الرئيسية / قضايا نظرية / الإمبريالية / الإمبريالية الشرقية تعيد تدوير الأنظمة الرجعية في المنطقة

الإمبريالية الشرقية تعيد تدوير الأنظمة الرجعية في المنطقة

توصلنا بهذا المقال من الرفاق في منظمة تيار الشباب الماركسي في سوريا، يناقشون فيه الاتفاق السعودي – الإيراني الجديد، وآثاره على المنطقة، ودور الامبريالية الصينية فيه في مواجهة الامبريالية الأمريكية. ونحن إذ ننشره نعبر عن توافقنا مع الخط العام للمقال في تناوله للاتفاق وآثاره وصراع القوى الامبريالية المختلفة.


لقد أظهرت الثورة السورية أننا في عالم جديد ليست الولايات المتحدة الأمريكية العنصر الحاسم فيه كما كانت في الماضي بسبب ظهور روسيا والصين كقوتين إمبرياليتين على مسرح التاريخ.

هذا الصعود للإمبريالية الشرقية أظهر أيضًا الاهتراء الذي يعاني منه اليسار التقليدي المتمثل بالأحزاب الشيوعية على مستوى العالم. هذا اليسار الذي كان ومازال محكوم بقواعد وتكتيكات السوفييت أثناء الحرب الباردة. موقف اليسار التقليدي من روسيا والصين أكد ما تحدث عنه البلشفي فلاديمير لينين من حيث أن الوعي لا يسقط فورًا بسقوط الحقائق بل يبقى ويكرر ما حفظه دون إدراك التغييرات التي حدثت.

بعد اللقاء الذي جمع مسؤولين إيرانيين وسعوديين بوساطة صينية سارعت الأحزاب الشيوعية للثناء على هذا الدور الذي يلعبه الحزب الشيوعي الصيني في إجراء آخر يؤكد أن الأحزاب الستالينية كانت ومازالت أكبر تشويه للماركسية. من جهتهم ذهب الليبراليون الذين كانوا ومازالوا مطايا للقوى الخارجية التي سرقت ثورة السوريين وحلمهم بالحرية بإعادة اسطوانتهم المشروخة بأن الصين ممثلة للشيوعية، والشيوعيين والإسلاميين هم وجهان لعملة واحدة.

لقد قام ماو بثورة كبيرة في الصين لولاها لما كانت الصين قادرة على أن تمتلك هذا التقدم الهائل اليوم، ولكنها أقامت فيما بعد دولة عمالية مشوهة متأثرة بالمد الستاليني من الاتحاد السوفياتي الذي كان على حدودها. نتيجة لذلك، تم إنجاز الثورة من الأعلى للأسفل، بدون مشاركة العمال ورقابتهم الديمقراطية. أقامت البيروقراطية فيما بعدنظامًا ديكتاتوريًا شموليًا تحت قيادة الحزب الواحد على شاكلة روسيا الستالينية على عكس النظرية الماركسية التي دعت لإقامة الاشتراكية من الأسفل للأعلى وبناء مجالس العمال المنتخبة ديمقراطيًا.

الآن، وبعد سبعين سنة على انتصار ثورة ماو في الصين، عاد الحزب الشيوعي الصيني ليسلك طريق الرأسمالية في تأكيد آخر على أن الاشتراكية في بلد واحد لا يمكن لها أن تستمر. الاشتراكية في بلد واحد هي البدعة التي أنتجها المتعجرف ستالين ومازالت الأحزاب الشيوعية العالمية ترددها حتى الآن، ومازالت النيو ليبرالية وأدواتها في المنطقة تحاول نسبها للماركسية بشكل أو بآخر.

كثرت التحليلات حول هذا اللقاء ولكن التحليل الماركسي يختلف عنها جميعًا من حيث السؤال الذي يطرحه بخصوصه. في الوقت الذي سألت كل التيارات الليبرالية و الستالينية ما الذي سوف ينتج عن هذا اللقاء من تغيير في موازيين القوى؟ تقدم الماركسية سؤالها المعهود وهو ما الذي سوف يستفيد منه الشعب السوري وباقي شعوب المنطقة من هذا اللقاء؟

بالنسبة للشعوب التي أنهكتها ديكتاتورية الأنظمة ورجعية المعارضات و التدخلات الإمبريالية في ثوراتها لن تقدم لها هكذا تفاهمات و لقاءات أي جديد. فالصين وروسيا بصفتهما قوتان إمبرياليتان يشتركان مع الإمبريالية الغربية بضرورة بقاء شعوب المنطقة ضمن علاقات إنتاج اقطاعية تتطور فيها قوى الإنتاج ضمن اقتصاد ريعي غير منتج وليس كما يروج له حزب الإرادة الشعبية لصاحبه قدري جميل بأن الحزب الشيوعي الصيني حريص على مصالح شعوب المنطقة.

تعاني المنظومة الرأسمالية الآن والتي تشكل الصين و روسيا قطبها الشرقي من أزمة اقتصادية عميقة وصلت بكل أطرافها إلى طريق مسدود. تحاول الصين بمثل هكذا مناورات إيجاد مخرج لهذه الأزمة تمامًا كالمناورات التي تجريها الولايات المتحدة الأمريكية بزياراتها لأوكرانيا والتايوان.

تدخلت روسيا أيضًا بصفتها دولة إمبريالية في مسار الأحداث في سوريا و أسفر هذا التدخل عن هيمنة روسيا على جزء كبير من مقدرات البلاد مثل حقول و معامل الفوسفات حيث تم تسريح مئات العمال السوريين من هذه القطاعات وتم استبدالهم بعمال روس. نفس السيناريو اتبعته روسيا في ميناء طرطوس حيث سيطرت على الميناء سيطرة كاملة وسرحت المئات من السوريين هناك ووظفت بدلاً منهم موظفين روس. بالوقت الذي يعيش فيه ملايين السوريين في مخيمات اللجوء في الدول المجاورة. وبالوقت الذي أصبح معظم السوريون في مناطق سيطرة نظام الأسد غير قادرين على دفع إيجارات منازلهم، قامت القاعدة العسكرية الروسية في اللاذقية بتقديم بيوت للمتعاقدين الروس الذين يعملون في سوريا بالتقسيط المريح.

اتفقت كل من الامبرياليتين الشرقية والغربية على ضرورة الإبقاء على سيطرة الأنظمة الرجعية في المنطقة و إعادة تدويرها عندما تقتضي الحاجة لما في ذلك من استمرار لعلاقات الإنتاج الإقطاعية والاقتصاد الريعي. هذا السيناريو ضرورة تاريخية لا بد من استمرارها لأنه وبحال استمراره فإن أي نظام سياسي سوف ينبثق عنه لن يكون قادر على الاستمرار إلا بالارتهان للدول الإمبريالية الكبرى وفق نمط الإنتاج الكولينيالي.

لذلك أكد الاشتراكي الروسي ليون تروتسكي في كتابه البرنامج الانتقالي ومهام الأممية الرابعة أن أي حراك تحرري في الدول التي تشبه دولنا يجب أن يتضمن على خطوات للتحرر من الموروث الاقطاعي ومن التبعية للإمبريالية. وبعد مرور قرن على كتابة تروتسكي لهذه الكلمات مازالت سلوكيات الدول الامبريالية ومن ضمنها الصين وروسيا تؤكد على مدى متانة العلاقات بين الجهتين ( الاقطاعية العشائرية و الإمبريالية).

تيار الشباب الماركسي – سوريا

11 مارس/آذار 2023