الأمور تتغير بسرعة كبيرة في سوريا، بما في ذلك بعض التحولات المفاجئة في مزاج طبقات مختلفة من المجتمع. يوم الجمعة الماضي، جمعة الشهداء، لم يلب التوقعات من حيث عدد المتظاهرين، ولكن رغم ذلك شاهدنا انضمام مدن جديدة للاحتجاجات وكذلك خروج الأكراد لأول مرة. وشارك أيضا بعض أبناء الطائفة المسيحيين في الحركة.
هناك بعض التساؤلات بشأن تطور الأحداث بهذه الطريقة ومعناها من حيث شعبية أو عدم شعبية النظام. نحن بحاجة إلى تحليل الحالة إلى مكوناتها المختلفة لنكون قادرين على فهما بشكل أفضل. النظام يستخدم مزيج، نشر مكثف جدا لقوات الأمن في المدن الرئيسية (دمشق وحلب)، العنف الشديد والقتل في المدن أقل أهمية، وحملة من الأكاذيب والتشويهات، جنبا إلى جنب سلسلة من الوعود.
وصف شهود عيان حاولوا الانضمام إلى مظاهرات يوم الجمعة الماضي الوضع على النحو التالي:
«في المدينتين السوريتين الكبرى دمشق وحلب العديد من الشبان كانوا يجوبون الشوارع باحثين عن شيء للانضمام إليه، ولكن كلما وصلوا إلى الساحات والمساجد حيث كان من المفترض أن تجرى المظاهرات، وجدوا أعداد كبيرة جدا من بلطجية النظام المسلحة بالهراوات والمسيطرة على النقاط الإستراتيجية الرئيسية. الشباب كان محبط للغاية ولم يعرفوا ما العمل؛ ذهبوا من ساحة إلى ساحة ومن مسجد إلى مسجد للعثور على نفس الحالة بالضبط. المساجد الرئيسية كانت محاصرة والمتظاهرين كانوا محتجزين في الداخل. في مسجد الرفاعي، كان نحو 600 متظاهر محاصرين في الداخل وضربوا بشدة عندما كانوا يغادرون المسجد بعد أن كانت قوات الأمن قد وعدت أنها لن تتعرض لهم إذا ما وافقوا على الرحيل بسلام إلى ديارهم. الشباب لم يعرفوا ما يجب القيام به وغادروا في نهاية الأمر.»
«في المناطق الكردية والمناطق القبلية في شمال شرق البلاد، الأكراد من الشباب خرجوا للتظاهر أخيرا، ليس في أعداد كبيره جدا ولكن الشيء الرئيسي هو أنهم شاركوا. من كوننا على اتصال مع بعض الشباب الأكراد علمنا أن قيادات الأحزاب السياسية الكردية كانت قد وضعت ضغوطا هائلة على الشباب لعدم الانضمام إلى الحركة الثورية، والمشاركة جاءت بعد صراع مرير لكسب بعض الشبان إلى جانب الحركة. سمعنا الشيء نفسه عن القبائل العربية، حيث رؤساء القبائل يحاولون قصارى جهدهم وضع حاجز أمام مشاركة الشباب.»
«في المدن الصغيرة في جميع أنحاء البلاد جاء رد فعل النظام بطريقة أكثر دموية ليس بالهراوات ولكن بالرصاص الحي. ليس من الواضح لماذا يحاول النظام أن يغرق الحركة الثورية في الدم في المدن الصغيرة والقرى، ولكن يبدو أنهم يعتقدون أنه يمكنهم أن يفلتوا من العقاب إذا فعلوا ذلك في تلك المناطق. في حمص، مدينة هامة بين دمشق وحلب، كانت الاحتجاجات دموية للغاية صاحبها عدد من القتلى والاعتقالات. وقد قتلت فتاة كانت تقف على شرفة منزلها وتصور الفيديو بالهاتف الخلوي بعد إطلاق النار عليها من الأسفل، وهذا يدل على مدى وحشية القمع. لقد سمعت الكثير من القصص عن الاعتداءات واعتقال أولئك الذين يقومون بمجرد التقاط صور أو مقاطع فيديو. هناك شائعات تنطوي على أن حي مسيحي في حمص شارك في الاحتجاجات لأول مرة وهو تطورا مثيرا للاهتمام إذا كان صحيحا.»
«في دوما وهي بلدة بالقرب من دمشق وتعتبر تقريبا ضاحية من ضواحي دمشق كانت الحملة عنيفة جدا وسقط 15 شهيدا. ذكرت تقارير اليوم أن 100.000 شاركوا في الجنازة بما يعني أن البلدة كلها شاركت تقريبا. وقد أعلن سكان دوما ثلاثة أيام للعزاء وهذا أساسا شكل من أشكال الإضراب العام. كما أعلنت بلدة أخرى قريبة من دوما اسمها سقبا ثلاثة أيام من العزاء تضامنا مع دوما. هذا في الواقع تطور مثير جدا للاهتمام في مسيرة النضال. السوريون على فيس بوك بدأوا بالفعل في الحديث عن الحاجة إلى تنظيم الإضرابات والعصيان المدني. ولكن إذا لم يكن الثوار قادرين على تنظيم المظاهرات ليس من الواضح ما إذا كان بإمكانهم تنظيم الإضرابات. ومع ذلك، هذه القفزة في الوعي في حد ذاتها مهمة، وحقيقة أن الحركة الجماهيرية التي شهدناها في درعا والقرى المحيطة بها وصلت الآن إلى البلدات القريبة من دمشق يمثل تطورا هاما جدا.»
«في درعا وقراها كانت المظاهرات التي نظمت يوم الجمعة كبيره جداً وقد سمعنا عددا من المرات أن قوات الأمن فروا من المدينة ولكن يبدو أنهم يعودون في كل مرة. تمكن شعب درعا من التغلب على بلطجية النظام لكن يبدو أنهم لا يعرفون ما الخطوة المقبلة. أمس قرأنا أنه تم تشكيل لجان لحراسة الطرق المؤدية إلى المدينة والقرى المحيطة بها لمنع قوات الأمن من العودة واعتقال الشبان لأنه كانت هناك حملة اعتقالات في المدينة.»
يمكننا أن نرى هنا أن حركة غير منظمة وهذا يشكل نقطة ضعف كبيرة. المجتمع السوري كان بحاجة إلى عدة سنوات للوصول إلى نقطة الغليان الثوري، ولكن الأحداث التي وقعت في العالم العربي سرّعت عملية دفع طبقات معينة من المجتمع السوري إلى نتائج ثورية. باقي فئات المجتمع – الذين ليسوا على استعداد للثورة ولا تزال لديهم بعض الأوهام في النظام – فوجئت بهذه الحركة، والنظام استفاد من هذا الوضع. الطبقات التي تتحرك يبدو أنها تتألف من المظلومين والمهمشين من الجماهير الكادحة السورية، بما في ذلك القطاعات الفقيرة من الطبقة العاملة، البرجوازية الصغيرة والفلاحين. مقاومة التغيير تظهر ضمن فئات من البرجوازية الصغيرة التي هي مرتاحة مع النظام وأيضا بين الطبقات العليا من الطبقة العاملة. الآن ما هو الوضع بين بقية الطبقات العاملة والجماهير الكادحة بين الطبقات العليا والسفلى لا تزال مسألة مفتوحة. يبدو أن هناك سلبية، شك، وموقف “دعونا ننتظر ونرى” بين هذه الطبقات.
وقد تمكن النظام من استخدام الدعاية المعتادة لكسب طبقات معينة وتهدئة الآخرين في محاولة لعزل الحركة الثورية ولكن مع ذلك لديه صورة مبالغة لشعبيته. وكانت حافلات النظام قدمت بكثير من الناس للتظاهر بعد تعبئتهم في أماكن العمل والمدارس والكثير منهم لم يكن ليأتي طوعا. على خلاف ذلك يعتقد كثير من مؤيدي النظام أنه قوي جدا ولا يمكن الإطاحة بالرئيس من قبل الجماهير. كما أن العديد من الناس يخافون من مجرد تغيير النظام لأن النظام ينشر كل أنواع الدعاية لتخويف الناس من حرب طائفية، أو وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة، أو من مؤامرة أجنبية لتقسيم البلاد إلى كانتونات على أساس الدين والعرق. غياب القيادة التي لها برنامج واضح هو العقبة الرئيسية أمام الحركة الثورية لمكافحة هذه الدعاية.
ومع ذلك فإن النظام يتمادى في الثقة المفرطة في النفس. كان خطاب الرئيس خيبة أمل كبيرة وأثار غضب كثيرين. وكانت قناة الدنيا، المملوكة من قبل أحد رجال النظام، بثت فيديو يظهر شخصا في مظاهرات يتظاهر بإطلاق النار عليه ويأتي شخص أخر لدهنه بالكاتشب لخلق انطباع الدم.الكاتشب! هذا مهين جدا للكثيرين والشعب السوري ليس غبيا!
ومثال على مدى سرعة تغير تفكير الناس كان عضو في الحزب الشيوعي السوري (المنظمة الأم، والوحيدة التي لديها قاعدة جماهيرية) قبل خطاب الرئيس متشككا جدا وإلى حد ما يعتقد أنه كان هناك نوع من المؤامرة، ولكن بعد الخطاب، أصبح أكثر راديكاليه، وقال ما يلي : «حركة اليسار التي سوف تشهدها سوريا (قريبا جدا) سوف تدهش الجميع… الحرية تقترب وهذه المرة سوف يكون في استقبالها الشيوعيين وليس غيرها…» كيف سيتحقق هذا على أرض الواقع هو سؤال مفتوح، لكنه يظهر تحولات المزاج المفاجئة التي يمكن أن تحدث.
إن ما نشهده اليوم في سوريا هو نتيجة مباشرة لاعتماد اقتصاد السوق، وعلى الرغم من عدم اكتمال هذا ربما حتى الآن، فقد كان يكفي للتسبب في في تدهور ظروف طبقات المجتمع الوسطى والدنيا بشكل ملحوظ. فقد تضاعفت أسعار السلع الأساسية ضعفين أو ثلاثة أضعاف في السنوات الأخيرة، وأسعار العقارات قد ارتفعت إلى مستويات فلكية. الظروف الموضوعية مهيأة لكن الظروف الذاتية داخل المجتمع ككل لا تزال غير واضحة.
الثورات لها ديناميتها الخاصة وبعض التحولات يمكن أن تسرّع إلى حد كبير في ظل الظروف الثورية. أكاذيب النظام ليست سوى مناورة لكسب بعض الوقت وتشتيت الحركة، ولكن هذا لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة. إذا نجحت الحركة في مواصلة الضغط لفترة كافية، فإنه من المرجح أن المزيد والمزيد من طبقات المجتمع ستنضم. الأمور تتغير يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة الآن. وحتى لو هزمت الحركة في المدى القصير، فإن مثل هذه الهزيمة لا يمكن سوى أن تعد لحركة أوسع انتشارا وأكثر قوة في المستقبل. إن النظام لن يكون قادرة على تحقيق أي من وعوده بشكل ملموس، والإصلاحات في هذه الظروف سوف تكون تجميلية فقط. أحوال الجماهير لن تكون إلا إلى الأسوأ، وأكاذيب النظام سيتم قريبا الكشف عنها.
موسى لاذقاني
الاثنين: 04 أبريل 2011
عنوان النص بالإنجليزية:
Which way is Syria going? An appraisal of the moment after the Friday of Martyrs