق بالمسألة التقنية حول هل سيتحول الانكماش إلى ركود، بل بمسألة كم سيدوم ذلك الركود.» إنهم يخشون أن تكرر الولايات المتحدة تجربة اليابان خلال التسعينات، عندما فتح الازدهار الذي عرفته خلال الثمانينات الطريق أمام حدوث ركود دام عشرة سنوات.

  من المثير لعظيم السخرية أنه بمجرد ما بدأت الأزمة تلوح في الأفق، سارع البرجوازيون إلى مد يدهم إلى الدولة لاستجداء المساعدة. إنهم يريدون الحصول على معدلات فائدة مخفضة، قروض وإعانات مالية، الخ. إنهم في الواقع يريدون إعادة نفخ الفقاعة! لم نعد نسمع أبدا ذلك الحديث عن “السوق الذي ينظم كل شيء.” لقد سبق لغرينسبان أن عمل على إعادة نفخ الفقاعة، ما بين سنوات 2001 و2003، وقد اعتبر آنذاك بطلا – والآن اتهموه بكونه تسبب في حدوث فوضى. إنهم محقون، بالطبع، لكن ذلك لا يمنعهم من المطالبة باتخاذ إجراءات مشابهة الآن.

  لقد بدأ الاقتصاد الحقيقي في الولايات المتحدة يظهر دلائل عن الأزمة. سنة 2007 سقطت مبيعات السيارات والشاحنات الخفيفة بـ 2,5% إلى 16,1 مليون. ومن المتوقع هذه السنة حدوث سقوط إلى 15,5 مليون. الشركات الرئيسية في أزمة. شركة كرايزلر مفلسة في الواقع، إن لم تكن كذلك نظريا. أرقام الصناعة الأمريكية، في شهر دجنبر، هي الأسوأ خلال خمسة سنوات. هبطت مبيعات المنازل الجديدة بـ 9,6% خلال دجنبر، أي 34,4% أقل من السنة الماضية. التضخم يرتفع في كل مكان. التضخم المسجل خلال شهر نوفمبر في الولايات المتحدة هو أعلى بـ 4,3% من السنة الماضية.

  هناك عوامل ساعدت البورجوازية بلا شك في الفترة الماضية. كان انفتاح أسواق جديدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وإعادة الرأسمالية في الكتل السوفييتية والصينية السابقة، يعني دخول حوالي 2 مليار شخص إلى نظام التجارة العالمية. لقد أدى هذا إلى ممارسة ضغط مخفض على الأجور، بالرغم من أن الصين تعرف ارتفاعا في التضخم والأجور.

  لقد قدم ذلك مساعدة هائلة للنظام الرأسمالي. لقد وفر له نسمة أوكسجين، لكن لم يتغير أي شيء من حيث الجوهر. أدى إلى تخفيض سعر السلع كطريقة لمواجهة ميل معدل الربح نحو الانخفاض. تم إنتاج كميات هائلة من السلع في بلدان من قبيل الصين والهند، كالشاشات التلفزيونية الرخيصة والحواسيب، الخ. وهكذا، صار بإمكان العمال، حتى بدون الرفع من الأجور، شراء سلع كانت تعتبر في الماضي من الكماليات. لكن الأسعار صارت الآن تتصاعد بينما الأجور لا تزال منخفضة.

  تقدم لنا المملكة المتحدة مثالا. يشكل عمال القطاع العام 20% من القوة العاملة. وقد أعلن غوردون براون أنه يجب على أجور عمال القطاع العام أن تظل تحت معدل التضخم خلال الثلاثة سنوات المقبلة، بدعوى مواجهة التضخم. إن هذا يعتبر وصفة لانفجار الإضرابات في القطاع العام في بريطانيا. في كل مكان يتم تطبيق برامج للمزيد من تخفيض الأجور. يمكننا أن نعبر عن ذلك على شكل معادلة: الرأسماليون لا يمكنهم تحمل الإبقاء على الإصلاحات والتنازلات التي قدموها في الماضي، لكن الجماهير لا يمكنها أن تقبل بالمزيد من التخفيض في مستوى المعيشة.

  أحد أسباب ارتفاع أسعار المواد الغذائية هو ازدهار استعمال الإيثانول الحيوي، الذي لا يساعد البيئة في الحقيقة مطلقا، يتم استعمال الذرة وغيرها من المواد الغذائية من أجل إنتاج الوقود (المدعوم من طرف الحكومة)، مما يدفع بأسعار المواد الغذائية إلى الارتفاع في كل العالم. لقد سبق لفيديل كاسترو أن توقع أن هذا سيؤدي إلى حدوث المجاعات وقد كان محقا: إنها كارثة على البلدان الفقيرة. في إيطاليا، هناك ارتفاع لسعر المعكرونة، التي تعتبر مادة غذائية رئيسية للأسر العمالية الإيطالية. لكن في بلدان من قبيل باكستان والهند وبنغلادش وأفغانستان، الخ، أدى ارتفاع مماثل في أسعار المواد الغذائية الرئيسية إلى حدوث انتفاضات، لأن الناس لم يعد في إمكانهم الحصول على الغذاء. سوف يصل حزب الشعب الباكستاني إلى الحكومة في ظل هذه الحالة من اليأس، إن السياسة الإصلاحية عاجزة عن تقديم حل لهذه المشكلة، وهو ما سيترتب عنه عواقب جدية.

  يشبه الاقتصاديون البرجوازيون غريقا يتشبث بقشة. إنهم يعترفون الآن بأن هناك أزمة قادمة في الولايات المتحدة، لكنهم يتمنون أن تعمل آسيا على إنقاذهم، كما يتمنون أن لا تؤثر تلك الأزمة على باقي العالم.

  لقد سجلت الصين أعلى نسبة نمو حققه أي بلد آخر خلال الثلاثين سنة الأخيرة. إنها الآن أول منتج ومستهلك للفولاذ، وثاني مستهلك للطاقة. يتوقع البعض أنه بإمكان الصين بهذه النسبة أن تتجاوز الولايات المتحدة. هذا صحيح على المدى البعيد، لكنه ليس منظورا فوريا. لقد سبق لهم، في الماضي، أن قالوا نفس الشيء عن اليابان، وعندها عصفت الأزمة.

  يحب الاقتصاديون استقراء الاتجاهات المستقبلية على قاعدة أرقام من الماضي. لقد وصل التضخم في الصين إلى 6,9% خلال شهر نوفمبر. كانت صادراتها تشكل 20% من الناتج الداخلي الخام سنة 2001، وقد صارت 40% سنة 2007. هذه تخمينات، ومن المحتمل أن تكون جد مرتفعة، إلا أن الشيء الواضح جدا هو أن الصادرات تلعب دورا جد هام في الاقتصاد الصيني وأن حدوث مجرد كساد، فبالأحرى ركود عميق، في الولايات المتحدة سيؤثر عليها.

من السهل القيام بنقاش عقيم حول الاقتصاد، لكن المسألة الأهم بالنسبة إلينا هي التعرف على تأثير ذلك الوضع على الصراع الطبقي. نعم كانت هناك زيادة في التجارة العالمية والنمو، لكن كان هناك، في نفس الوقت، احتداد كبير للضغط على الطبقة العاملة. لقد أدى هذا إلى حدوث انفجارات للحرب الطبقية، حتى خلال أفضل المراحل من وجهة النظر الرأسمالية.

  يمكن للصوريين أن يتساءلوا لماذا في أماكن من قبيل أمريكا اللاتينية، حيث عرف الاقتصاد نموا كبيرا، لم يتحسن مستوى عيش الجماهير: الجواب هو أن اقتصاديات أمريكا اللاتينية عرفت النمو بالضبط لأن مستويات عيش الجماهير ظلت راكدة!

  تقدم اليابان الدليل على مستوى الاستغلال والضغط القاسي على العمال. هناك مصطلح جديد في اليابان، إنه: “كاروشي“، أي الموت بسبب الإرهاق. لقد قرأت مؤخرا تقريرا عن رجل في اليابان انهار ومات بعد استمراره في العمل طيلة 80 ساعة بالتسلسل. تتعرض الشركات للمحاكمة بسبب هذا. لكن لم يتم كسب سوى 4% من القضايا المتعلقة بالكاروشي سنة 1998. سنة 2005 لم يتم القبول سوى بـ 40% من القضايا!

