الرئيسية / كتب ومنشورات / مجلات وجرائد / التيار الماركسي الأممي يصدر العدد الثاني من مجلته: الحرية والشيوعية

التيار الماركسي الأممي يصدر العدد الثاني من مجلته: الحرية والشيوعية

أصدر التيار الماركسي الأممي العدد الثاني لمجلة “الشيوعية والحرية” تحت عنوان: “الثورة العربية في مأزق، ما هو المخرج” والتي ضمت المقالات التي تهم مختلف قضايا الثورة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والمنشورة بالموقع العربي للتيار الماركسي الأممي:

الافتتاحية:

لقد انقضى أكثر من عام ونصف منذ أن عصفت الثورة بالعالم العربي. وعي الملايين المسحوقة، والتي لوقت طويل لم تملك أية أمل بالتغيير، ظهر وكأنه قد تبدل مرة واحدة بشعور بالنشوة وإحساس غامر بقوتهم. الانتماء إلى حركة جماهيرية ضد النظام القديم، رؤية أن حتى أكثر الأنظمة عديمة الرحمة ليست سوا نموراً من الورق في مواجهة الملايين المصممة على النصر، كل هذا كان له الأثر الأكبر على عقول العمال والشباب. من شارك بالثورة، ومن سيحل محل النظم القديمة، كل هذه المسائل لم تلوح في الأفق بشكل كبير كما تفعل الآن. المسألة الأساسية كانت إنجاز مهمة واحدة، ألا وهي إنهاء النظام القديم.

في الطور الأول من الثورة كان المنشقون عن الأنظمة القديمة، بعضهم انشقوا وهم لا يزالون في مناصبهم الوزارية، باستطاعة القول بأنهم جزء من حراك موحد مع العمال والشباب الذين كانت تراق دمائهم في الشوارع من قِبل الطغاة. وكان فيها صغار الرأسماليين في هذه المرحلة، بعد أن رفضوا دعم الثورة في بدايتها، قادرين على الانضمام إليها بسرعة عندما أصبح جلياً حتمية انتصارها. المنشقين تمكنوا من حماية مصالحهم الخاصة من خلال إعلان ولائهم للثورة والتخلي عن أسيادهم القدامى قبل فوات الأوان. العديد من الرأسماليين الذين حرموا من الاستمتاع بميزات السلطة تمكنوا من الخروج من ظلال العوائل الحاكمة ودوائرها التي حصلت دائما على أفضل الفرص وبحسب هواها حجمت أو دمرت منافسيها.

بالنسبة لأولئك العمال والشباب الذين ألهمهم إحراق البوعزيزي نفسه وعبر عن ظروفهم ومشاعرهم القلقة بخصوص مستقبلهم: الديمقراطية عنت حق الكفاح من أجل حياة أفضل لأنفسهم وعوائلهم وتحسين ظروف معيشتهم. هذه المصالح المختلفة، لا بل المتناقضة، للطبقات الاجتماعية المختلفة كانت غير واضحة في البداية. ولكن بعد مضي سنة ونصف أصبحت هذه التناقضات الصفة المميزة للمرحلة الجديدة.

اليوم يمكننا رؤية أن المنشقين وصغار البرجوازيين يقطفون ثمار الثورة ويتصارعون فيما بينهم حول كيفية اقتسام الغنائم. ففي تونس، وصلت النهضة إلى السلطة وعلى الفور أصدرت تطمينات بأن الاستثمارات مرحب بها بعد رحيل بن علي. الامبريالية الفرنسية، التي عرضت إرسال تدعيمات من وحدات مكافحة الشغب الفرنسية لقمع الثورة التونسية، ما زالت تستمتع بخيرات تونس وبحماية مصالحها الاقتصادية كما كان الوضع قبل الثورة.

 في مصر، قام المجلس العسكري بالتخلص من مبارك قبل أن يُغرق الجميع معه. عندما انفجرت الاحتجاجات ضد هذه الطغمة العسكرية، طلب الأخوان المسلمين من الجماهير الهدوء في البداية. فقط عندما شعروا بأن قبضتهم على مميزات السلطة في خطر من قبل قيادة الجيش، التي كانت تفكر بوضع أحد رجالاتها في الرئاسة من خلال التلاعب بالانتخابات، اظهروا اهتماما مفاجئا بالاعتراض على بقايا الدكتاتورية السابقة. المجموعتان، القديمة والجديدة، أخذتا بالتنازع على تقاسم حصتهما من الغنائم في حين أن الإمبريالية الأمريكية ذكرت الطرفين بهدوء بخطر الثورة في حال خروج هذا النزاع عن السيطرة.

في ليبيا، ما بدء كحركة جماهيرية صحية تم اعتراضه بسرعة من قبل المعارضة الخارجية وغيرها من الجرذان التي أخذت بالقفز من سفينة القدافي الغارقة. المجلس الانتقالي فرض فرضاً على الثورة بدعم من قوى الإمبريالية. هذه العصابة من الحقوقيين، الأكاديميين وغيرهم من رموز المعارضة المنسية في الخارج اتحدوا مع المنشقين الذين لم تزل أيديهم تقطر بدماء شعبهم. لم يكن المجلس الانتقالي من نزف دماً في شوارع بنغازي وطرابلس، بل ألاف الشباب، المعلمين، الأطباء، موظفي الحكومة، سائقي الأجرة وغيرهم من أعداد لا تحصى من العمال والكادحين الآخرين. الجماهير حصلت على النصر بدمائها، ولكن هذا النصر تم بيعه لأولئك الذين أرسلوا الطائرات لقصف المنازل دون تمييز.

سوريا تواجه مصيراُ مشابهاُ لليبيا، مع الفرق بأن عناصر مشابهة وصلت إلى القيادة حتى قبل الانتصار على النظام. لقد رأينا ثورة حقيقة من الأسفل بداية بالمظاهرات السلمية. رأينا حركة جماهيرية مصممة على القتال حتى عندما بدء النظام يستخدم نيران الرشاشات والتعذيب الوحشي في الأقبية لسحقها. كم من المراحل تخطينا منذ ذاك الحين. انحلال الحركة الثورية يبدو أكثر اكتمالاً الآن، حيث أن نفس الفئة من المنشقين والمعارضين المنفيين قد خطفت الثورة. المجلس الوطني يطالب بالتدخل الامبريالي في سوريا، من تركيا، السعودية وقطر، مما يفزع قسماً كبيراً من السوريين، الذين يأخذون موقفاً صحيحاً بمعارضة التدخل، ويدفع بهم بعيداُ عن الثورة. هؤلاء القادة وداعميهم يساهمون أيضاً بتأزيم الحساسيات الدينية والإثنية ويسلحون الإسلاميين. على الرغم من الأمل السابق بأن نرى الجيش السوري الحر أداة للتغيير الثوري، يتم اليوم استغلاله من قبل قوى الثورة المضادة التي تغرس مخالبها محاولة تطبيق مخططات قوى الاستعمار ومخلفات العصور الوسطى من عوائل آل سعود وآل ثاني الذين لم تكن سوريا مفتوحة لأجنداتهم حتى الآن.

هل بإمكان هؤلاء الذين تسلقوا الثورات تقديم أية شيء لتحسين ظروف الجماهير؟ بالنسبة للبوعزيزي وللآلاف الذين دفعتهم حادثة إحراقه لنفسه للانتفاض، الذين يشكلون المحرك الحقيقي لهذه الموجة الثورية، الديمقراطية تعني حق الاعتراض، الرفض، التحدث بصوت عالي، والمطالبة بحياة أفضل. الديمقراطية تعني حق الكفاح من أجل الخبز، السكن، العمل، والدخل الكريم. هذا ما تعنيه الديمقراطية للشباب الذين يواجهون هاوية البطالة وغياب المستقبل. النسور المحلقة تتقاتل فينا بينها للحصول على أكبر قطعة من الكعكة التي خلفتها الأنظمة السابقة، ولكن هل بالإمكان التوفيق بين ذلك ورغبة الجماهير بحصة أكبر لأنفسهم؟

الرأسمالية واقعة اليوم في أسوء أزماتها العالمية منذ الكساد العظيم. الأزمة أبعد عن ما تكون عن نهايتها، على العكس هي ما تزال في البداية، وكل الإشارات تشير إلى استمرارها وتعمقها. الطبقة الحاكمة في جميع البلدان المتقدمة تردد نفس الكلام: من غير الممكن لنا الحفاظ على مكتسبات الماضي، التي حصلت عليها الطبقة العاملة بعد صراعات مريرة على مدى عقود. لإنقاذ الرأسمالية، على الجماهير قبول تراجع جديد وعميق في مستواهم المعيشي: هذا هو الحال في اليونان، اسبانيا، ايطاليا، البرتغال والعديد من الدول الأوروبية الأخرى. الولايات المتحدة نفسها في أزمة عميقة جداً.

كيف يمكن لتونس أو مصر أن تطمح إلى مثل هذه المكتسبات في ظل النظام الرأسمالي في حين أن بلدان أكثر غنى تصرح بأن الرأسمالية غير قادرة على تحمل النفقات؟ من الواضح أن الإخوان وغيرهم مِن مَن حصدوا خيرات ثورة لم يقوموا بها، والذين لم يترددوا في الذهاب بعيداً بالتأكيد للرأسمال العالمي أنهم منفتحون إلى الاستثمارات، لن يعارضوا إرادة الطبقة الرأسمالية العالمية.

ولكن كما أن الرأسمالية ظاهرة عالمية، كذلك الثورة. ففي حين أن الموجة الثورية في الشرق الأوسط انحسرت مؤقتاً، موجات جديدة تضرب بقاع أخرى من العالم. ما نراه اليوم في أوروبا هو أنه لا يمكن إجبار الطبقة العاملة على دفع فاتورة أزمة الرأسمالية من دون الخوض في صراع مرير. في اليونان، إضراب عام بعد إضراب عام يهز هذا البلد في الوقت الذي تفكر فيه الطبقة الحاكمة بتطبيق أسبوع عمل من 6 أيام و11 ساعة في اليوم، هذه الساعات شبيهة بما نراه في معامل نسيج المحلة في مصر!

في البرتغال، أجبرت الحركة الجماهيرية الحكومة البرتغالية على إلغاء حزمة التقشف الأخيرة مؤقتاُ، وبمشاركة مفاجئة من الشرطة ونقابات القوات المسلحة التي اصطدمت مع شرطة مكافحة الشغب ومنعتهم من مغادرة مراكزهم والخروج إلى قمع المتظاهرين. أوروبا بأكملها تغلي وكل الإشارات تبين بأن انتفاضة عارمة من الممكن أن تنفجر في أية لحظة. ثورة واحدة في إحدى الدول الأوروبية كفيلة بأن تمتد بسرعة داخل أوروبا وخارجها، كما فعلت الثورة التونسية، وأن تنهض بالجماهير في العالم العربي من جديد.

الأزمة في أوروبا، والمأزق المؤقت في العالم العربي، يُظهران بوضوح أنه لتحسين ظروفنا علينا الاستعداد للقطع مع مصالح أسياد الثروة في مجتمعاتنا. لقد استفادوا من الأنظمة السابقة، والآن يطمحون إلى المحافظة على مرابحهم عن طريق إفقار الجماهير وإبقائهم في ظروفهم المزرية. العمالة الرخيصة هي صرختهم الدائمة. ولكن البشرية تستحق عالم أفضل، إذا كانت الرأسمالية غير قادرة على توفير هذا العالم، فعليها أن ترحل. على أولائك الذين حققوا الأرباح من دمائنا التخلي عن ثرواتهم ولتكن إدارتها بيد الثورة. فلندع هؤلاء الذين قاتلوا في الشوارع من أجل مستقبل أفضل يقررون كيفية الخروج من الفقر والحاجة. دعونا نتحكم بموارد بلداننا ونديرها ديمقراطيا بحيث يمكن لنا أن نستثمرها حيث يحتاجها المجتمع وليس بحسب متطلبات دافع الربح: في توفير الخبز، العمل، السكن، التعليم والطبابة المجانية للجميع.

ولكن لوحدنا من الصعب أن ننجح. الامبريالية تتلاعب وتجد بيننا الخونة الذين يمكن لها أن تتكل عليهم لإبقائنا تحت سيطرتها. إن موطن الإمبريالية هو المكان الذي نجد فيه أهم حلفائنا: الملايين العاملة والتي عليها الآن أن تتوقع تراجع كبير في مستواها المعيشي نتيجة لأزمة الرأسمالية الحادة. علينا مشاهدة الثورة القادمة في أوروبا بنفس الاهتمام الذي شاهد فيه العالم بأكمله الثورة العربية، لأنها بالتحديد الفصل القادم من ثورتنا. وكما أن عمال ولاية ويسكنسون الأمريكية تعلموا من انتفاضات عمال الشرق الأوسط ورفعوا شعار “حارب مثل المصري”، علينا النظر والتعلم من الكفاحات في أوروبا.

لا يمكن لنا أن ندع الفراغ الذي سمح للانتهازيين وسارقي الثورات بالتسلق على ثورتنا بالظهور مرة أخرى. ندعوكم إلى الانضمام إلى التيار الماركسي الأممي والعمل سوية على بناء منظمة ثورية أممية قادرة على توحيد كافة النضالات في كفاح مشترك لوضع نهاية للرأسمالية والإمبريالية وبناء مجتمع اشتراكي عادل.

لتحميل نسخة من المجلة اضغط على هذا الرابط:

المحتويات:

  • الفيلم المسيء للإسلام: الأصوليتان المسيحية والإسلامية تدعمان بعضهما
  • موجة من الاحتجاجات تواجه السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية
  • سوريا: الرجعية في كلا الطرفين!
  • المغرب: من سيدفع فاتورة الأزمة؟
  • أي طريق يجب على مصر أن تسلكه: التعاون الطبقي أم الثورة؟ رد على الاشتراكيين الثوريين
  • المغرب: نعي المناضل الثوري الشاب أنس بناني
  • المغرب: إضراب عام تضامني مع عمال منجم بوازار يشل إقليم ورزازات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *