الرئيسية / دول العالم / أمريكا / الولايات المتحدة / تصعيد ترامب في البحر الكاريبي – الإمبريالية الأمريكية تحاول استعادة السيطرة على “فنائها الخلفي”

تصعيد ترامب في البحر الكاريبي – الإمبريالية الأمريكية تحاول استعادة السيطرة على “فنائها الخلفي”

تصعيد التهديد الإمبريالي الأمريكي ضد فنزويلا، الذي بدأ في أغسطس، بلغ ذروته الآن، وامتد ليشمل كولومبيا أيضًا. فإلى جانب الحشد العسكري في البحر الكاريبي، ونشر الزوارق السريعة، والطلعات الاستفزازية لطائرات القاذفات قبالة سواحل فنزويلا، نشهد الآن أيضًا نشر مجموعة حاملات الطائرات القتالية يو إس إس جيرالد آر. فورد (USS Gerald R. Ford) في الكاريبي.

ماذا يعني كل هذا؟ ماذا يحاول ترامب تحقيقه؟ وكيف ينبغي للشيوعيين الثوريين أن يردوا؟

بدأت الجولة الحالية من تهديد ترامب الإمبريالي ضد فنزويلا أواخر أغسطس، حين أصدر أمرًا بنشر عدد كبير من القطع العسكرية — مثل السفن والغواصات — في البحر الكاريبي، تحت ذريعة “مكافحة عصابات المخدرات”. لاحقًا، في سبتمبر، جرى نشر مزيد من القطع — هذه المرة مقاتلات وطائرات عسكرية أخرى — في بورتوريكو.

تشمل القطع العسكرية الأمريكية في الكاريبي الآن: ما لا يقل عن أربع مدمرات من فئة آرلي بيرك (USS Gravely، وUSS Jason Dunham، وUSS Sampson، وUSS Stockdale)، ومجموعة جاهزة برمائية من ثلاث سفن (سفينة الهجوم البرمائية USS Iwo Jima، وسفن النقل البرمائية USS San Antonio وUSS Fort Lauderdale)، وعلى الأقل سفينة قتال ساحلي واحدة (USS Minneapolis-Saint Paul)، والطراد الموجه بالصواريخ (USS Lake Erie)، والسفينة (MV Ocean Trader)، الموصوفة بأنها “حاملة عمليات خاصة”، والغواصة النووية الهجومية السريعة (USS Newport News).

هناك أيضًا سرب يضم 12 مقاتلة شبحية من طراز (F-35B Lightning II) التابعة لقوات المارينز في بورتوريكو، بالإضافة إلى طائرات عقد الاتصالات (مثل الطائرة E-11A Battlefield Airborne) التي شوهدت تقلع من قواعد أمريكية في بورتوريكو ومناطق أخرى من المنطقة.

في الأسبوع الماضي، نفذت طائرات عسكرية أمريكية، من بينها القاذفتان (B-1B) و(B-52)، طلعات جوية فوق سواحل فنزويلا. وفي مناورة استفزازية، تُركت أجهزة الإرسال والاستقبال الخاصة بها مفعلة بحيث يمكن تتبعها. كما شاركت طائرات الاستطلاع الهجومية (MQ-9 Reaper) في هذا التصعيد الأخير.

يوم الجمعة 24 أكتوبر، أصدر “وزير الحرب” بيت هيغسث أمرًا بإعادة توجيه مجموعة الحاملة الضاربة (USS Gerald R. Ford) من أوروبا إلى منطقة الكاريبي، رغم أنها، وقت نشر هذا المقال، ما تزال في البحر المتوسط. وتُعد (USS Gerald R. Ford) أحدث وأكبر حاملة طائرات في الأسطول الأمريكي، وأكثرها تقدمًا من حيث الدفع النووي. وهي تقود مجموعة الضربة الحاملة 12 (CSG-12)، وتضم جناحًا جويًا كاملًا يحتوي على عشرات المقاتلات والمروحيات. ويعادل عدد المقاتلات في هذه المجموعة وحدها إجمالي ما تمتلكه القوات الجوية الفنزويلية.

حتى يوم الأحد 26 أكتوبر، كانت المدمرة الموجهة الصواريخ (USS Gravely) ترسو في ترينيداد وتوباغو لإجراء مناورات عسكرية مشتركة. ويُعد هذا استفزازًا جديدًا ضد فنزويلا، التي لا تبعد سوى 11 كيلومترًا عن جزر الكاريبي.

قبل هذا الانتشار العسكري الهائل، كانت إدارة ترامب قد انخرطت في مفاوضات مع مادورو عبر المبعوث الرئاسي الخاص للمهام الخاصة —”الخاص للغاية”— ريتشارد غرينيل. وعلى هذا الأساس، توصل مادورو وترامب إلى عدد من التفاهمات في فبراير الماضي. فقد وافقت فنزويلا على قبول رحلات الترحيل القادمة من الولايات المتحدة (والتي ما تزال مستمرة)، وأفرجت عن عدد من المواطنين الأمريكيين المحتجزين. كما مددت الولايات المتحدة رخصة عمل شركة النفط والغاز، شيفرون، في فنزويلا، ودار الحديث حينها عن عدد من الصفقات النفطية والمعدنية المحتملة.

لكن الآن، تم سحب غرينيل من مهمته الفنزويلية، وصرح ترامب بأن “عصابة مخدرات” يقودها مادورو نفسه تحكم البلاد، ورفع المكافأة على رأس الرئيس الفنزويلي إلى 50 مليون دولار. وفي الوقت نفسه، صنف ترامب عدد من عصابات المخدرات “منظمات إرهابية”، وأعلن “الحرب” عليها، واعترف علانية بأنه منح وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) الإذن بتنفيذ عمليات سرية داخل فنزويلا.

ومنذ 2 سبتمبر، شنت الولايات المتحدة ضربات على 15 سفينة (14 زورقًا سريعًا وغواصة نصف غاطسة واحدة)، ما أسفر عن مقتل أكثر من 60 شخصًا. وقد جرى الترويج لجميع هذه الهجمات — التي يصفها ترامب ومسؤولون أمريكيون آخرون بعبارة “ضربات حركية قاتلة” — بشكل علني عبر مقاطع فيديو منشورة على وسائل التواصل الاجتماعي، دون تقديم أي معلومات عن مواقع الضربات، أو طبيعة المعلومات الاستخباراتية التي قادت إليها، أو غير ذلك.

مكافحة تهريب المخدرات؟

ما الهدف من هذا التصعيد المفاجئ والاستفزازي؟ زعم ترامب أن الهدف هو وقف شحنات المخدرات إلى الولايات المتحدة، والتي تتسبب في عشرات الآلاف من الوفيات سنويًا. لكن هذا التبرير لا يصمد أمام التدقيق. تكشف تقارير أمريكية (صادرة عن الكونغرس، وإدارة مكافحة المخدرات، وغيرها من المصادر الرسمية والعلنية) أن الغالبية الساحقة – 74% – من الكوكايين المُهرب إلى الولايات المتحدة من أمريكا الجنوبية يأتي عبر المسار الهادئ. وهذه المخدرات لا تنقل في زوارق سريعة، بل في حاويات شحن وطائرات. أما 16% أخرى فتأتي عبر ما يعرف بـ”المسار الكاريبي الغربي” (ساحل كولومبيا الكاريبي). ولا يمر عبر “الممر الكاريبي” (قبالة السواحل الفنزويلية) سوى 8% فقط.

علاوة على ذلك، لا تلعب فنزويلا أي دور في إنتاج الكوكايين، الذي يجري إنتاجه أساسًا في كولومبيا والإكوادور وبيرو وبوليفيا.

حاول ترامب تصوير فنزويلا بوصفها مسارًا رئيسيًا لمرور الفنتانيل القادم من الصين إلى الولايات المتحدة، لكن لا يوجد أي دليل فعلي على ذلك. الفنتانيل يدخل الولايات المتحدة عبر المكسيك.

فما الأسباب الحقيقية وراء هذا العدوان المتصاعد ضد فنزويلا؟ وما الذي يريده ترامب؟

حتى وقت قريب، بدا أن كل ما يهم ترامب فيما يتعلق بفنزويلا هو الوصول إلى نفطها، مع كون الموارد المعدنية عاملًا إضافيًا. تمتلك فنزويلا أكبر احتياطات نفطية مثبتة في العالم، وتقع على مقربة جغرافية من الولايات المتحدة، ما يجعلها مصدرًا محتملًا رخيصًا وموثوقًا. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى خوض حرب أو التهديد بعمل عسكري للحصول على النفط الفنزويلي. فمنذ عام 2019، تخضع فنزويلا لعقوبات صارمة للغاية، بما في ذلك العقوبات على الشركات الأمريكية العاملة هناك (باستثناء الترخيص المستمر لشركة شيفرون).

وبحسب تقرير في صحيفة نيويورك تايمز، فقد نوقشت مسألة الوصول إلى النفط والموارد المعدنية الفنزويلية، بل وحتى مسألة ابتعاد البلاد عن ارتباطاتها الحالية بروسيا والصين وإيران، خلال المفاوضات مع الولايات المتحدة في وقت سابق من هذا العام:

“في إطار صفقة نوقشت بين مسؤول أمريكي رفيع المستوى وأعلى مساعدي مادورو، عرض القائد الفنزويلي فتح جميع مشروعات النفط والذهب القائمة والمستقبلية أمام الشركات الأمريكية، ومنح عقود تفضيلية للأعمال الأمريكية، وعكس مسار صادرات النفط الفنزويلية من الصين إلى الولايات المتحدة، وتقليص عقود الطاقة والتعدين التي تربط بلاده بالشركات الصينية والإيرانية والروسية.”

ورغم أن الحكومة الفنزويلية نفت هذا التقرير، إلا أن الحقيقة هي أن الولايات المتحدة هي التي تمنع شركاتها النفطية من العمل في فنزويلا. إن رفع العقوبات سيقطع شوطًا كبيرًا نحو استعادة الوصول الأمريكي إلى النفط الفنزويلي.

أما المطلب الأمريكي الوحيد الذي لا يمكن لمادورو القبول به فهو تغيير النظام، أي إطاحته هو نفسه من السلطة، والذي يبدو أنه أصبح الهدف الرئيسي للتصعيد العسكري الذي يقوده ترامب.

في بداية العام، بدا أن ترامب يميل إلى التفاوض مع مادورو، بعدما “احترقت أصابعه” في ولايته الأولى. فقد انهارت محاولة ترامب السابقة لإزاحة مادورو من السلطة ـــ والتي دفع إليها صقور واشنطن مثل جون بولتون ومايك بومبيو، إلى جانب محاربي الحرب الباردة مثل إيليوت أبرامز ـــ انهيارًا مذلًا.

الدفع نحو تغيير النظام في فنزويلا

ما الذي جعله يغير رأيه؟ من الواضح أن هناك جناحًا داخل المؤسسة الحاكمة الأمريكية، متمركزًا في ميامي، يحمل كراهية غريزية للثورة الكوبية ولأي حكومة أخرى في أمريكا اللاتينية تبدو أو يُحتمل أن تكون “اشتراكية”. لقد خان مادورو منذ وقت طويل الثورة البوليفارية، لكنه يواصل استخدام الخطاب الاشتراكي ويُنظر إليه باعتباره حليفًا وثيقًا لكوبا. إن تغيير النظام في فنزويلا وكوبا هدف هوسي بالنسبة لهذه الشرائح، التي يمثلها في الكونغرس ما يُسمى بـ”الثلاثة الكوبيين المجانين”: ماريو دياز بالارت، ماريا إلفيرا سالازار، كارلوس خيمينيث – وجميعهم نواب جمهوريون من ولاية فلوريدا. هؤلاء يمتلكون ثلاثة أصوات أساسية في الكونغرس يحتاجها ترامب لتمرير التشريعات، ولذلك فهم في موقع يسمح لهم بانتزاع بعض التنازلات منه. وقد حاولوا بالفعل إلغاء ترخيص شركة شيفرون في وقت سابق من هذا العام. وفي النهاية، لم يُلغ الترخيص بالكامل، لكن تم تشديد شروطه.

ينضم وزير الخارجية ماركو روبيو أيضًا إلى تلك الحاضنة الميامية من مضادي الثورة الرجعيين، الذين يتطاير الزبد من أفواههم كراهية لكوبا (والآن أيضًا لفنزويلا)، والذين يلعبون دورًا يفوق حجمهم الفعلي في السياسة الأمريكية بسبب الثقل الانتخابي الذي تمثله ولاية فلوريدا.

وينضم إليهم كذلك حشد كامل من صقور السياسة الخارجية والمحافظين الجدد مثل ليندسي غراهام، وجميعهم يحاولون دفع ترامب نحو تنظيم الإطاحة بالحكومتين الفنزويلية والكوبية.

ومع تراجع الدعم الشعبي لترامب بسرعة، أصبح أكثر ميلًا للرضوخ للضغوط وتنفيذ سياسات قد تكسبه بعض التأييد. ففي مايو ويونيو 2025، ألغت إدارة ترامب برنامج الإفراج الإنساني المشروط الذي كان يحمي أكثر من نصف مليون مهاجر كوبي وفنزويلي ونيكاراغوي وهايتي من الترحيل. وقد ساهم ذلك في فقدانه جزءً من شعبيته بين السكان اللاتينيين. وربما يعتقد الآن أن تغيير النظام في فنزويلا (وتداعياته على كوبا) يمكن أن يساعده في استعادة بعض من تلك الشعبية.

زاوية أخرى تتعلق بفنزويلا هي قضية الهجرة، التي كثيرًا ما ذكرها ترامب خلال التصعيد الحالي. ويُقال إن نائب رئيس موظفي البيت الأبيض، ستيفن ميلر، يلعب دورًا أساسيًا في توجيه الضربات الجوية ضد الزوارق السريعة في الكاريبي، وهو أيضًا متعصب لسياسات ترامب المتشددة ضد المهاجرين. يدفع ترامب بفكرة أن مادورو “أفرغ سجون فنزويلا” وأرسل كل أنواع المجرمين إلى الولايات المتحدة، وأن إزاحته عن السلطة وحدها يمكن أن توقف ذلك.

لكن ما يتجاوز الدوافع المباشرة التي قد تكون وراء التصعيد الحالي للعدوان الإمبريالي ضد فنزويلا (إرضاء الرجعيون الكوبيون المنفيون في ميامي، السيطرة الكاملة على النفط والمعادن، وقف الهجرة)، هو أن هذا التصعيد جزء من اتجاه أوسع في السياسة الخارجية الأمريكية. فترامب يسعى إلى إعادة تموضع الولايات المتحدة بالانسحاب من صراعات في مناطق لا تُعتبر ذات مصلحة استراتيجية وطنية، من أجل تعزيز موقع الإمبريالية الأمريكية في القارة الأمريكية، حيث جرى إزاحتها جزئيًا لصالح الصين.

الإمبريالية الأمريكية تريد استعادة السيطرة على “فنائها الخلفي”

يجب فهم العدوان الإمبريالي ضد فنزويلا في سياق سلسلة من القرارات الأخرى الصادرة من واشنطن.

لقد أرغمت الولايات المتحدة بنما على إنهاء مشاركتها في مشروع الحزام والطريق الصيني، والسماح بوجود قوات أمريكية على أراضيها، وإجبار شركة مقرها هونغ كونغ (CK Hutchison) على بيع ميناءين استراتيجيين عند طرفي قناة بنما — رغم أن هذا النزاع لم يُحسم بعد.

وفي أغسطس، فرض ترامب رسومًا جمركية بنسبة 50% على البرازيل، واستخدم عقوبات قانون ماغنيتسكي ضد مسؤولين برازيليين رفيعي المستوى. السبب المعلن لهذه الإجراءات العقابية كان محاكمة بولسونارو، لكن خلف ذلك يقف الدفاع عن مصالح الشركات الإعلامية الأمريكية العملاقة، مع محاولة معاقبة البرازيل على دورها في البريكس وعلاقاتها الوثيقة مع الصين.

وفي الأسابيع الأخيرة، صعد ترامب عداءه ضد الرئيس الكولومبي، بيترو، واصفًا إياه بأنه “تاجر مخدرات غير شرعي”. وقد ألغى ترامب تأشيرة دخول بيترو إلى الولايات المتحدة، وفرض عليه وعلى عائلته عقوبات، وقطع كل المساعدات الأمريكية لكولومبيا، وهدد بفرض رسوم جمركية.

وفي الوقت نفسه، اتخذ ترامب إجراءات استثنائية لدعم ميلي في الأرجنتين، عبر خط مبادلة بقيمة 20 مليار دولار، وقرض خاص بقيمة 20 مليار دولار أخرى، وشراء ما قيمته 400 مليون دولار من البيزو الأرجنتيني لدعم العملة. ماذا تطلب الولايات المتحدة مقابل هذا الدعم؟ قال وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، إن الولايات المتحدة “ملتزمة بإخراج الصين من الأرجنتين”. كما ذكر مسؤولون آخرون أن على الولايات المتحدة الحصول على أفضلية في عقود المعادن والبنية التحتية، واشتكى بعضهم من أن محطة المراقبة الفضائية الصينية في باتاغونيا قد يكون لها استخدام عسكري.

وصف بعضهم نهج ترامب تجاه القارة الأمريكية بأنه “عقيدة دونرو” (Donroe Doctrine)، في إشارة إلى عقيدة مونرو لعام 1823، التي لخصت في المقولة الشهيرة: “أمريكا للأمريكيين”. في ذلك الوقت، كان موقف الولايات المتحدة دفاعيًا، يهدف إلى منع القوى الإمبريالية الأوروبية — الأقوى والأكثر رسوخًا — من التمدد في القارة الأمريكية. وفيما بعد، أضيف إلى عقيدة مونرو الملحق الذي قدمه روزفلت (1904–1905)، والذي منح الولايات المتحدة — وقد أصبحت قوة إمبريالية صاعدة — الحق في العمل كشرطي لنصف الكرة الغربي:

“قد يتطلب الخطأ المزمن، أو العجز الذي يؤدي إلى تفكك الروابط العامة للمجتمع المتحضر، في أمريكا كما في أي مكان آخر، تدخل دولة متحضرة. وفي نصف الكرة الغربي، قد يرغم التزام الولايات المتحدة بعقيدة مونرو الولايات المتحدة، ولو على مضض، في الحالات الفاضحة من الخطأ أو العجز، على ممارسة سلطة شرطة دولية.”

إن عبارة “ولو على مضض” هنا ليست سوى ورقة توت، فيما يشكل الحديث عن “المجتمع المتحضر” غطاءً للمصالح العارية لرأس المال الإمبريالي الأمريكي في الهيمنة على قارة اعتبرها فنائه الخلفي، ومصدرًا للمواد الخام، وساحة للاستثمار، وسوقًا أسيرة. وقد استُخدمت هذه السياسة — امتدادًا لفكرة روزفلت بأن على الإمبريالية الأمريكية أن “تتحدث بهدوء وتحمل عصًا غليظة” — لتبرير التدخل العسكري المباشر في نيكاراغوا وكوبا وجمهورية الدومينيكان وهايتي، والعديد من البلدان الأخرى خلال مرحلة “دبلوماسية الزوارق الحربية”.

إن النهج الذي يتبعه ترامب اليوم هو نسخة تكاد تكون طبق الأصل من تلك السياسة. فالقارة الأمريكية يجب أن تعود — مرة أخرى — إلى كونها الفناء الخلفي للولايات المتحدة، ويجب طرد كل القوى الأخرى التي تجرأت على التعدي على “حقها” في الهيمنة عليها (الصين وبدرجة أقل روسيا) بالقوة.

صعود النفوذ الصيني في أمريكا اللاتينية

منذ أوائل العقد الأول من الألفية الحالية، توسع وجود الصين في أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي بشكل كبير. أصبحت الشركات الصينية المملوكة للدولة مستثمرًا رئيسيًا في قطاعات الطاقة والبنية التحتية والفضاء في المنطقة. نما حجم التجارة بين الصين وأمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي من نحو 12 مليار دولار في عام 2000 إلى أكثر من 500 مليار دولار بحلول عام 2024. وتعتبر الصين الآن الشريك التجاري الأول لأمريكا الجنوبية، والثاني لأمريكا اللاتينية والكاريبي ككل بعد الولايات المتحدة.

أصبحت الصين مصدرًا رئيسيًا للاستثمار الأجنبي المباشر ودائنًا سياديًا مهمًا، حيث قدمت أكثر من 141 مليار دولار على صورة قروض لبلدان في أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي بين 2005 و2021. وقد ركزت هذه الاستثمارات بشكل أساسي على المواد الخام (النحاس وخام الحديد وفول الصويا والنفط) والقطاعات الحيوية مثل الطاقة والبنية التحتية والاتصالات. وأكثر من عشرين بلد في المنطقة انضمت إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية.

في أواخر 2024، افتتحت الصين ميناءً ضخمًا جديدًا في شانكاي، بيرو، ما خفض زمن السفر البحري بين البلدين من أكثر من شهر إلى حوالي 23 يومًا. وقد وقعت الصين اتفاقيات تجارة حرة مع عدة بلدان، منها تشيلي وكوستاريكا والإكوادور ونيكاراغوا وبيرو. وفي مايو 2025، استضافت الصين قمة في بكين مع قادة أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، حيث أعلن الرئيس شي جين بينغ عن خط ائتماني بقيمة 9 مليارات دولار لدعم الاستثمارات في المنطقة. وفي أوائل أكتوبر، تم قبول الصين بصفتها مراقب في مجتمع الأنديز.

كل هذا يُنظر إليه على أنه تهديد لمكانة الولايات المتحدة في المنطقة، وقدرتها على الوصول إلى المواد الخام ومصادر الطاقة ومجالات الاستثمار والأسواق. تلتزم الإمبريالية الأمريكية باستخدام كل الموارد المتاحة لها لعكس هذا الوضع واستعادة هيمنتها في نصف الكرة الغربي. لن يكون ذلك مهمة سهلة.

ترتبط اقتصادات المكسيك، وإلى حد أقل، بلدان أمريكا الوسطى ارتباطًا وثيقًا بالاقتصاد الأمريكي، الذي يهيمن على جيرانه الجنوبيين. إذ يذهب نحو 80% من صادرات المكسيك إلى الولايات المتحدة. وعندما مارس ترامب ضغوطًا على الحكومة المكسيكية للتحرك ضد الصين، وافقت كلاوديا شاينباوم على فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على الواردات الصينية وزادت من “المراقبة والتنظيم على الاستثمار الأجنبي والواردات”، لا سيما من الصين.

ومع ذلك، لا تمتلك الولايات المتحدة نفس النفوذ عندما يتعلق الأمر ببلدان أمريكا الجنوبية، التي تعتمد الكثير منها الآن على الصادرات إلى الصين بشكل كبير.

في كامل أمريكا اللاتينية، تُعتبر الإمبريالية الأمريكية بشكل صحيح العدو الرئيسي، فهي القوة التي تورطت لعقود في الانقلابات العسكرية و”تغيير الأنظمة” والغزو والتدخل الإمبريالي والابتزاز واستغلال الموارد الطبيعية. ويعم الشعور المعادي للولايات المتحدة بعمق.

نتيجة لذلك، قد يرى البعض أن الصين تلعب دورًا تقدميًا في القارة. فحتى الآن، لم ينفذ العملاق الآسيوي أي انقلابات عسكرية، ولم يزل أي حكومة عن السلطة. وتشارك في التجارة والاستثمار دون فرض أي شروط. ومع ذلك، يجب أن نكون واضحين. مصالح الصين في أمريكا اللاتينية إمبريالية بحتة بالمعنى اللينيني للكلمة. ما تسعى إليه هو مصادر الطاقة والمواد الخام، والأسواق لمنتجاتها، ومجالات استثمار لرأس مالها.

الصين ليست فقط غير صديقة للعمال والفلاحين الفقراء في المنطقة، بل ليس لديها أي مانع في إبرام صفقات مع الأنظمة القمعية والرجعية. مصالح الصين الاقتصادية تفوق أي اعتبارات أخرى.

ترتبط الصين بعلاقات اقتصادية وثيقة مع النظام البرجوازي البونابرتي بقيادة بكيلي في السلفادور. وقد قامت باستثمارات ضخمة في بيرو، بما في ذلك الميناء المذكور في شانكاي، حيث يوجد نظام غير شرعي وصل إلى السلطة عبر انقلاب ضد بيدرو كاستيلو – انقلاب تم ترسيخه من خلال قمع وحشي أسفر عن أكثر من 50 قتيلًا.

كما أن للصين مصالح مهمة في الإكوادور، التي تحكمها الحكومة اليمينية القمعية لدانييل نوبوا. في الأسبوع الماضي، قدمت الصين تبرعًا بقيمة 28 مليون دولار للإكوادور، ليُستخدم في المناطق “التي تأثرت سلبًا” بالإضراب الوطني الأخير الذي دعت إليه منظمة الفلاحين الأصليين (CONAIE) ضد إلغاء دعم الوقود. وسيتم صرف الأموال عبر صندوق الوقوف مع نوبوا (Firmes con Noboa) حصريًا لأولئك الذين لم يشاركوا في الإضراب! وهذا مثال على دور الصين الصريح في كسر الإضرابات ودعم حكومة يمينية قمعية.

الشيوعيون يقولون: ارفعوا أيديكم عن فنزويلا، ارفعوا أيديكم عن كولومبيا!

التصعيد الإمبريالي الأمريكي الحالي في منطقة الكاريبي هو جزء من هذا السعي لـ”إعادة الهيمنة على نصف الكرة الغربي”. من الواضح أن جزءً على الأقل من إدارة ترامب يدفع نحو “تغيير النظام” في فنزويلا، ويُنظر إلى ذلك كميدان اختبار لمزيد من العدوان العسكري.

موقف الشيوعيين الثوريين واضح. نقول: ارفعوا أيديكم عن فنزويلا – ارفعوا أيديكم عن كولومبيا! هذا موقف مبدئي لدعم البلدان المضطهَدة والخاضعة للهيمنة ضد العدوان الإمبريالي، وليس له أي علاقة بالنظام السياسي القائم في البلدان المستهدفة.

تواصل حكومة مادورو في فنزويلا استخدام خطاب الاشتراكية والثورة البوليفارية، لكنها في الواقع صارت عكس كل ما دافع عنه الرئيس تشافيز. فقد أمم تشافيز الشركات وصادر الأراضي، بينما يقوم مادورو بخصخصتها وتسليم الأراضي لملاك الأراضي. شجع تشافيز على سيطرة العمال واحتلال المصانع، في حين دمر مادورو سيطرة العمال واعتقل قادة النقابات الذين ينظمون للدفاع عن حقوق العمال النقابية.

لكن يجب أن نكون واضحين. السبب الذي دفع واشنطن لشن هجوم على فنزويلا وحكومتها لا علاقة له بالحقوق الديمقراطية للعمال والفلاحين، بل هو عكس ذلك تمامًا. فهم يريدون تنصيب حكومة خاضعة بالكامل لإملاءات الإمبريالية الأمريكية، وتقطع الصلات مع الصين وروسيا وإيران، وتفتح الموارد الطبيعية للبلاد بالكامل للشركات الأمريكية المتعددة الجنسيات للنهب والاستغلال.

وصول الحائزة على جائزة نوبل للسلام، ماريا كورينا ماتشادو، إلى السلطة لن يجلب الديمقراطية وحقوق الإنسان. على العكس تمامًا، من أجل تنفيذ برنامج الهجمات على الطبقة العاملة والفلاحين الذي تلتزم به، سيكون على حكومة رجعية يقودها ما يسمى بـ”المعارضة الديمقراطية” أن تستخدم القمع الواسع والوحشي لسحق مقاومة العمال والفلاحين.

لقد شهدنا هذا من قبل. يمكن تتبع جذور دورة الثورة البوليفارية إلى انتفاضة كاراكازو في فبراير 1989، حين طبقت حكومة كارلوس أندريس بيريز (CAP) حزمة من الإصلاحات النقدية المضادة أدت إلى انتفاضة عفوية واسعة النطاق في أنحاء البلاد. واستخدمت الحكومة “الديمقراطية” بقيادة  كارلوس أندريس بيريز الجيش ضد الجماهير العزل من العمال والفقراء، فقتلت المئات وربما الآلاف.

المشكلات التي تواجه العمال والفلاحين الفنزويليين لن تُحل بالتدخل الإمبريالي، ولا بواسطة أتباع الإمبريالية الأمريكية من الأوليغارشية المحلية. بل ستزداد سوءً. ومهمة الشيوعيين الثوريين هي معارضة التدخل الإمبريالي.

استبدال سيد أجنبي بآخر ليس هو الطريق الأمثل أيضًا. ففي نهاية المطاف، السبيل الوحيد للعمال والفلاحين في أمريكا اللاتينية ليتخلصوا من نير الإمبريالية هو أن يتولوا السلطة بأيديهم، ويصادروا أملاك كل من الرأسماليين الأجانب و”الوطنيين” (قدر ما وجدوا)، ويستغلوا الثروة والموارد الهائلة في المنطقة لتلبية الاحتياجات الملحة للجماهير من خبز وأرض ووظائف وسكن وتعليم ورعاية صحية.

خورخي مارتن – الأممية الشيوعية الثورية

3 نوفمبر/تشرين الثاني 2025

ترجم عن موقع الدفاع عن الماركسية:

Trump’s escalation in the Caribbean – US imperialism attempts to reassert control over its ‘backyard’