  يراكم الكثير من الناس في البلدان الغربية عشرات الساعات الإضافية (الغير مدفوعة الثمن في الغالب). متوسط ساعات العمل الإضافية السنوي في اليابان هي 1780 ساعة إضافية لكل شخص. وتصل في الولايات المتحدة إلى 1800، و1400 ساعة في ألمانيا. هناك ميل جد قوي نحو تهشيش ظروف العمل وفرض العمل بدوام جزئي.

  الاقتصاد الآن يتوقف عن الحركة. مبيعات أعياد الميلاد في بريطانيا كانت كئيبة. في ألمانيا، من المتوقع أن يهبط النمو من 2,6 % إلى 2 %، لكن البعض يتوقعون أرقاما أقل من قبيل 1,1 % سنة 2008. في فرنسا، يعتقد ساركوزي أنه يستطيع الهجوم على العمال لكنهم سرعان ما ردوا عليه وقد انهارت شعبيته بـ 17 %. في إيطاليا، كانت هناك مظاهرة رائعة لنصف مليون عامل في روما، في الدنمرك، ذلك البلد الصغير، كانت هناك مظاهرة لـ 100.000 شخص ضد الاقتطاعات، وهو الرقم الذي يعتبر ضخما بالنسبة إلى عدد السكان. كان هناك إضراب عام في اليونان خلال الشهر الماضي وإضرابات أكبر في سويسرا.

  ما هو السبب الكامن وراء هذا؟ حتى خلال فترة الازدهار، لا يستطيع الرأسماليون أن يقبلوا بالإبقاء على التنازلات المقدمة في الماضي، فبالأحرى تقديم إصلاحات جديدة. في جميع البلدان، صارت المعاشات تتعرض للهجوم، في المكسيك على سبيل المثال، حيث شهدنا وضعا ثوريا قبل 18 شهرا فقط.

  نحن الوحيدون الذين تمكنا من فهم الوضع في المكسيك. هل حزب الثورة الديمقراطية حزب بورجوازي؟ ربما، لكن الثلاثة ملايين عامل وفلاح الذين تظاهروا تأييدا للوبيز أوبرادور وضد التزوير الانتخابي لم يكونوا بورجوازيين! ستكون المكسيك هي البلد الأكثر تأثرا بأزمة الاقتصاد الأمريكي. تعتمد مناطق بأسرها في المكسيك على الأموال التي يبعثها العمال المهاجرون الذين يتعرضون للهجوم بدورهم ويتم ترحيلهم.

  من الصعب بناء مجموعة ماركسية في معمعة الثورة. لكن في باكستان والمكسيك لدينا منظمات للكوادر قبل البداية الحقيقية للأحداث الكبرى.

  سيكون للأحداث المستقبلية أثر كبير على المنظمات الجماهيرية. لكن هناك مشكلة كبرى. إنها ليست مشكلة الطبقة العاملة، بل مشكلة القيادة. المنظمات الجماهيرية التي تم خلقها من أجل تغيير المجتمع تحولت الآن إلى عراقيل بشعة. إنها تطرح سياسات موالية للبورجوازية. كانت قيادتها في الماضي، تدافع، بالكلمات على الأقل، عن الاشتراكية والشيوعية، على الأقل في خطب فاتح ماي. أما الآن فقد صاروا منحطين جدا إلى درجة أنه في إيطاليا اندمج حزب ديمقراطية اليسار (Democratici di Sinistra, DS- الحزب الشيوعي سابقا) بأحزاب بورجوازية أخرى من أجل تشكيل حزب بورجوازي.

  تعتبر إيطاليا رجل أوروبا المريض. لقد قامت البورجوازية الإيطالية بدفع فيلتروني إلى تشكيل حزب جديد، الحزب الديمقراطي، والسبب الذي أجبرها على ذلك هو كونها لا تمتلك أي حزب تعتمد عليه. ما هي حظوظ نجاحها؟ ستشن البورجوازية حملة إعلامية مكثفة لصالح الحزب الجديد. الشيء الذي سيكون له تأثير. سيتمتع فيلتروني بشعبية كبيرة في البداية وستنخفض بشدة نسبة الأصوات التي سيحصل عليها حزب إعادة التأسيس الشيوعي، لكن ما يدفع البورجوازية إلى وضع فيلتروني في السلطة هو جعله يطبق سياسة اقتطاعات عميقة. الشيء الذي سيتسبب في انفجار الصراع والغليان داخل صفوف النقابات وكذا داخل صفوف حزب إعادة التأسيس الشيوعي لاحقا. ستنفتح أمامنا – نحن الماركسيون الإيطاليون- فرص هامة، ما دمنا متمسكين بموقف حازم ولم نتذبذب.

