الرئيسية / الشرق الأوسط وشمال إفريقيا / الحروب والثورات / الشرق الأوسط: الحرب على اليمن تفاقم أزمات الأنظمة الفاسدة

الشرق الأوسط: الحرب على اليمن تفاقم أزمات الأنظمة الفاسدة

يفر مئات الآلاف من اليمنيين من منازلهم بحثا عن مناطق أكثر أمنا، لكن الموت يطارد البلاد مع نقص المواد الغذائية والسلع الأساسية،. هذه الحرب التي أسفرت عن مقتل وجرح الآلاف تفاقم جلب أيضا التناقضات في الشرق الأوسط بينما تجد المملكة السعودية نفسها معزولة على نحو متزايد.


بعد أسابيع من القصف الوحشي من قبل المملكة العربية السعودية وحلفائها، بلغ العدد الرسمي للقتلى في اليمن الآن ما يقارب 800 قتيل، بينما أصيب أكثر من ألفي شخص آخرين، في حين اضطر 150.000 شخص للفرار من منازلهم.

تسبب هجوم بالقنابل في صنعاء، وقع يوم أمس، في مقتل عشرات الأشخاص وجرح المئات، في حين تم تدمير مئات المنازل. وقال شاهد عيان في مستشفى قريب لرويترز إن غرفة الطوارئ كانت مكتظة بالضحايا الذين يصرخون من شدة الألم بسبب الجروح التي لحقت بهم بتطاير حطام منازلهم. أكثر من نصف سكان اليمن يعيشون اليوم بالفعل “انعدام الأمن الغذائي”، لكن الوضع يزداد سوءا بسبب الحصار الجوي والبحري الذي يخنق اليمن التي تستورد عادة 90٪ من بضائعها.

وعلى الرغم من الاحتجاجات المحتشمة لروسيا والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون استطاع السعوديون تمرير قرار في مجلس الامن الدولي يدين الحوثيين بسبب اعتداءاتهم [كذا] ويفرض الحظر على تسليحهم. كل هذا في حين تم تجاهل مقترح إيراني لوقف اطلاق النار. يوضح هذا الطبيعة الحقيقية للأمم المتحدة التي ليست سوى أداة في يد الإمبريالية الأمريكية. ومن الواضح أن النظام السعودي الرجعي يريد سحق الحوثيين والشعب اليمني، والأمم المتحدة متواطئة تماما في هذه الجرائم.

يوم 05 أبريل، وافق التحالف الذي تقوده السعودية على السماح بإدخال جزئي للإمدادات وعمال الإغاثة إلى اليمن. لكن هذا لم يغير الوضع كثيرا. وقد أوضح علي محسن، وهو من سكان صنعاء، الوضع في اليمن لصحيفة التايمز قائلا: «لقد بحثت لمدة يومين ولم أجد شيئا. في اليوم الثالث وجدت نصف كيس من الطحين في السوبر ماركت. وكان آخر كيس». كم عدد الآخرين الذين بحثوا بدون جدوى؟

يوم السبت، أعلن الملك سلمان أن السعودية سوف تقدم مبلغ 274 مليون دولار الذي طلبته الأمم المتحدة للمساعدات الإنسانية في اليمن. لكنه في نفس الوقت قصف منشآت منظمة اوكسفام للمعونات. وذكر مسؤول في منظمة أوكسفام أن: «هذا أمر مثير للغضب الشديد خصوصا وأننا قدمنا معلومات تفصيلية لقوات الائتلاف حول مواقع مكاتبنا ومخازننا. لم تكن لمحتويات المستودع أية قيمة عسكرية. إنها تحتوي فقط على إمدادات إنسانية مرتبطة بعملنا السابق في صعدة، ولتوفير المياه النقية لآلاف الأسر». وتجدر الإشارة إلى أن 10 ملايين مواطن يمني لم يكونوا يتوفرون على مياه نظيفة حتى قبل انطلاق الضربات الجوية.

وفي الوقت نفسه تم تكثيف حملة القصف بمساعدة من الولايات المتحدة عبر تزويد الطائرات بالوقود، وهو ما يعني أن الطائرات السعودية لا يجب أن تضيع الوقت في الهبوط للتزود بالوقود، وبذلك يمكنهم مواصلة قصف اليمن طوال النهار وطوال الليل.

وفي أعقاب دعوة إيران لهدنة ومفاوضات، أعلن وزير الخارجية السعودي الجديد، الأمير سعود الفيصل، أن “ايران ليست وصية على اليمن”، ومن الواضح أنه كان يعني أن السعوديين هم الأوصياء عليه.

لكن ما الذي ربحه السعوديون؟

قالت السعودية إن هدف الحملة هو إجبار الحوثيين على إلقاء السلاح والقبول “بشرعية” الرئيس عبد ربه منصور هادي – الذي تم تمديد ولايته إلى أجل غير مسمى بشكل غير دستوري، بعدما انتهت في فبراير من العام الماضي.

لكن وبعد ثلاثة أسابيع من القصف المكثف وحرمان البلد من جميع الموارد، لا يبدو أن قوات الحوثيين قد ضعفت كثيرا. بل في الواقع يبدو أنه منذ بداية الحملة تمكن الحوثيون من تحقيق بعض المكاسب في مدينة عدن الهامة ونواحيها.

في الأجزاء الشرقية من البلاد، حيث لم يكن للحوثيين أي نشاط، تمكنت قوات التحالف من الحصول على دعم من عدد من القبائل التي أخذت السلطة في عدة مناطق. وفي نفس الوقت، وتحت ضغط القبائل الشرقية، غير كبار الضباط المتمركزين في المنطقة الجبلية شرق اليمن ولائهم وتعهدوا بتقديم الدعم لحكومة هادي. لكن من بين 15.000 جندي لم يتأكد التحاق سوى 10.000 جندي، في حين استمر آلاف الجنود في عداد المفقودين.

لكن لم تتمكن أي من هذه القوى من تحقيق أية مكاسب تذكر في الشمال الغربي من البلاد حيث يتمتع الحوثيون بالدعم وحيث لا يملك الرئيس هادي والسعوديون أية قاعدة دعم. وأغلب الظن في الواقع أن التأييد الشعبي للحوثيين قد تزايد مع استمرار الهجوم الإمبريالي عليهم حيث صاروا يظهرون على أنهم القوة الوحيدة القادرة على تنظيم المقاومة.

خلال الأيام الأخيرة دفع السعوديون هادي إلى تعيين نائب جديد للرئيس، خالد بحاح، الذي يحظى ببعض الاحترام بين المواطنين، مما يشير إلى أن التخلص من هادي قد أصبح وشيكا. لكن من غير المرجح أن يكون بحاح أكثر فعالية من هادي، الذي ربما قد شوه سمعته بترشيحه له.

في غضون ذلك استفاد فرع تنظيم القاعدة في اليمن بشكل كبير من الوضع. فلقد أحجم السعوديون عن مهاجمتهم، والحوثيون، الذين كانوا المقاتلين الأكثر فعالية ضدهم، مشغولون الآن بقتال السعوديين، كما أن حملات الطائرات الأمريكية بدون طيار ضدهم توقفت بسبب الحرب.. وهكذا فقد استغلوا الفرصة للاستيلاء على مساحات واسعة من المناطق الريفية في الجنوب الشرقي فضلا عن العديد من المدن حيث ترتفع المشاعر المعادية للسعودية بسبب الحرب.

يوم الخميس سيطروا على مطار الريان الدولي والقاعدة العسكرية المجاورة خارج المكلا، خامس أكبر مدينة في اليمن. كما سيطرت الجماعة كذلك على محطة للنفط على ساحل بحر العرب واقتحمت مستودعا للأسلحة واستولت على عربات مدرعة وصواريخ، بعد الدخول في هدنة، على ما يبدو، مع القبائل المحلية. لم تدخل القوات الحكومية المحلية في القتال. وبالإضافة إلى المكاسب الترابية الكبيرة نظمت المجموعة الإسلامية حملة هجوم على السجن وسرقة مبلغ مليون دولار من أحد الأبناك.

يمثل هذا أيضا تهديدا خطيرا للحركة الانفصالية الجنوبية التي كانت واحدة من القوات القليلة التي تدعم هادي والغارات الجوية السعودية. لقد كان تحالف الانفصاليين مع هادي غير مستقر دائما. وفي الواقع كانوا ضد هادي حتى بدأ الحوثيون يتجهون نحو عدن التي لم يكونوا يمتلكون فيها أي دعم. وفي مرحلة معينة يمكن للدعم الموضوعي الذي يقدمه السعوديون لتنظيم القاعدة أن يكون له تأثير على الدعم الذي يتلقونه من الحراك الجنوبي الذي هو قوة علمانية.

لا يمكن للمال أن يشتري لك أصدقاء

وفي الوقت نفسه ها هو التحالف، الذي أعلن عنه بضجة كبيرة قبل بضعة أسابيع، قد بدا ينهار شيئا فشيئا. تركيا، التي أيدت الحملة في البداية، لم ترسل أية قوات. ويواجه أردوغان بالفعل مشاكل خطيرة في الداخل بسبب مغامراته في سورية وهو غير مستعد لفتح جبهة جديدة الآن. وفي الوقت نفسه يوفر رفع العقوبات على إيران فرص عمل جديدة للاقتصاد التركي المحاصر. ولذلك فمباشرة بعد تعهده بتقديم الدعم للحملة التي تقودها السعودية، ذهب في زيارة إلى طهران لمناقشة سبل تحقيق المزيد من التعاون الاقتصادي بين البلدين.

والجيش الباكستاني، الذي شارك كجيش من المرتزقة في جميع حروب المملكة العربية السعودية، أعلن أيضا أنه لن يشارك في القوات البرية، بعد رفض الاقتراح من طرف البرلمان الباكستاني. وبدلا من ذلك صوت البرلمان لصالح قرارا ينص على حياد باكستان ولعبها دور “الوساطة”.

كانت باكستان تقليديا قريبة جدا من السعودية التي مولت الجيش الباكستاني وكذلك برنامجه النووي. وفي الواقع يميل العديد من المسؤولين إلى تسميته علنا بأنه “البرنامج النووي السعودي في باكستان”. وقد مولت أيضا آلاف المدارس الدينية في البلاد والتي خرج منها المقاتلون الذين شاركوا في الحرب على الاتحاد السوفياتي في أفغانستان.

لكن الجيش الباكستاني قد انحط بشكل تدريجي على مدى السنوات الماضية. فإلى جانب الانقسامات الطبقية وفقدان شرعية الجنرالات في أعين الجنود، أصبح الجيش أيضا متورطا في الحروب القبلية والطائفية والعصابات داخل باكستان نفسها. وبالتالي فإن الجيش الفاسد حتى النخاع والفاقد للشرعية والفاقد للتوازن كان سينقسم وينهار ربما لو تم إرساله لخوض حرب في أرض معادية لأجل قضية لا يؤمن بها أي جندي باكستاني. وكان يمكن لهذا أن يكون له آثار مدمرة على الدولة الباكستانية والتي هي في غاية الاضطراب والضعف. ومن الواضح أن جزءا من النخبة الحاكمة ترى هذه المخاطر وليست على استعداد للمخاطرة لأجل المملكة العربية السعودية.

وفي نفس الوقت هذا من شأنه أيضا أن يمثل استفزازا تجاه إيران التي تتمتع بنفوذ كبير في باكستان والتي تتطلع إلى أن تكون شريكة رئيسية في مشروع “طريق الحرير” الصيني الذي يمر بكلا البلدين.

كان الانسحاب الباكستاني ضربة كبيرة لبيت آل سعود الذين ينظرون إلى الجيش الباكستاني، وإلى باكستان نفسها في واقع الأمر، كملكية خاصة لهم، بنفس الطريقة التي ينظر بها السيد إلى كلبه. إنهم لا ينظرون فقط إلى الجيش الباكستاني كملكية لهم، بل كذلك يرون أسلحته النووية وممتلكاته، التي يمكنهم استرجاعها في أي وقت. لكن الأزمة في علاقات السعودية تضع علامة استفهام حول الخطة البديلة التي يمتلكونها في حربهم ضد إيران، أي الحصول على أسلحة نووية من باكستان.

ولذلك فإنه لم يكن من المستغرب أن السعوديين استاءوا من كلبهم عندما عصاهم. وقد عبر عن موقفهم وزير الإمارات العربية المتحدة للشؤون الخارجية، الدكتور أنور محمد قرقاش، الذي أدان بشدة التحركات الباكستانية والتركية، مضيفا أن باكستان ستدفع “ثمنا باهظا” بسبب “موقفها الغامض”.

كانت السعودية تراهن على باكستان، ليس فقط للمساعدة في شن الغزو البري، بل أيضا لإظهار أنه يمكنها أن تصل إلى إيران من حدودها الشرقية. لكن النتيجة كانت هي عزل وإذلال المملكة العربية السعودية. وفي حالة الأزمة العميقة التي يعيشها كلا البلدان، يمكن أن تؤدي سلسلة ردود الفعل من الانتقام المتبادل إلى الإضرار بشدة بالعلاقة السعودية – الباكستانية.

وبالتالي تبقى مصر اخر حليف رئيسي للسعوديين. لقد سكب السعوديون مليارات الدولارات في مصر لتحقيق الاستقرار للنظام العسكري الذي تولى السلطة في عام 2013. وكان الرئيس المصري السيسي أيضا الأول والأكثر ضجيجا من بين من أيدوا حملة القصف الجوي عند انطلاقها، معلنا بفخر تسخير السفن الحربية والطائرات وربما القوات البرية للدفاع عن الإخوة السعوديين.

لكن ومع توالي الأيام بدأ ينتاب حكام مصر شعور متزايد بالقلق حول اتباع السعودية في غزو بري. وقد انطلقت في كل أنحاء البلاد نقاشات حامية حول حرب الخمس سنوات التي خاضتها مصر ضد اليمن، ما بين 1962 و1967. تعتبر تلك الحرب كحرب فيتنام بالنسبة لمصر، وعاملا رئيسا في هزيمة مصر في حرب الأيام الستة مع إسرائيل.

وتحت ضغط عدم الرضا الجماهيري من خطط السيسي الحربية، تصاعدت الأصوات المتشككة في الصحف والأحزاب السياسية الذين عارضوا الدخول في مغامرة أخرى. وقال محمد حسنين هيكل، الصحفي والصديق القديم للرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي أمر بغزو 1962: «الحرب ليست هي ما نقفز إليه… هو بركان نائم في جنوب شبه الجزيرة العربية، وإذا انفجر سيجرف كل المنطقة».

لقد فضح هذا الضعف الذي يعانيه السيسي داخليا، حيث اضطر إلى تطمين الشعب بأنه لا توجد هناك حاليا أية قوات برية مصرية في اليمن. ولم يسفر اجتماع الأسبوع الماضي بين السيسي وبين وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود عن أي إعلان بخصوص ارسال قوات برية. ومع انسحاب الباكستانيين والأتراك، على المصريين أن يفكروا مليا أيضا.

لكن لا يجب البحث عن السبب الحقيقي وراء ذلك في غياب الإرادة بين صفوف الطبقة الحاكمة المصرية، بل في خوفها من رد فعل ثوري جديد على خلفية مغامرة عسكرية. لقد وصلت الثورة المصرية إلى نقطة انحسار في الوقت الراهن، لكن هذا لا يعني أن الحركة قد هزمت. والغضب والإحباط يتصاعدان بشكل مطرد مرة أخرى مع مسارعة الحكومة الجديدة إلى شن الهجوم ضد العمال والفقراء.

أدت تدابير التقشف خلال الصيف إلى ارتفاع سعر الوقود والخبز وأسعار السلع الاساسية، والحكومة تستعد للقيام بالمزيد من الاقتطاعات. يمثل هذا مزيجا متفجرا بالنسبة للسيسي الذي انتخب بأقلية مهينة من الأصوات. أدى هذا إلى جانب تزايد الهجمة على النضالات السياسية إلى إرتفاع التوتر بين الجماهير. وخلال المناقشات بشأن الحرب وجد هذا الغضب متنفسا له.

وقال مايكل حنا، وهو عضو في مؤسسة القرن بمدينة نيويورك، لمجلة التايم: «يمثل هذا نوعا من الأوضاع حيث قد تواجه [الدولة] سخطا جماهيريا ومعارضة حقيقيين. هناك عدد قليل جدا من القضايا التي يمكنها أن تنتج هذا النوع من ردود الفعل. ويبدو هذا وكأنه واحد من تلك القضايا. هناك مستوى مرتفع من التشكيك. وهو ما لم نشهده خلال العام ونصف الماضي».

وهكذا يبدو من غير المحتمل على نحو متزايد أن ترسل مصر قواتها إلى اليمن. وبالتالي فإن الوضع يزداد أكثر فأكثر صعوبة بالنسبة للسعوديين. وحتى لو تمكنوا من ضرب الحوثيين، فإنهم لن يكونوا قادرين على هزيمة هذه الجماعة المسلحة القوية. وفي الوقت نفسه فإن شرعية هادي منخفضة للغاية، وبالتالي فإن الحكومة المدعومة من السعودية لن تكون قادرة على الحكم من دون قوة برية قوية لدعمها، لكن من أي ستأتي تلك القوة؟ القوات السعودية نفسها ضعيفة للغاية وغير جديرة بالثقة، وهو السبب الذي جعل السعودية تعول على القوات المصرية والباكستانية. ومن شأن التوغل البري في اليمن أن يؤدي إلى أزمة عميقة داخل الجيش الذي يمكنه أن ينهار أو ينشق على أسس طائفية، وحيث لن يقوم أي طرف منه بدعم النخبة الحاكمة السعودية.

العلاقة الباردة مع الولايات المتحدة

أقل ما يقال عن موقف الولايات المتحدة من الحملة إنه كان متناقضا. الإمبريالية الأمريكية تدعم الحملة رسميا، بطبيعة الحال، وتساعد السعوديين بالمعلومات الاستخباراتية. وعلى الرغم من تشكيكهم في الحملة فإنه ليست لديهم أية اعتراضات على إزهاق مئات الآلاف من الأرواح.

لقد دعم الحزب الجمهوري الحملة بشكل كامل. جون ماكين، الرئيس الجمهوري للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، اتهم إدارة أوباما بالتساهل بشأن طموحات إيران الإقليمية وأشاد بتدخل “شركائنا العرب” في اليمن. “إن احتمال انتصار الجماعات المتطرفة مثل المسلحين الحوثيين المدعومين من إيران” كان “أكثر مما يمكن [ لحلفاء أمريكا العرب] احتماله”.

ولكن الناس الأكثر ذكاء في واشنطن لديهم وجهة نظر مختلفة حول هذا الوضع. قال قائد كبير في القيادة المركزية لقناة الجزيرة: «إن السبب في أن السعوديين لم يبلغونا بخططهم، يعود لأنهم يعرفون أننا كنا سنقول لهم بالضبط ما نؤمن به، أي أنها فكرة سيئة».

مسؤول أميركي آخر قال لصحيفة لوس أنجلس تايم إن الحملة الجوية “كارثة”، وأن السعوديين ليست لديهم “نهاية واقعية” لحملة القصف.

وفي ترديد لتقارير مماثلة كتبت صحيفة وول ستريت جورنال:

«إدارة أوباما متشككة في احتمال أن تؤدي الغارات الجوية إلى ضرب مكاسب الحوثيين، وقلقة من خطر المزيد من التدخل المباشر من قبل إيران، وقال مسؤولون أمريكيون إنهم يحثون السعوديين على حصر انتباههم على وقف تقدم المتمردين والتوصل إلى ما يشبه طريقا مسدودا يؤدي بجميع الاطراف الى طاولة المفاوضات. (…)

«ووفقا لمسؤولين شاركوا في المناقشات فإن الإدارة الأمريكية قلقة من أن بعض القادة السعوديين قد يغيرون أهداف حربهم ويستهدفون قصف المتمردين لإعادتهم إلى قاعدتهم في شمال البلاد. إن مثل هذه الحملة الموسعة قد تستغرق سنة أو أكثر، وفقا لتقديرات الاستخبارات الأميركية»

وقال مايكل هورتون، وهو خبير في الشؤون اليمنية ووثيق الصلة بالحكومات والقوات المسلحة في الولايات المتحدة وبريطانيا، إنه “أحس بالارتباك” بسبب التدخل، مشيرا إلى أن الكثيرين في قيادة العمليات الخاصة «يفضلون الحوثيين لأنهم كانوا ناجحين في دحر قوات القاعدة وداعش في عدد من المحافظات اليمنية»، وهو الشيء الذي عجزت عن تحقيقه مئات الهجمات بالطائرات الأمريكية بدون طيار والعديد من المستشارين العسكريين.

من الواضح أن الإدارة الأمريكية لم تكن “سعيدة” بهذه الحرب، والتي لا تتناسب مع خطة أوباما لتحقيق الاستقرار في المنطقة عبر إبرام اتفاق مع إيران. لكن تقاربه مع طهران أثار حنق حلفائه في شبه الجزيرة العربية الذين يرون في طهران، بجيشها القوي وخطابها الشعبوي، تهديدا وجوديا لهم. ومن أجل تهدئتهم أكد أوباما عدة مرات على التزامه بحماية “أمنهم”. والآن يعمل السعوديون على اختبار صدق وعوده ويحاولون الدفع به إلى الدخول في صراع مع إيران.

وتأكيدا لهذا قال مسؤول سابق في الإدارة الأمريكية لصحيفة لوس أنجلوس تايمز: «نحن نفعل هذا ليس لأننا نعتقد أنه سيكون جيدا للسياسة اليمنية، نحن نفعل ذلك لأننا نعتقد أنه سيكون جيدا للعلاقات الأمريكية – السعودية».

بالنسبة لإدارة أوباما يعتبر خطر داعش في سوريا والعراق أهم بكثير من الحوثيين في اليمن. وهناك تقاتل الولايات المتحدة على الجانب الآخر للسعوديين. وقد كشف رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، الوضع الحقيقي، بعد اجتماعه مع باراك اوباما الاسبوع الماضي، عندما سئل عن الجهود الإيرانية لتحقيق اتفاق سلام في اليمن، حيث قال: «من خلال ما فهمته من إدارة (أوباما)، فإن السعوديون ليسو متعاونين بهذا الخصوص. إنهم لا يريدون وقفا لاطلاق النار الآن».

ثم توجه إلى الأمريكيين قائلا: «هل يمكنك العمل على الطرفين؟ كلا الطرفين؟ هنا (أنتم) مع العراق ضد (الدولة الإسلامية)، وهناك ضد اليمن؟».

زيادة التوتر

دخلت العلاقات السعوديين الأمريكية حالة أزمة في السنوات الأخيرة. فالسعوديون غضبوا بسبب عدم دعم الولايات المتحدة للديكتاتور المصري حسني مبارك خلال الثورة العربية. وهذا يعني بالنسبة لهم أن الولايات المتحدة لن تأتي لنجدتهم إذا ما اندلعت ضدهم حركة ثورية في السعودية نفسها. وقد أكد أوباما مخاوف السعوديين مؤخرا عندما قال إنه سيدافع عن حلفائه ضد التهديدات الخارجية، ولكن ليس ضد التهديدات الداخلية الأكبر بكثير والتي سببها الفقر وانعدام الديمقراطية.

كما تواجه السعودية أيضا التهديد من تزايد النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط نتيجة لحرب الولايات المتحدة على العراق. خاصة وأن الولايات المتحدة، التي هي نفسها لم تعد قادرة على التدخل كما تشاء، اضطرت إلى الاعتماد أكثر فأكثر على التعاون مع إيران في حربها ضد الأصولية الإسلامية في العراق وسوريا.

لقد صعدت السعودية عملياتها في حروب الوكالة في المنطقة نتيجة للصراع مع إيران، لكن هذا لم يؤد سوى إلى زيادة اعتماد للولايات المتحدة على إيران. والحرب الحالية في اليمن هي تصعيد كبير للنزاع، بالنظر إلى أن المملكة السعودية كانت تعتمد تقليديا على الدبلوماسية والرشاوى والمرتزقة لخوض معاركها. لكن هذه المرة يبدو أن السعوديين يريدون المغامرة دون التشاور مع الولايات المتحدة.

وفي نفس الوقت يريد السعوديون وضع العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران على المحك عن طريق جر الأميركيين إلى الحرب. لكن إيران تصعد الموقف أيضا، فقد أرسلت الأسبوع الماضي مجموعة من سبع إلى تسع سفن، بعضها كانت مجهزة بأسلحة، إلى خليج عدن في مهمة لـ “مكافحة القرصنة” حظيت بتغطية إعلامية مكثفة. وفي الوقت نفسه رفعت مستوى تأهبها الأمني واستدعت قوات الاحتياط للجيش كخطوة نحو تعبئة.

قال الاميركيون إنهم سيتدخلون ضد السفن الإيرانية إذا ما حاولت تقديم الإمدادات للحوثيين. كما نشروا المزيد من حاملات الطائرات ورفعوا بشكل كبير مستوى نشاطهم في المنطقة، لكن المقصود بهذا أساسا هو الردع لأنهم يريدون تجنب المواجهة. لكن هذا يصب المزيد من الزيت على النار حول اليمن.

من الواضح أن الإيرانيين لن يسمحوا بأن يسير كل هذا بسهولة. فلقد كانوا على اتصال مع الحوثيين الذين، على الرغم من أنهم لا يتفقون بالكامل مع إيران، ينتمون إلى نفس الكتلة الاقليمية. والاستفزازات المستمرة والمتصاعدة والهجمات السعودية تشكل تهديدا مباشرا يستهدف إيران.

الحروب وعدم الاستقرار

إن السبب الحقيقي وراء التصعيد على الجانب السعودي هو أزمة النظام الملكي الذي تمزقه التناقضات الداخلية. انتشار الفقر ووجود أقلية شيعية مضطهدة وكذلك فئة كبيرة من الأصوليين السنة الذين لا يعترفون بالملك كحاكم شرعي يعني أن قاعدة الملكية ضيقة للغاية. إن الأسرة الحاكمة الفاسدة مع نمط حياتها المترف تثير الاشمئزاز بين صفوف الشعب. شرعيتهم الوحيدة تأتي فقط من الأموال التي يمكنهم توزيعها على فئة قليلة من المتملقين.

عائلة آل سعود التي ينخرها التعفن الداخلي فقدت الإحساس بالواقع. والحرب التي تخوضها اليوم يقودها أمير يبلغ من العمر 35 سنة لم يتلق أبدا أي تدريب عسكري. إن أفراد العائلة المالكة السعودية الذين يقومون بقتل الخدم ويمتلكون الجواري دون الخوف من أية عقوبة، يعتقدون أيضا أن الحرب على اليمن لا يمكنها أن تسبب لهم أي ضرر.

لكن هذه الحرب لا يمكن الفوز بها. فالحوثيين مقاتلون عنيدون لا يمكن سحقهم سوى بالإبادة الكاملة لليمن. وفي الواقع لم تعمل الهجمات السعودية سوى على المزيد من من تعزيز قوتهم عبر دفع المزيد من الناس ليقفوا وراءهم بينما تتكبد قوات هادي الهزائم. وعلى الجانب الآخر فإن تنظيم القاعدة، الذي هو أيضا عدو للسعوديين، يحقق بدوره الانتصارات على الأرض. وفي نفس الوقت لا يمكن الاعتماد على الجيش السعودي، الذي يعكس في صفوفه التوترات الطبقية الموجودة داخل المملكة نفسها. ويمكن لشن الحملة على اليمن أن تقسمه على أسس طائفية وتؤدي إلى فرار كثيف للجنود. سيكون هذا بداية النهاية للمملكة العربية السعودية كبلد.

يخوض النظام السعودي صراعا وجوديا لا يمكنه الانتصار فيه. ومهما كانت النتيجة النهائية للحرب فسوف تؤدي في النهاية إلى نوع من الإذلال للمملكة العربية السعودية، والذي من شأنه أن يزيد من تفكك النظام. وفي مثل هذه الحالة سوف يصعد السعوديون تدخلاتهم في المنطقة ويرفعون من حالة عدم الاستقرار إلى مستويات جديدة.

وبالفعل فقد تلقت مكانتها الدولية ضربة بفعل تردد مصر وباكستان. فهذه الأنظمة العميلة، التي دفع السعوديون لها كثيرا، ظهرت بدون جدوى عندما احتاجوا إليها. وينطبق الشيء نفسه على جيشهم العملاق والذي يعتبر رابع أغلى الجيوش في العالم. ومن خلال الإقدام على هذه المغامرة دفع السعوديون إلى الأمام بكل نقاط ضعف حلفائهم. فبفعل ارتفاع الغضب والسخط الجماهيري لا يمكن لهذه الأنظمة أن تتحرك دون أن تضرب “السلام” الاجتماعي الداخلي الهش.

كما أن العلاقة مع الولايات المتحدة بدورها لم تكسب من هذا التدخل. والحقيقة هي أن السعودية لم تعد بنفس الأهمية للولايات المتحدة كما كانت عليه من قبل. فلم تعد المورد الرئيسي للنفط إلى الولايات المتحدة ولم تعد تلعب دور “الاستقرار” بالطريقة التي تريدها الولايات المتحدة. في الواقع إن الأميركيين، الذين أضعفتهم أزماتهم الخاصة ، يريدون من السعوديين قبول دور أكبر لإيران، وهو الشيء الذي لا يمكن للسعوديين أن يفعلوه. وبدلا من ذلك صاروا مصدر قلق وعدم استقرار للأميركيين. والحقيقة هي أنه بالنسبة للولايات المتحدة أثبت الإيرانيون أنهم شركاء أكثر موثوقية.

وهكذا فإن التوترات ترتفع أعلى من أي وقت مضى في الشرق الأوسط. وبقدرما ازداد ضعف وعزلة السعوديين بقدرما صار موقفهم أكثر يأسا وخطورة. يعمل كل من الإيرانيين والسعوديين على رفع التوتر في مسعى لجعل الولايات المتحدة تختار أحد الجانبين، لكن مقامرتهما يمكن أن تؤدي إلى خروج الأحداث عن السيطرة. فخطوة واحدة خاطئة أو “حادث” يمكن أن يفجر كل التوترات المتراكمة مما سيؤدي إلى اشتعال أوسع بعواقب وخيمة على المنطقة وعلى استقرار الرأسمالية العالمية.

في نهاية التحليل يجد الوضع الحالي جذوره في الأزمة العميقة للرأسمالية والصراع اليائس للطبقة الحاكمة في كل بلد للدفاع عن مصالحها وامتيازاتها. وهم في مسار سقوطهم مستعدون لجر المنطقة بأسرها إلى حالة من الفوضى والهمجية. والإمبريالية الأمريكية هي السبب الرئيسي لهذا الوضع. فلسنوات دعمت أكثر الأنظمة الاستبدادية من أجل سحق الحركة المستقلة للجماهير. وكان النظام السعودي أكثر القوى الرجعية في الشرق الأوسط يقوم بالعمل القذر نيابة عن الأمريكيين من خلال تمويل المجموعة الرجعية الواحدة تلو الأخرى. لكن الولايات المتحدة التي أضعفتها الحروب في العراق وأفغانستان، فضلا عن الأزمة الرأسمالية، تعمل على زعزعة استقرار المنطقة برمتها وتنشر الفوضى والخراب.

لكن مثلما الأزمة الاجتماعية والاقتصادية للرأسمالية في الشرق الأوسط تؤدي إلى الأزمات الدبلوماسية والعسكرية، فإن التوترات القومية تؤدي أيضا إلى التناقضات الطبقية داخل كل بلد. عندما ترتفع التوترات قد يضعف الصراع الطبقي بشكل مؤقت، لكن وكما يمكننا أن نرى في مصر وتركيا وكذلك إيران، يوجد توازن هش وغير مستقر، ويمكنه أن يفسح المجال بسرعة لتطورات ثورية جديدة. وطالما استمرت السلطة في يد أقلية طفيلية صغيرة، فإن أي استقرار يتحقق لن يكون سوى وضع عابر. وحدها حركة الجماهير ضد الطبقات الحاكمة الفاسدة في كل بلد من أجل فدرالية اشتراكية للشرق الأوسط من يمكنها أن تحقق السلام والاستقرار لجميع شعوب المنطقة.

عنوان النص بالإنجليزية:

Middle East: War on Yemen magnifies the crises of rotten regimes

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *