ننشر هنا هذه المقالة للرفيق ج. دريتس، من الفرع الأمريكي للتيار الماركسي الأممي، والتي يسرد فيها تجربته الخاص في المنظمات اللاسلطوية والتحاقه بعد ذلك بصفوف التيار الماركسي الأممي.
«إن المنظمة الثورية ليست نموذجا أوليا للدولة المستقبلية، بل هي مجرد أداة لإنشائها. ولا بد أن تتكيف الأداة مع تصميم المنتج، لكنها لا تشمل المنتج. وهكذا يمكن لمنظمة مركزية أن تضمن نجاح النضال الثوري».
– ليون تروتسكي، تاريخ الثورة الروسية
«الحزب الثوري أداة ضرورية للإطاحة بالرأسمالية. هل يجب أن تشبه الأداة ما تنتجه؟ من أجل صنع كرسي، مطلوب منشار. لكن المنشار الذي يشبه الكرسي لن ينتج كرسياً أو أي شيء آخر».
– آلان وودز، “ماركس ضد باكونين”
يتم تقديم ما يسمى بالاشتراكية “التحررية” بديل عن الاشتراكية “الاستبدادية” أو “الدولة” من قبل بعض التيارات اليسارية. ويصدق هذا بشكل خاص منذ صعود الستالينية وما تلى ذبك من انهيار الاتحاد السوفيتي لاحقا. يقترح ذلك القسم من اليسار أن السبب الرئيسي لتحول الاتحاد السوفييتي إلى نظام بيروقراطي استبدادي هو أن البلاشفة أنشأوا دولة عمالية بعد الثورة وأن كل “دولة” هي بالضرورة دولة استبدادية.
في حين أن الستالينية لا تشترك في أي شيء مع الماركسية الحقيقية وليست مساراً قابلاً للتطبيق لتحرير الطبقة العاملة، ولا الاشتراكية التحررية كذلك. على الرغم من الانطباع بأن هذا “بديل جديد” لاشتراكية “الدولة”، فإن هذه الأفكار قديمة جداً. كان ميخائيل باكونين وبيير جوزيف برودون معاصرين لكارل ماركس وفريدريك إنجلز. عاش بيتر كروبوتكين في الدولة العمالية الروسية الشابة، حتى أنه التقى بلينين في عام 1919.
تحمل الاشتراكية التحررية عدة أسماء: اللاسلطوية، اللاسلطوية الشيوعية، اللاسلطوية النقابية، التبادلية، الكومونية، والتشاركية، من بين أسماء أخرى. تشترك كل هذه الأفكار في أساسها المثالي الفلسفي والبرجوازي الصغير، وليس لها أي شيء مشترك مع الفهم المادي للعالم والموقف الاجتماعي ودور الطبقة العاملة.
لقد تعرفت على هذه الأفكار من خلال كتب مثل “عن اللاسلطوية” لتشومسكي و”الاستيلاء على الخبز” لكروبوتكين. لكن الاختبار النهائي لأي مجموعة من الأفكار هو وضعها موضع التنفيذ. لقد كنت محظوظاً بما يكفي لأتمكن من رؤية كيف تؤثر هذه الأفكار في سياسات العالم الواقعي بصفتي رئيسا مشاركا في فرع محلي للاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا (DSA). فبدلاً من بناء منظمة كفاحية للطبقة العاملة، أدت هذه الأفكار فقط إلى الاقتتال الداخلي والفوضى. وقادتني هذه التجربة إلى البحث عن الأفكار البلشفية الحقيقية عبر رفاق التيار الماركسي الأممي.
وفي هذه المرحلة من التاريخ، طورت الرأسمالية قوى الإنتاج وخلقت الطبقة العاملة العالمية. ولكنها وصلت الآن إلى طريق مسدود ولا يمكنها أن تدفع المجتمع إلى الأمام. ميزان القوى الطبقي يقف بشكل ساحق إلى جانب البروليتاريا. والعوامل الموضوعية للثورة الاشتراكية موجودة أو تنضج بسرعة. لكن العامل الذاتي الثوري، في شكل منظمة بلشفية مدربة ومنضبطة، لا يزال يتعين بناؤه. وبالتالي، فإن السؤال المطروح في عصرنا هو: “كيف نبني التنظيم الثوري للطبقة العاملة؟” من خلال تجربتي الخاصة، خلصت إلى أن “الاشتراكية التحررية” لا توفر الإطار لبناء مثل هذه المنظمة.
تطرح الاشتراكية التحررية فكرة أن السلطة نفسها هي أصل الشر في المجتمع. وأنه يمكن تحقيق الحرية لأقصى قدر ممكن من خلال القضاء على أكبر قدر ممكن من السلطة. وعندما كنت في منصب منتخب، لم أكن أرى نفسي قائدا، ولكن كنت أعتبر نفسي “ميسراً” للإرادة المجردة للمجموعة، ومشجعاً للتجمعات العفوية وللأعضاء على “تجربة الأشياء فقط”. وبدلاً من إنشاء مجموعة أكثر ديمقراطية وتماسكاً، كانت النتيجة عكس ذلك. وبدلاً من الحد من سلطة منصبي المنتخب، خلقت استبداد غير المنتخبين.
كما يشرح آلان وودز في كتابه “ماركس ضد باكونين“:
«في الواقع، المنظمات اللاسلطوية (بالتأكيد يوجد تناقض في المصطلح؟) تعاني دائماً من البيروقراطية الأكثر تطرفاً، لأن على شخص ما أن يتخذ القرارات. من هؤلاء؟ في الممارسة العملية، يتم اتخاذ القرارات “بشكل عفوي” من قبل مجموعات عينت نفسها بنفسها والتي لم ينتخبها أحد وليست مسؤولة أمام أي أحد – وهذا يعني خلق زمرة متحكمة».
في النهاية، يجب على شخص ما اتخاذ قرار. لا يمكن لسائقي القطارات مغادرة المحطة وقتما يريدون وقيادة القطار في أي مسار يختاروه. لن يتم عمل أي شيء بدون نوع من السلطة. النقطة المهمة هي أن السلطة ضرورية. لكن كيف نختار من لديه السلطة؟ أي مجموعة من عمال المصانع لن يسمحوا لأي شخص من الشارع بالدخول واستخدام أخطر آلة في المصنع. سيختارون الشخص الأفضل تدريباً والأكثر موثوقية. يجب على المنظمات الثورية أن تختار قيادتها بنفس الطريقة.
بصفتنا عمال، لدينا بالفعل القليل جداً من الوقت الذي نقضيه خارج وظائفنا. نحن بحاجة إلى أن نكون حريصين للغاية بشأن أين يذهب وقتنا وطاقتنا. عندما كنت اشتراكياً تحررياً، كنت أزعم أن الأشخاص المختلفين يمكنهم فقط تجربة ما يريدون. يمكن لبعض الناس أن يصبحوا جزء من نقابة أو يقوموا بإنشائها، ويمكن للبعض أن يجربوا التعاونية، والبعض الآخر يمكن أن ينشئوا كومونة، والبعض يمكن أن يصوت في الانتخابات، والبعض الآخر يمكن أن يجرب الثورة. أيهم نجح سيكون هو الحل لتحقيق الاشتراكية.
تشكل الجهود المبذولة لبناء النقابات والمنظمات الجماعية الأخرى، جنباً إلى جنب مع التصويت لمرشحين مستقلين طبقياً، تهديداً للرأسمالية – ولكن فقط بقدر ارتباطها بحركة لإسقاط الطبقة السائدة وديكتاتوريتها. لكن يجب أن يكون هدف الطبقة العاملة هو النضال والفوز، وليس مجرد تهديد. إنها في النهاية الثورة – التي تجمع بين ما سبق مع قيادة من الثوريين الملتزمين – هي التي تشكل تهديداً وجودياً حقيقياً للرأسمالية.
نحن العمال جميعاً في نفس القارب معاً، من حيث أننا موحدون من خلال استغلالنا من قبل الطبقة الرأسمالية. إن قوتنا الكامنة الهائلة تأتي من علاقاتنا الجماعية بوسائل الإنتاج. إذا توقف أحد مشغلي محطة توليد الكهرباء عن العمل، فلن يحدث أي شيء ذو أهمية. ولكن إذا أضرب جميع مشغلي محطات الطاقة في جميع المحطات عن العمل، فقد يتسببون في توقف اقتصاد بلد بأكمله. نحن جميعاً في نفس القارب، ولكل منا مجداف. إذا جدف نصفنا في اتجاه والنصف الآخر في اتجاه آخر، فسوف ندور في دائرة. لكن إذا قمنا جميعاً بالتجديف في نفس الاتجاه، فيمكننا بالفعل الوصول إلى وجهتنا.
قبل أن أصبح رئيسا مشاركا لفرع محلي للاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا (DSA)، أخبرت الأصدقاء الذين كانوا في كل من الاشتراكيين الديمقراطيين (DSA) والتيار الماركسي الأممي أنني لن أنضم أبداً إلى منظمة ماركسية – على وجه التحديد التيار الماركسي الأممي. لم يحاول أي عضو في التيار الماركسي الأممي دفعي إلى الانضمام إليهم لأنني قلت تحديداً أنني لا أريد الانضمام. في النهاية، جندت نفسي بنفسي. كان أعضاء التيار الماركسي الأممي هم الوحيدون الذين كانوا على صواب دائماً، ورفاقيين، وقدموا وجهات نظر سياسية واضحة حول الماضي والحاضر والمستقبل. عندما وجدت أن أياً من أفكاري الاشتراكية التحررية لم تنجح، ذهبت إليهم طلباً للمساعدة.
أصبح واضحا لي أن الماركسية تقدم الأفكار الحقيقية التي يمكن أن تدفع بالحركة قدماً نحو الاشتراكية. وأصبح واضحاً لي أننا بحاجة إلى بناء تيار سياسي مرتبط بالطبقة العاملة على أساس تلك الأفكار. من خلال هذا، يمكننا بناء الحزب الذي يحتاجه العمال لتحقيق مجتمع جديد. لهذا السبب انضممت ولهذا أعتقد أنه يجب عليكم الانضمام أيضاً.
ج. دريتس
16 فبراير/شباط 2022