الرئيسية / الأممية الشيوعية الثورية / بيانات ومنظورات / أزمة الرأسمالية ومهام الماركسيين

أزمة الرأسمالية ومهام الماركسيين

خلال الجامعة الصيفية العالمية للتيار الماركسي الأممي، التي انعقدت خلال شهر يوليوز الماضي، ألقى آلان وودز خطابا حول طبيعة الأزمة الحالية للنظام الرأسمالي، حيث تطرق لتحليل العلاقة بين الدورة الاقتصادية والصراع الطبقي، كما ناقش طبيعة الانتعاش الاقتصادي الذي يمكن انتظاره، بالنظر إلى الكم الهائل من التناقضات التي تراكمت داخل النظام.

الدورة الاقتصادية والصراع الطبقي

يعيش العالم في ظل أعمق أزمة عرفها منذ ثلاثينات القرن الماضي. وقد سبق لتروتسكي أن أشار إلى أن أحد أصعب وأعقد المهام التي تواجه الماركسيين هي الإجابة عن سؤال: “ما هي المرحلة التي نمر منها؟”

ليس هناك من شيء يمكن اعتباره الأزمة النهائية للرأسمالية. فقد شكلت دورة الازدهار والركود سمة ثابتة للرأسمالية منذ ما يزيد عن مائتي سنة. وسوف يبقى النظام الرأسمالي دائما قادرا على الخروج في النهاية حتى من أعمق أزماته الاقتصادية، إلى أن تتمكن الطبقة العاملة من إسقاطه.

آثار الكساد العظيم الأخير : 'صفوف الخبز' منحوتة في المقر التذكاري لفرانكلين روزفلت واشنطن العاصمة
آثار الكساد العظيم الأخير : ‘صفوف الخبز’ منحوتة في المقر التذكاري لفرانكلين روزفلت واشنطن العاصمة. صورة Tony the Misfit on flickr.

هذا واضح. لكن السؤال الحقيقي هو: كيف يتمكنون من الخروج من الأزمة وبأي ثمن؟ والسؤال الثاني هو: ما هي العلاقة بين الدورة الاقتصادية، وبين وعي الطبقة العاملة؟ لقد سبق لتروتسكي أن أوضح مرات عديدة أن العلاقة بين الدورة الاقتصادية والوعي ليست علاقة أوتوماتيكية. إنها مشروطة بالعديد من العوامل، التي يجب تحليلها بشكل ملموس.

هناك مقالان رائعان كتبهما تروتسكي تطرق فيهما لهذه المسألة: المقال الأول هو “المد والجزر“، والتي يمكنكم أن تجدوه في “السنوات الخمس الأولى للأممية الشيوعية”. والمقال ذو الأهمية البالغة الآخر كتب سنة 1932، أي أثناء الأزمة العميقة التي أعقبت انهيار البورصة في1929، تحت عنوان: “المرحلة الثالثة من أخطاء الكومنترن” (8 يناير 1930). إن هذين المقالين يستحقان أن يصيرا موضوعا لناقشات مستفيضة على جميع المستويات.

من المبادئ الأولية للمادية الجدلية القول بأن الوعي الإنساني محافظ بطبيعته. فمعظم الناس لا يحبون التغيير. إنهم يقاومون الأفكار الجديدة. وسوف يتشبثون بالأشكال والأفكار الموجودة في المجتمع حتى يضطرون إلى التخلي عنها بفعل الضربات الهائلة لمطرقة الأحداث.

يذكرنا الوضع الحالي للعالم الرأسمالي بما قاله تروتسكي سنة 1938. “إن المقدمات الموضوعية للثورة الاشتراكية العالمية ليست ناضجة فحسب، بل أخذت تتعفن! “، فقد كشف الوضع عن الإفلاس التام للرأسمالية من وجهة النظر التاريخية. هذا واضح للجميع. لكننا نوجد هنا أمام تناقض، أمام مفارقة عجيبة: إذا كان هذا صحيحا، لماذا ما تزال قوى الماركسية أقلية ضئيلة؟

الجواب عن هذا السؤال بسيط للغاية: إن الوعي يتخلف كثيرا عن الحالة الموضوعية. والمنظمات الجماهيرية للطبقة العاملة تتخلف كثيرا عن الحالة الواقعية. وقبل كل شيء تتخلف قيادة البروليتاريا، كثيرا عن الحالة الموضوعية.

إن هذه العوامل لا تسقط من السماء، بل هي نتاج لعقود وأجيال من الازدهار الرأسمالي، من التشغيل الكامل والتحسن النسبي لمستويات العيش. لقد شاهدنا هذا الوضع بشكل خاص في البلدان الرأسمالية المتقدمة، ليس لفترة قصيرة، بل لمرحلة طالت أكثر من خمسين سنة. هذا هو ما كيف وعي الطبقة العاملة في بريطانيا وفرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة. تختلف الأوضاع، بطبيعة الحال، في بلدان ما يسمى بـ “العالم الثالث”.

وعي الطبقة العاملة

من الخطأ الجسيم أن يعمل المناضلون الثوريون على الخلط بين ما يفهمونه هم، وبين الطريقة التي تنظر بها الجماهير إلى الأشياء. يجب عليكم أن تفهموا أن أغلب العمال والجماهير لا يمتلكون نفس الوعي الذي يمتلكه الماركسيون. إن التأثير الأول الذي تخلفه الأزمة العميقة والركود الكبير على الجماهير – ونحن الآن أمام أزمة عميقة- هو الصدمة. إن العمال مذهولون، ومصدومون، وهم لا يفهمون ماذا يحدث.

أغلبهم يعتقد أن الأزمة ستكون مؤقتة. ويستنتجون أنه إذا ما شدوا أحزمتهم وقدموا التضحيات، وطأطئوا رؤوسهم، فسوف تتحسن الأوضاع في النهاية، وسيعودون إلى الأوضاع السابقة. إن هذا الافتراض، من وجهة نظر معظم الناس العاديين، منطقي إلى حد كبير. تبدو هذه الأزمة شيئا غير طبيعيا، شيئا خارجا عن المألوف. والناس يريدون العودة إلى “أيام المجد الماضية”.

إن “قادة” الطبقة العاملة والقادة النقابيون والقادة الاشتراكيون الديمقراطيون والشيوعيون السابقون والقادة البوليفاريون، جميعهم ينشرون الفكرة القائلة بأن هذه الأزمة حالة عابرة. يتوهمون بأنه بالإمكان تقديم حل لها من خلال إدخال بعض التعديلات على النظام القائم. وعندما نتحدث عن العامل الذاتي، أي عن القيادة، يجب علينا أن نفهم أيضا أنه ليست قيادة هذه المنظمات بالنسبة لنا عاملا ذاتيا، إنها جزء هام من العامل الموضوعي، ويمكنها أن تعرقل المسلسل لفترة من الزمن.

إن فكرة الإصلاحيين القائلة بأن كل ما نحتاجه هو المزيد من الرقابة والتنظيم، وهكذا يمكننا أن نعود إلى الأوضاع السابقة، هي، بطبيعة الحال، فكرة خاطئة. إن هذه الأزمة ليست أزمة عادية، إنها ليست أزمة مؤقتة. إنها تشكل قطيعة جذرية في السيرورة. لا يعني هذا استحالة العودة إلى الانتعاش الاقتصادي مجددا، فهذا حتمي عند نقطة معينة.

في الوقت الحالي يحاول الاقتصاديون والسياسيون البرجوازيون، وفي المقام الأول جميع الإصلاحيين، بيأس إيجاد نوع من الدواء للخروج من هذه الأزمة. إنهم يتطلعون لتحقيق إنعاش للدورة الاقتصادية من أجل تحقيق الخلاص. وهم يتحدثون بشكل مستمر عن “براعم الانتعاش الخضراء”. إلا أن هذه “البراعم الخضراء” ما تزال لحد الآن جد هزيلة وغير مرئية تقريبا.

تعتبر الإجراءات التي اتخذتها جميع الحكومات الرأسمالية في العالم، إجراءات غير مسئولة إطلاقا، من وجهة النظر الاقتصادية الرأسمالية الأرثدوكسية. والتفسير الوحيد لهذه الإجراءات هو الرعب. إن الطبقة السائدة مرعوبة من العواقب الاجتماعية والسياسية للأزمة الاقتصادية. هذا هو السبب الذي يدفعهم إلى ضخ مبالغ هائلة من الأموال في الاقتصاد، وهم يخلقون مستوى ضخما وغير مسبوق من الاستدانة. وكما يعلم الجميع سوف يتوجب، إن عاجلا أم آجلا، أداء تلك الديون، الشيء الذي يشكل في حد ذاته وصفة لحدوث أزمة هائلة في المستقبل.

آثار الكساد العظيم الأخير : 'صفوف الخبز' منحوتة فيإن هذه
إن هذه “البراعم الخضراء” ما تزال لحد الآن جد هزيلة وغير مرئية تقريبا. صورة KOREphotos on flickr

أي نوع من “الانتعاش”؟

من الواضح تماما أن حدوث نوع ما من الانتعاش في الدورة الاقتصادية مسألة حتمية عند نقطة معينة. لكنه من الواضح أيضا أنه لن يؤدي إلى حل أي من المشاكل التي تواجه الرأسمالية. بل على العكس، سوف يحضر لحدوث أزمة اقتصادية جديدة وأكثر عمقا، وسوف يحضر، في المقام الأول، لأزمة اجتماعية وسياسية أعمق. يحاول البرجوازيون بيأس استعادة التوازن الاقتصادي، الذي تحطم بالانهيار الذي حدث خلال السنة أو الثمانية عشرة شهرا الماضية، لكن المشكلة التي يواجهونها هي أن جميع الإجراءات التي اتخذوها لاستعادة التوازن الاقتصادي سوف تدمر تماما التوازن الاجتماعي والسياسي.

هناك مقال هام كتبه تروتسكي، سنة 1932، عند وصول الأزمة الاقتصادية إلى أدنى مستوى لها، عنوانه: “Perspectives for the Upturn” حيث يشير إلى تأثيرات الأزمة الاقتصادية على وعي الجماهير. وقد كتب قائلا:

“إن مشاعر السخط، والرغبة في الهروب من الفقر، والكراهية للمستغلين ولنظامهم، كل هذه المشاعر التي تم قمعها الآن وكبتها بسبب البطالة المخيفة والقمع، سوف تشق طريقها إلى السطح بقوة مضاعفة مع أول بادرة حقيقية لانتعاش صناعي”.

إنها مسألة ملموسة جدا. فالعمال يرون أن المصانع تغلق أبوابها، ومناصب شغلهم مهددة، وأسرهم في خطر، والقادة النقابيون لا يقدمون أي بديل. وبالتالي فإن هذا سيكون له تأثير كابح على الإضرابات. لكن بمجرد ما سيحدث ولو انتعاش بسيط، ويرون أن أرباب العمل لم يعودوا يطردون العمال، بل صاروا يوظفون عمالا آخرين وأن الأرباح بدأت تتحقق، فإن هذا سيشكل محركا جبارا للنضال الاقتصادي.

على سبيل المثال، هناك فائض إنتاج عالمي من الصلب. هناك “الكثير جدا من الصلب” (في إطار النظام الرأسمالي). وهذا مرتبط بالانخفاض الحاد في صناعة السيارات. هناك حوالي 30 % من الفائض في قطاع إنتاج السيارات على الصعيد العالمي. صانعو السيارات يبيعون فائض مخزونهم، ويغلقون المصانع ويطردون العمال. لكن بمجرد ما سوف ينتهون من تصريف المخزون، سيبدأ الوضع في التحسن شيئا ما، مما سوف يشجع عمال السيارات على المبادرة بالنضال.

فلنعمل على أخذ مثال تاريخي: في الولايات المتحدة، ما بين سنة 1929 و1933، لم يسجل أي إضراب، ولم يتم تسجيل أي حركة باستثناء انتفاضات العاطلين. لكن وبمجرد ما حدث انتعاش بسيط، سنة 1933- 1934، اندلعت موجة هائلة من الإضرابات واحتلال المصانع، بما في ذلك إضراب مينيابوليس الذي قاده التروتسكيون.

كان لذلك تأثير فوري على المنظمات الجماهيرية في الولايات المتحدة. وأدى ذلك إلى تشكيل نقابة مؤتمر المنظمات الصناعية (CIO)، عبر انشقاق عن النقابة القديمة، الفدرالية الأمريكية للعمل. كانت (CIO) نقابة جد راديكالية نظمت القطاعات الغير منظمة من العمال. وسوف نشهد نفس العملية تتكرر مرة أخرى.

في نفس المقال كتب تروتسكي أنه على الثوري أن يكون صبورا. فانعدام الصبر هو أب الانتهازية والتطرف اليسراوي. وكتب أيضا أنه يجب إجبار كل واحد من أعضاء الحزب على الالتحاق بالنقابات. وأكد على ضرورة قيام الثوريين بخلق علاقات وثيقة بالمنظمات الجماهيرية، والنقابات على وجه الخصوص. ليس هذا من قبيل الصدفة، ففي ظل الأزمة يشعر العمال بالحاجة إلى المنظمات الجماهيرية للدفاع عن مصالحهم، وسوف تتأثر هذه المنظمات بالأزمة.

جهل البرجوازيين

قال تروتسكي في البرنامج الانتقالي إن البرجوازية تتجه نحو الكارثة بأعين مغلقة. تبدو هذه الكلمات كما لو أنها كتبت اليوم. إن البرجوازيين لا يفهمون شيئا؛ إنهم لا يفهمون ما الذي يحدث، إنهم يعيشون حالة رعب. وهذا هو السبب الذي يفسر لماذا هم يتخذون مثل تلك الإجراءات الغير مسئولة. إنها مؤشر عن اليأس.

وهذا بدوره ليس من قبيل الصدفة. لقد سبق للينين أن أشار إلى أن الرجل الواقف على حافة جرف لا يستطيع التفكير بعقلانية. والاقتصاديون البرجوازيون هم القسم الأكثر جهلا والأكثر غباء بين صفوف الرأسماليين. لقد تفاخروا طيلة السنوات العشرين الماضية وتباهوا بأنه لن يكون هناك مزيد من دورات الازدهار والكساد، وأن الدورة الاقتصادية قد ألغيت. إنها حقيقة فعلية، فخلال المرحلة الماضية كلها، وطيلة عقود من الزمان، لم يتمكن الاقتصاديون البرجوازيون أبدا من توقع ولو طفرة واحدة كما أنهم لم يتوقعوا ولو ركودا واحد.

وأود أن أضيف أن نفس الشيء ينطبق على الاقتصاديين الماركسيين. فعلى مر السنين سمعت الكثير من النظريات الرائعة التي طرحها العديد من الاقتصاديين الأذكياء الذين يزعمون أنه في مقدورهم التنبؤ بالدورة الاقتصادية. سوف أقول لكم شيئا: أتمنى لو أنهم كانوا على حق، وأن يخبروني سرا بالوصفة. سيصبح إذ ذاك بوسعنا أن نكسب الكثير من المال. لكن مع الأسف، لا بد لي أن أقول بأن التخمينات التي وضعناها بخصوص حركات الدورة الاقتصادية كانت في أكثر الأحيان مخطئة.

ليس هذا من قبيل الصدفة، فالاقتصاد ليس علما دقيقا، ولم يكن ولن يكون أبدا علما دقيقا. كل ما في مقدورك أن تعمله هو أن تشرح الاتجاهات العامة الكامنة للسيرورة وتستخلص تخمينا عاما بشأن توقيت الأحداث. لكن مع ذلك، يحق لنا أن نسخر قليلا من الاقتصاديين البرجوازيين. فقد عملوا على اختراع نظرية جديدة رائعة تسمى “فرضية كفاءة السوق”. إنها في الواقع نظرية جد قديمة، وليس هناك أي شيء جديد فيها. فهي تعود إلى الفكرة القديمة التي تقول: “إن السوق إذا ما ترك لنفسه قادر على أن يحل كل المشاكل. وسوف يتمكن من تحقيق التوازن لنفسه بنفسه. فما دامت الحكومة لا تتدخل، ولا تشوه آلية السوق الجميلة هذه، فإن كل شيء سيصير، عاجلا أو آجلا، على ما يرام”. وهو ما رد عليه جون ماينارد كينز قائلا: “عاجلا أم آجلا سنكون جميعا في عداد الأموات.”

بول كروغمان
بول كروغمان

لا أستطيع مقاومة الرغبة في الاستشهاد بمقتطفين من تصريحات اقتصاديين برجوازيين لامعين، يشكلان رمزا للإفلاس. الأول هو باري إيشنغرين، المؤرخ الاقتصادي اللامع، الذي كتب مؤخرا: “إن الأزمة ألقت ظلالا من الشك على كثير مما كنا نفهمه عن الاقتصاد”. والثاني هو بول كروغمان، الذي نال جائزة نوبل في الاقتصاد سنة 2008، أي في العام الماضي فقط، والذي قال: “لقد كانت نظرية الاقتصاد الكلي (macroeconomic theory) على مدى السنوات الثلاثين الماضية، في أفضل الأحوال عديمة الفائدة بشكل مذهل، وكانت في أسوء الأحوال ضارة بشكل فعلي“. إذن هذا هو الواقع: يعترف الاقتصاديون البرجوازيون بأنهم لا يمتلكون أدنى فكرة عن الاقتصاد، أو عن أي شيء آخر.

كل النظام ينهار. وهم الآن يحاولون أن يطمئنوا أنفسهم بالحديث عن “البراعم الخضراء” للانتعاش. لكن إذا ما نظرتم إلى الأرقام سترون أن الاقتصاد الأمريكي ما يزال يواصل السقوط، خاصة في القطاع الصناعي. بالرغم من أن الانهيار يبدو أقل سرعة مما كان عليه في السابق.

الديون

لدي هنا أرقام أصدرها صندوق النقد الدولي. لقد توقع حدوث انتعاش سنة 2010. إن هذا تخمين، ويمكنه أن يكون خاطئا، إلا أنني سوف أذكر هذه الأرقام على كل حال. هاهي أفضل منظوراتهم للسنة المقبلة: الولايات المتحدة ستحقق 0,8 % من النمو؛ وستحقق اليابان 1,7 % (يمكن لمن يعرف ولو شيئا بسيطا عن تاريخ اليابان أن يرى أنها نسبة جد هزيلة)؛ وستحقق الصين (التي ضخت مبالغ هائلة لإنعاش الطلب) 8,5 %، وسيواصل الاتحاد الأوروبي السقوط بـ 0,1 %.

وبالتالي فإن ما نشهده أمامنا هو في أفضل الأحوال انتعاش هزيل جدا، لن يكون مصاحبا بتحسن في مستويات العيش، بل بهجمات شرسة على شروط العيش والاقتطاعات من الإنفاق العمومي والرفع من نسبة الضرائب التي ستسقط على كاهل الطبقة العاملة والطبقة الوسطى. هل يعتبر هذا سيناريو للسلام والاستقرار الاجتماعي؟ إن انتعاشا بهذه المميزات سيؤدي إلى تأجيج غضب الطبقة العاملة وستصاحبه موجة من الإضرابات والإضرابات العامة، كونوا متيقنين من هذا.

دعونا نتطرق الآن إلى مسألة الديون. حقيقة الوضع هو أن البرجوازية، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، مرعوبة جدا من تأثيرات الركود العميق الشيء الذي يدفعها إلى ضخ الأموال والثروات في محاولة يائسة لتلافي تفاقم واتساع حدة الركود. وحسب صندوق النقد الدولي، سيصير الدين العمومي لأغنى عشرة بلدان، سنة 2010، 106 % من الناتج الداخلي الخام. بينما كان سنة 2007، يساوي 78 %. يعني هذا ارتفاع الدين الخارجي، خلال ثلاثة سنوات، بأكثر من تسعة تريليونات دولار. هذا وضع لا يصدق. وهو وضع غير مسبوق في التاريخ، ولا يمكن تحمله طويلا.

خلال سنوات الثلاثينات، لجأ هتلر إلى سياسات مشابهة من خلال برنامج كثيف للإنفاق العسكري. وفي الولايات المتحدة لجأ روزفلت إلى الخطة الجديدة، التي نقول عابرين إنها لم تؤدي إلى حل الأزمة في الولايات المتحدة. إن ما حل مشكلة البطالة في الولايات المتحدة ليس الخطة الجديدة، بل الحرب العالمية الثانية. ونفس الشيء يقال عن ألمانيا. كان على هتلر أن يدخل الحرب سنة 1938، لأنه لو لم يقم بذلك، فإن الاقتصاد الألماني كان سينهار. كان هذا هو السبب الجوهري للحرب العالمية الثانية: الحاجة الملحة للرأسمالية الألمانية لحل مشاكلها على حساب أوروبا.

عمل هتلر على حل المشكلة ببساطة عبر غزو أوروبا والاستيلاء على كل ثروات فرنسا ومنافسيه الإمبرياليين الآخرين. لكن منظور الحرب صار الآن مستبعدا. في أيامنا هذه، الرأسماليون الأوروبيون ينافسون الولايات المتحدة. من الذي سيقاتل ضد الولايات المتحدة؟ إن الفكرة في حد ذاتها مضحكة. لا يمكن أن تكون هناك حرب عالمية في ظل هذه الظروف. بطبيعة الحال، ستكون هناك حروب صغيرة في كل حين. الحرب في العراق حرب صغيرة، والحرب في أفغانستان حرب صغيرة، وهناك حرب صغيرة في الصومال. لكن حدوث حرب كبرى بين القوى الكبرى مسألة مستبعدة.

قلت إن أرقام الديون هذه غير مسبوقة، لكن الشيء الذي كان علي أن أضيفه هو إنها غير مسبوقة في زمن السلم. أما الحرب فهي مسألة أخرى. فبعد الحرب العالمية الثانية صار الدين العمومي البريطاني 250 % من الناتج الداخلي الخام. وكان الدين الأمريكي 100% من الناتج الداخلي الخام. كان ذلك نتيجة للحرب العالمية الثانية. لكنهم تمكنوا من حل مشكلة هذه الديون بفضل الازدهار الاقتصادي الهائل لما بعد 1945. لن أدخل في نقاش أسباب ذلك لأننا سبق لنا أن أشرنا إلى تلك الأسباب في وثائق أخرى (أنظر، تيد غرانت: Will there be a Slump?)

استمر ازدهار ما بعد الحرب حوالي ثلاثين سنة (حتى سنة 1974). لكنه لم يعد الآن على جدول الأعمال. ولا أحد يتوقع مثل ذلك المنظور. جميع الاقتصاديين البرجوازيون متفقون على أنه سيكون هناك مسلسل طويل ومؤلم من الصراع من أجل الخروج من الورطة التي هم فيها الآن. وبما أنهم لا يستطيعون الذهاب إلى الحرب، فإنه يجب على جميع التناقضات أن تنعكس داخليا على شكل صراع طبقي شرس. هذا هو المنظور الحقيقي للمرحلة المقبلة.

إن التراكم الهائل للديون يعني سنوات وعقودا من الاقتطاعات الكبيرة وفرض نظام تقشف قاس دائم.

يمكننا التعبير عن هذا بما يشبه معادلة: إن الطبقة السائدة في جميع البلدان لا تستطيع أن تتحمل استمرار التنازلات التي قدمت على مدى السنوات الخمسين الماضية، لكن الطبقة العاملة لا تستطيع أن تتحمل المزيد من الخفض في مستويات معيشتها. هذه هي الوصفة لاندلاع الصراع الطبقي في كل مكان. في البلدان الرأسمالية المتقدمة (بما في ذلك بلدان مثل السويد وسويسرا والنمسا). إن الصراع الطبقي على رأس جدول الأعمال. إن هذا المنظور هو أفضل منظور من وجهة نظرنا.

مرحلة كاملة من التقشف

على مدى خمسين عاما، وبفضل الازدهار الاقتصادي، في البلدان الرأسمالية المتقدمة (أوروبا والولايات المتحدة واليابان واستراليا، الخ.)، كانت الطبقة العاملة ومنظماتها قادرة على تحقيق ظروف حياة شبه متحضرة على الأقل. وقد كانوا يعتبرون هذه الشروط عادية لأنهم لم يعرفوا أي شيء آخر. لكن السنوات الخمسين الأخيرة لم تكن عادية على الإطلاق. لقد كانت استثناء تاريخيا، وليست الوضع الطبيعي في ظل الرأسمالية.

لنأخذ على سبيل المثال مسألة معاشات التقاعد. كان أول شخص طبق سياسة المعاشات هو بسمارك. لقد تفضل هذا البونابارتي الرجعي بإعطاء معاش التقاعد لجميع من يبلغ 70 عاما من العمر. في ذلك الوقت في ألمانيا، كان متوسط أمل الحياة هو 45 سنة. كان بسمارك رجلا ذكيا حقا! في الوقت الحاضر، يعتبر العمال في كثير من البلدان أنه من حقهم أن يحصلوا على بعض الأموال من الدولة عندما يصلون إلى 60 أو 65 سنة. إنهم يعتقدون أن ذلك أمر طبيعي، يعتبرونه حقا تلقائيا. لكنه ليس أمرا طبيعيا، كما أنه ليس حقا تلقائيا.

إن البرجوازية الآن تصرح بذلك علنا: “لا يمكننا تحمل هذا. لا يسعنا المحافظة على هذا العدد الكبير من العجائز والغير منتجين. المشكلة هي أن الناس يعيشون وقتا أطول من اللازم. عليهم أن يسدوا لنا معروفا ويموتوا في وقت مبكر!” اسمحوا لي أن أقتبس فقرة من افتتاحية صحيفة الإيكونوميست، عدد يوم 27 يونيو،: “سواء أحببنا ذلك أم لا، نحن بصدد العودة إلى عالم ما قبل بسمارك، حين لم يكن للعمل نقطة توقف رسمية”، أي بعبارة أخرى عليك أن تعمل حتى تسقط ميتا.

سوف تتعرض المعاشات للهجوم، بدءا من الولايات المتحدة الأمريكية. إن الرئيس أوباما يمثل القناع المبتسم للرأسمالية، وهو يحافظ على ابتسامة دائمة، فيما يشبه دعاية لمعجون الأسنان. لكن سرعان ما سوف يسقط هذا القناع اللطيف المبتسم. ووراء القناع المبتسم سيرى الشعب وجه الرأسمالية الحقيقي الوحشي والهمجي والقبيح. ليست هذه الهجمات مسألة غباء، أو لأنهم بلداء (على الرغم من أنهم حقا بلداء)، إنها مسألة ضرورة حتمية. ليس لديهم، من وجهة النظر الرأسمالية، خيار إلا أن يفعلوا هذا.

من وجهة نظر اقتصاد السوق عندما يقول الرأسماليون إنهم لا يستطيعون تحمل هذه الإصلاحات، يكونون بصدد قول الحقيقة: يتحتم عليهم أن يقوموا بالاقتطاعات، تلو الاقتطاعات، تلو الاقتطاعات، حتى عندما يكون هناك نمو اقتصادي. لقد طالبت شركة الطيران البريطانية (British Airways) عمالها مؤخرا أن يشتغلوا بدون مقابل، فقد قالوا للعمال: “لا يمكننا أداء أجوركم”. خلال شهر يناير الماضي وافق سائقو الشاحنات، الذين يعتبرون قطاعا قويا من قطاعات الطبقة العاملة الأمريكية، على خفض الأجور بنسبة عشرة في المائة.

ما هي الخلاصة التي يمكن للمرء أن يستخلصها من هذا؟ هل نقول إن مستوى الوعي منخفض بين العمال هناك، وبأن العمال ليسو ثوريين، أي نكرر نفس تلك الترهات المألوفة التي نسمعها بين صفوف التحريفيين والعصب؟ كلا! إننا لا نستخلص مثل هذه الخلاصات. نحن نعتبر أن مثل هذه الأشياء نتيجة حتمية للفترة التي نمر منها، التي هي فترة انتقالية بين مرحلة وأخرى، مختلفة جدا.

الغليان في المجتمع

إن ما وصفناه ليس سيرورة بسيطة أو موحدة. فهناك بعض الإضرابات المريرة التي تحدث، حتى في الوقت الحالي. هناك عمليات احتلال للمصانع، ليس في أمريكا الجنوبية فقط، بل حتى في بريطانيا حدثت بعض عمليات احتلال المصانع. قبل أسبوع واحد حدث احتلال لمصنع في جزيرة وايت. لست أدري هل سبق للرفاق أن سمعوا من قبل بجزيرة وايت؟ إنها جزيرة صغيرة على الساحل الجنوبي لانجلترا حيث يذهب الأغنياء للعب بيخوتهم، وحيث يقضي الناس أيام العطل، وحيث يفوز حزب المحافظين دائما بأغلبية كبيرة. إنها تشبه، بالنسبة للرفاق الفنزويليين، جزيرة مرغريتا، باستثناء أن الأمطار فيها تهطل طوال الوقت، ولولا ذلك لكان كل شيء جيدا.

قبل أسبوع نظم عمال أحد المصانع في جزيرة وايت عملية احتلال. هذا واقع، وهو واقع هام جدا، لكن يجب علينا أن نكون حذرين بخصوص هذا الموضوع. إذا قلت إن هذه هي الصورة العامة للعمال في بريطانيا، سيكون ما أقوله خاطئا، إنها ليست الصورة العامة، في هذه المرحلة. سوف يأتي هذا في وقت لاحق. لكن ليس بعد. إلا أنه مع ذلك، لا يمكن للمرء أن يرسم علاقة أوتوماتيكية بين الإضرابات وبين التجذر، الذي يمكنه أن يعبر عن نفسه بطرق عديدة. لا يتوقع الماركسيون اندلاعا فوريا لعدد كبير من الإضرابات في ظل أزمة عميقة: سيكون مثل هذا المنظور غير واقعي تماما. هناك في واقع الأمر مستوى منخفض جدا من الإضرابات: في بريطانيا، وإيطاليا، وفرنسا، والولايات المتحدة. إلا أن هذا القول لا يكفي لفهم الصورة كاملة.

هناك غليان هائل في المجتمع، وهناك تشكيك واسع النطاق في مشروعية النظام الرأسمالي، لم نكن نسمعه من قبل. هذا هو حقل اشتغالنا؛ إنه الحقل حيث يمكن لأفكارنا أن تحدث أثرا كبيرا. هذا تحول، وهو تحول مهم. سوف يؤدي حتما إلى خلق ظروف مواتية لتطور التيار الماركسي. قلت إنه لم يكن في أمريكا، من سنة 1929 حتى سنة 1933، أية إضرابات تقريبا، لكن الحزب الشيوعي الأميركي نما بسرعة كبيرة في تلك الأيام، بين صفوف العاطلين عن العمل والسود على وجه الخصوص.

“العالم الثالث”

إن ما يصدق على البلدان الرأسمالية المتقدمة يصدق عشر مرات على بلدان ما يسمى بـ “العالم الثالث”. إنني لا أحب مصطلح “العالم الثالث”، أعتقد أنه مصطلح غير علمي لكنني لا أستطيع التفكير في مصطلح بديل، أشير من خلاله إلى أجزاء من آسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وإفريقيا.

قال ماركس إن الخيار أمام الإنسانية هو إما الاشتراكية أو الهمجية، وهذا صحيح بشكل مطلق. لقد كانت إفريقيا جنوب الصحراء، حتى في أوج الازدهار الاقتصادي، تعيش وضعا كارثيا بشكل تام: تصفية عرقية رهيبة في رواندا، حرب أهلية مدمرة في الكونغو لم يتحدث عنها أي أحد، وحيث ذبح خمسة أو ستة ملايين شخص على الأقل. والآن هناك حرب وحشية تجري في الصومال. وفي الآونة الأخيرة قال استراتيجي أمريكي: “كلكم قلقون بخصوص ما يجري في أفغانستان، يجب أن تكونوا أكثر قلقا إزاء باكستان والصومال، حيث يمكن أن تحدث تطورات مماثلة”.

لكن حتى في إفريقيا هناك بلدان ذات أهمية حاسمة ، حيث توجد طبقة عاملة جبارة: نيجيريا ومصر، حيث شهدنا اندلاع إضرابات كبيرة. إلا أن البلد الحاسم في إفريقيا السوداء هو جنوب إفريقيا. لقد وصل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي إلى السلطة على قاعدة مساومة خيانية، واستسلام تام. لم تحقق جماهير العمال السود أي شيء من وراء ذلك الاتفاق. كل ما حصل هو اندماج برجوازية سوداء وطبقة وسطى سوداء بالمستغِلين البيض، وهناك قسم من البرجوازيين داخل صفوف المؤتمر الوطني الإفريقي بقيادة تابو مبيكي، الذي كان في السابق قائدا ستالينيا وصار الآن برجوازيا كاملا، ونتيجة لذلك حدث انقسام هائل داخل المؤتمر الوطني الإفريقي.

لقد تأثرت جنوب إفريقيا بحدة بالأزمة الاقتصادية، بالرغم من أنها لم تعاني من أية أزمة منذ 17 سنة. لكنها الآن تواجه ركودا عميقا، ويصل المعدل الرسمي للبطالة إلى 23.5 %، أما المعدل الحقيقي فهو أكبر بكثير. لقد عوض زوما، مبيكي ومن الواضح أن جماهير السود اعتقدوا أن زوما سيكون أفضل من مبيكي، وأنه سوف يدافع عن مصالحهم. إلا أن الأسبوع الماضي شهدت جنوب إفريقيا اندلاع إضراب هائل. تطالب نقابة عمال البلديات بالرفع من الأجور بـ 15 %. ويبدو أنهم سوف يحققون ذلك. لكن حدثت مواجهات بينهم وبين قوات الشرطة، وأقيمت المتاريس وعملت الشرطة على إطلاق الرصاص المطاطي على العمال. وقد جرح 12 عاملا على الأقل، خلال هذه المواجهات، وما يزال الوضع مرشحا للتصاعد. وبالتالي فإن الحركة الثورية بدأت تمتد إلى أهم بلد في إفريقيا، أي جنوب إفريقيا.

لن أقول الكثير حول أمريكا اللاتينية لأنه سبق لنا أن قلنا ما يكفي عنها. إنها ما تزال أهم معقل للثورة العالمية. في فنزويلا استمرت الثورة أكثر من عشر سنوات، مما يشكل وضعا لا يصدق، إذ لم نر من قبل في التاريخ حالة ثورية تستمر كل هذه المدة. لكن تطرح هنا مشكلة القيادة الثورية. إن تشافيز رجل شجاع ونزيه جدا، لكن إجراءاته تجريبوية وارتجالية، وهو يصوغ برنامجه بينما هو يسير. إنه يحاول التوازن بين الطبقة العاملة والبورجوازية، الشيء الذي يعتبر مستحيلا تماما. ولا يمكن الاستمرار على هذا المنوال.

لقد تمكنوا من الاستمرار كذلك لمدة طويلة جدا بسبب الوضع الاقتصادي. فكما قال لينين: إن السياسة تكثيف للاقتصاد. إن ارتفاع أسعار النفط أنقذهم. وكانوا قادرين على تقديم التنازلات، وتطبيق الإصلاحات، وتمويل البعثات، وهلم جرا، ولكن كل هذا انتهى. فسعر النفط قد انخفض. لقد تعافى قليلا في الآونة الأخيرة، لكن هذا غير كاف. ووفقا للأرقام التي اطلعت عليها، وصل معدل التضخم حوالي 30 ٪. وبالتالي حدث هبوط في الأجور الحقيقية. كثير من نظم الرعاية بدأت تعاني من الاقتطاعات ومعدلات البطالة آخذت في الارتفاع.

أنا لا شك في أن العمال الفنزويليين ما يزالون موالين لتشافيز، لكن ليس لدي أي شك أيضا في أن العديد من العمال، حتى أنصار تشافيز الأوفياء، صاروا يقولون، ويفكرون: “أي نوع من الثورة هذا؟ أي نوع من الاشتراكية هذا؟ هل سنعمل على حل هذه المشاكل أم لا؟” ويجب أن يكون لهذا انعكاس داخل الحزب الاشتراكي الفنزويلي الموحد، الذي سيعقد مؤتمره هذا الخريف.

لقد تبقرط الحزب بشكل كبير والقيادة تحت سيطرة الإصلاحيين، إلا أن الضغط من تحت سوف يكون موجودا. هناك تقاطب حاد بين اليمين واليسار في فنزويلا، ولابد أن ينعكس هذا التقاطب داخل صفوف الحركة البوليفارية نفسها. الشيء الذي سيخلق ظروفا جد ملائمة أمام التيار الماركسي.

يمكنكم أن تروا كم كنا على صواب عندما أكدنا بإصرار على الدور المركزي للمنظمات الجماهيرية. قلنا إن الحركة الجماهيرية في جنوب إفريقيا سوف تعبر عن نفسها من خلال حزب المؤتمر الوطني الإفريقي والحزب الشيوعي، وبالطبع من خلال نقابة COSATU [مؤتمر النقابات الجنوب إفريقية]. لقد تأخر حدوث ذلك قليلا، وقد تأجلت السيرورة بشكل عام بسبب الوضع الاقتصادي. علينا أن نتحلى بالصبر. لكن في جنوب إفريقيا ها هي منظوراتنا تتحقق أمام أعيننا.

نفس الشيء سوف يحدث في فنزويلا أيضا، لأن رفاقنا هناك قاموا بعمل رائع، حيث يجمعون بين الصرامة النظرية وبين المرونة التكتيكية اللازمة، ويؤكدون دائما على دور الحركة البوليفارية والحزب الاشتراكي الفنزويلي الموحد. وأعتقد أنه خلال السنوات القليلة القادمة سوف تتحول منظمتنا إلى جناح معارضة يسارية جماهيرية داخل الحزب الاشتراكي الموحد، الذي نشارك فيه، بطبيعة الحال، بتخصيبه بالأفكار الماركسية.

نرى في المكسيك أيضا أهمية القيادة. فسنة 2006، لم يكن على لوبيث أوبرادور إلا أن يشير بأصبعه الصغير حتى يحصل على ثورة اشتراكية ظافرة في المكسيك، حيث كان ملايين الناس في الشوارع. لكن ولأن لوبيث أوبرادور مجرد إصلاحي، وأعتقد أنه كان خائفا من الحركة أكثر حتى من كالديرون نفسه، فإنه عمل على وضع العراقيل في طريق الحركة. الشيء الذي أدى، بطبيعة الحال، إلى إحباط الجماهير. وفي الانتخابات الأخيرة تكبد حزب الثورة الديمقراطية (PRD) الهزيمة بينما حصل الحزب الثوري الدستوري (PRI) على فوز كبير.

هل يعني هذا أن العمال المكسيكيين رجعيون، أو أنهم أصبحوا فجأة محافظين؟ يتوجب علينا أن نفهم سيكولوجية العمال المكسيكيين. لقد دعموا حزب الثورة الديمقراطية، دعموا لوبيث أوبرادور، لكن هناك أزمة اقتصادية حادة في المكسيك. وتعتمد مناطق بأسرها في المكسيك على العمال المشتغلين في الولايات المتحدة (يصدق هذا بشكل أكبر على بلدان أمريكا الوسطى، كما ترون في الهندوراس أو السلفادور). وعندما يسرح هؤلاء العمال لا يعود في مقدورهم أن يبعثوا بالأموال إلى عائلاتهم. إن هذه كارثة. الشيء الذي يفسر الغليان الذي تعرفه الهندوراس، وسيكون هناك غليان مشابه في جميع بلدان أمريكا الوسطى.

لكن العمال أناس عمليون جدا. فالعامل المكسيكي ينظر إلى حزب الثورة الديمقراطية وإلى قيادته، فيقول: “إن هؤلاء الناس ميئوس منهم، إنهم لا يفعلون شيئا. أنا بحاجة إلى الطعام، وأحتاج إلى عمل. عندما كان الحزب الثوري الدستوري في السلطة، كنا نعرف أنهم رجال عصابات فاسدين، لكنهم على الأقل أعطوني شيئا لآكله، وكان لذي منصب شغل”. وبالتالي صوت الكثير من الناس للحزب الثوري الدستوري، ليروا ما إذا كان سيفعل شيئا من أجلهم. إن الحزب الثوري الدستوري لن يفعل شيئا من أجلهم، وسوف يشوه سمعته في القريب العاجل. وسوف يسترد حزب الثورة الديمقراطية عافيته على أساس المزيد من التجذر نحو اليسار.

هل هناك خطر الفاشية؟

في ظل هذا الوضع، الذي هو وضع انتقالي، سنجد جميع أنواع التناقضات، ليس فقط في أمريكا الجنوبية، لكن أيضا في أوروبا والعالم أجمع. خلال الانتخابات الأوروبية الأخيرة، تعرض الاشتراكيون الديمقراطيون، على وجه الخصوص، لهزيمة ثقيلة. وفي بعض البلدان اكتسب اليمين المتطرف بعض الدعم. نحن نعرف أن العصب اليسارية المتطرفة تعاني من مشاكل نفسية خطيرة، فهي تعاني من التشنج العصبي، وكلما حصلت أحزاب اليمين المتطرف على بعض الأصوات الإضافية، تبدأ تلك العصب على الفور في العويل، وتصرخ : “الفاشية، الفاشية، الفاشية!”.

هذا هراء وجنون. إن ميزان القوى الطبقي في جميع البلدان يقصي إمكانية صعود الفاشية في هذه المرحلة. قبل الحرب كانت الطبقة العاملة، في بلدان مثل إيطاليا وحتى ألمانيا، واسبانيا، تشكل أقلية في المجتمع. وحتى في ألمانيا كانت هناك طبقة ضخمة من الفلاحين الذين يسهل كسبهم بالخطابات الديماغوجية لليمين المتطرف والأحزاب الفاشية. وقد كان نفس الوضع موجودا حتى في فرنسا قبل الحرب. لكن الآن كل هذا انتهى. لقد اختفت طبقة الفلاحين تقريبا في أغلب البلدان الأوروبية، والطبقة العاملة الآن تشكل أغلبية حاسمة في المجتمع.

خلال سنوات الثلاثينات كان الطلبة، في جميع البلدان، أبناء الأغنياء (لم يكن هناك سوى القليل من البنات في الجامعات آنذاك). أغلبهم كانوا محافظين وعدد كبير منهم كانوا فاشستيين ونازيين. وقد كان الطلبة في بريطانيا، سنة 1926، كاسري إضرابات. وفي ألمانيا وإيطاليا والنمسا، كان أغلب الطلاب فاشستيين. هل هذا هو الحال السائد اليوم؟ اذكروا لي أي بلد في العالم يسيطر فيه الفاشستيون على الطلاب. على العكس تماما، إن الطلاب في أغلب بلدان العالم يساريون، بل حتى ثوريون.

ومن ثم فإنه من السخف الحديث عن الفاشية مثلما كان الحال في الثلاثينات. إن الفاشيين عندما يوجدون، لا يشكلون سوى منظمات صغيرة. يمكنهم أن يكونوا جد خطيرين، وعنيفين ويلجئون إلى الاستفزازات، لكن ليس هناك أي احتمال لكي يستولوا على السلطة. وعلى كل حال، إن الطبقة السائدة لن تستطيع اللجوء إلى الردة الرجعية السافرة إلا بعد تعرض الطبقة العاملة لسلسلة من الهزائم الثقيلة جدا. كان هذا هو الحال في ألمانيا، وكان هذا هو الحال في إيطاليا أيضا، واسبانيا أيضا في الفترة ما بين 1919-1939. لذا، فقبل وقت طويل من أن تطرح مسألة الردة الفاشية، سيكون العمال في أوروبا وأمريكا اللاتينية قد حاولوا مرات عدة الاستيلاء على السلطة. هذا هو الوضع الحقيقي.

يمكنكم أن تقولوا إنه يوجد في بوليفيا حركة فاشية. هناك على الأقل الفاشيون منخرطين في صفوف حركة المعارضة اليمينية. خلال السنوات القليلة الماضية كان في مقدور الطبقة العاملة البوليفية الباسلة، في مناسبتين اثنتين على الأقل، أن تأخذ السلطة بسهولة. فإذا لم تكن قد أخذت السلطة، فإن ذلك ليس ذنبها، بل هو ذنب القيادة. لقد أشعل العمال البوليفيون انتفاضتين ثوريتين. لقد أطاحوا بحكومتين. أسألكم، ما الذي يمكن للمرء أن يطلبه أكثر من عمال بوليفيا؟ ما هو المتوقع منهم أكثر ليقوموا به؟ لكنهم فشلوا بسبب القيادة التي لم يكن لديها أي منظور للاستيلاء على السلطة.

ومن ثم انتهى الأمر بصعود حكومة إيفو موراليس الإصلاحية. وقد فتح ذلك مرحلة من الصراع الطبقي الحاد في بوليفيا، لم يحسم مصيره بعد. إن مصيره رهين بقدرة الماركسيين البوليفيين على تشييد القيادة الثورية، وأنا جد سعيد بأن أعلن أن التيار الماركسي الأممي قد وافق للتو على التحاق فرعين جد هامين، هما: الفرع البوليفي والفرع المغربي.

العلاقات الدولية

أوباما
الجندي يقول: نعم، نستطيع [شعار أوباما الانتخابي]، ومكتوب على جيبه: الجيش الأمريكي في العراق أوباما يفكر: نعم، أستطيع، ويطبعه بخاتم: يرسل إلى أفغانستان
وعنوان الصورة: أوباما “رجل سلام”، لذا فهو يريد إخراج جيوشه من العراق وإرسالهم إلى أفغانستان. رسم: latuff

أيها الرفاق، إن الوضع العالمي يسبح الآن في مياه مجهولة. يحاول الأمريكيون في الوقت الحالي أن يخرجوا من العراق. إن أوباما “رجل سلام”، لذا فهو يريد إخراج جيوشه من العراق وإرسالهم إلى أفغانستان. أتعلمون، لو أنني كنت جنديا أمريكيا في بغداد، لكنت فضلت أن أبقى حيث أنا! إن الأمريكيين لا يستطيعون كسب الحرب في أفغانستان، وقد تسببوا في ضرب استقرار باكستان.

لقد ناقشنا خلال اجتماع اللجنة التنفيذية الأممية الوضع في الهندوراس، ومن الواضح أن الطبقة السائدة الأمريكية منقسمة على نفسها. من الواضح أن وكالة المخابرات الأمريكية والمافيا الرجعية كانتا متورطتين في الانقلاب الذي شهدته الهندوراس. لكن هذا لم يعجب أوباما، فلديه سياسة خارجية مختلفة، سياسة خارجية أكثر “ذكاء” من سياسة سابقه. لقد كان جورج بوش ممثلا غبيا للرأسمالية الأمريكية. لا أعتقد أن يكون قد قرأ ولو كتابا واحدا في حياته، باستثناء الكتاب المقدس ربما، وحتى في هذه الحالة، لا أعتقد أنه قد تجاوز الفصل الأول من سفر التكوين. لو أنكم جلستم إلى جوار بوش ونظرتم في أذنه لرأيتم ضوء النهار من الجهة الأخرى! إنه يمثل القسم الأكثر غباء والأشد رجعية بين صفوف الطبقة السائدة الأمريكية، أي مافيا تكساس. وهم ما يزالون جد مؤثرين في السياسة الأمريكية.

كان بوش يريد وضع الصواريخ النووية في جمهورية التشيك وبولندا، وهو الشيء الذي لم يعجب الروس مطلقا، إذ أنهم اعتبروا، لسبب ما، أن هذه الصواريخ ستكون موجهة إليهم! وقد قال بوش: لا، لا،لا، إنها ليست موجهة ضد روسيا، لا تقلقوا إنها موجهة ضد إيران. إذن هو سيضع الصواريخ في بولندا من أجل استهداف إيران! هذا جنون، والروس لم يكونوا مسرورين، وقالوا، الآن كفى. وقد أوضحوا موقفهم بشكل تام عندما قاموا بغزو جورجيا. حيث قالوا للأمريكيين: “لقد بلغ السيل الزبى”

ذهب أوباما ليلتقي الرئيس الروسي ميدفيديف وقد حمل ابتسامته الشهيرة معه. لكنه، بطبيعة الحال، لم يكن يتحاور في الواقع مع ميدفيديف، بل مع بوتين. ليس ميدفيديف سوى دمية في يد بوتين. وبالتالي فإن أوباما استهلك ابتسامته دون أي جدوى. قال له بوتين: لا حاجة لنا بابتسامتك، سيدي الرئيس، فقط اسحب صواريخك من بولندا. وسيضطر الأمريكيون إلى القيام بذلك. إن هذا يبين حدود قوة الإمبريالية الأمريكية.