  لا توجد المنظمات الجماهيرية في الفراغ؛ إنها تتأثر بالعالم المحيط بها. يرفض العصبويون هذه الأحزاب الجماهيرية ويحاولون تشكيل أحزاب جديدة. لكنهم لا ينجحون مطلقا. ومع ميل جميع هذه الأحزاب نحو اليمين اعتقد العصبويون أنها هي اللحظة الملائمة لهم لطرح بديل، هذا ما يحدث مع حزب العمال البريطاني على سبيل المثال. لكنهم لم يكونوا محظوظين على الإطلاق. فكل محاولاتهم انتهت إلى فشل ذريع.

  سوف تتحرك الجماهير حتما عبر منظماتها الجماهيرية. أين توجد الجماهير في بريطانيا في الوقت الحاضر؟ إنها غير نشطة في أي مكان، لا في حزب العمال ولا في أي مكان آخر أيضا. إنهم في منازلهم يشاهدون التلفاز ويكافحون من أجل تدبير الأمور المعيشية. لكن هذا الوضع لن يستمر إلى الأبد: سوف تنهض الجماهير إلى النشاط وعندما ستتحرك، سوف تتحرك عبر المنظمات الجماهيرية التقليدية: وهي في بريطانيا النقابات وحزب العمال. وعندما سيبدأ الغليان ويستعيد حزب العمال نشاطه، سنبدأ في الحصول على صدى لنا. في إيطاليا سنتمكن من الحصول على مكاسب عظيمة داخل حزب إعادة التأسيس الشيوعي.

  عرفت إسبانيا تقاطبا طبقيا رائعا. الاقتصاد حقق معدلات جيدة جدا، الشيء الذي جعل السيرورة تتباطأ شيئا ما، لكن اليمين والكنيسة صارا يستعملان الآن اللغة التي استعملاها خلال الثلاثينيات. لدينا نحن منظمة إسبانية قوية تمتلك جذورا داخل الطبقة العاملة، وقاعدة بين الشباب، الشيء الذي يعتبر حاسما في كل مكان.

  تبقى الولايات المتحدة هي البلد الحاسم. كان جورج وولكر بوش يتمتع بإعجاب البورجوازية الأمريكية في البداية، لأنه صورة طبق الأصل لها: فهو جاهل، إقليمي، ضيق الأفق، متغطرس… لكنه انخرط في مغامرات خطرة. والآن تريد البورجوازية ممثلا أفضل لها.

  عموما ليس للسياسة الأمريكية أية علاقة بالواقع، لكن للسباق الرئاسي أهمية معينة لما يكشفه عن الميول الخفية التي تعتمل داخل المجتمع الأمريكي. إن ظاهرة أوباما يمكن تفسيرها بوجود شعور عام بالحاجة إلى التغيير، لكن حتى وإن تم انتخابه فإنه سيكون أسوء من الآخرين. عندما كان يُطرح على الناس العاديين سؤال لماذا يدعمون أوباما كانوا يقولون: لأننا نبحث عن التغيير.

  أتوقع فوز الحزب الديموقراطي، ربما بقيادة هيلاري كلينتون. لكن الرئيس المقبل سيأتي إلى السلطة في مرحلة أزمة. يعتقد ثلاثة أرباع المواطنين الأمريكيين أن الولايات المتحدة تسير في المنحى الخطأ. الكونغرس الذي يقوده الديمقراطيون فاقد للشعبية بشكل كبير، إن الديمقراطيين لم يفعلوا أي شيء.

  كل هذا سيؤدي إلى عواقب وخيمة. الحلم الأمريكي انتهى. مستوى المعيشة ينهار. والجيل الحالي هو أول جيل لا يمكنه أن يتوقع الحصول على مستويات معيشة أفضل من الجيل الذي سبقه. لكل شيء تأثير (الحرب في العراق، الفضائح، الخ.). في مرحلة معينة ستصبح الحاجة ملحة لحزب عمالي.

  يجب علينا أن نضيف مسألة العراق إلى كل هذا. “أنا أكره العراق؛ أتمنى لو أننا لم نذهب أبدا إلى هناك”. من تعتقدون أنه قال هذا الكلام؟ لا، ليس بوش، لقد كان ونستن تشرشل، سنة 1926 عندما واجهت الإمبريالية البريطانية مشاكل مماثلة. لم تحل الإمبريالية الأمريكية أيا من المشاكل من خلال غزوها للعراق، وقد زعزعت كل منطقة الشرق الأوسط أيضا. لقد تصرفت مثل فيل في متجر للخزف الصيني.

  كم يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تبقى في العراق؟ فكرة بوش عن عملية النهوض “surge” مجنونة والطبقة السائدة تعلم ذلك. لقد حاولت أن تنبهه بأدب من خلال نصيحة مسئولة من مجموعة دراسة العراق، التي كانت الصوت الحقيقي للإدارة الأمريكية. قالوا له: “انظر، لقد خسرنا! يجب علينا أن نسحب أنفسنا بشكل تدريجي من هناك وأن نتوصل إلى اتفاق مع إيران وسوريا.”

  في ظل الظروف الحالية، لم تكن تلك نصيحة سيئة. لكن كيف تصرف بوش؟ لقد هدد إيران ووصل إلى حد اتهام سوريا بالتدخل في الشؤون الداخلية لبلدان أخرى! عمل على إرسال المزيد من القوى إلى العراق. ثم يقول أنه سيعمل على حل المشكلة الفلسطينية من خلال إقامة دولة مستقلة. في مقدوره ترديد هذه التفاهات لأنه وصل إلى نهاية ولايته. وبالمناسبة، لقد عملت الولايات المتحدة على تدمير الجيش العراقي، الذي كان يشكل الموازن الوحيد للجيش الإيراني في منطقة الخليج.

  ليس لدينا موقف عاطفي اتجاه الحرب. إن الحرب شيء فضيع جدا لكن يمكن أن يكون لها نتائج ثورية. إننا نشهد بداية تحرك الطبقة العاملة في المنطقة: إضرابات ضخمة في مصر، إضرابات في الأردن والمغرب ولبنان وفي إسرائيل نفسها. لكن غياب قيادة ثورية هو الميزة الرئيسية للمأزق الحالي في الشرق الأوسط. في الماضي كان الستالينيون يتمتعون بقاعدة قوية في المنطقة والخيانات التي ارتكبوها هي العامل الرئيسي وراء الوضع الحالي.

  تكتسي الأوضاع في إيران أهمية عظيمة جدا. يعاني النظام من التصدع. أحمدي نجاد يحاول تعزيز موقعه من خلال الاستناد على المواجهة مع الولايات المتحدة، وتهديداتها بالهجوم على إيران. لكن، تسرب الآن تقرير لوكالة المخابرات الأمريكية يؤكد على أن إيران لا تمتلك قدرات نووية. من الذي تعتقدون أنه المسئول عن تسريبه إلى الصحفيين؟ إن الطبقة السائدة الأمريكية تحاول تلافي الدخول في مغامرة أخرى مشابهة لمهزلة أسلحة الدمار الشامل التي أخرجتها شرذمة المحافظين الجدد لتبرير غزو العراق. لا يمكن للولايات المتحدة أن تشن ضربة في الوقت الحالي. إسرائيل في مقدورها ذلك، لكنها تواجه بدورها صراعا طبقيا وما زال من الضروري الانتظار لرؤية ما إذا كانوا سيتحركون.

  إيران ناضجة لحدوث الثورة. تتوفر هناك جميع الشروط التي أشار إليها لينين من أجل الثورة: الانشقاقات في القمة، الغليان بين صفوف الطبقة الوسطى، توفر طبقة عاملة قوية تمتلك تقاليد ثورية، موجة من الإضرابات الهامة، الخ. العامل الوحيد المفتقد هو العامل الذاتي: أي الحزب الثوري. يكتسي عمل رفاقنا الإيرانيين أهمية عظيمة بالنسبة للتيار الماركسي الأممي. يجب علينا أن نقدم لهم المساعدة.

  الوضع في إيران جد مشابه للوضع الذي سبق 1905 في روسيا. يجب الانتباه عندما ستبدأ الجماهير الإيرانية في التحرك. يمكن للثورة المقبلة أن تتخذ أشكالا شتى، لكن هناك شيء واحد يمكننا أن نكون واثقين منه: إنها لن تكون انتفاضة أصولية! لقد أدت 28 سنة من وجود الملالي في السلطة إلى ضرب مصداقيتهم بشكل تام في أعين الجماهير والشباب. أغلبية السكان شباب؛ سيكونون منفتحين على الأفكار الثورية والماركسية. ستغير الثورة الإيرانية الوضع بأسره في الشرق الأوسط، وستبين أن المواجهة الحقيقية للإمبريالية لا تحتاج إلى الأصولية. وسوف يكون لها تأثير في كل المنطقة.

  لقد سبق لنا أن تطرقنا لأمريكا اللاتينية بنوع من التفصيل في وثيقتنا حول المنظورات العالمية وسوف ننظم جلسة خاصة عن فنزويلا. تبقى أمريكا اللاتينية في طليعة الثورة – والثورة المضادة- العالمية. ليس هناك فنزويلا وحدها، بل بوليفيا أيضا. يواصل موراليس إضاعة الوقت في اللعبة البرلمانية والقوانين والدساتير، الخ. إنه يعاني من مرض يسمى “البلاهة البرلمانية”. يمكن لهذا أن يعبد الطريق لهزيمة الحركة. نحن في بداية تشكيل مجموعة ماركسية في بوليفيا، لكن الوقت ليس إلى جانبنا. نفس الشيء في فنزويلا.

  يبين الوضع في فنزويلا دور العامل الذاتي. خلال ثلاثينيات القرن الماضي قال تروتسكي أن البروليتاريا الإسبانية كانت قادرة على أن تقوم ليس بثورة واحدة فقط بل بعشرة ثورات. نفس الشيء يقال عن فنزويلا، إن البطولة التي عبرت عنها الجماهير الفنزويلية ليس لها أي مثيل في التاريخ. لقد استمرت هذه الجماهير في التحرك طيلة عشرة سنوات، وهزمت الثورة المضادة عدة مرات. لكن هناك حدود. لا يمكنك أن تبقي ملايين الناس في حالة استنفار إلى الأبد بدون أن يروا مخرجا.

  لقد صوتت الجماهير بأغلبية ساحقة لصالح تشافيز خلال شهر دجنبر 2006، وقد كانت تصوت من أجل التغيير. لكن ما عدا بعض عمليات التأميم، التي أيدناها، لم تحدث هناك بعد أية تغييرات جوهرية. يمكن لتشافيز أن يقود الثورة إلى الهزيمة، بالرغم من نواياه الطيبة. يجب علينا أن لا نبني الأوهام حوله. لا يمكننا أن نسمح لأنفسنا بأن نكون رومانسيين، إن الثورة قضية جدية.

  ليست الحركة البوليفارية حركة متجانسة؛ كانت قيادتها تتشكل في البداية من ديمقراطيين ثوريين بورجوازيين صغار، وهناك تناقضات عميقة في تركيبتها وأفكارها. لكنها حركة جماهيرية ويجب علينا أن نتدخل فيها والتوجه نحوها، لكن بدون إخفاء أفكارنا أو تمييع برنامجنا.

  يمكن للشعب أن يقوم بالتغيير. لقد كان تيد غرانت يشير دائما إلى مثال لارغو كاباييرو خلال الثورة الإسبانية سنوات الثلاثينات: لقد كان إصلاحيا يساريا نزيها وكان يحاول التطور نحو الماركسية. أكد تيد غرانت على أنه لو تصرف التروتسكيون الإسبان بطريقة صحيحة، لكان في مقدورهم ربما كسبه إلى صفوفهم. لكنهم تصرفوا كعصبويين يساريين متطرفين غير مسئولين. رفضوا الدخول إلى منظمة الشبيبة الاشتراكية عندما تم استدعائهم للقيام بذلك، ومن ثم رموا بهذه المنظمة الجماهيرية إلى أيدي الستالينيين. لقد كان هذا هو السبب الرئيسي لهزيمة الثورة الإسبانية.

  سمى تروتسكي هذا التصرف خيانة وقد كان محقا جدا في ذلك. ونتيجة لذلك عمل على قطع جميع علاقاته مع أندري نين. ما الذي كان سيقوله الآن عن تصرف أورلاندو شيرينوس واليساريين المتطرفين الفنزويليين؟ إن تشافيز رجل نزيه وشجاع. إنه يريد تطبيق الاشتراكية، لكنه لا يفهم كيف يقوم بذلك. والتاريخ يبين أنه يمكن في بعض الأوقات حتى لرجل نزيه، لكن بسياسات خاطئة، أن يلعب دورا أسوء حتى من انتهازي واضح.

  لا يمتلك تشافيز حزبا حقيقيا، ويحيط به البيروقراطيون والستالينيون والإصلاحيون من أسوء الأنواع، ويمارسون عليه تأثيرا سلبيا، كما حدث بعد الهزيمة خلال الاستفتاء. لقد كانت تلك هزيمة ضئيلة، لكن تشافيز عانى أيضا من الأوهام البرلمانية، حيث تخيل أنه يجب القيام بكل شيء “بالانضباط للكتاب”. ومن ثم عوض تقديم تغييرات جوهرية للجماهير، قدم لها استفتاءا جديدا. لكن هناك عناصر للتعب بدأت تظهر الآن بين الجماهير.

  لكن على أية حال لم تنتهي الصيرورة بعد. يمكن لتشافيز أن يتحرك جيئة وذهابا بين يوم وآخر، ويتوقف ذلك على من هو آخر رجل تكلم معه أو آخر كتاب قرأه. فتارة يمكنه أن يكون تروتسكيا وفي اليوم الموالي يتأثر بتشومسكي وهكذا يستمر في عبور الحدود. في الأسبوع الماضي قال أن الثورة تحتاج إلى أن تبطئ وتيرتها، والآن يقول أنه من الضرورة مصادرة الشركات المنخرطة في المضاربات!

  يجب علينا أن نوجه كل نيراننا ضد الجناح اليميني وضد البيروقراطية. سيكون كتابي الجديد حول فنزويلا موجها ضد هاينز ديتريخ، الذي يعتبر أهم منظر للتيار الإصلاحي. إنه يتحدث عن “مركز سياسي”. لكن ليس هناك من مركز في فنزويلا! هناك تقاطب هائل نحو اليمين ونحو اليسار. هذه هي الحقيقة، والثورة تصل مرحلة حرجة.

  من الصعب جدا أن نناقش مجمل المنظورات العالمية خلال هذه الأيام. الجبهات الثورية تنفتح في العالم بأسره، وهي أكثر من أن نتمكن من التطرق إليها في الوقت المتبقي لدينا. لقد عملت فقط على ملامسة بعض القضايا. إلا أننا نوجد في وضع رائع في العالم بأسره: في المكسيك وفنزويلا وباكستان وغيرها من البلدان، لأننا نوجد في المكان الصحيح في الوقت الصحيح.

  نحن لا نناقش الثورة الفنزويلية أو الباكستانية أو الإيرانية، نحن نناقش الثورة العالمية. النظام الرأسمالي في أزمة، وتعبر العولمة عن نفسها من خلال أزمة عالمية للرأسمالية. إنها سيرورة واحدة. يجب على الماركسيين، الذين هم هيئة أركان الثورة العالمية، أن يدركوا البعد العالمي لهذه السيرورة.

  ستكون هذه السنة سنة جيدة جدا بالنسبة لنا، وسنعقد مؤتمرا عالميا رائعا، سيبين التطور النوعي والكمي الذي حققناه. لكن يجب علينا أن نتأكد من أنه، خلال المرحلة العاصفة التي دخلناها، مرحلة الحرب والثورة، والثورة المضادة، هناك شيء واحد شديد الأهمية: هو أنه يجب علينا أن نمتلك القوى، “قوات على الأرض”، وإلا فإننا سوف نضيع فرصا هامة. لن يواجهنا نقص الفرص، لكننا في حاجة إلى عدد أكثر من المناضلين. إذا ما كان هناك من شيء يجب علينا أن نركز عليه قبل كل شيء، فإنه النمو، استقطاب طاقات جديدة وكسب رفاق جدد وتكوين الكوادر وتجميع القوى التي نحتاجها لبناء أممية تروتسكية جماهيرية حقا.

آلان وودز
13 يناير 2008
نيو بورت (بلجيكا)

عنوان النص بالإنجليزية:

Alan Woods on world perspectives 2008 – Part Two


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *