الرئيسية / دول العالم / آسيا / قيرغيزستان / الثورة بقرغيزستان

الثورة بقرغيزستان

لقد سقطت الحكومة القرغيزية! وحسب ما تناقلته التقارير فإن الرئيس كرمان بك باكييف، الذي أطلق الرصاص على شعبه، قد لاذ الآن بالفرار. حلت الحكومة وبدأت المعارضة تستولي على السلطة. وقد تلقينا يوم أمس تقريرا من طرف أحد الرفاق في روسيا، يتضمن وصفا موثقا عن تلك الأحداث.

اندلعت الانتفاضة في البداية في مدينة تالاس، التي تبعد 59 كلمترا عن العاصمة بيشكيك. وقد خصصت المعارضة هذا اليوم لعقد اجتماعات عامة (كورولتاي) في كل مناطق البلد. وكما صرح موقع Fergana.ru الالكتروني، يوم 31 مارس، عقد قادة اللجنة التنفيذية المركزية لحركة الشعب المتحد -المعارضة – مؤتمرا صحفيا أعلنوا خلاله أنهم سيعقدون يوم 07 أبريل جموعات عامة (كورولتاي) في كل مناطق البلد من أجل “إخبار الشعب بمطالب المعارضة وتوصيات الجمع العام الذي انعقد يوم 17 مارس.”

في منتصف مارس الماضي رفعت المعارضة الموحدة سلسلة من المطالب، ومن بينها إلغاء الرفع في الفواتير لصالح المنشئات العامة، ومراقبة حسابات الشركتين العموميتين سيفيريلكترو (Severelectro) وقرغيزتيليكوم (Kyrgyztelecom)، ذات الأهمية الإستراتيجية، وإقالة أقرباء الرئيس كرمان بك باكييف من المناصب التي يحتلونها، إضافة إلى إبطال عدد من الأحكام القضائية.

أعطيت للرئيس مهلة إلى حدود يوم 24 مارس. علينا أن نتذكر أن البلد يخلد في هذا اليوم الذكرى الخامسة لـ “ثورة القرنفل”، التي حملت الرئيس الحالي كرمان بك باكييف إلى السلطة. لكن تلك المطالب لم تلاق أي اهتمام على الإطلاق، وخلدت الذكرى دون وقوع أية أحداث.

لقد تضاعفت فاتورة الكهرباء والماء بقرغيزستان مرتين منذ بداية السنة الحالية. ويوضح موقع Fergana.ru الالكتروني أن أحزاب المعارضة كانت نشيطة بشكل خاص خلال هذا الربيع، حيث وجدت سببا لتستقطب الجماهير إلى جانبها. ومن بين الأوراق الأخرى التي استغلتها المعارضة هي اعتقال إيجينيا غوريفيتش، بعد محاكمة مزيفة. وحسب وسائل الإعلام فإن أحد رجال الأعمال المقربين من ابن الرئيس، ماكسيم باكييف، يوجد على رأس الوكالة المركزية للتنمية والاستثمار والتحديث.

ردا على ذلك، قامت الحكومة في نفس الليلة باعتقال تقريبا كل قادة المعارضة القرغيزية. وجهت لهم تهمة محاولة القيام بانقلاب. ومن بين هؤلاء المعتقلين يوجد تيكيباييف زعيم حزب أتا مكين، وتمير سارييف (وقد اختطف من الطائرة الروسية التي كان قادما على متنها من موسكو) زعيم حزب أكشنكار إضافة إلى الناطقة الرسمية باسم كتلة الحزب الاشتراكي الديمقراطي بالبرلمان، روزا أوتومباييفا، وآخرون. لكن الحركة كانت قد صارت عصية على الكبح. وإضافة إلى اعتقال السياسيين، بدأت الحكومة تعتقل الصحفيين، وقد عملت أيضا على اعتقال أحد مديري الموقع الالكتروني Stan TV، كيريل ستيبانيك. وما تزال أسباب اعتقال ستيبانيك ومكان وجوده مجهولان.

إلا أن هذا القمع لم يرهب الجماهير. بدأت المواجهات مع المعارضة يوم الثلاثاء، 06 أبريل، في المنطقة الوسطى، بمدينة تالاس. وقد كان السبب المباشر وراء المواجهات بين الجماهير وقوات البوليس هو اعتقال سوامبس شيرنيازوفا إحدى قادة حزب المعارضة أتا مكين ، التي كانت مزمعة على المشاركة في الجمع العام (الكورولتاي) الذي نظمته المعارضة يوم 07 أبريل. وبفضل ضغط المحتجين تم إطلاق سراح شيرنيازوفا.

حسب تقارير لوسائل الإعلام المحلية، قام حوالي ألف متظاهر/ة بمحاصرة مقر إدارة البوليس. وقد طالب المحتجون بأن ينتقل الحاكم الحالي بيشين بك بولوتبيكوف إلى جانب المعارضة، وعندما تبين لهم أنه رفض هذا المطلب، قامت الحشود باحتجازه رهينة وأعلنت تنصيب حاكم بديل. وحسب تقارير أخرى فإن بولوتبيكوف غادر الاجتماع تحت حماية قوات البوليس. ومن أجل تشتيت المظاهرات أرسلت طائرة محملة برجال القوات الخاصة من العاصمة القرغيزية.

بحلول زوال يوم الثلاثاء كانت قوات القمع قد أخمدت المظاهرات، ووقعت العديد من الحوادث الإجرامية أثناء الاجتماعات الجماهيرية. واجتاحت المنطقة حملة من الاعتقالات بين صفوف أعضاء المعارضة. يوم 06 أبريل، تم اعتقال ستة أشخاص، من بينهم رفيق باكييف السابق في ثورة الزنابق، دويشنكل شاوتون. وأجبرت رئيسة كتلة الحزب الاشتراكي الديمقراطي في البرلمان، ووزيرة الخارجية السابقة، روزا أوتومباييفا، على الاختفاء خوفا من الاعتقال.

يوم أمس، الأربعاء 07 أبريل، امتد مجال الانتفاضة إلى كل أنحاء البلد. وانتقلت المعارضة إلى الهجوم. بدأت الأحداث تتطور بسرعة هائلة. بحلول الساعة الثانية زوالا استولى المحتجون على بلدة تالاس في غرب البلاد، حيث حاصر ما بين 11 ألف و12 ألف متظاهر مقر الإدارة المحلية للبوليس، التي أخلتها القوات الخاصة لمكافحة الشغب. ومع الساعة الثانية وعشرين دقيقة حاول المحتجون الاستيلاء على المقر المركزي للسلطة لمدينة توكموك، في منطقة شوي. حيث حاصر حوالي 3000 محتج مقر مجلس المدينة وحاولوا الاستيلاء عليه. كانت كل القنوات التلفزية الموالية للمعارضة قد أغلقت، ولم يسمح سوى للقنوات الموالية للحكومة بالاستمرار في العمل.

بحلول الساعة الثانية وأربعين دقيقة اندلعت الانتفاضة في العاصمة، بيشكيك، حيث سار حشد كبير من المحتجين إلى مقر الحكومة القرغيزية، وحاولوا تدمير الأسوار بالجرافات. في هذه الأثناء قامت القوات الحكومية بإطلاق النار على المتظاهرين، كما أطلق القناصة النار على الجماهير. فسقط أول الضحايا. تقول التقارير إن المحتجين استولوا على مقر الإدارة الجهوية بمدينة كيربن، ورفعوا راياتهم فوقها. حاولت القوات الخاصة منع استيلاء الجماهير على البناية وأطلقت النار في الهواء، لكن هذا لم يوقف المحتجين، فأجبرت القوات الخاصة على التراجع.

في وقت لاحق قام الجمع العام الجماهيري بمدينة كيربن بانتخاب حاكم جديد، كاديركول أومربك، المرشح المدعوم من طرف توبشوبك تورغونالييف. إضافة إلى ذلك عمل الجمع العام على انتخاب رئيس الإدارة المحلية للشئون الداخلية، وهو مناضل حقوقي محلي يدعى سارتباي زهايشيبكوف. كما قرر المشاركون في الجمع أن يستمروا في تعيين قادة جدد للإدارة المحلية. وحسب تقرير لموقع AKI-Fergana الالكتروني، لا احد يعرف مكان احتجاز أكسيسكي، عمدة مقاطعة تالنت، الذي طلب منه المحتجون تقديم استقالته.

ا
الرئيس المخلوع كرمان بك باكييف خلال لقاء له بدونالد رامسفيلد سنة 2005

حسب تقارير طبية فقد لقي العديد من الأشخاص مصرعهم أمام مقر الحكومة بينما جرح آخرون. وحسب وزارة الصحة القرغيزية كان هناك ما بين 93 و100 ضحية. يوم السادس من أبريل شكلت وزارة الصحة وحدة خاصة لتنسيق أعمال الرعاية الصحية.

جاء حوالي 200 متظاهر إلى قرية بوكروفكا راياكيمياتو. والتحق بهم آخرون من جميع القرى المجاورة. أغلق الموكب الطريق ولم يسمح بمرور أية سيارة. وقد قرر المحتجون السير قدما، إلى كاراكول، حيث الإدارة المركزية. شكلوا جمعا عاما في قرية توب تييب، واتجه قرويون من سارو ودرخان وبارسكون ومنطقة إسيك كول، نحو بوكروفكا من اجل المشاركة في المسيرة. وقد أحرق المحتجون الشاحنات العسكرية وقامت القوات الخاصة بإطلاق نيران تحذيرية.

أصدر كرمان بك باكييف مرسوما يفرض حالة طوارئ لمدة شهر في منطقة بيشكيك، إضافة إلى شو وتالاس. لم تقع آنذاك أية أحداث، وطلب المرسوم فرض الرقابة على وسائل الإعلام، والحد من انتشار المعلومات. وقد بعث المرسوم إلى البرلمان.

شريط فيديو عن الأحداث:

في بيشكيك أطلقت قوات مكافحة الشغب النار على المتظاهرين بأسلحة أوتوماتيكية. فسقط العديد من القتلى والجرحى. ووصل الهجوم إلى أقصى الحدود.

حسب المعلومات التي توصلنا بها، شهدت العاصمة بيشكيك اندلاع معارك حقيقية. فقد قام الشعب بالاستيلاء على أسلحة قوات القمع، وسلحوا أنفسهم بالواقيات والعصي وتجهيزات قوات مكافحة الشغب، التي استولوا عليها بالقوة من بين أيدي قوات “القانون والنظام”. فبدأت قوات مكافحة الشغب، التي رفضت إطلاق النار، على الشعب في الانتقال إلى صف المحتجين وأسلحتهم في أيديهم! عند نقطة معينة تمكن المحتجون من الاستيلاء على سيارتين تابعتين للبوليس وشاحنتين؛ حيث وجدوا في إحداها قاذفة للقنابل. علاوة على ذلك استولى المحتجون على العديد من الرشاشات من نوع كلاشينكوف.

قال أحد أعضاء المجلس الوطني للإذاعة والتلفزيون (NTRC): إن “المحتجين استولوا على مقر التلفزيون والإذاعة القرغيزيين، ونهبوه”. كما تناقلت التقارير خبر تجريد حاكم إقليم إيسيكولسك من سلطاته. وحسب بعض المناضلين الحقوقيين في بيشكيك، فإن عدد القتلى بالعشرات. كما تم الاستيلاء على عدد من إدارات المقاطعات والجهات.

يخشى المناضلون الحقوقيون وغيرهم من النشطاء أن تقوم الحكومة بفرض حالة الطوارئ وتشرعن استخدام الأسلحة النارية ضد الشعب. وقد بدأت وحدات من القوات المسلحة تتحرك في اتجاه البؤر الرئيسية للاحتجاجات. في الوقت الحالي، لم تعد أية قنوات تلفزية أو إذاعية تبث إرسالها، باستثناء القناة الوطنية وإذاعات التسلية، مما يعني أن الشعب لا يتوصل بأية معلومة عما يحدث في البلد.

وحسب إحدى التقارير فإن “البلد بأسره يغرق في لجة اضطراب هائل. بينما بدأت الكورولتاي (الجموعات العامة الجماهيرية ) تظهر إلى الوجود. ويترأسها ممثلون عن الأحزاب المعارضة. لقد انعقدت تلك الجموعات في مدن نارين وسوكولوك، قرب بيشكيك وفي منطقة أوش”

وحسب نفس التقرير، فقد وجد المحتجون للتو أحد القناصة الذين كانوا يطلقون النار عليهم. كان جالسا فوق سطح المنزل خلف المتظاهرين. كادت الجماهير أن تلقي القبض عليه لكنه فر بأعجوبة. بينما تشهد المنطقة المجاورة للبيت الأبيض نوعا من الهدوء، حيث توقفت الجماهير عن التقدم لكنها لم تنسحب.

لم يتم تطبيق حالة الطوارئ بعد، لأن النصاب القانوني لم يتحقق. شجب البرلمان ممارسات المعارضة. وما يزال قادة المعارضة معتقلين. والشعب يطالب بإطلاق سراحهم.

وقالت التقارير إنه تم تجريد الحاكم إسيكولسكوي من سلطاته. وفيما يلي نقدم ملخصا عن الوضع في قرغيزستان، عند الساعة الخامسة وتسعة دقائق مساء [07 أبريل] حسب التقرير الذي قدمه مناضلون حقوقيون:

” […] لقد تم الاستيلاء على السلطة في مناطق تالاس ونارين وإيسيكولسك وباتكن.

“وهناك تقارير تتحدث عن الاستيلاء على الإدارة العامة في موسكوفسك وسكولوك (شويسك أوبلاست)، وأيضا مقر محافظة مدينة توكماك وأكسي (جلال أباد) وكوشكور في مقاطعة نارين أوبلاست.

” وفي بيشكيك بدأ عدد متزايد من المحتجين في التجمع في الساحة (قادمين من جميع جهات البلد). لكن مع الأسف هناك بعض الخسائر، قتل أكثر من 30 شخصا على يد القناصة القابعين فوق أسطح البيت الأبيض.

“لكن بالرغم من هذا فإن المحتجين صاروا أكثر عددا، فالدولة بقتلها للناس لم تعمل سوى على تصعيد حدة الغضب الشعبي. يجب على باكييف أن يتوقف عن قتل الشعب، ويرحل فورا!

“هل مذاق السلطة لذيذ إلى درجة تبرير قتل الشعب لأجلها؟ إذ إنه سيساءل ليس فقط أمام أبناء وأسر الضحايا، بل سيساءل أيضا أمام الله؟ وكل من يطبق أوامره ويرفع أسلحته ضد المواطنين سيكون مطالبا بتفسير أفعاله أمام الشعب وأمام الله!

“لقد تم إغلاق طريق كوشكور- بيشكيك. وفي تالاس، وطالب المتظاهرون وزير الداخلية بالتراجع عن الأمر الذي أصدره بإطلاق النار ضد المواطنين، وضربوه بقوة.”

ملحق (08 أبريل)

لقد سقطت الحكومة! وحسب تقارير هذا الصباح فإن الرئيس كرمان بك باكييف، الذي أطلق النار على شعبه، قد لاذ بالفرار. باكييف، بطل ما أطلق عليه “ثورة الزنابق” سنة 2005، أجبر على الفرار من العاصمة بشكل ذليل بعد تعرض منزله للنهب من طرف المحتجين الغاضبين. لقد تم حل الحكومة وبدأت قوات المعارضة تتولى السلطة.

زعم وزير الصحة القرغيزي أن حصيلة القتلى، خلال هذه الثورة، بلغت 40 شخصا، إضافة إلى 400 جريح آخرين، لكن تقارير غير رسمية أخرى أكدت سقوط 100 قتيل. لقد تمكنت هذه الحركة العفوية من تشكيل جنين للسوفييتات (كورولتاي). ويوم أمس كانت السلطة موجودة في الشارع تنتظر من يحسمها.

لو توفرت قيادة واعية لكان في إمكان هذه الحركة البطولية أن تؤدي مباشرة إلى إقامة حكومة عمال وفلاحين، كانت ستخلق موجات ارتدادية عبر كل آسيا الوسطى وخارجها. لكن مع الأسف، ومع عدم توفر حزب ماركسي، سقطت السلطة بين يدي الاشتراكيين الديمقراطيين، المفتقدين لأي بديل عن السياسة الرأسمالية.

لكن رغم ذلك، فإن الأحداث التي وقعت في قرغيزستان تبين الإمكانات الثورية العظيمة التي تختزنها الجماهير. لقد أبانت عن مدى هشاشة وضعف الأنظمة البرجوازية الفاسدة التي حلت محل جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة. لا تقدم هذه الأنظمة أي شيء للشعب باستثناء البؤس والجوع والحروب والاضطهاد. وسوف يتم كنسها جميعا، الواحد منها بعد الآخر، خلال المرحلة العاصفة التي نحن على مشارفها. وليس ما رأيناه في قرغيزستان سوى صورة عما سيحدث مستقبلا في أوزباكستان وكازاخستان وأوكرانيا والقوقاز وروسيا نفسها.

فلاديمير موروزوف
الخميس: 08 أبريل 2010

لمشاهدة المزيد من الصور اضغط هنا (Daily Mail article)

ومقاطع الفيديو:

عنوان النص بالإنجليزية:

Revolution in Kyrgystan

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *