الرئيسية / قضايا نظرية / اقتصاد وعولمة / برنامج ترامب للرسوم الجمركية يعمق النزعات الحمائية في الاقتصاد العالمي

برنامج ترامب للرسوم الجمركية يعمق النزعات الحمائية في الاقتصاد العالمي

نشر هذا المقال يوم الجمعة، 28 مارس، أي قبل إصدار قرارات التعريفات الجمركية الأخيرة. ويتناول هذا المقال هذه المسألة بعمق أكبر ويشرح آثارها على الاقتصاد العالمي. وسننشر تعليق محين في غضون الأيام القليلة المقبلة.


يُوشك ترامب على الإعلان عن حزمة الرسوم الجمركية الجديدة في ما أسماه “يوم الحرية”. ويُسارع المُعلقون والسياسيون والدبلوماسيون والرؤساء التنفيذيون إلى استشراف ما هو آتٍ. وكعادته، أبقى ترامب الجميع في حالة ترقب. ورغم أن التفاصيل ليست واضحة إلا أن مسار الأمور واضح.

يُعد ترامب سلسلة من الإعلانات في 2 أبريل. وقد أثارت رسومه الجمركية على السيارات، التي أُعلن عنها في 26 مارس، قلقًا في الأسواق، لا سيما بين الشركات الأوروبية والآسيوية التي تعتمد اعتمادًا كبيرًا على السوق الأمريكية.

يبدو إن ترامب قد استقر على نسبة 25% نسبة مناسبة للرسوم الجمركية. وقد أعلن الآن عن فرض رسوم جمركية بهذا المستوى على المكسيك وكندا، بالإضافة إلى صناعات الصلب والألمنيوم، والآن على صناعة السيارات. هدفه واضح تمامًا: إنه يريد إجبار الشركات على نقل إنتاجها إلى الولايات المتحدة، ليس فقط من أجل تجميع المركبات، بل للألمنيوم وناقلات الحركة والمحركات، وما إلى ذلك. وليس فقط للسيارات، بالرغم من أهميتها البالغة في الاقتصاد العالمي، بل للأدوية وغيرها.

في حين حاولت المكسيك والمملكة المتحدة التملق إلى ترامب من أجل إقناعه بإلغاء الرسوم الجمركية، تستعد الصين والاتحاد الأوروبي واليابان وكندا للرد بالمثل، وقد هدد ترامب مرارًا وتكرارًا بالرد، بما في ذلك في منتصف ليلة 26 مارس. هذه وصفة لحرب تجارية. لن تكون هذه أول حرب تجارية يخوضها ترامب بالطبع. لقد خاض بالفعل حربًا تجارية مع الصين في ولايته الأولى، لكن هذه المرة، ليس الصين فحسب، بل العالم أجمع.

ما حدث في ثلاثينيات القرن الماضي

تُرسم مباشرة الآن أوجه تشابه مع ثلاثينيات القرن الماضي، وهناك بالفعل بعض أوجه التشابه. فقد لجأت دول مختلفة في أوروبا والولايات المتحدة إلى الحمائية بعد انهيار وول ستريت عام 1929 في محاولة من أجل تصدير الأزمة.

لقد أصدرت حينها الولايات المتحدة قانون “سموت-هاولي” للتعريفات الجمركية عام 1930، رافعة بموجبه التعريفات الجمركية إلى متوسط ​​20%. وقد أدى هذا القانون، بالإضافة إلى التدابير المضادة التي اتخذتها دول أخرى، إلى انهيار الصادرات والواردات الأمريكية. وكما هو الحال الآن، تأثرت كندا وردت بالمثل. وليس من قبيل الصدفة أن يستخدم ترامب الآن بعض التدابير المنسية من ذلك القانون في فرض هذه الجولة الأخيرة من التعريفات.

في البداية، كان للقانون تأثير في إنعاش الاقتصاد الأمريكي، ولكن مع تفاقم الركود الاقتصادي عام 1931 عقب انهيار مؤسسة الائتمان في النمسا، ازدادت الأمور سوءً. فقد انخفضت الصادرات والواردات الأمريكية بنحو الثلثين، كما انهار الإنتاج الصناعي بنسبة 46% بحلول عام 1932.

وقد حذت العديد من الدول الأوروبية حذوها. فقد اعتمدت المملكة المتحدة مبدأ التفضيل الإمبراطوري عام 1932، مما صعب التصدير إلى المملكة المتحدة من خارج الإمبراطورية البريطانية. وذهبت دول أخرى، مثل فرنسا، إلى أبعد من ذلك في سياساتها الحمائية.

لكن لم تكن الحواجز التجارية الرسمية وحدها هي التي شكلت جزءً من العلاقات التجارية الجديدة. فقد تخلت البلدان، واحدة تلو الأخرى، عن معيار الذهب. أي أنها تخلت عن سعر الصرف الثابت بين العملة (الجنيه الإسترليني، الدولار، الفرنك، إلخ) والذهب.

لقد أدى التخلي عن معيار الذهب إلى انهيار قيمة العملة، مما منح البلدان المعنية ميزة تنافسية على منافسيها. لذلك، ليس من المستغرب أن تضطر البلدان التي التزمت بمعيار الذهب فترة أطول (فرنسا والولايات المتحدة) إلى اللجوء إلى إجراءات حمائية أكثر. وقد أشار تروتسكي إلى ذلك عام 1934 قائلًا: “إن الانحراف عن معيار الذهب يُمزق الاقتصاد العالمي أكثر مما تفعل جدران التعريفات الجمركية”.

بشكل عام، لقد انخفضت حينها التجارة العالمية بنسبة 66%، مما شكل ضربة قاصمة إلى الاقتصاد العالمي. وتزامن ذلك مع انهيار الإنتاج الصناعي في ألمانيا بنسبة 41%، وفي فرنسا بنسبة 24%، وفي المملكة المتحدة بنسبة 23%. في الوقت نفسه، وبسبب البطالة الجماعية والانهيار الاقتصادي العام، انهارت أسعار المنتجات، مما فاقم أزمة فائض الإنتاج المتفشية.

ومن المؤكد إن الأزمة لم تكن بسبب الإجراءات الحمائية، بل كانت الحمائية نتيجة للأزمة، والتي أدت بدورها إلى تفاقم الأزمة نفسها بشكل كبير.

حدود الدولة القومية

يكمن سبب هذا في تطور الاقتصاد نفسه. وقد أشار الماركسيون مرارًا وتكرارًا إلى أنه مع تطور قوى الإنتاج (الآلات والعلوم والتكنولوجيا والتعليم…إلخ) فإنها تصطدم بحدود الدولة القومية. وقد شدد لينين على هذه النقطة بقوة في كتابه “الإمبريالية: أعلى مراحل الرأسمالية”، على سبيل المثال. فقد شرح في ذلك الكتاب كيف تطورت الإمبريالية مع تفوق الاحتكارات على السوق القومية.

ما كان السياسيون، تحت ضغط الأزمة، يحاولون فعله هو إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. هناك تشابه واضح مع ما يحدث اليوم. كتب تروتسكي عن هذه المحاولة الفاشلة:

“إن المهمة التقدمية المتمثلة في كيفية مواءمة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بالتكنولوجيا الجديدة قد انقلبت رأسًا على عقب، وصُورت على أنها مشكلة كيفية كبح جماح قوى الإنتاج وتقليصها بما يجعلها ملائمة للساحة الوطنية القديمة والعلاقات الاجتماعية القديمة. على جانبي الأطلسي، تُهدر طاقة فكرية هائلة في جهود حل المشكلة الخيالية المتمثلة في كيفية إعادة التمساح إلى بيضة الدجاجة. إن القومية الاقتصادية فائقة الحداثة محكوم عليها بزوال لا رجعة فيه بسبب طابعها الرجعي، فهي تُعيق وتُضعف القوى الإنتاجية للإنسان.”

وكان هذا تحديدًا أثر التدابير المختلفة التي اتخذتها الحكومات. فبمحاولتها إعادة عقارب الساعة إلى الوراء فيما يتعلق بتطور قوى الإنتاج، وإجبارها على العودة إلى قيود الدولة القومية، أي السوق الوطنية، نجحت الحكومات، ليس في إنعاش الاقتصاد، بل في إغراقه في الكساد.

في النهاية انتعش الاقتصاد، وهذا بعد تدمير قوى إنتاجية هائلة خلال الحرب العالمية الثانية، وبمساعدة الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية والشيوعية في تثبيت الرأسمالية. ففي الغرب، خرجت الإمبريالية الأمريكية من الحرب مهيمنة تمامًا، ووجد الاقتصاد توازنًا جديدًا.

وقد أغرت الولايات المتحدة الإمبريالية الفرنسية والألمانية والبريطانية بالتعاون من أجل إعادة بناء أوروبا بعد الحرب. وأُنشئت مؤسسة جديدة، هي الاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية والتجارة (GATT)، التي تطورت تدريجيًا لكي تصبح منظمة التجارة العالمية (WTO).

كما أُنشئت جماعة الفحم والصلب في أوروبا. وقد أشار تروتسكي إلى هذه الضرورة الاقتصادية عام 1923:

“في صميم الحرب العالمية الأولى، كانت حاجة قوى الإنتاج إلى مجال أوسع للتنمية، متحررة من قيود التعريفات الجمركية. وبالمثل، نجد في احتلال الرور، الذي كان له أثر بالغ على أوروبا والبشرية، تعبيرًا مشوهًا عن الحاجة إلى توحيد فحم الرور مع حديد اللورين. لا يمكن لأوروبا أن تتطور اقتصاديًا ضمن حدود الدولة والجمارك المفروضة في فرساي. أوروبا مُجبرة إما على إزالة هذه الحدود، أو على مواجهة خطر الانهيار الاقتصادي الكامل. لكن الأساليب التي اتبعتها البرجوازية الحاكمة من أجل تجاوز الحدود التي خلقتها بنفسها لا تؤدي إلا إلى زيادة الفوضى القائمة وتسريع التفكك.” (Is the Slogan “The United States of Europe” a Timely One?)

بمعنى آخر، تنبأ تروتسكي في عام 1923 بالحاجة الاقتصادية إلى هذه الوحدة الاقتصادية، التي وحدت تحديدًا صناعات الفحم والصلب في فرنسا وألمانيا الغربية وهولندا وبلجيكا. ويرجع ذلك إلى أنه بالنسبة إلى الأمم الأوروبية الصغيرة، كانت القيود التي فرضتها الدولة القومية على تطور الاقتصاد أشد وطأة.

كما نعلم، ثبت أن جماعة الفحم والصلب غير كافية. ومع مرور الوقت، ومثل الـ((GATT))، توسع نطاقها لكي تصبح الجماعة الأوروبية ثم الاتحاد الأوروبي. في كل خطوة، كانت الإمبريالية الأمريكية حاضرة ودعمت المزيد من التكامل الأوروبي، لأنه كان يناسبها آنذاك. ليس من الصعب فهم سبب ضرورة توسيع النطاق المحدود لهذه المنظمات في البداية، إذا انطلقنا من وجهة نظر أن قوى الإنتاج، مع تطورها، تتجاوز في النهاية الدولة القومية.

أي أنه مع تطور الاحتكارات في الاتحاد الأوروبي، وفي الصناعات الناشئة الجديدة، مثل صناعة السيارات والكيماويات، واجهت هذه الصناعات ضغوطًا بسبب قيود الدولة القومية، واحتاجت إلى منفذ في السوق الأوروبية. لذلك، احتاجت إلى إزالة العوائق واحدًا تلو الآخر. ولأن الاقتصاد، بشكل عام، كان ينمو كان من الممكن توزيع الأرباح بشكل ودي. وقد تحقق ذلك بشكل خاص لأن الولايات المتحدة، التي تمتلك أكثر الصناعات تقدمًا وإنتاجية، كانت حاضرة من أجل مواصلة الدفع نحو مزيد من التجارة الحرة.

لقد استفادت الطبقة الرأسمالية عمومًا من ذلك النظام الجديد، لا سيما أنه اتسم باستقرار سياسي واجتماعي نسبي. وكانت الأرباح كافية لتوزيعها، مما سمح بتقديم تنازلات كبيرة للعمال. وفي غضون ذلك، كان الاتحاد السوفياتي يشكل تهديدًا دائمًا.

كان من الممكن تحقيق انتعاش اقتصادي جديد في ظل تلك الظروف وذلك النظام. لقد ازدادت إنتاجية العمل بشكل هائل بكل المقاييس. وطوال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، صاحب ذلك زيادات مقابلة في الأجور الحقيقية. وبفضل ارتفاع الإنتاجية، أصبح بإمكان العمال في الغرب الحصول على مستوى معيشي لم يحظوا به من قبل: منازل وسيارات وأجهزة تلفزيون وتعليم ورعاية صحية ومعاشات تقاعدية…إلخ.

لكن كل هذا كان بالتحديد لأن قوى الإنتاج تمكنت من مواصلة تطورها في ظل نظام من التخصص المتزايد وحرية التجارة المتزايدة…إلخ. كان تقسيم العمل العالمي ضروريًا من أجل استمرار تطور قوى الإنتاج.

بالتزامن مع ذلك التطور، برزت، بطبيعة الحال، احتكارات ضخمة هيمنت على السوق العالمية. الشركات الأقل إنتاجية – بسبب قلة كفاءتها وافتقارها إلى أحدث الآلات – أفلست أو استحوذت عليها منافساتها الأكبر. ليس هذا هو الوقت المناسب للخوض في هذه المسألة بالتفصيل، ولكن لو نظرنا إلى أي صناعة مهمة – سواءً كانت مواد خام أو قطع غيار أو منتجات تامة الصنع – فلن نجد اليوم سوى عدد قليل من الشركات.

ولكن على عكس أحلام أنصار السوق الحرة، فإن المنافسة الحرة على وجه التحديد هي التي تؤدي إلى نشوء هذه الاحتكارات.

الحمائية اليوم

بالعودة إلى مسألة اليوم، وصلنا إلى عالم أكثر تطورًا وتكاملًا اقتصاديًا بكثير مما كان عليه في عهد تروتسكي. فمنذ عام 1960، نما الاقتصاد العالمي، بالقيمة الحقيقية، إلى ما يقارب 8 أضعاف حجمه. إلا أن حجم التجارة العالمية نما بنحو 20 ضعفًا، بل وأكثر من ذلك من حيث القيمة.

عندما شرعت الولايات المتحدة في حملتها الحمائية عام 1930، كانت نسبة التجارة إلى الناتج المحلي الإجمالي حوالي 9%، أما الآن فهي أقرب إلى 25%. ويُعد هذا العامل أكثر حسمًا بالنسبة للصناعات التحويلية. تبلغ قيمة الناتج الصناعي الأمريكي 2.3 تريليون دولار، بينما تبلغ قيمة صادراتها 1.6 تريليون دولار. هذا لا يعني أن 70% من السلع المصنعة تُنتج من أجل التصدير (إذ يمكن للمكونات عبور الحدود عدة مرات قبل أن تصل إلى المنتج النهائي)، ولكنه يُظهر مدى تكامل الصناعات التحويلية مع السوق العالمية.

لذا، عندما تشرع الولايات المتحدة، وبقية العالم، الآن في موجة حمائية جديدة، فإنهم يفعلون ذلك من نقطة انطلاق مختلفة تمامًا. إذا أردت، كما قال تروتسكي، “إعادة التمساح إلى بيضة الدجاجة”، فإن هذا يستلزم تدميرًا هائلًا لقوى الإنتاج وبؤسًا لا يوصف.

إن الاقتصاديين البرجوازيين يدركون هذه الحقيقة جيدًا، ولهذا أعلنوا رفضهم التام للحمائية. ولكن، كما هو الحال مع العديد من سياسات “لن يحدث مرة أخرى” الاقتصادية، مثل طباعة النقود، فقد كان عليها أن تفسح المجال للتطور الحقيقي للتناقضات العالمية والطبقية.

لم يخترع ترامب الحمائية. يوجد الآن 4,650 قيدًا على الواردات بين بلدان مجموعة العشرين، وفقًا لتقرير “Global Trade Alert”، وهو ما يزيد بعشرة أضعاف عدد القيود في عام 2008. تحاول الولايات المتحدة تقييد نمو الاقتصاد الصيني، وهو ما تسعى إليه منذ عام 2018. فهناك تعريفات جمركية أمريكية وأوروبية على السيارات الكهربائية من الصين. وهناك قانون بايدن لخفض التضخم، ومحاولات مختلفة من أجل دعم إنتاج الرقائق المحلية، وما إلى ذلك. كل هذا سبق ولاية ترامب الثانية. كان هذا هو الاتجاه السائد بالفعل قبل عودته إلى الساحة. وفي حين كانت التجارة العالمية تنمو بوتيرة أسرع من الاقتصاد العالمي فترة تاريخية كاملة، لم يعد هذا هو الحال الآن.

لا شك إن حرب ترامب التجارية تُعد تسارعًا في هذا الاتجاه. لا أحد يعلم إلى أي مدى ستصل هذه الحرب، لكن وكالة فيتش للتصنيف الائتماني تتوقع أن يصل متوسط ​​معدل الرسوم الجمركية الأمريكية إلى 18%، ارتفاعًا من 8%، وهو أعلى مستوى له منذ عام 1934.

تُشكل خطط ترامب صعوبات خاصة للاقتصاد العالمي، والتي لا يقتصر منطقها على فرض رسوم جمركية على المنتج النهائي (مثل السيارات)، بل يشمل جميع مكونات السيارات. وهذا يُثير احتمال التعرض إلى رسوم جمركية كبيرة، ليس فقط مرة واحدة بنسبة 25%، بل فرضها عدة مرات في مراحل مختلفة من عملية الإنتاج.

نقلت صحيفة “The Detroit Free Press” عن أحد المحللين قوله:

“قال إنه في كل مرة تعبر فيها قطعة غيار الحدود تُفرض عليها ضرائب. وضرب مثالًا على ذلك بشركة تصنيع سيارات، رفض ذكر اسمها، أخبرته أنها تحصل على المواد اللازمة من أجل تصنيع حزم الأسلاك من اليابان. تُنقل هذه المواد إلى المكسيك لكي تُصنع منها حزم الأسلاك، ثم تُشحن هذه الحزم إلى تكساس لكي تُثبت على الوسادة الهوائية. ثم تُشحن هذه الحزم إلى مصنع الشركة في المكسيك من أجل تركيبها في مقعد السيارة. ثم تُشحن السيارة إلى الولايات المتحدة.”

هذا ما تُشير إليه صناعة السيارات عندما تُقدر أنها قد تضيف ما بين 4,000 و12,000 دولار أمريكي إلى سعر السيارة. يُفرض على هذا الحزام ضريبة مضاعفة. وهذا يعني أيضًا أن المُصدرين الأمريكيين يفقدون قدرتهم على المنافسة في السوق العالمية، إذ سيتم فرض ضرائب على مكوناتهم عدة مرات قبل تصديرها.

ما تفعله هذه التعريفات الشاملة، وهو أمر متعمد على الأرجح من وجهة نظر ترامب، هو تفكيك سلاسل التوريد العالمية. لكن هذا مكلف للغاية. على سبيل المثال، تمتلك شركة “BMW” ثلاثة مصانع رئيسية في أوروبا من أجل إنتاج المحركات، يتخصص كل منها في محركات محددة من أجل طرازات محددة من السيارات. إن بناء مصنع آخر من أجل إنتاج محركات للسوق الأمريكية فقط سيكون مكلفًا للغاية. وينطبق الأمر نفسه على أي جزء آخر من السيارة، والذي لا يُنتج بالفعل في الولايات المتحدة. إن أي تدابير مضادة من الاتحاد الأوروبي والصين واليابان تؤثر على المكونات المُنتجة في الولايات المتحدة ستؤدي حتمًا إلى تفاقم الوضع. وسيكون التأثير طويل المدى لهذا هو دفع التضخم إلى الأعلى، مما يُسبب المزيد من البؤس للطبقة العاملة.

موقف بروليتاري

ما هي إذن مصالح الطبقة العاملة في كل هذا؟ لقد أشاد شون فاين، قائد نقابة عمال السيارات الأمريكية (UAW)، بترامب “لتدخله من أجل إنهاء كارثة التجارة الحرة التي عصفت بمجتمعات الطبقة العاملة لعقود”.

لا شك أنه محق. لقد كان لتفكيك القاعدة الصناعية في ميشيغان أثر مدمر على المنطقة بأسرها. لكن من المستحيل إعادة الأمور إلى نصابها، ومحاولة ترامب القيام ذلك ستكون لها عواقب وخيمة.

لا يمكننا الدفاع عن سياسة التجارة الحرة، تحديدًا لأنها هي من أوصلتنا إلى هذه النقطة أساسًا. إنها سياسة إغلاق المصانع وتدمير المجتمعات، وكل ذلك بوعد إن هذا سيكون للأفضل على المدى البعيد.

لقد طرح الاشتراكيون الديمقراطيون الألمان، عشية انتصار هتلر، سياسة جنونية كهذه. دعوا الأزمة تدمر الطبقة العاملة ففي النهاية سيكون كل شيء للأفضل. إلا أن طريق التوازن الاقتصادي مر عبر الفاشية والحرب العالمية. اليوم، ليس هذا واردًا في المستقبل القريب، لكن البؤس الذي تجلبه رأسمالية التجارة الحرة واضح للجميع.

يشير تروتسكي بدقة إلى كيفية ارتباط نهاية التجارة الحرة بالأزمة نفسها:

“إن حرية التجارة، شأنها شأن حرية المنافسة ورخاء الطبقة الوسطى، تنتمي إلى الماضي الذي لا رجعة فيه. إن استعادة الماضي هي الآن الوصفة الوحيدة للإصلاحيين الديمقراطيين للرأسمالية.”

يسعى كلا الطرفين – أنصار التجارة الحرة والحمائية – إلى إعادة المجتمع إلى حالته قبل الأزمة، لكنهما عاجزان عن ذلك. فلا استعادة حرية التجارة ولا إقامة حواجز جمركية جديدة ستحل الأزمة.

الحقيقة هي أن تطور قوى الإنتاج والسوق العالمية تحديدًا هو ما جعل الرأسمالية القومية مستحيلة، وأحدث أوسع أزمة اقتصادية شهدها العالم على الإطلاق. إن الوضع برمته هو حالة تمرد لقوى الإنتاج على الدولة القومية والملكية الخاصة. نترك الكلمات الأخيرة لتروتسكي:

“لذلك، من أجل إنقاذ المجتمع، ليس من الضروري كبح جماح التطور التقني أو إغلاق المصانع أو منح المزارعين علاوات لتخريبهم الزراعة أو تحويل ثلث العمال إلى فقراء أو استدعاء المجانين إلى الحكم. ليس من الضروري اتخاذ أي من هذه الإجراءات، التي تُعد استهزاءً صادمًا بمصالح المجتمع. إن ما لا غنى عنه وعاجل هو فصل وسائل الإنتاج عن مالكيها الطفيليين الحاليين، وتنظيم المجتمع وفق خطة عقلانية. حينها سيكون من الممكن حقًا شفاء المجتمع من أمراضه في الحال. سيجد كل من يستطيع العمل وظيفة. سينخفض ​​يوم العمل تدريجيًا. ستضمن احتياجات جميع أفراد المجتمع إشباعًا متزايدًا. ستُلغى كلمات مثل “الملكية” و”الأزمة” و”الاستغلال” من التداول. وستعبر البشرية أخيرًا عتبة الإنسانية الحقيقية.”

نيكلاس ألبين سفينسون

28 مارس/آذار 2025

ترجم عن موقع الدفاع عن الماركسية:

Trump’s tariff programme deepens protectionist tendencies in world economy