يبين الشرق الأوسط حماقة سياسة بوش. فكل ما نجح في تحقيقه هو ضرب استقرار كل المنطقة. جميع الأنظمة الموالية للغرب معلقة بخيط رفيع. لبنان معلق بخيط رفيع، نفس الشيء بالنسبة للأردن وكذلك المغرب. وقد ارتعبت تلك الأنظمة من المظاهرات التي اندلعت خلال الحرب الإسرائيلية على غزة.

كتبت في يناير الماضي مقالا عن الحرب في غزة، وكان ذلك قبل انتخاب أوباما. وقد توقعت في ذلك المقال أن أوباما سيسارع إلى الوصول إلى اتفاق مع سوريا وإيران بمجرد ما سيصل إلى السلطة، لكي يتمكن من الخروج من العراق. وهذا بالضبط ما حدث. وكما سبق لي أن شرحت، من بين أسباب غزو إسرائيل لغزة كان هو توجيه الإسرائيليين لرسالة تحذير لأوباما مفادها: “لا تنس أننا هنا. لا تتوهم أنه بمقدورك عقد اتفاق من وراء ظهورنا”، لأن سوريا وإيران سيطلبون بعض الأشياء في مقابل التعاون مع الولايات المتحدة. قالوا له: “لا يمكنك أن تقوم بأي شيء في الشرق الأوسط بدون موافقتنا”، وهذا صحيح.

يود أوباما التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، لأن ذلك سيساعد أصدقائه في الشرق الأوسط، وسيكون ذلك مفيدا جدا بالنسبة له. لكن للإمبرياليين الإسرائيليين مصالحهم الخاصة وهم غير مستعدين للتوصل إلى أي اتفاق. إن نتانياهو يقول: “نعم، إننا نريد التوصل إلى اتفاق”، لكنه يضع شروطا لا يمكن للفلسطينيين أبدا أن يقبلوا بها. إنه يطلب منهم أن ينزعوا سلاحهم، أي إنه، في الواقع، يطلب منهم أن يقبلوا بالسيطرة الإسرائيلية عليهم.

أي نوع من الدول ستكون تلك الدولة الفلسطينية؟ وأي استقلال سيكون ذاك؟ إن هذا يذكرني بعبارة قالها مارلون براندو في فيلم The Godfather: “لقد اقترحت عليه عرضا، لا يمكنه أن يرفضه”، باستثناء أن المعنى هنا مختلف، حيث أن نتانياهو يقول: “لقد اقترحت عليه عرضا، لا يمكنه أن يقبله”. إنهم جميعا مافيا. لكن هذه هي طبيعة الدبلوماسية البرجوازية. وسأكرر هنا ما سبق لنا أن قلناه عدة مرات: لا يمكن أن يكون هناك أي حل للقضية الفلسطينية على قاعدة الرأسمالية.

إيران

إن ما حصل في إيران فاجئ أغلب الناس. إذ بدا ذلك وكأنه برق ينزل من سماء صافية زرقاء. لكن التغيرات المفاجئة والحادة من هذا النوع مسألة كامنة في صلب الوضع القائم. في الواقع لقد تمكنت أمميتنا من توقع حدوث مثل هذه الأحداث، ليس الآن، بل قبل عشرة سنوات مضت، إبان أول تحرك قام به الطلاب.

وقد كتبت آنذاك مقالا عنوانه: “The First Shots of the Iranian Revolution” [الطلقات الأولى للثورة الإيرانية]. وها نحن الآن نشهد الفصل الثاني من الثورة. أيها الرفاق، ما أروعها من حركة هذه! لقد كانت حركة ملهمة. فبعد ثلاثين سنة من الحكم الديكتاتوري الوحشي العنيف، بعد ثلاثين سنة من حكم نظام همجي، مبني على المزاوجة بين أشد أنواع الرجعية والتعصب الديني، ويلجأ إلى أشد أنواع القمع والاغتيالات والاختطافات والتعذيب، ها نحن رأينا دخولا ثوريا للجماهير إلى مسرح التاريخ.

هذا هو الرد المفحم على جميع هؤلاء الجبناء والمتشائمين، والكلبيين، والماركسيين السابقين، والشيوعيين السابقين، وجميع هؤلاء الذين شككوا في إمكانية اندلاع الحركات الثورية في عصرنا الحالي. فبالرغم من كل القمع الرهيب، خرج مليون شخص إلى شوارع طهران، وربما مليونان. لقد كانت تلك حركة ثورية مذهلة. إلا أنه ما يزال هناك بعض اليساريين المزيفين، والماركسيين المزيفين، من قبيل جيمس بيتراس (James Petras)، الذين يرتكبون خطئا بسيطا جدا: حيث أنهم عاجزون عن رؤية الفرق بين الثورة والثورة المضادة.

لقد سبق للينين أن شرح الشروط الأربعة للثورة. وقد سبق لنا أن ذكرناها، لكننا سوف نعيد ذكرها مجددا. الشرط الأول هو حدوث انشقاق في القمة، انشقاق داخل صفوف الطبقة السائدة: أي أن الطبقة السائدة لم تعد قادرة على الحكم بالطرق التي استخدمتها في الماضي. لقد رزح الشعب الإيراني، طيلة ثلاثين سنة، تحت ثقل هذا الحكم الدكتاتوري، الذي قمع جميع الحريات بدون استثناء. لقد حاول الملالي [رجال الدين] التحكم في الطريقة التي يفكر بها الناس، والطريقة التي يعيشون بها، والتحكم فيما يفعلونه، وما يلبسونه. إن إيران بلد شاب جدا، وهو بلد شاسع جدا، و70% من سكانه شباب سنهم أقل من ثلاثين سنة، لم يعرفوا في حياتهم أي نظام آخر ما عدا هذا. وبعد ثلاثين سنة، ها هي الجماهير قد سئمت من حكم الملالي.

لقد مثل آية الله الخميني صورة “السيد الطاهر”، في مواجهة الشاه الفاسد وعصابته الموالية للغرب. وفي هذا السياق أشير إلى كم هي قذرة ومقززة ومنافقة تلك الأنظمة الغربية الديمقراطية المزيفة. فسنة 1953، عندما كانت هناك حكومة برجوازية ديمقراطية في إيران، وهي المرة الأولى التي يشهد فيها تاريخ إيران صعود مثل هذه الحكومة، بقيادة لبرالي يدعى مصدق، كان هؤلاء الإمبرياليون المجرمون يريدون السيطرة على ثروة البلد النفطية. فقام البريطانيون والأمريكان ووكالة المخابرات الأمريكية بإسقاط مصدق وأقاموا دكتاتورية الشاه الهمجية، التي كانت واحدة من أكثر الأنظمة الدكتاتورية دموية في القرن العشرين.

لقد كان نظام الشاه نظاما شديد الفساد. فقد كان الناس في هذا البلد الغني بالنفط يتضورون جوعا، بينما كان الشاه يتباهى علنا بأشد مظاهر البذخ. لقد كان الشاه يمتلك جهازا قمعيا هائلا، وأحد أكبر الجيوش في العالم، وكان بوليسه السري يعرف باسم سافاك، والذي كان يسيطر على كل تفاصيل الحياة، لقد كان جهازا جد فعال، مثله مثل الغيستابو. لقد كانت لديه عادات جد مسلية من قبيل شوي الناس حتى الموت بالكهرباء. كان هذا هو النظام الذي أقامه البريطانيون والأمريكان ودعموه حتى النهاية.

وقد سقط هذا النظام بثورة 1979، التي لعب فيها العمال الإيرانيون دورا حاسما. لقد واجهوا تلك الأجهزة القمعية في الشوارع. لقد سلحوا أنفسهم، لأن الجنود فروا بكثافة، وقدموا أسلحتهم للشعب. ليس معروفا لدى الجميع أن العمال الإيرانيين قد أقاموا مجالس سوفييتات، أطلقوا عليها اسم: شوراس. لقد كانت السلطة بين يدي الطبقة العاملة. لكن مع الأسف لم يرد الحزب الشيوعي الإيراني أن يحسم السلطة. وقد ساعد عصابة الخميني على أخذ السلطة. فقال لهم الخميني: شكرا جزيلا لكم، ثم قام بحضر الحزب الشيوعي ووضعهم في السجن.

إن الثمن الذي دفعه الشعب الإيراني كان هو صعود هذا النظام الدكتاتوري الأصولي الوحشي واستمراره طيلة ثلاثين سنة. لكن هذا النظام قد انتهى الآن. والشيء الوحيد الذي يبقيه قائما هو الخوف، لكن وكما ترون بدأ هذا الخوف يتبخر. هناك دائما جانب مضحك في السياسة. وأنتم ترون هذا هنا؛ من جد المضحك أن نرى ما حصل. فقد كان، المرشد العام، خامينئي، جد واثق من أنه سمح بتنظيم حملة انتخابية حرة نسبيا. لقد كان واثقا من ذلك لأنه كان سيزور الانتخابات. لقد فحص رجال الدين بدقة جميع المترشحين، وعملوا على إقصاء 400 مترشح، وبما أن كل الأربعة مترشحين الذين أبقي عليهم كانوا جميعا من رجال النظام، فإنه لم يكن هناك من مشكلة، أو هكذا بدا الأمر…

لكن بعد ذلك حدث شيء غريب. كان هيغل يقول، وطالما ردد لينين ذلك، إن الضرورة تعبر عن نفسها من خلال الصدفة. لقد كان موسوي صدفة، كان واحدا من رجالات النظام. كان رئيسا للوزراء خلال زمن الحرب على العراق. لكنه بعد ذلك شارك في بعض النقاشات التلفزيونية حول الاقتصاد، الذي يعتبر أهم قضية مطروحة في إيران مع انهيار أسعار النفط. وبالتالي فقد عكست هذه النقاشات الكثير من السخط والكثير من المصالح المتضاربة.

وبالمناسبة، صحيح أن أحمدي نجاد كان قد قام ببعض الإصلاحات. لقد كان بإمكانه ذلك لأنه كان يمتلك أموال النفط. فقدم بعض المساعدات للفلاحين الفقراء في البوادي على وجه الخصوص، الشيء الذي جعله يحصل على قاعدة دعم بين صفوف هذه الشرائح. لكن قاعدة الدعم هذه بدأت تتآكل بشكل متصاعد، وأوضاع الجماهير بدأ تصبح أسوء فأسوء وقد شهدت إيران اندلاع موجة من الإضرابات. عند ذلك، حدث شيء غريب خلال الحملة الانتخابية. في الماضي لم يكن الناس يهتمون بالانتخابات، وفي الغالب لم يكونوا يكلفون أنفسهم عناء التصويت. لكن خلال هذه الانتخابات شهدت الشوارع تنظيم مسيرات هائلة في طهران. وقد بين هذا الواقع حصول تغير في مزاج الجماهير.

بالرغم من أن موسوي لم يكن يمثل أي معارضة حقيقية، فإن الجماهير رأت فيه مرشحا معارضا ومن ثم فإنها رأت فيه فرصة لتوجيه ضربة إلى النظام. كان أغلب الملاحظين مقتنعين بأن موسوي سيفوز بالانتخابات. من المستحيل أن نقول ما هي الأرقام حقيقية، إذ لن نعرفها مطلقا، لكن النظام ارتكب خطأ. فقد ظهر أحمدي نجاد فورا على شاشة التلفزيون وأعلن أنه سيفوز بأغلبية ساحقة. فحتى في البلدان الرأسمالية المتقدمة تكون هناك حاجة إلى بعض الوقت قبل الإعلان عن النتائج النهائية. أما إيران فبلد شاسع جدا ولديه بنية تحتية جد متخلفة في المناطق القروية. وبالتالي كيف تمكن أحمدي نجاد من القيام بهذا التصريح بهذه السرعة؟

لو أنه قال: “لقد فزت بأغلبية ضئيلة”، لكان بعض الناس قد صدقوه ربما. لكنه عوض ذلك أعلن فوزا ساحقا، والناس لم يصدقوا ذلك. فحدثت ردة فعل فورية. حيث خرج الشعب إلى الشوارع: الطلاب (الذين كانوا أول من خرج في البداية)، وأيضا أشخاص من الطبقة الوسطى، والمعلمون، أي هؤلاء الناس الذين كانوا يدعمون النظام في السابق. وقد لعبت النساء دورا هائلا، على اعتبار أن النساء هن إحدى أكبر ضحايا هذا النظام.

دعونا نذكر أنفسنا بالشروط التي وضعها لينين، أي الشروط الأربعة للثورة:

  1. أن يكون النظام منقسما على نفسه؛ أن يكون النظام في أزمة.
  2. أن تكون الطبقة الوسطى تتذبذب بين قوى الثورة وبين الطبقة السائدة.
  3. أن تكون الطبقة العاملة مستعدة للنضال وتقديم التضحيات الجسام.
  4. وجود الحزب والقيادة الثورية.

إن النظام في إيران يعيش انشقاقا من قمته إلى قاعدته. وهذا يحدث دائما في بداية أية ثورة عبر التاريخ. لقد حدث هذا في فرنسا سنة 1789 وفي روسيا خلال فبراير 1917. عندما يدخل النظام في مأزق بدون مخرج، يظهر خلاف بين جناحين في القمة. جناح يقول: يجب علينا أن نقوم ببعض الإصلاحات من فوق من أجل تلافي حدوث ثورة من تحت. بينما يقول الجناح الآخر: لا، إذا ما بدأنا في الإصلاحات من القمة فستحدث ثورة من تحت، فلنحافظ على الأوضاع كما هي عليه. وكلاهما على صواب.

أما بالنسبة للنقطة الثانية، فإن الطبقة الوسطى لم تكن متذبذبة، بل لقد انضمت في الواقع إلى جانب الثورة. لقد كانت هناك مشاركة بعض العمال، مثل سائقي حافلات طهران. بل كانت هناك أحاديث عن الإضراب العام، لكن هذا لم يتحقق، بالضبط بسبب غياب العامل الأخير: أي الحزب الثوري والقيادة.

لقد كانت هذه الحركة هي الأضخم التي شهدتها إيران منذ سنة 1979. وقد أخذت النظام على حين غرة. لقد فاجأت موسوي نفسه. كما أخذت الأمريكيين أيضا على حين غرة. إن القول بأن وكالة المخابرات الأمريكية كانت وراء هذه الحركة هو مجرد افتراء بشع. لقد قام موسوي بكل ما في مستطاعه لوقف هذه الحركة. كان كل يوم يصرح قائلا: “لا تخرجوا إلى الشوارع، سوف تتعرضون للقتل، إنني أريد أن أنقذ حياتكم.”، كان كل يوم يردد هذا القول، وكل يوم كان هناك المزيد من الجماهير الذين يخرجون إلى الشوارع. وليس الطلاب والطبقة الوسطى وحدهم.

وصفت صحيفة The Economist الجماهير التي كانت مشاركة في هذه المظاهرات قائلة: لقد كانوا خليطا، طلابا وأناسا من الطبقة الوسطى، ونساء، كان هناك الكثير من النساء، وكان هناك أيضا أناس فقراء من ضواحي طهران الفقيرة، نساء يضعن غطاء الرأس، بل وحتى بعض رجال الدين. لقد كانت هذه حركة هائلة. إنها من ذلك النوع من الحركات التي نشهدها في بداية جميع الثورات الحقيقية، التي تشق المجتمع بشكل عميق. لقد حاولت السلطات أن تقمع الحركة؛ وقد تعرضت الجماهير للضرب من طرف قوات الباسيج. وتعرضت للاعتقال، وقتل بعض الأشخاص. لكن لا شيء يمكنه أن يوقفها. بل وفي لحظة محددة ظهرت مؤشرات عن وجود تصدع داخل صفوف البوليس.

إن هؤلاء المتظاهرين رائعين، لأنه لم ينظمهم أي أحد. أظن أنه إذا ما كانت هناك حجة لصالح الفوضوية فستكون هي هذه. لقد كانت الحركة عفوية، بكل معاني الكلمة. لقد استخدم الشباب الهواتف النقالة وكل أنواع التكنولوجية الحديثة التي في متناولهم.

حاول النظام منع الانترنت وقطع الاتصالات الهاتفية، لكنهم بالرغم من ذلك تمكنوا من مراوغة الحظر. كيف يمكن وقف حركة عندما لا تكون هناك قيادة، ولا يكون هناك من يمكن اعتقاله؟ هذا هو السبب الذي جعل النظام يعجز عن وقف الحركة. لا بد أن الفوضويين مبتهجين جدا بهذا. لكن ينبغي علينا أن ننبه الفوضويين إلى أنه إذا كان غياب القيادة قد شكل من جهة نقطة قوة للحركة، فإنه قد شكل أيضا نقطة ضعف لها.

في النهاية فشلت الحركة في تحقيق أهدافها. ينبغي أن نتساءل عن السبب. لقد كانت عند الحركة نقطتا ضعف خطيرتين. في المقام الأول هناك عفويتها بالضبط. لم تكن هناك أية قيادة، ولا خطة، ولا إستراتيجية. من المستحيل إبقاء الجماهير في الشوارع بدون هذه الخطة. ففي النهاية سوف تتشتت الحركة، مثلما يتشتت البخار في الهواء ما لم يتم تكثيفه بواسطة المكبس.

ثم لم تكن هناك أية مشاركة للعمال المنظمين. وقد كانت هذه هي نقطة الضعف الحاسمة الثانية. وهذا يبين مرة أخرى قصور القيادة العمالية. لقد شهدت إيران العديد من الإضرابات في إيران خلال المرحلة السابقة، لكن في اللحظة الحاسمة، أين كانت القيادة؟ مع الأسف عجز من يسمون أنفسهم بطليعة العمال عن دعم الحركة ولم يقوموا بدعوة العمال إلى الالتحاق بها.

لدي شعور بأن هؤلاء الذين يسمون أنفسهم طليعة عمالية هم إما ستالينيون سابقون، أو عناصر محبطة من الجيل القديم الواقعين تحت تأثير الأفكار الستالينية. وأيا كانوا فإنهم تصرفوا بطريقة جد سيئة. هناك مقال رائع كتبه تروتسكي سنة 1930، يتضمن إشارات مباشرة تفيد في فهم ما يحصل الآن في إيران. عنوان المقال هو: “الثورة الإسبانية ومهام الشيوعيين”. في ذلك الوقت كانت هناك مظاهرات طلابية هائلة، وقد أكد تروتسكي على ضرورة أن يقوم العمال والشيوعيون الإسبان بدعم تلك المظاهرات وتمكينها من مطالب ديمقراطية ثورية.

لكن في إيران قام قادة الحركة العمالية، مع الأسف، بمقاطعة الانتخابات وقاطعوا هذه الحركة، الشيء الذي يعتبر تصرفا سيئا للغاية. كانت الدعوة إلى إضراب عام غير محدود ستؤدي إلى إسقاط هذا النظام، خاصة إذا كان مصاحبا بإقامة مجالس عمالية، أو شوراس بالتعبير الفارسي. لقد كانت فكرة الإضراب العام تترد في الهواء، وحتى موسوي قام ببعض التلميحات العامة إليها. كل ما كان مطلوبا هو تحديد يوم معين، وكان هذا سيكون كافيا. لكن هذه الدعوة لم تر النور مطلقا.

أشرنا في المقال الذي نشرناه على صفحات موقعنا الالكتروني، إلى أنه لا يمكنك أن تحصل على وضع تطالب فيه الناس بالخروج إلى الشوارع بقولك: تظاهروا، تظاهروا، تظاهروا، دون أن تقدم أي منظور. إن الجماهير تخرج إلى الشوارع كل يوم وتتعرض للقمع، وليس هناك أي منظور. وبالتالي ما حصل كان حتميا. لقد قلت في مقالي الأول: إذا ما استمر الوضع هكذا فإن الحركة ستتراجع. وهذا هو ما حصل.

في الظاهر يبدو وكأن النظام قد استعاد السيطرة، لكن الواقع ليس كذلك. إذ لم يتم حل أي من المشاكل القائمة، والانشقاق الحاصل في صفوف النظام يزيد اتساعا. لقد حدث انشقاق نحو اليسار (إذا كان من الممكن تسمية الإصلاحيين يسارا)، وحدث انشقاق نحو اليمين أيضا. والمثير للاهتمام بوجه خاص هو الموقف الذي اتخذه رفسنجاني، الذي يعتبر واحدا من أهم أعضاء العصابة الحاكمة في إيران، وهو عضو عصابة جد ثري، وجد ذكي. وقد اتجه الآن نحو المعارضة.

قبل عشرة أيام خطب رفسنجاني خلال صلاة الجمعة، في أحد أهم مساجد طهران. وهذا ليس شيئا جديدا؛ فقادة النظام الإيراني يقومون بذلك كثيرا. وقد قام أحمدي نجاد بذلك مؤخرا. لا يمكن للمرء في أفضل الأحوال أن يجمع في تجمع كبير مثل هذا أكثر من 50,000 شخص، فكم كان عدد الناس الذين حضروا الصلاة مع رفسنجاني؟ لقد كان عددهم مليون شخص! هل من الممكن أن يكون كل هؤلاء المليون شخص قد أحسوا جميعا وبشكل مفاجئ برغبة ملحة في الصلاة. ربما يكون الأمر كذلك، لكنني لا أعتقد ذلك. لقد كان ذلك التجمع تجمعا سياسيا جماهيريا. وقد قام خلاله نفس عضو العصابة ذاك، رفسنجاني، بإلقاء خطاب جد جذري.

لا أعتقد أنه قال الشيء الكثير عن الله، إن ما قاله هو الدعوة إلى الديمقراطية، قال إن الانتخابات كانت مزورة، وقال إنه من غير المقبول استعمال العنف ضد الشعب الإيراني ودعا إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين. هذا غريب. والأكثر غرابة هو أنه كان مدعوما بعدد من رجال الدين القياديين من مدينة قم، التي تعتبر أهم مركز ديني في إيران. أعتقد أن أربعة أو خمسة من آيات الله على الأقل جاؤوا لدعم رفسنجاني. هذا يعني أن هناك انشقاق هائل ويبدو أن خامنئي قد بدأ يفقد سيطرته.

خامنئي هو القائد الأسمى، ليس فقط فيما يتعلق بالمسائل الدينية، بل هو القائد الأسمى في الدولة، ويسيطر على الجيش والبوليس والقضاء، وها هو يتعرض للتحدي على يد رفسنجاني. والشيء الأكثر تعبيرا في هذا السياق، هو تعرض 24 ضابط سام، من بينهم جنرالان اثنان، للاعتقال، خلال ليلة الخميس التي سبقت صلاة الجمعة. لماذا تم اعتقالهم؟ لقد اعتقلوا بسبب تخطيطهم للحضور في هذا اللقاء بزيهم الرسمي، وقد كان هذا تعبيرا خطيرا عن التمرد.

ومن ثم فإن جميع الشروط التي وضعها لينين للثورة حاضرة في إيران باستثناء شرط واحد، أو للدقة نقول، شرط واحد ونصف، لأن البروليتاريا، وبسبب غياب القيادة، لم تلعب مرة أخرى الدور القيادي الذي ينبغي لها أن تلعبه. كتب لينين سنة 1905 أنه في وضعية مثل هذه، ينبغي على البروليتاريا أن تضع نفسها على رأس الأمة. يجب على البروليتاريا وحزبها أن يكافحا من أجل أكثر المطالب الديمقراطية الثورية تقدما، المطالب التي يمكنها أن تحث على النضال ليس فقط العمال وحدهم، بل حتى الطبقات الوسطى، والطلاب والشباب والنساء.

ويجب أن تتوج كل هذه المطالب الديمقراطية بشعار واحد: هيا إلى إضراب عام وطني وإقامة السوفييتات (شوراس). لو أن البروليتاريا وحزبها قاما بذلك، فإن النظام كان سيسقط. والآن دعونا نفكر قليلا فيما يعنيه هذا. فقط تخيلوا تأثير انتصار الثورة في إيران. تخيلوا التأثير الذي سيكون لها على جميع البلدان في هذه المنطقة، على بلدان من قبيل مصر، والأردن، والسعودية، كانت جميعها ستسقط، الواحدة منها بعد الأخرى. هذا هو السبب الذي جعل الإمبرياليين يقفون صامتين اتجاه تلك الأحداث.

تسألونني عن الشكل الذي يمكن لهذه الحكومة أن تتخذه. أجيب: لو كان هناك حزب بلشفي (ولو من 8000 عضو، كما كان الحزب البلشفي في فبراير سنة 1917)، لشهدتم ثورة بروليتارية كلاسيكية في إيران. لكن ليس هناك من حزب مثل ذاك. وبالتالي فإنه من شبه الأكيد أنه سيكون على الثورة الإيرانية أن تمر خلال مرحلة معينة من شكل من أشكال النظام البرجوازي البرلماني، مثلما حدث في إسبانيا سنة 1931. إلا أن هذا، في ظل ظروف الأزمة الاقتصادية الحالية، لن يشكل أبدا وصفة للسلام.

لقد تأجل إسقاط النظام إلى الأزمة التالية، التي يمكنها أن تحصل بعد ستة أشهر، أو اثنتي عشرة شهرا، أو سنتين. لكنها حتمية. وسوف تفتح أبواب مرحلة جد عاصفة في إيران. لا يمكننا أن نكون دقيقين بخصوص ما سوف تكون عليه طبيعة النظام الذي سوف ينشأ عنها، لكن يمكنني أن أقول لكم ما سوف لن تكون عليه: لن يكون نظاما أصوليا إسلاميا آخرا في إيران. لقد انتهى هذا. وبالتالي فإن الثورة الإيرانية، وللمرة الأولى، ستقطع مع كل الجنون الأصولي الذي يوجد في الشرق الأوسط.

المنظورات والمهام

لقد دخلنا مرحلة ثورية ستستمر طيلة بضع سنوات، مع موجات مد وجزر، كما كان الحال في إسبانيا ما بين سنة 1930 و1937، لكن الجماهير في ظل هذه الظروف ستتعلم بسرعة كبيرة جدا. لقد بدأت أفكارنا تلاقي صدى كبيرا داخل إيران نفسها، وهذا مرشح للتزايد خلال المرحلة المقبلة.

من الواضح أن الطلاب قد بدءوا يستخلصون الدروس. صار بإمكانهم أن يروا محدودية موسوي والإصلاحيين. إن حقيقة أن الموقع الإيراني للتيار الماركسي الأممي قد استقبل مئات الزيارات من طرف طلاب يستفسرون عن ماهية الاشتراكية والماركسية هي مسألة ذات أهمية قصوى. إنني أعتقد أن رد فعل التيار الماركسي الأممي اتجاه الأحداث في إيران كان سريعا جدا. وأؤكد لكم أن مقالاتنا قد ترجمت فورا إلى الفارسية في نفس اليوم الذي نشرناها فيه؛ وتم توزيعها فورا في إيران وقد كان لها، حسب ما تؤكد تقاريرنا، تأثير رائع جدا.

وعلى كل حال، أيها الرفاق، لم يتسنى لي في هذه الكلمة سوى ملامسة أكثر القضايا تفجرا في السياسة العالمية، وليس لي ما يكفي من الوقت لكي أحلل هذه النقاط بتفصيل أكبر. وفي الخلاصة أريد فقط أن أقول ما يلي: لقد سبق للينين أن كتب مقالا عنوانه “مواد متفجرة في السياسة العالمية”، أيها الرفاق، هناك الآن مواد متفجرة في كل مكان، وشروط الثورة آخذة في النضوج.

بطبيعة الحال، لا ينبغي لنا أن نبالغ: فما زالت في طور أولي. وكما قال تروتسكي: يجب علينا أن نكون صبورين. لكن هناك شيئان واضحان: يمكننا أن نرى على الأقل بداية تغير في وعي الجماهير. ملايين الناس صاروا منفتحين على الأفكار الماركسية بشكل غير مسبوق. لقد قضيت حوالي 50 سنة مناضلا في التيار الذي شيده تيد غرانت، وقد سبق لي أن رأيت حركات كبيرة في الماضي. لكنني لم أر أبدا وضعا مثل هذا الوضع الحالي، ولا يمكنني أن أتذكر شبيها للأحداث التي تتطور الآن أمام أعيننا.

والنقطة الثانية والأخيرة هي دور هذه الأممية. إن قوانا ما تزال جد ضعيفة، ونحن نناضل من أجل بناء الخلايا الأولى للتيار الماركسي الأممي في العديد من البلدان، لكننا بدأنا نتطور. ونحن الآن لم نعد مجرد ملاحظين للأحداث، بل صرنا مشاركين نشيطين في الحركة في بعض أهم البلدان. وبالتالي يمكننا أن نكون واثقين جدا بالمستقبل، إننا نمتلك الأفكار الصحيحة، نمتلك أفكار الماركسية الرائعة العمق. ونمتلك التكتيكات الصحيحة وطرق الاشتغال الصحيحة، ونحن، فوق كل شيء، مصممون على إيصال هذه الأفكار إلى المنظمات الجماهيرية للطبقة العاملة.

أيها الرفاق! يمكننا أن نتقدم إلى الأمام بثقة تامة في الأفكار الماركسية، وبثقة تامة في الدور الثوري للطبقة العاملة، وبثقة تامة في أنفسنا، وبثقة تامة في انتصار التيار الماركسي الأممي.

آلان وودز
الأربعاء: 16 شتنبر 2009

عنوان النص بالإنجليزية:

The Crisis of Capitalism and the tasks of the Marxists

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *