بانكوك تحترق مع وصول العنف الرجعي في تايلاند ذروة الدموية. وكما كان منتظرا ها هو الهجوم من جانب الجيش التايلاندي قد بدء بالفعل، ولن يتوقف إلا بعد أن يتم سحق كل أشكال الاحتجاج. لا يمكن لأحد أن يحدد عدد الضحايا، لكن الأكيد هو أن الرقم الحقيقي أكبر بكثير مما صرحت به الحكومة لحد الآن. يبدو أن بعض القمصان الحمر قد ردوا على هذا القمع بإشعالهم للنيران في مقرات الأبناك ومراكز التسوق وغيرها من البنايات في المدينة، وهناك تقارير تؤكد أن الاحتجاجات والعنف قد اجتاحا أجزاء أخرى من المدينة.
في راجبراسونغ يقولون: “إنها حرب طبقية للقضاء على الأوتوقراطية”
ضلت شوارع وسط بانكوك طيلة أشهر محتلة من طرف الحركة الاحتجاجية الجماهيرية المنظمة من طرف الجبهة الموحدة من أجل الديمقراطية ضد الدكتاتورية، المشهورة باسم حركة القمصان الحمر. لقد أدت هذه الحركة الجماهيرية التي يقوم بها الفقراء والمحرومون إلى هز هياكل سلطة الطبقة السائدة وصارت تهدد مستقبل النظام الملكي التايلاندي نفسه. العديد منهم مناصرون لرئيس الوزراء السابق، تاكسين شيناواترا، الذي أطاح به انقلاب عسكري منذ حوالي أربعة سنوات.
يشتكي رئيس الوزراء الحالي، أبهيسيت فيجاجيفا، من “الاضطرابات” و”الفوضى”، لكنه يتناسى بكل راحة ضمير أنه وصل إلى السلطة بنفس الطريقة. لقد وصلت حكومته إلى السلطة على يد الجيش، وهي نتاج لانقلاب عسكري حدث سنة 2006 ولعدة تلاعبات قضائية. ما بين سنة 2006 و2008، قاطع بلطجية حركة القمصان الصفر التابعين للحزب الديمقراطي الانتخابات التي كان من الواضح أن تاكسين شيناواترا سيفوز بها، الشيء الذي أفضى إلى إلغاء الانتخابات. عندها وبعد أن فشل الجيش في إبقاء مناصري تاكسين بعيدا عن السلطة، قام الغوغاء الرجعيون المناصرون للملكية باحتلال المباني الحكومية ومطار بانكوك لتقديم مبرر للانقلاب.
شكلت عملية استيلاء أبهيسيت على السلطة ضربة للديمقراطية، لكن الغرب تجاهلها بكل راحة ضمير. إن الدعوة إلى تنظيم انتخابات جديدة مطلب ديمقراطي أساسي، لكنه مرفوض من طرف الأوليغارشية التايلاندية. إن موقف الأنظمة الديمقراطية المزيفة في واشنطن ولندن من الأنظمة الدكتاتورية مبني على أساس مصالحها الطبقية.
تمثل حكومة أبهيسيت مصالح الأوليغارشية السائدة، والنظام الملكي الرجعي والجيش. هذا الوضع يخدم مصالح الغرب بشكل جيد، بالنظر إلى كونه يوفر ضمانات قوية لاستثماراته في تايلاند، التي تعتبر احد أهم الاقتصاديات في آسيا. نفس هؤلاء المنافقين هم من دعموا بحماس ما أسمي بالثورة البرتقالية في أوكرانيا، وهم من يدينون بشكل دائم ما يسمونه “نظام هوغو تشافيز الأوتوقراطي”. لكنهم واجهوا الحركة الاحتجاجية المطالبة بالديمقراطية في تايلاند بالتجاهل التام.
القمصان الحمر
ترتبط حركة القمصان الحمر، التي هي ائتلاف واسع من المعادين للحكومة، بتاكسين باعتباره مرجعا لها. وتاكسين الذي هو ملياردير كبير يعيش الآن في أمان بالمنفى في مونتنغرو، لا يمكن أن يكون قائدا محتملا لثورة. وتتجه أصابع الاتهام له بممارسة انتهاكات لحقوق الإنسان عندما كان في الحكومة، لكنه قام أيضا باتخاذ مجموعة من التدابير لصالح الفقراء، وخاصة منهم فقراء البوادي بشمال البلاد.
عندا تفتقد الجماهير لقيادة وحزب وبرنامج واضح، تعمل على الاتجاه نحو الزعماء الأفراد الذين يبدون لها وكأنهم يجسدون تطلعاتها. يشعر الفلاحون الفقراء بكره شديد اتجاه النخبة الحضرية الثرية السائدة، التي تسيطر عليهم وتستغلهم وتضطهدهم. لقد لعب اسم تاكسين دور المكثف للمعارضة ضد النظام الحالي، وخاصة بالنسبة للفلاحين الفقراء، الذين كانوا قد حققوا بعض المكاسب في ظل حكومته. لكنه، بالرغم من ذلك، ليس سوى شخص عرضي، مثلما كان الأب غابون، أو كيرنسكي، خلال مختلف مراحل الثورة الروسية.
يعترف بعض مثقفي الطبقة الوسطى في الغرب بأنهم لا يستطيعون معرفة السبب الذي يجعل آلاف الرجال والنساء الفقراء يختارون النضال والموت في شوارع بانكوك من أجل قضية ملياردير كبير يعيش في المنفى. بل قام بعضهم بوصف هذه الحركة بكونها “فاشستية”. إن هذا يبين انعداما تاما للفهم. وفي المقابل، قدمت التقارير الرائعة التي كتبها المثقف اليساري التايلاندي المنفي في لندن، جيل جي أونغباكورن، وصفا دقيقا وصادقا للحركة.
إن الناس الذين يناضلون ويموتون في شوارع بانكوك لا يقومون بذلك لدعم سياسي بورجوازي طموح ضد آخر، بل إنهم يناضلون من أجل إحداث تغيير جذري في المجتمع. إنهم ربما لا يعرفون بالضبط ما يريدونه، لكنهم يعرفون بشكل جيد جدا ما لا يريدونه. إنهم لا يريدون الفقر، والجوع، والبطالة. إنهم لا يريدون حكم الأوليغارشية الفاسدة الرجعية، ولا يريدون حكومة أبهيسيت.
ومن تم فإن الدعوة إلى انتخابات جديدة كانت نقطة انطلاق طبيعية لاحتجاجاتهم. لكن بمجرد ما بدأت الجماهير في التحرك، اتخذت الحركة دينامية جديدة. إن مشاركة العمال والشباب الثوريين وفقراء المدن غيرت طبيعة الحركة، التي لا يمكن وصفها بأنها مجرد حشد لفلاحين جاهلين، كما تحب القوى الرجعية أن تطلق عليها.
اتضح خلال الأسابيع الأخيرة أن تأثير تاكسين شيناواترا قد تراجع إلى الوراء. لقد بدأ العمال والفلاحون الفقراء المضطهدون يرفعون صوتهم ويعبرون عن الاحتجاج العميق، ليس فقط ضد الحكومة الحالية، بل أيضا ضد المجتمع الظالم. هذا هو السبب الذي جعل الجماهير تظهر ذلك التصميم الثوري الهائل والرغبة في النضال وتقديم التضحيات.
لكن لا يوجد نفس التصميم عند القادة. ليس القادة عمالا وفلاحين فقراء ليس لديهم ما يفقدونه سوى حياتهم، بل هم مثقفون من الطبقة الوسطى يريدون المزيد من الديمقراطية والحد من تدخل الجيش في الشئون السياسية الداخلية. إنهم يعتمدون على حركة الجماهير من أجل ممارسة الضغط على الحكومة لإجبارها على تقديم التنازلات. إنهم يدعون باستمرار إلى المفاوضات. لكنهم حركوا قوى لا يمكنهم السيطرة عليها إلا بصعوبة كبيرة. إن حركة الجماهير تمتلك الآن طاقتها الخاصة بها.
سرعان ما امتلك المحتجون إحساسا بقوتهم. وبالرغم من افتقادها لبرنامج واضح (أو ربما بسبب ذلك)، تمكنت الحركة من أن تجتذب تحت رايتها جميع الفئات المضطهدة والمستغلة في المجتمع التايلاندي. لقد تصاعدت كفاحية وتصميم المحتجين، وتصاعدت معها الرغبة في إحداث تغيير جذري للمجتمع يصل أبعد من مجرد تغيير لرئيس الوزراء. إنه صراع بين الفقير والغني، إنه صراع بين الطبقات.
النضال من أجل الديمقراطية
تخاف الأوليغارشية، بحق، القوى التي حركتها الحركة الموالية للديمقراطية، والتي جذبت إلى جانبها العمال والشباب والفلاحين والفقراء والفئات المضطهَدة في البلدات والقرى؛ وبعبارة واحدة: جميع القوى الحية للمجتمع التايلاندي. وضدهم اجتمع كل من هو فاسد ومنحط وبال ورجعي.
إنه صراع بين الغني والفقير، بين من يملكون ومن لا يملكون. يوصف ذوو القمصان الحمراء بكونهم حركة “موالية للديمقراطية”، وهذا صحيح إلى حد معين. هناك تطلع عظيم نحو الديمقراطية بينهم، ينعكس في مقت شديد لنظام أبهيسيت. وانطلاقا من المطالب الديمقراطية، سوف يبدءون في ربط الظلم السياسي بالظلم الاجتماعي: فهذه الأشياء بالنسبة للعمال والفلاحين لا تنفصل في الواقع.
قد يكون هذا الصراع قد بدأ على شكل صراع بين مجموعتين من الخصوم السياسيين، لكنه امتلئ الآن بمضمون طبقي ثوري. فالجماهير بمجرد أن نهضت إلى النضال، بدأت بشكل حتمي في التعبير عن مطالبها الخاصة. إن المهام المباشرة للثورة (وما نشهده أمامنا هو ثورة حقيقية) ذات طبيعة ديمقراطية. لكن النضال من أجل الديمقراطية، إذا ما هو انتصر، يجب أن يقود إلى كنس كل الصرح السياسي القائم في تايلاند.
يرتبط النضال من أجل الديمقراطية في أعين الجماهير بنضال أشمل من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة. وهذا شيء يعرفه الرجعيون والعناصر الأكثر حزما من بين أعضاء الحركة الاحتجاجية. وكما هي العادة يوجد في الوسط بعض من يتخيلون أنه يمكن حل كل المشاكل بطريقة سلمية، عبر المفاوضات والاتفاقات. لكن هذا مستحيل.
ليس هناك أي هامش للتوافقات، وسوف يتعرض “الوسط”، مثلما هو الحال كثيرا في التاريخ، للكنس جانبا من طرف مد الصراع الطبقي. لا يمكن للحركة أن تنجح إلا إذا قادتها العناصر الأكثر حزما: أي الرجال والنساء المستعدين والمستعدات للكفاح حتى النهاية، مثل هؤلاء الرجال الشجعان والنساء الشجاعات الذين واللائي يكافحون من أجل حقوقهم في شوارع بانكوك.
اكتساح الجماهير للشوارع
تجمعت قوات المحتجين من القمصان الحمر في بانكوك يوم 14 مارس، وقد قاموا طيلة شهرين بشل العاصمة، محتجين ضد رفض حكومة أبهيسيت، المدعومة من طرف الجيش، تقديم استقالتها والدعوة إلى انتخابات جديدة. وقد واصلت الحكومة، الغير منتخبة، التشبث بالسلطة، لكنها فقدت السيطرة في الشوارع. وقد وصفت صحيفة الإيكونوميست (عدد 16 ماي) الوضع في بانكوك بما يلي:
«آلاف المحتجين، الذين قدم العديد منهم من البوادي، ينامون في ظل الفنادق الفخمة ومراكز التسوق الكبرى. […] لقد احتلوا منطقة واسعة من وسط بانكوك خلال الشهر الماضي لإجبار رئيس الوزراء، أبهيسيت فيجاجيفا، على حل البرلمان وتنظيم انتخابات جديدة. وتريد الحكومة ورجال الأعمال والعديد من سكان بانكوك أن يغادر القمصان الحمر المكان. لم تنفع التهديدات وحالة الطوارئ. وأحيانا يبدو أن محادثات السلام قد بدأت تعطي ثمارها، لكنها سرعان ما تنهار تماما.»
قلق الطبقة السائدة يتصاعد من اكتساح الجماهير لشوارع العاصمة. وتبدو الحكومة عاجزة عن فعل أي شيء، ومصابة بشلل إرادة غريب. إن الوضع يصير أكثر جدية مع كل يوم يمضي، بل مع كل ساعة. لقد تضمن الوضع حالة ازدواجية السلطة. فمن خلال أعمالها الجريئة رفعت الجماهير تحديا مباشرا في وجه الحكومة: “من يحكم، أنتم أم نحن؟”.
حاولت الحكومة في البداية تهدئة الوضع من خلال تقديم بعض التنازلات. رفع أبهيسيت غصن الزيتون من خلال اقتراح تنظيم انتخابات مبكرة شهر نوفمبر كجزء من اتفاق لإنهاء المواجهة. يبدو أن بعض قادة الحركة الاحتجاجية مستعدون لإيقاف الحركة على أساس هذه الوعود. لكن بالنسبة لأغلبية المحتجين شكلت هذه الوعود مجرد تنازلات قليلة ومتأخرة. لقد طالبوا بتاريخ محدد لحل البرلمان وقالوا إنهم سيواصلون احتجاجاتهم.
تعرض أبهيسيت للضغوط من جانب المتشددين لكي يستعمل القوة لسحق المحتجين. وعندما نقح قادة القمصان الحمر مطالباتهم، قامت الحكومة فورا بسحب عرضها. بالنسبة إليهم يعتبر عرض عقد انتخابات جديدة مكسبا كبيرا، بينما شكل في أعين الجماهير مجرد شيء تافه. وعلى حد تعبير صحيفة الإيكونوميست:
«إنهم لا يثقون في القادة الذين يتكلمون عن التوافق بعد كل الدماء التي أريقت. من الأفضل مواصلة النضال والاستمرار في الضغط على الحكومة. لا يبدو أن المتشددين من بين المحتجين ذوي القمصان الحمراء يريدون الاستسلام بسهولة.»
الرجعية تحضر لرد الفعل
لقد بالغت الحكومة بشكل مقصود في تصوير العنف الذي قام به ذوو القمصان الحمراء الذين يحرقون إطارات السيارات ويستخدمون صواريخ يدوية الصنع، وتصفهم بشكل متواصل بأنهم “إرهابيين” يحضرون لتمرد مسلح، من أجل تبرير تدخل دموي للجيش باستعمال القناصة وسحق الحركة الاحتجاجية. أول اختبار للقوة وقع يوم 10 أبريل، عندما قتل 25 شخصا وجرح مئات الأشخاص الآخرين خلال محاولة لقوات الجيش طرد المحتجين في بانكوك. في هذه المناسبة، سقط عدد من الجنود قتلى، على يد مسلحين.
إن القمع الدموي الذي حدث يوم 10 أبريل 2010 يبين النفاق وراء “خارطة الطريق” التي اقترحها أبهيسيت للمصالحة. ليست لديه أية نية في إعادة الديمقراطية إلى تايلاند. ليس هناك سوى احتمالان اثنان: إما أن تتمكن الجماهير من إسقاط الحكومة، والنظام الملكي الرجعي الذي يدعمها، أو أن يتمكن رد فعل الجيش من “إعادة النظام” بواسطة الرصاص والحراب. يشعر أبناء الطبقة الوسطى الميسورين في بانكوك بالغضب ضد تعكير صفو حياتهم، واحتلال شوارعهم ومراكزهم التجارية الفخمة. كما هدد أنصار النظام الملكي، ذوو القمصان الصفراء، باستئناف احتجاجهم وأيدوا استخدام القوانين القمعية والعنف ضد حركة الجماهير.
صار احتمال اللجوء إلى حل دموي واضحا للجميع. فقد أغلقت السفارات الأجنبية أبوابها، ونصحت العديد من البلدان، بما فيها الولايات المتحدة، مواطنيها بعدم السفر إلى بانكوك. طلبت إدارة الشئون الخارجية المواطنين الأمريكيين إعادة النظر في سفرهم نحو أي مكان في تايلاند، بسبب “القلاقل السياسية المتصاعدة والاضطراب الذي تعرفه بانكوك وغيرها من أنحاء البلد”.
كل هذا بين أن الجيش التايلاندي كان يحضر للقيام بالهجوم الأخير. لكن القوات الحكومية بقيت غير حاسمة. تفادى الجيش القيام بهجوم مباشر وحاول عوض ذلك خنق احتجاج القمصان الحمر في وسط المدينة بطريقة بطيئة. أقام الجيش المتاريس ووضع نقاط تفتيش على كل الطرق المؤدية إلى مخيم المحتجين، ومنع وصول المؤن ولم يترك سوى ممرات قليلة للذهاب والإياب.
أعلن الجيش منطقتين من المدينة، في دين داين وبون كاي، “مناطق نيران حية”. وقد هدد الجنرالات الكبار كل من يسير في هذه المناطق بأنه سيتعرض لإطلاق النار. كان رد القمصان الحمر هو توسيع المنطقة التي يسيطرون عليها عبر المدينة، حيث سارعوا إلى إقامة متاريس جديدة من العجلات وأجزاء السيارات، وهددوا بإشعال النيران فيها. كما تعرضت العديد من المنازل للإحراق، وأشارت التقارير إلى أن بعض المشاريع الاقتصادية والبنايات، الموجودة في المنطقة الفاصلة بين منطقة نفوذ القمصان الحمر ومنطقة الجيش، قد تعرضت للهجوم.
الانشقاق داخل صفوف الجيش
لقد بلغ الصراع الطبقي في تايلاند الآن حدة غير مسبوقة. لو توفرت القيادة المناسبة لتمكنت الحركة الجماهيرية أن تسقط حكم الأوليغارشية. يمكن للنظام أن يحس بالأرض تهتز تحت قدميه. فمن جهة تنمو قوة الحركة الجماهيرية الثورية كل ساعة، ومن جهة أخرى بدأت تظهر مؤشرات واضحة عن حدوث انشقاقات داخل صفوف الجيش والبوليس. صدرت العديد من التقارير عن حالات تآخي بين المحتجين والجنود، بل وحتى تسيير المحتجين لمتاريس الجيش.
مع الأسف تذبذب قادة الحركة الاحتجاجية وأظهروا أنهم لم يكونوا مستعدين للسير حتى النهاية. الشيء الذي مكن الرجعيين بالعودة إلى أخذ زمام المبادرة.
كان من الواضح أن الجيش خائف من الدخول في مواجهة مباشرة مع القمصان الحمر. والدليل على هذا هو أنه لم يقم، لحدود هذا الصباح، بالاستيلاء على أية منطقة تابعة لهم، لكنه عوض ذلك حاول خنق الحركة الاحتجاجية عبر منع وصول الغذاء والماء، وقطع الطاقة والاتصالات عن مخيمهم. لكن هذا لم يكن كافيا للقضاء على الاحتجاج. وسوف يتوجب على الجيش إن عاجلا أو أجلا أن يشن هجوما نهائيا وعنيفا لإبعادهم.
لكن هناك مشكلة. فالجنود العاديون يترددون دائما في لإطلاق النار على المدنيين العزل. ويصدق هذا مائة مرة أكثر عندما يتعلق الأمر بجيش يتشكل في أغلبيته من أناس ينحدرون هم أنفسهم من أسر فلاحين فقراء. ومن تم لجأ الضباط إلى استخدام قناصة منتقون بعناية ووضعوهم على أسطح البنايات لإطلاق النار على المتظاهرين.
كان أحد الضحايا هو خاتيا سواسديبول، الجنرال السابق في الجيش التايلاندي والذي صار قائد ميليشيا القمصان الحمر. لقد كان يعارض بشدة “اتفاق السلام” الذي أبقى على أبهيسيت في السلطة. ويوم 13 ماي، أرداه احد القناصة، ليموت في المستشفى. أنكر الجيش تورطه في العملية، لكن لا أحد يصدق هذا القول. القمصان الحمر ما يزالون مرابطين في مناطقهم بشجاعة مثيرة للإعجاب، وبالرغم من أن الجيش لم يطلق رصاصا حيا فإن العديد من الناس سقطوا قتلى أو جرحى.
أثار اغتيال خاتيا سواسديبول غضب مناصريه فاندلعت موجة جديدة من النضال في المنطقة المحيطة بمخيم المحتجين، وهو ما امتد إلى أماكن أخرى. تم إغلاق مقاطعات بأسرها في مدينة بانكوك، وبدأ الاحتجاج يجمع قوى جديدة بعيدا عن العاصمة التايلاندية. تم إعلان حالة طوارئ في خمسة أقاليم يوم السبت الماضي، مما يشكل حوالي ثلث مساحة البلد.
هناك صور منشورة على النت تبين جماهير غاضبة تستولي على شاحنة عسكرية، بينما لا يقوم الجنود بأي رد فعل لإيقافها. في هذه المناسبة قام المحتجون بالاستيلاء على الشاحنة والأسلحة وهم ينشدون: “عاش الشعب! فلتسقط الدكتاتورية!”. ويوم 28 أبريل صدرت تقارير تقول:
«قام ذوو القمصان الحمراء بأسر بعض الجنود الذين حاولوا التسلل بين صفوف المحتجين في راجبراسونغ. وبالرغم من أن هؤلاء المعتقلين كانوا قد تلقوا أوامر بإطلاق النار على قادة القمصان الحمر، فإنهم يعاملون بشكل جيد.»
أعلنت الحكومة عن فرض حضر للتجوال. الشيء الذي أثار موجة من الغضب بين صفوف المحتجين. لكن الجيش أبدى لاحقا اعتراضه على المقترح، قائلا بأنه “ليس ضروريا”. كان من الواضح أن الجيش والحكومة ما زالا مترددان قبل القيام بالهجوم الأخير. إلا أننا نعلم أن هذا التردد ليس راجعا إلى اعتبارات عاطفية أو إنسانية بل إلى الخوف.
الهجوم المعادي للثورة
لم يكن من الممكن استمرار ذلك الوضع على ما هو عليه. فمن جهة فقدت الحكومة سيطرتها على الشوارع وفقدت أعصابها. ومن جهة أخرى لم يمتلك قادة القمصان الحمر الشجاعة للدعوة إلى إضراب عام والتحرك للاستيلاء على السلطة. غياب المبادرة الحاسمة من طرف قادة الحركة الاحتجاجية، مكن أبهيسيت من استعادة القدرة على المبادرة. وفي النهاية قررت الحكومة، تحت ضغط الرجعيين، أن تنتقل إلى الهجوم.
كرر أبهيسيت تصميمه على وضع حد للاحتجاجات ووجه تحذيرا بأنه “سيتوجب تحمل بعض الخسائر”. كان هذا يعني أنه أعطى الضوء الأخضر للجيش لكي يقوم بسحق الحركة، بغض النظر عن الخسائر في الأرواح. فقام الجيش بمحاصرة الموقع، وطلب من المحتجين مغادرة الموقع، بدءا بالأطفال والنساء وكبار السن، أما الذين بقوا فقد كانوا يواجهون مصيرا مجهولا.
كان وضع المحتجين صعبا جدا. صارت الإمدادات الغذائية والماء قليلة جدا، ومنع أنصار القمصان الحمر من الالتحاق بالاحتجاج. وقد كان الجيش يتمتع بتفوق واضح في ما يخص الأسلحة والانضباط. إلا أن الجماهير كانت تمتلك سلاحا أكثر خطورة: وهو استعدادهم للموت. لقد أدت هذه الإرادة الصلبة بالجنود التايلانديين العاديين إلى فقدانهم لرباطة جأشهم وجعلت منهم مقاتلين مترددين وغير راغبين في القتال.
يوم 13 ماي شنت الحكومة الهجوم على القمصان الحمر. في البداية كانت الحكومة حذرة، وقلقة من النتيجة ومرتابة من ولاء القوات لها. قالت التقارير الصحفية الغربية إن الجنود بدوا متوترين بل وخائفين. قاموا بإطلاق الرصاص في الهواء وقذفوا قنابل الغاز المسيل للدموع، لكن ذلك لم يرهب القمصان الحمر، بل ردوا بإقامة المتاريس، ورمي الحجارة وكتل من الخرسانة والصواريخ اليدوية الصنع والزجاجات الحارقة.
قالت إحدى التقارير المنشورة على النت:
«تقع مواجهات متفرقة في بانكوك والأقاليم. وتحاول الحكومة بيأس أن تتمسك بالسلطة من خلال تقتيل المتظاهرين المدافعين عن الديمقراطية. لقد بدأت تظهر الانقسامات بين صفوف قوات الأمن مع وجود تقارير عن تبادل بعض وحدات الشرطة أو الجيش إطلاق النار مع القوات المتقدمة. هذه في الواقع حالة حرب أهلية والحكومة لا يمكنها أن تأمل في السيطرة على الوضع.» (التشديد من عندي- آلان وودز)
هل الوساطة ممكنة؟
مع الأسف لا يمتلك قادة الحركة الاحتجاجية أية منظورات. لقد دعوا إلى محادثات بوساطة الأمم المتحدة. ليس لهذا المقترح أي أمل في النجاح. لأنه في الحرب بين الغني والفقير ليس هناك أي مجال للحكام أو التحكيم. ليست هناك قوانين للعبة. والقانون الوحيد هو، في نهاية المطاف، أنه يجب أن تنتصر طبقة واحدة بينما تنهزم الأخرى.
عارضت الحكومة كل طلبات التفاوض، قائلة إن المفاوضات لن تبتدئ إلا بعدما يغادر المحتجون المخيم وسط بانكوك. يوم الأحد، رفضت الحكومة التايلاندية دعوة القمصان الحمر إلى إعلان الهدنة وتنظيم محادثات بوساطة الأمم المتحدة. أما الأمم المتحدة فلم تكلف نفسها عناء الرد على هذا الطلب.
خلال إلقاءه لخطاب متلفز بثته جميع القنوات التلفزية التايلاندية قال أبهيسيت:
«طالما استمرت احتجاجات القمصان الحمر، فإن الإرهابيين سيبقون وسيؤذون المواطنين والسلطات. إن المخاطر والعنف سيتصاعدان. إنني أصر على أن وقف الاحتجاج هو الطريق الوحيد لتجنب الخسائر.
«لا يمكننا أن نسمح لعناصر خارجة عن القانون بأن تأخذ بانكوك رهينة. لا يمكننا أن نسمح لمجموعة مسلحة متمردة على الحكومة أن تهاجم السلطات وتؤذيها. لن نوفر شيئا من جهودنا للحفاظ على النظام. سيتوجب تحمل بعض الخسائر. هذه هي الطريقة الوحيدة لإعادة الأمور إلى نصابها.»
إن ضحايا العنف الرجعي محتجون عزل. يقول الضباط إنه من حق الجنود أن يطلقوا النار في حالة الدفاع عن النفس. لكن شهود عيان قالوا إنهم شاهدوا جنودا وقناصة يطلقون النار بدون سبب. وقد دافع أبهيسيت عن تصرفات الجيش قائلا: «يجب على الحكومة أن تتقدم إلى الأمام، لا يمكننا أن نتراجع لأننا نقوم بعمل سوف يخدم مصلحة البلد بأسره. إذا ما كنا نريد التوصل إلى وقف للخسائر في الأرواح، فإن الطريقة الوحيدة هي أن نجبر المحتجين على وقف احتجاجهم.»
كانت الحكومة تلعب بعض الألعاب مع قادة المتظاهرين، حيث كانت تظهر لهم أنها مستعدة لتقديم التنازلات بينما كانت تحضر بشكل منهجي لقمع دموي. ومن أجل لفت انتباه الشعب والرأي العام الدولي عن هذه المخططات، قام أبهيسيت بالدعوة إلى انتخابات جديدة، لكن خلال شهر نوفمبر، وشريطة توقف الاحتجاجات الجماهيرية. حتى لو تم تنظيم انتخابات نوفمبر، فما الذي يمنع من توقع قيام أنصار النظام الملكي بتزوير النتائج، لا سواء من خلال التلاعب المباشر أو من خلال القضاة الفاسدين؟
لكن قادة القمصان الحمر راوغوا بعد استشعارهم للفخ، فأعلن رئيس الوزراء على الفور أن عرضه قد رفض، وسحب “خريطة الطريق” للانتخابات، ودعا الجيش إلى القيام بما كان مقررا طوال الوقت.
بطولة المنتفضين
معارك الشوارع الدائرة بين قوات الأمن والقمصان الحمر المحتجين لم تشهد أي ميل نحو التراجع. بل على العكس، انتقلت المواجهات إلى أجزاء أخرى من العاصمة، وإلى الأقاليم أيضا. نفس الشيء يقال عن عمليات إطلاق النار. أشارت التقارير إلى قيام بعض الشباب المسلحين بالرد على نيران الجيش. بينما أشارت تقارير أخرى (غير مؤكدة) إلى قيام بعض الجنود، أو رجال الشرطة، بإطلاق النار ضد قوات الجيش. وقد وصفت صحيفة سيدني مورنينغ هيرالد الأحداث قائلة:
«ينتشر في الشوارع الخوف. الخوف في أعين حراس القمصان الحمر، الواقفين بتحد على مداخل المخيم، لكن المتوترين.
«بكامل التبجح، كان أنان يستعرض مقلاعه، إذ يسحب المطاط جيئة وذهابا، مصوبا إياه نحو قناص، حقيقي أو وهمي، في مبنى مجاور. عند قدميه كانت هناك كومة من الحجارة وكتل من الخرسانة لرميها في حالة قدوم القوات. وفي جيبه الخلفي توجد وسيلة لإطلاق صواريخ محلية الصنع صنعت من الخيزران والخردة المعدنية، لإطلاق الصواريخ النارية على الجنود ومروحيات الشرطة. وهي تشكل ردا ضعيفا على بنادق ام 16 التي يمتلكها الجنود المختبئون وراء أكياس الرمل والأسلاك الشائكة على بعد بضع مئات من الأمتار.
«لقد شيدت المتاريس حيث يقف أنان، على مدى أسابيع من الاحتجاجات، إنها جدار هائل من الإطارات وقصب الخيزران المسننة، البالغة أربعة أمتار. تفوح منها رائحة البنزين. كان القمصان الحمر، الذين يتوقعون شن القوات المسلحة الهجوم عليهم في أي يوم، قد قاموا بملء الحواجز بالوقود، وعلى استعداد لإحراق مدينتهم قبل أن يتخلوا عنها
«” إننا نتعرض للقتل، نحن جميعا خائفون من التعرض للقتل، لكننا سنبقى هنا”
«لكن الخوف مكتوب أيضا على وجوه القوات المتمركزة في شارع راما 4، في أقصى جنوب المنطقة التي يسيطر عليها القمصان الحمر. يستعملون مكبرات الصوت من أجل دعوة المحتجين إلى السلام. “نحن جيش الشعب. إننا نقوم فقط بمهمتنا من أجل الوطن. أيها الإخوة والأخوات، دعونا نتحاور”. لكن هناك أمل ضئيل في تحقق هذا.»
في ظل هذه الظروف كان من المدهش رؤية الشجاعة الهائلة والإصرار الذي عبر عنه هؤلاء الرجال والنساء البسطاء: أبناء الفلاحين، وعمال الدكاكين، وعمال البناء، وعاملات الأسواق، جميعهم وجميعهن واقفون جنبا إلى جنب في مواجهة الرصاص والمدرعات. هذا هو الرد الحاسم في وجه جميع المتشائمين والجبناء والخونة الذين يشكون في قدرة الطبقة العاملة على تغيير المجتمع.
بالرغم من الخوف، بقي القمصان الحمر حازمين، ينظرون في أعين الموت مباشرة دون أن يطرف لهم جفن. وقد أكد تقرير على النت لمواطن تايلاندي يعيش في لندن أن «نائب رئيس نقابة عمال الكهرباء في العاصمة بانكوك دعا الناس إلى الانضمام إلى احتجاج القمصان الحمر في راجبراسونغ وقد قال قائد القمصان الحمر للتو “إننا نشبه سبارتاكوس!!!”»
ضعف القيادة
مع تصاعد عدد القتلى إلى 67، بعد أربعة أيام من معارك الشوارع الدموية، ومئات الجرحى، طلب الجيش من النساء والأطفال مغادرة المنطقة. لكن يوم أمس، باستثناء مجموعة صغيرة من النساء العجائز وبعض الأطفال، تجاهلت الجماهير هذا الطلب. لقد كان المحتجون مصرين على مواصلة الاحتجاج حتى النهاية. وهم ينشدون في راجبراسونغ: “هذه حرب طبقية للقضاء على الأوتوقراطية”.
لكن القيادة لم تعبر، مع الأسف، عن نفس القدر من التصميم. أشار بعض قادة القمصان الحمر إلى أنهم مستعدون للعودة إلى طاولة المفاوضات، شريطة أن تنسحب قوات الجيش فورا من الشوارع ويتم استدعاء الأمم المتحدة للوساطة، وقد صرح أحد أهم قادة الحركة الاحتجاجية، ناتاووت سايكوا قائلا: « نريد الأمم المتحدة أن تلعب دور الوساطة لأننا لا نثق في أي أحد آخر. ليست هناك في تايلاند أية مجموعة محايدة بما فيه الكفاية». إن هذه سذاجة مطلقة.
لقد سارت الأوضاع أبعد بكثير من حدود المؤسسات الشرعية والبرلمانية، والتي لا يمكنها أن تنجح إلا إذا قبلت بصلاحيتها الأغلبية الساحقة في المجتمع. لكن في آخر المطاف جميع المسائل الجوهرية ستحل خارج البرلمان: في الشوارع والمصانع وثكنات الجيش. وقد كتب الصحفيان الأستراليان وولكر وفاريلي:
«العيب الخطير الذي تعاني منه تايلاند هو فقدان الثقة في المسلسل الانتخابي. إن فقدان الثقة هذا فتح المجال أمام المتشددين لإتباع بدائل عنيفة. إن العنف شيء سيء أيا كان مصدره، لكن علينا أن نتذكر أن هؤلاء الذين يدينون بشدة أفعال القمصان الحمر هم أيضا من أنكروا بعناد نتائج صناديق الانتخابات.»
كان موقف الحكومة من الدعوة إلى تدخل الأمم المتحدة هو تصريح الأمين العام لمكتب رئيس الوزراء، كوربساك سابهافاسو: «إذا ما أرادوا حقا إجراء محادثات، فعليهم ألا يضعوا شروطا من قبيل مطالبتنا بسحب القوات». ليس هناك أي أمل حقيقي في حدوث وساطة. فخلف استعراض القوة والإرادة هذا، يكمن صراع بين مصالح متناحرة بشكل مطلق. كانت الحكومة مصرة على أجلاء المحتجين، وكان وهؤلاء الأخيرين مصرين بدورهم على البقاء حيث هم. حذر أبهيسيت من أن حكومته لن “تنحني أمام المتظاهرين”، وأن الجيش سيتحرك لسحق المحتجين. وقد انتقد وزير الخارجية التايلاندي، كاسيت بيروميا، الدبلوماسيين الأجانب لمجرد مخاطبتهم للقمصان الحمر، الذين اعتبرهم “إرهابيين”. هذا هو الصوت الحقيقي للطبقة السائدة. إنه صوت طبقة مستعدة للسير حتى النهاية في الدفاع عن امتيازاتها الطبقية.
لكن ماذا بخصوص قادة الحركة الاحتجاجية؟ لقد عمل قادة القمصان الحمر منذ البداية على تقديم عروض متكررة لإجراء مفاوضات مع الحكومة، تعرضت جميعها للرفض. إن الحكومة تفهم ما لا يفهمه قادة الحركة الاحتجاجية: إنها تفهم أن هذه الحركة تشكل تهديدا جوهريا للطبقة السائدة، وأنه لا يمكن التعامل معها إلا باستخدام القوة.
كانت قواعد الحركة مستعدة للنضال، لكن في آخر دقيقة أعلن قادة الحركة أنهم مستعدون لتسليم أنفسهم لقوات الشرطة وإنهاء الاحتجاج لأنهم “لا يستطيعون احتمال رؤية سقوط المزيد من القتلى”. من خلال إظهارهم للضعف قدم قادة القمصان الحمر الضوء الأخضر للجيش ليقوم بالهجوم، لأنه فهم أنه لن يلاقي أية مقاومة.
سيكون لهذا تأثير محبط جدا على الحركة الجماهيرية. فنفس القادة الذين كانوا يحثون الجماهير على المقاومة يطلبون منهم الآن أن يستسلموا. تقول بعض التقارير الآتية من بانكوك إن قواعد الحركة غاضبون مما حدث. وهذا ليس مفاجئا. يبين تاريخ الصراع الطبقي أنه من الأفضل تكبد الهزيمة في خضم النضال من الاستسلام بدون قتال.
النضال من أجل الديمقراطية
تحقيق الديمقراطية الحقيقية غير ممكن بدون إسقاط الأوليغارشية. لكن إسقاط الأوليغارشية غير ممكن بدون إسقاط النظام الملكي التايلاندي. الملك بهوميبول أدولياديج يبلغ 82 سنة من عمره ويعيش ظروفا صحية صعبة. لكنه يعتبر نقطة تجميع لكل قوى الرجعية.
يعبر التيار الماركسي الأممي عن دعمه المطلق للحركة الثورية التي تقوم بها الجماهير التايلاندية. إننا نطالب بالإقالة الفورية لحكومة أبهيسيت وتنظيم انتخابات حرة وديمقراطية. إننا ندافع عن كل الحقوق الديمقراطية، وقبل كل شيء حق الشعب في التنظيم، والاحتجاج والإضراب. من أجل ضمان هذه الحقوق ندعو إلى عقد جمعية تأسيسية لتقوم بصياغة دستور ديمقراطي حقيقي، والذي ينبغي أن تكون أول نقطة فيه هو إلغاء النظام الملكي.
يقال إن الملكية التايلاندية مؤسسة مبجلة، ومقدسة بالدين وبقوة تقاليد عريقة. إلا أن هذا يمكن قوله حتى عن أسرة آل رومانوف في روسيا القيصرية، لكن ذلك النظام الملكي البالي لم يحتج إلا إلى مواجهة دموية واحدة، في التاسع من يناير 1905، لكي يتم كنس كل الأوهام حوله من عقول الشعب الروسي. أيا كانت النتيجة المباشرة لهذه المواجهات الدموية الحالية التي تحدث في شوارع بانكوك، فإنه سيكون لها نفس الأثر.
إن الكره الشديد ضد حكومة الأغنياء سوف يتحول حتما ضد معقل الامتيازات الذي يشكله النظام الملكي. سوف تنمو المطالبة بالجمهورية، وستوحد فئات واسعة من الجماهير. ومع كل خطوة تخطوها الجماهير إلى الأمام، سيتضح أكثر أن الطريق الوحيد للتقدم يمر عبر تشكيل حكومة العمال والفلاحين الفقراء. في تايلاند، وكما هو الحال في جميع البلدان، ليست الملكية مجرد نظام موروث عن الماضي لا معنى له، مجرد شيء مزركش لكنه مفارقة تاريخية لا معنى لها، شيء موضوع للسياح. إنه معقل الرجعية، رمز للملكية الخاصة والسلطة والثروة والامتيازات، إنه نقطة تجميع لكل قوى الثورة المضادة. يجب القضاء عليه إذا ما أرادت الثورة أن تتقدم إلى الأمام.
بينما نكتب هذه الأسطر يكون مصير الحركة الاحتجاجية الجماهيرية في بانكوك قد حسم. فبالنظر إلى استسلام القيادة، يبدو أن الشوط الأول من المعركة سينتهي غالبا بهزيمة. لكن هذا الانفجار الذي شهده الصراع الطبقي سيكون له نتائج عميقة. فتايلاند لن تعود أبدا كما كانت. فأي حكومة نتجت عن هذا الوضع المضطرب ستكون هشة. ليست هناك أية إمكانية للوصول إلى اتفاق دائم على الأسس الحالية. وحدوث انتفاضات جديدة مسألة حتمية.
لقد امتلأت الحركة الديمقراطية الثورية بمضمون طبقي. وسوف تسير بالضرورة أبعد من الحدود التي وضعتها لها القيادة في البداية. من مصلحة الطبقة العاملة التايلاندية أن تناضل من أجل أكثر المطالب الديمقراطية طليعية. فقط من خلال كنس كل الزبالة الفيودالية القديمة ستتمكن الطبقة العاملة من تحقيق الظروف الضرورية لتطوير الصراع الطبقي. لكن العمال سيناضلون من أجل الديمقراطية بأسلحتهم الطبقية الخاصة: من الضروري الدعوة إلى إضراب عام لإسقاط الحكومة!
إن الإضراب العام، المنظم من خلال لجان المعارك، هو الطريق الوحيد لتفكيك قوى الثورة المضادة وإعطاء شكل منظم ومنسجم للحركة الجماهيرية الثورية. إن تحقيق الديمقراطية سيتطلب إعادة بناء ثورية كاملة للمجتمع التايلاندي من القمة إلى القاعدة. وسيتحقق هذا الهدف فقط عندما تضع الطبقة العاملة نفسها في قيادة المجتمع لإسقاط الأوليغارشية الممقوتة، سيرا على هدي العمال والفلاحين الروس سنة 1917.
آلان وودز
الأربعاء: 19 ماي 2010
عنوان النص بالإنجليزية: