خلال مؤتمر صحفي عقده يوم أمس [19 فبراير 2008] أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي الذين يقومون بزيارة لباكستان، بمن فيهم المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية السابقة، جون كيري، اعتبروا نتائج الانتخابات في باكستان “جد إيجابية”. وقد وعدوا أيضا برفع قيمة المساعدات إذا ما تم تشكيل حكومة ائتلافية بين حزب الشعب الباكستاني وحزب الرابطة الإسلامية (جناح نواز شريف). لكنهم يريدون في نفس الوقت استمرار مشرف في الرئاسة! لقد صار التدخل الأمريكي في الشئون الداخلية لباكستان أمرا عاديا. إنهم يملون السياسة التي يجب على كل نظام اتباعها.
من الوهلة الأولى تبدو نتائج الانتخابات مرضية للجميع ماعدا الرابطة الإسلامية (جناح القائد عزام). لكن الواقع هو أن الرابطة الإسلامية شكلت حزب النظام طيلة تاريخ باكستان. جميع الدكتاتوريين استخدموها كوسيلة سياسية من أجل إدامة حكمهم. أعضاء الرابطة الإسلامية (جناح نواز شريف) والرابطة الإسلامية (جناح القائد عزام) هم نفس هؤلاء الرأسماليين وملاكي الأراضي الذين ينتقلون من جانب إلى آخر من أجل الحفاظ على سلطتهم والاستمرار في النهب. يوم أمس فقط استدعى نواز شريف أعضاء الرابطة الإسلامية (جناح القائد عزام) من أجل العودة إلى الحزب الأم.
الحكومة الائتلافية بين حزب الشعب الباكستاني وحزب الرابطة الإسلامية (جناح نواز شريف) سوف تعني استمرار الوضع القائم. تتمثل المهزلة بخصوص هذه الانتخابات في كون جميع وسائل الإعلام البرجوازية تعتبرها انتخابات حرة ونزيهة، بينما هي في الواقع أكثر الانتخابات تعرضا للتزوير في تاريخ باكستان. ترجع وسائل الإعلام البرجوازية النتائج التي حصل عليها حزب نواز شريف إلى الخطابات الشديدة اللهجة التي استخدمها ضد مشرف. لكنها لا تنبس ببنت شفة اتجاه الصفقات السرية التي توسط فيها الأمريكان بين شريف ونظام مشرف.
البرلمان المعلق الحالي يناسب بشكل كامل مصالح الأمريكيين والجيش باعتباره وسيلة للحفاظ على الحكومة الجديدة تحت السيطرة وإجبار حزب الشعب الباكستاني على تبني سياسات رأسمالية. هذا يعني أن هذه الانتخابات لن تقدم أي حل مطلقا للجماهير المضطهدة.
والمثير للسخرية هو أن قادة الجناح اليميني لحزب الشعب الباكستاني كانوا يتوقون لمثل هذا الخيار. إنه سيناريو مثالي بالنسبة إليهم: أن يكونوا في السلطة وفي نفس الوقت لا يطبقوا أية سياسة في أمكانها تحرير الجماهير، ناهيك عن توفير الحاجيات الأساسية لهم. سوف يستخدم هؤلاء الزعماء تلك السلطة من أجل الحصول على نصيب أكبر من كعكة النهب. في مؤتمر صحفي تجنب عاصف زارداري تقديم أي سياسة اقتصادية حقيقية لحل المشاكل الملحة للجماهير. لم يقل أية كلمة حول “تغيير النظام”، وهو الشعار الذي استعمله خلال الحملة الانتخابية. يبين هذا حجم الضغط الذي يتعرض له من طرف الأمريكان والجناح اليميني لحزب الشعب المتحرقين شوقا للعودة إلى السلطة.
في كل مرة تنهض فيها الجماهير إلى النضال يتقوى حزب الشعب وتعمل الطبقة السائدة على إعادته إلى السلطة. وبمجرد ما يتراجع المد تسارع إلى طرده. لقد حاول قادة حزب الشعب والدولة عدة مرات حل هذا التناقض الجوهري بين نضال الجماهير من أجل التحرر الاجتماعي والاقتصادي، المرتبط تاريخيا بحزب الشعب، وبين الدولة البرجوازية التي توجد من أجل تأبيد الاستغلال الرأسمالي، لكنهم يفشلون دائما.
في هذه المرة لن يعجزوا فقط عن حل ذلك التناقض، بل إنه سينفجر على شكل انتفاضة اجتماعية غير مسبوقة. ولن يخلق إقصاء المرشحين اليساريين عن البرلمان من خلال التزوير الانتقائي فرقا جوهريا.
ستكون هذه المرة هي الأولى التي يشكل فيها حزب الشعب حكومة ائتلافية مع نواز شريف. لن ينسى مناضلو حزب الشعب تاريخ شريف باعتباره إبنا غير شرعي للجنرال ضياء الحق، الدكتاتور الأكثر وحشية والأكثر مقتا في تاريخ باكستان. ضياء الحق هو من أعدم ذو الفقار علي بوتو، الرئيس المؤسس لحزب الشعب. كانت أسرة شريف أشد حلفاء الدكتاتور حماسا. يعتبر شريف العدو اللدود لحزب الشعب حتى من وجهة نظر عاطفية وتقليدية.
ما يسمى بـ ’المجتمع المدني‘ يدعم شريف أكثر حتى من قادة حزب الشعب. تضلل المنظمات الغير الحكومية الجماهير عن حقيقة نواز شريف بتقديمه كبطل “للديمقراطية والقضاء”. حتى وإن ذهب مشرف فلن يكون لذلك أي تأثير على أوضاع الجماهير والوضع في باكستان. إنه قد انتهى على كل حال منذ زمن. ولا يواصل البقاء في الحياة السياسية إلا بفضل دعم الأمريكان له وضعف وخيانة ما يسمون بقادة المعارضة وخاصة منهم قادة الجناح اليميني داخل حزب الشعب. من المعروف أن جميع الأحزاب تقريبا وقعت اتفاقات سرية أو علنية مع مشرف خلال المرحلة الأخيرة.
أحد الجوانب المثيرة الأخرى لهذه الانتخابات هي أن الأحزاب الإسلامية تعرضت للاندحار. شكل هذا قضية هامة بالنسبة للمثقفين اللبراليين ووسائل الإعلام. إنهم يجهلون واقع أن زوال الدعم الذي كانت الحركات الأصولية تتلقاه من طرف الدولة هو الذي أدى إلى زوالهم الفعلي من البرلمان. لم تكن الحركات الأصولية أبدا قوة جماهيرية في باكستان. الدولة هي من رفعتهم خلال انتخابات 2002 للتحكم في مشاعر الجماهير المعادية للإمبريالية بواسطة الخطابات. لقد انفضحوا تماما خلال الخمسة سنوات الأخيرة وفقدوا مصداقيتهم في أعين الجماهير. لقد استنفذوا دورهم وصاروا حملا على كاهل الدولة.
تمتعت المجموعة الفاشية الأخرى، حركة قوامي المتحدة، بدعم كامل من طرف مصالح الدولة. تشكل هذه المافيا، المؤسسة على الحقد العرقي، أكثر القوى رجعية وأشدها عنفا، خاصة في كاراتشي وغيرها من مدن السند. تأسست هذه المنظمة على يد الدكتاتور ضياء الحق أواخر السبعينات من أجل ضرب إسفين في صفوف بروليتاريا كاراتشي التي تعتبر أكبر مدينة صناعية في باكستان. ومع تراجع الحركة استعملت كقوة سوداء في يد الدولة من أجل تكسير وحدة الطبقة العاملة على أساس عنصري وعرقي ولغوي.
لقد اشتغلوا طيلة العقود الثلاثة الأخيرة تحت حماية الدولة. عملوا على مهاجمة النقابات واغتيال المناضلين اليساريين وخاصة منهم شباب حزب الشعب وأقاموا مقرات تعذيب حيث استعملوا أشد طرق التعذيب وحشية.
لكن وبعد تظاهرة 18 أكتوبر أثناء عودة بينازير بوتو من المنفى عندما خرج أكثر من مليونين من العمال والشباب إلى شوارع كاراتشي، أحست حركة قوامي المتحدة بالتهديد بسبب هذا النهوض الجماهيري وارتفاع مد الصراع الطبقي. لم يعد لهم وجود في أي مكان. لقد كانوا في السلطة طيلة المرحلة الأخيرة وشكلوا حليفا وثيقا لمشرف. لقد تناقصت قاعدتهم الاجتماعية الآن بشكل كبير فازداد اعتمادهم على الدولة بشكل هائل.
بفضل تدخل الماركسيين في الحركة بدأ يحدث تغير نوعي داخل الحركة العمالية. بالرغم من واقع أن الرفيق رياض ليند تجرأ على إحراق العلم الأمريكي أمام موكب بينازير بوتو في كاراتشي يوم 18 أكتوبر، فإن بوتو كانت مجبرة على قبول ترشحه للانتخابات التشريعية في كاراتشي. كان هذا ناتجا عن الضغط الجماهيري وخاصة ضغط المناضلين الماركسيين في كاراتشي.
خلال الحملة الانتخابية حاول بلطجية حركة قوامي المتحدة استخدام تكتيكاتهم الإرهابية ضد الرفاق. لكنهم واجهوا هذه المرة نوعا جديدا من الانتقام. حيث أنهم لم يواجهوا فقط كره الجماهير بل تعرضوا لتصدي جريء من طرف الماركسيين وهو ما حيرهم. وقد اعترف أحد قادة حركة قوامي المتحدة بأن حركته لم تواجه طيلة ثلاثين سنة من وجودها مثل هذه المقاومة العنيدة. وهكذا لم يتمكنوا من تنفيذ عمليات التزوير المعتادة التي كانوا يقومون بها. في الماضي كان الوكلاء الانتخابيون لمعارضيهم يفرون من مراكز التصويت بسبب الاعتداءات الجسدية.
في هذه المرة كان الوضع مختلفا بشكل نوعي. لقد اصطدموا بكوادر ماركسية صلبة. حيث أن الرفاق لم يرفضوا فقط أن يغادروا المكان، بل أجبروا موظفي مركز التصويت على القيام بفرز سليم وإعطاء نتائج موقعة من مراكز التصويت. مع بداية إعلان نتائج الانتخابات بدأت أرقام الرفيق رياض بالارتفاع. وبحلول الساعة الواحدة كان الرفيق رياض فائزا بهامش 22.000 صوت في 52 مركز تصويت من بين 198 مركز.
ثم أوقفت السلطات إعطاء النتائج. حدثت مواجهات في العديد من مراكز التصويت. كان هناك حشد كبير أمام مكتب مسئول الانتخابات. ومع حلول الساعة الثالثة صباحا احتشد أكثر من 15.000 عامل أمام المكتب. كان هؤلاء العمال ينشدون شعارات من قبيل “عاشت الثورة الاشتراكية”.
خلال ذلك الوقت المبكر من يوم 19 فبراير ظهرت عدة سيارات إسعاف عملت على إبعاد مسئولي مكاتب التصويت. وقد فر المسئول عن مكتب الانتخابات عبر ممر ضيق خلف البناية. وقد تم حمل جميع موظفي الدولة هؤلاء إلى مقر خاص في منزل حاكم السند الموجود في أحد الأحياء الراقية بكاراتشي.
يمتلك حاكم السند الحالي ماضيا شهيرا من الاختطافات والتعذيب والاغتيالات. لا عجب في أنه يتمتع بحماية خاصة من طرف فوهرر حركة قوامي المتحدة، ألطاف حسين. كل هذه العملية نفذت من طرف وكالة التجسس التابعة للدولة الباكستانية.
في هذه الأثناء كان هناك تأجيل بعد تأجيل. أرادت الدولة أن تستنزف الحشد لكي يتشتت. بعض الرفاق غضبوا إلى درجة أنهم تحركوا من أجل إحراق المبنى لكن تم الحلول بينهم وبين القيام بذلك لأنه كان سيوفر للسلطات اليائسة مبررا لإطلاق النار. فالتضحية بمئات الكوادر الماركسية ومناصريهم على مذبح البرلمان البرجوازي ستكون عملا أحمقا على أقل تقدير.
وأخيرا أعلنت بسرعة النتيجة المزورة بشكل واضح من وراء الأبواب المغلقة، على الساعة الثامنة والنصف من صباح يوم 19 فبراير. تحدث الرفيق رياض إلى الجماهير المحتشدة أمام مقر الحملة، وقال:
“لقد سرقوا الانتخابات لكنهم لن يستطيعوا أبدا سرقة الثورة. كل كاراتشي والبلد بأسره يعلم أننا ربحنا الانتخابات. لقد أعطتنا بروليتاريا كاراتشي صوتها بفضل البرنامج الاشتراكي الذي ناضلنا من أجله خلال هذه الحملة. إنها مهمتنا الآن أن ننظمهم من أجل التغيير الاشتراكي للمجتمع. إن الوضع غير محتمل بالنسبة للجماهير. ظلال البربرية القاتمة تلوح في أفق باكستان؛ لا يمكننا أن نترك مهمة الثورة الاشتراكية للأجيال القادمة. يجب علينا أن نحرز النصر خلال حياتنا. عاشت الفدرالية الاشتراكية لشبه القارة، عاشت الشيوعية العالمية”.
وبعد كل هذه الطرق البربرية التي انتهجتها حركة قوامي المتحدة، يقترح قادة الجناح اليميني لحزب الشعب إدماج حركة قوامي المتحدة في هذا الائتلاف! لا يمكن لحركة قوامي المتحدة أن تعيش دون أن تبقى على علاقة مباشرة بالسلطة. وقد انتهت الأيام التي كان خلالها في إمكان حركة قوامي المتحدة الفاشية أن تعيش بمساعدة حماية الدولة. إنها تحتاج اليوم إلى الوجود في السلطة من أجل ضمان حماية نفسها والاستمرار في البقاء. يحاول الأمريكيون والدولة الباكستانية بيأس أن يضمنوا لحركة قوامي المتحدة مكانا في الحكومة إلى جانب حزب الشعب. ويمكن للمرء أن يتصور بسهولة ردة فعل العمال أعضاء حزب الشعب، خاصة في كاراتشي، اتجاه مثل هذه الخطوة.
في جميع الأحوال سيكون الائتلاف مع اليمين كارثة على الجماهير. الآلام رهيبة جدا والبؤس قاس جدا. إذا ما تم الإبقاء على النظام الرأسمالي، فإن الألم والبؤس سيتزايدان أكثر فأكثر. سوف تحدث بالتأكيد الاضطرابات والقلاقل، العمليات الانتحارية والتفجيرات. سيحدث غليان غير مسبوق يمكنه أن يؤدي إلى اندلاع الحروب وإلى تفكك دموي لباكستان. ليس هناك من مخرج على أساس الرأسمالية. وبدون القضاء على هذا النظام المتعفن، فإن الحضارة والوجود الإنساني صارا في خطر. الجماهير تتطلع إلى التغيير. وبمجرد ما ستخرج الجماهير إلى الساحة وتتطور الحركة الجماهيرية سوف يتحول الائتلاف إلى حطام. سوف يصبح التقاطب داخل حزب الشعب على أسس طبقية أكثر حدة. وإذا ما تواجدت قوة ماركسية فعالة داخل حزب الشعب وداخل النقابات، ستوضع الحركة على سكة التغيير الثوري. ولن تكون هناك أية قوة على وجه الأرض في إمكانها أن توقف حركة مثل هذه.
لآل خان
الأربعاء: 20 فبراير 2008
عنوان النص بالإنجليزية: