الرئيسية / قضايا نظرية / الحزب والتنظيم الثوري / الطبقة والحزب والقيادة: كيف ننظم ثورة

الطبقة والحزب والقيادة: كيف ننظم ثورة

لقد توقفت الرأسمالية عن دفع البشرية إلى الأمام. كان ينبغي أن تطيح الطبقة العاملة بها منذ زمن بعيد. لماذا لم تفعل ذلك حتى الآن؟ مفتاح الإجابة على هذا السؤال يكمن في دور القيادة والحزب الثوري. هذه المقالة مستندة إلى خطاب ألقاه الرفيق جوليان أرسينو في مدرسة مونتريال الماركسية الشتوية لعام 2021، التي نظمها الفرع الكندي للتيار الماركسي الأممي، ويتناول فيها الجوانب المختلفة لهذا السؤال والدروس الغنية المستفادة من حركة الطبقة العاملة العالمية.


عام 2020 قلب العالم رأساً على عقب. لقد كشف عن الإفلاس الكامل للنظام الرأسمالي في أعين الملايين من الناس. ظهر حقيقة شعار أننا “كلنا في هذا معاً” على أنه كذبة. في جميع أنحاء العالم، جاءت الأرباح قبل الاحتياجات. بينما فقد ملايين الأشخاص وظائفهم، أصبح الأغنياء أكثر ثراءً من أي وقت مضى. في الولايات المتحدة، أغنى دولة في تاريخ البشرية يعاني الملايين من الجوع.

تضاف الأزمة الاقتصادية الناجمة عن كوفيد-19 إلى أزمات العقد الضائع الماضي. منذ الأزمة السابقة في عام 2008، دمر التقشف الخدمات العامة، وشهدت أجور العمال الحقيقية ركود أو انخفاض، بينما شباب الحاضر هم أول جيل شاب يصبح أفقر من آبائه منذ الحرب العالمية الثانية.

على هذا الأساس تعود الأفكار الاشتراكية إلى الظهور. هذا العام، أصدرت مؤسسة ضحايا الشيوعية، التي لا يمكن اتهامها بالتحيز الإيجابي للماركسية، استطلاعها السنوي ووجدت أن 49 في المائة من الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و 23 عاماً (Gen Z) لديهم وجهة نظر إيجابية عن الاشتراكية بزيادة تسع نقاط عن عام 2019. وارتفع هذا الرقم بين الأمريكيين ككل من 36 في المائة إلى 40 في المائة. في بلاد المكارثية يعتقد 18٪ من الجيل اليافع (Gen Z) أن الشيوعية نظام أكثر عدلاً من الرأسمالية!

هذه الأرقام ليست مفاجئة كما قد يعتقد المرء. لم يختبر جيل الشباب، على وجه الخصوص، سوى التقشف وتدهور مستويات المعيشة والإرهاب والتدخلات الإمبريالية وتدمير البيئة. لقد مات العصر الذهبي للرأسمالية، الستينيات والسبعينيات، ودُفن. يريد المزيد من الناس أكثر من أي وقت مضى الإطاحة الثورية بالنظام الرأسمالي.

الظروف ناضجة

الحقيقة هي أن النظام الرأسمالي لطالما كان عائقاً أمام تقدم البشرية. كان من الممكن أن يتم الإطاحة به منذ فترة طويلة بواسطة ثورة بقيادة الطبقة العاملة. لماذا لم يحدث هذا بعد؟

بالتأكيد ليس بسبب الظروف الموضوعية. مما لا شك فيه أنه من الناحية الاقتصادية، فإن جميع الشروط موجودة لتلبية احتياجات الإنسان. لدينا الوسائل الكافية لإطعام جميع البشر. توجد التكنولوجيا والمعرفة لإنتاج ضرورات الحياة في وئام مع الطبيعة. تظهر الشركات الكبيرة مثل امازون و والمارت أنه من الممكن تنظيم الإنتاج والتوزيع على نطاق عالمي. يمكن استبدال العديد من الوظائف الصعبة أو الخطرة بالآلات. 

أوضح ماركس أن النظام الرأسمالي “يخلق حفاري قبره” من خلال خلق الطبقة العاملة – الطبقة التي تبني المباني من حولنا، وتنتج المواد الاستهلاكية التي نحتاجها، وتوزع السلع والخدمات. كما أوضح أن الاشتراكية ليست مجرد فكرة جيدة ظهرت في رؤوس قلة من المفكرين. لقد أظهر أنه في ظل الرأسمالية، يمكن للطبقة العاملة أن تقود النضال من أجل إقامة مجتمع اشتراكي من خلال السيطرة على وسائل الإنتاج. أوضح ماركس أن هذه الطبقة يجب أن تنظم نفسها للتغلب على مقاومة أرباب العمل والمصرفيين والمديرين التنفيذيين والسياسيين. تشكل هذه الطبقة اليوم (على عكس زمن ماركس) الغالبية العظمى من المجتمع. بمجرد أن تحتشد  بتصميم على الإطاحة بالرأسمالية، لا شيء يمكن أن يوقفها.

فلماذا لم تطيح الطبقة العاملة بالنظام الرأسمالي بطريقة ثورية بعد؟

إلقاء اللوم على العمال؟

كتب ليون تروتسكي، زعيم الثورة الروسية إلى جانب لينين، مقالة رائعة قبل وفاته بوقت قصير بعنوان “الطبقة والحزب والقيادة – لماذا هُزمت البروليتاريا الإسبانية؟” 

كما يشير العنوان، يلقي النص نظرة على الثورة الإسبانية 1931-1939 وأسباب هزيمتها. سوف ندخل في بعض تفاصيل هذه الثورة لاحقاً. يكفي القول الآن أنه على الرغم من الانتفاضات العديدة، والمبادرات العفوية من قبل العمال للسيطرة على المصانع، ومن قبل الفلاحين للسيطرة على أراضيهم، على الرغم من المنظمات النقابية القوية وتقاليد النضال الغنية، فإن الطبقة العاملة الإسبانية لم تنتزع السلطة. تأسس نظام فاشي بقيادة فرانسيسكو فرانكو في عام 1939، واستمر حتى السبعينيات.

نص تروتسكي، على الرغم من أنه نص قصير (أغُتيل تروتسكي قبل أن يتمكن من إنهائه)، لكنه غني بالدروس حول كيفية تفسير الهزائم الثورية – وكيفية الاستعداد للانتصارات. هذا النص يجب أن يقرأه كل اشتراكي في يومنا هذا.

تبدأ مقالة “الطبقة والحزب والقيادة” بجدل ضد صحيفة صغيرة تدعي أنها ماركسية، Que faire “ما العمل؟”، مقال جريدة “ما العمل؟” يفسر هزيمة الثورة الإسبانية بـ “عدم نضج” الطبقة العاملة. إذا فشلت الثورة الإسبانية، فإن الخطأ يقع على عاتق الجماهير نفسها. 

إن فكرة إلقاء اللوم على الجماهير هي فكرة شائعة جداً في الحركة العمالية اليوم. في الواقع، بالنسبة للكثيرين من اليساريين، فإن الخطأ يقع على عاتق الطبقة العاملة نفسها لأنها لم تطيح بالرأسمالية حتى الآن.

يُزعم أن الطبقة العاملة “ضعيفة جداً” لتغيير العالم. كان هذا أحد تفسيرات بعض اليساريين أثناء الثورة الفنزويلية المستمرة منذ أوائل القرن الحادي والعشرين. على الرغم من التعبئة التاريخية خلال انقلاب عام 2002، على الرغم من التصويت مراراً وتكراراً لصالح الحزب الاشتراكي بزعامة هوغو تشافيز (PSUV)، على الرغم من سيطرة العمال على أماكن عملهم، وعلى الرغم من مقاومة الانقلابات الأخرى منذ عام 2019، لا يزال هناك أشخاص يقولون إن الطبقة العاملة ضعيفة للغاية.

على سبيل المثال، في كتاب “الاقتصاد السياسي للانتقال إلى الاشتراكية”، صرح خيسوس فارياس، أحد الأعضاء البارزين في الحزب الاشتراكي الموحد الحاكم في فنزويلا (PSUV)، “يمكننا أن نقول دون خوف من الوقوع في الخطأ، أن أحد العوائق الرئيسية أمام تسارع وتيرة التطور الاجتماعي والتحولات في البلاد يكمن في الضعف التنظيمي والسياسي والأيديولوجي للطبقة العاملة، غير القادرة على لعب دورها اليوم باعتبارها القوة المحركة الرئيسية للتقدم الاجتماعي”.

يانيس فاروفاكيس، وزير المالية اليوناني السابق في حكومة سيريزا 2015، هو مثال آخر على هذا الاتجاه. في مقال نُشر عام 2013 بعنوان “اعترافات ماركسي غريب الأطوار”، أوضح أن الأزمة في أوروبا “تحبل ليس ببديل تقدمي ولكن بقوى رجعية جذرية”. لقد كان يقول هذا في نفس الوقت الذي نظمت فيه الطبقة العاملة اليونانية 30 إضراباً عاماً منذ عام 2008! ولأنه لا يثق في الطبقة العاملة ويرى فقط إمكانية “التراجع”، فقد ادعى أن الخيار الوحيد هو إنشاء تحالف واسع “يضم اليمينيين” من أجل إنقاذ الاتحاد الأوروبي، و “إنقاذ الرأسمالية من نفسها”.

يقول صحفيون ومثقفون وشخصيات يسارية أن الطبقة العاملة لا تريد التغيير ولا تنجذب إلي برنامج “يساري”. هذه هي حالة بول ماسون، الصحفي البريطاني اليساري المعروف.

في بريطانيا، مئات الآلاف من الأشخاص انضموا بحماس إلى حزب العمال عندما أصبح جيريمي كوربين، الذي عرف نفسه اشتراكياً، زعيماً للحزب في عام 2015. منذ هزيمته في الانتخابات عام 2019، لم يعد كوربين زعيماً، استعاد الجناح اليميني للحزب السيطرة تحت قيادة السير كير ستارمر، الذي بدأ عمله القذر بتطهير يسار الحزب.

يجادل ماسون، بعد هزيمة كوربين، بأنه بالنسبة “للطبقة العاملة التقليدية” في بريطانيا، فإن “أجزاء معينة من أجندة اليسار تعمل على صدهم: مثل سياسات الهجرة المفتوحة، والدفاع عن حقوق الإنسان، وسياسات الرفاهية العالمية، وقبل كل شيء مناهضة العسكرة و معاداة الإمبريالية “. سياسات الرفاهية العالمية، يا لها من كارثة! ويضيف: “هل يساعد ذلك في نسج ​ الأمل لجمهور الناخبين الذين أصيبوا بالرعب من التغيير؟”

لذا فإن المشكلة هنا هي أنه من المفترض أن العمال لا يريدون التغيير – مرعوبون من التغيير. الاستنتاج المنطقي لماسون هو دعم كير ستارمر، الزعيم المعتدل لحزب العمال البريطاني. لقد فقد ماسون إيمانه بقدرة الطبقة العاملة على تغيير المجتمع – بافتراض أنه كان لديه هذا الإيمان.

ما تشترك فيه كل هذه الأفكار هو أن العمال أنفسهم هم الذين لا يرغبون أو غير قادرين على تغيير المجتمع.

هذه الأفكار تعكس حقيقة أن هؤلاء الناس لا يثقون في قدرة الطبقة العاملة على القيام بثورة، وعلى تغيير المجتمع وإدارته بأنفسهم. يتم الترويج لهذه الأفكار من قبل مختلف الصحفيين والليبراليين والأكاديميين. ومع ذلك، فقد تسللوا أيضاً إلى الحركة العمالية من خلال البيروقراطية النقابية. يلقي قادة النقابات باللوم على العمال لأنه من المفترض أنهم لا يريدون القتال.

أزمة القيادة

بماذا يرد الماركسيون على هذه الحجج؟ لماذا لم تطيح الطبقة العاملة بالرأسمالية بعد؟

نقطة البداية للماركسيين هي الدور الأساسي للطبقة العاملة في تغيير المجتمع. ليس لدى الماركسيين أي شيء مشترك مع تشاؤم وسخرية هؤلاء المثقفين والصحفيين الذين يحتقرون الطبقة العاملة. ليس صحيحاً أن الطبقة العاملة “ضعيفة جداً” للإطاحة بالرأسمالية. الحقيقة هي أنه مرات لا تحصى في المائة عام الماضية، نهض العمال للإطاحة بمستغليهم وتغيير المجتمع. لقد فعلوا كل ما في وسعهم للقيام بذلك، في مناسبات عديدة.

لكن كل مرة تقريباً، قادة الحركة العمالية، سواء في النقابات أو الأحزاب العمالية، هم من وضعوا حداً للحركة. إنهم يقدمون تنازلات للطبقة الرأسمالية، بدلاً من محاولة الاستيلاء على السلطة. وقد أعاقت قيادة الحركة العشرات من الثورات بهذه الطريقة. في برنامجه الانتقالي، يشرح ليون تروتسكي بشكل صحيح أن “الأزمة التاريخية التي تعانيها البشرية تتلخص في أزمة القيادة الثورية“.

ومع ذلك، يجب أن نكون حريصين على عدم الوقوع في صورة كاريكاتورية لهذا الموقف. لا يدافع الماركسيون عن فكرة أن العمال مستعدون دائماً للثورة، وأنهم ببساطة ينتظرون القادة الاشتراكيين لإظهار الطريق لهم. إن القول بأن قيادة الحركة العمالية تعمل ككابح للحركة لا يعني أنه إذا كان لدينا اشتراكيون على رأس النقابات، أو لدينا فقط منظمة ثورية على رأس الحركة العمالية، فعندئذ ستندلع الثورة على الفور وتنجح تلقائياً في الإطاحة بالرأسمالية.

ليس صحيحاً أن العمال مستعدون دائماً وأبداً للقتال وينتظرون قادة جيدين فقط. إن الحركة الجماهيرية لا تندلع بإشارة من القادة. ومع ذلك، يظهر التاريخ أن هناك لحظات حاسمة في التاريخ تدخل فيها الجماهير في الصراع: هذه اللحظات هي الثورات. الأسئلة المهمة لأي ناشط يريد تغيير العالم هي: كيف يمكننا تنظيم طبقتنا، الطبقة العاملة، للإطاحة بالرأسمالية؟ ما هو دور الاشتراكيين لتحقيق ذلك؟ كيف يمكننا الاستعداد لها؟

الوعي الطبقي

الوعي الطبقي للعمال لا يتطور في خط مستقيم.

من خلال عملية تاريخية طويلة، أدرك العمال ضرورة تنظيم أنفسهم. تم إنشاء النقابات العمالية للدفاع عن العمال في النضال المستمر ضد أرباب العمل. في النهاية، أنشأ العمال منظمات وأحزاب للتعبير عن تطلعاتهم السياسية. أوضح ماركس أنه بدون تنظيم، فإن الطبقة العاملة ليست سوى مادة خام للاستغلال. من خلال تاريخها النضالي، تشترك الطبقة العاملة في السياسة من خلال النقابات أو المنظمات الأخرى. هذه العملية متفاوتة ومختلفة من بلد إلى آخر.

إن التوصل إلى استنتاج مفاده أنه من الضروري التنظيم شيء، والتوصل إلى استنتاج مفاده أنه من الضروري القيام بثورة للإطاحة بالرأسمالية هو شيء آخر تماماً. الطبقة العاملة  عندما تدخل في النضال، لا تتوصل تلقائياً إلى استنتاجات ثورية.

في الواقع، الوعي البشري ليس ثورياً، الوعي بشكل عام محافظ للغاية. يتشبث الناس بالأفكار القديمة والتقاليد والشعور بالراحة لما هو مألوف، ويريدون فقط أن يعيشوا بسلام في ظل ظروف لائقة. من يستطيع أن يلومهم على التفكير بهذه الطريقة؟ لا أحد يريد اضطرابات كبيرة في حياته. العمال لا يلتحقون بالوظائف ليضربوا عن العمل.

الثورات هي استثناءات حتمية في التاريخ. العمال ليسوا في صراع دائم، على العكس تماماً.

ومع ذلك، هناك أوقات لا يعد فيها الوضع الراهن مستداماً. الملايين من الناس سئموا. يقع التقشف على العمال. ترتفع تكلفة المعيشة في حين أن الأجور راكدة. الخدمات العامة مخصخصة. الأغنياء يزدادون ثراءً، كل هذا يحدث على مرأى من الجميع.

ليس الثوريون أو الاشتراكيون هم من يصنعون الثورات. الرأسمالية هي التي تخلق الظروف التي تجبر الملايين على الثورة. الملايين من العمال، غير المبالين في يوم من الأيام، ينزلون إلى الشوارع في اليوم التالي. وعي الأمس، الذي كان متخلفاً عن الأحداث، يلحق بالواقع بقفزة تبدو مفاجئة. حينها تحدث الثورات.

في كثير من الأحيان، تكون “الصدفة” هي بداية الثورة. انطلقت الثورات العربية 2010-2011 في تونس  نتيجة قيام بائع متجول شاب بحرق نفسه في ساحة عامة. كانت هذه هي الشرارة التي أشعلت النار. وتلا ذلك حركة جماهيرية بلغت ذروتها في الإطاحة بالديكتاتورية في تونس. ثم امتدت الحركة إلى مصر ثم إلى العالم العربي كله. الغضب الذي كان يتراكم منذ عقود كان يحتاج فقط إلى شرارة. في كل الثورات تقريباً، يمكنك أن تجد حدثاً مشابهاً.

تروتسكي في كتابه تاريخ الثورة الروسية، يوضح ما هي الثورة؟:

إن أكثر سمات الثورة التي لا تقبل الشك هي التدخل المباشر للجماهير في الأحداث التاريخية. في الأوقات العادية، ترفع الدولة، سواء كانت ملكية أو ديمقراطية، نفسها فوق الأمة، والتاريخ يصنعه متخصصون في هذا النوع من الأعمال – ملوك ووزراء وبيروقراطيون وبرلمانيون وصحفيون. لكن في تلك اللحظات الحاسمة عندما لا تستطيع الجماهير تحمل النظام القديم، فإنهم يكسرون الحواجز التي تستبعدهم من الساحة السياسية، ويكسحون ممثليهم التقليديين جانباً، ويخلقون من خلال تدخلهم الخاص الأساس الأولي لنظام جديد. سواء كان هذا جيداً أو سيئاً، نترك هذا لتقدير الأخلاقيين. نحن سوف نأخذ الحقائق كما يعطينا إياها المسار الموضوعي للتطور. إن تاريخ الثورة بالنسبة لنا هو أولاً وقبل كل شيء تاريخ دخول الجماهير بالقوة إلى عالم الحكم على مصيرهم الخاص بهم.

هذا الاقتباس يلخص تماما جوهر الثورة. إنها قبل كل شيء تدخل الجماهير، المكونة اليوم بأغلبية ساحقة من العمال، في التاريخ.

إذا نظرنا إلى المائة عام الماضية وأكثر، لن لا نجد أنه كان هناك نقص في الثورات. في الواقع، لم يمر عقد دون ثورة كبيرة واحدة على الأقل.

الثورة الروسية عام 1905 و 1917، الثورة الألمانية عام 1923 والثورة الصينية 1925-1927، الثورة الإسبانية 1931-1937 والإضرابات الجماهيرية في فرنسا عام 1936، الموجة الثورية في إيطاليا واليونان وفرنسا بين عامي 1943 و 1945 والثورة الصينية عام 1949، ثورة المجر عام 1956، مايو 1968 في فرنسا، الثورة التشيلية 1970-1973 والثورة البرتغالية في 1974، الثورة الساندينية في نيكاراغوا 1980-1983 وثورة بوركينا فاسو 1983-1987، الإطاحة الثورية بالديكتاتورية في إندونيسيا عام 1998، الثورة في فنزويلا تحت قيادة هوجو تشافيز في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، الثورات العربية عام 2011.

وتطول القائمة. التاريخ يتخلله لحظات لا تستطيع فيها الجماهير تحمل الأمر بعد الآن، وتنزل إلى الشوارع لتأخذ مصيرها بأيديها.

يمكن مقارنة الثورات بالزلازل. لا أحد يستطيع أن يتنبأ بالضبط متى سيحدث الزلزال. والزلازل لا تحدث في كثير من الأحيان. لكن يمكننا دراسة الصفائح التكتونية، ومعرفة مكان حدوث الزلزال. لا تحدث الزلازل طوال الوقت، لكنها في النهاية حتمية.

نفس الشيء مع الثورات. لا أحد يستطيع أن يتنبأ بالضبط متى ستحدث الثورة. لكن يمكننا دراسة الظروف الاقتصادية، ورؤية الغضب المتصاعد بين العمال، والتنبؤ بحقبة ثورية.

الفرق هو أن الثورة تصنع من قبل البشر. يمكننا الاستعداد لها، ويمكننا أن نلعب دورا في التأكد من انتهائها بالنصر. لكن كيف يمكننا فعل ذلك؟

العفوية؟

كيف تحدث الثورات عملياً؟ إذا كان بإمكان العمال ببساطة الإطاحة بالرأسمالية بضربة واحدة، فلن تكون هناك حاجة للتنظير حول الثورة. لن تكون هناك حاجة لمناقشة الأفكار والبرامج والتدابير الملموسة في الحركة العمالية. لن تكون هناك حاجة لإنشاء منظمات تدافع عن هذا البرنامج أو ذاك.

هناك الكثير من الحديث بين الفوضويين عن عفوية الحركات الجماهيرية. تستند معظم النظريات اللاسلطوية المختلفة تقريباً إلى فكرة أن الجماهير تستطيع بطريقة ما أن تحقق مجتمعاً لا طبقياً بشكل تلقائي. يوضح كروبوتكين، على سبيل المثال، في مقالته الأكثر شهرة عن اللاسلطوية، أن مساهمته كانت “لتوضيح كيف يمكن لمدينة كبيرة – إذا قبل سكانها الفكرة – أن تنظم نفسها على أسس الشيوعية الحرة، خلال فترة ثورية”. ومن ثم فهو يشير ضمنياً إلى أنه يمكن للعمال أن يسقطوا الرأسمالية بشكل عفوي بالثورة. ومع ذلك، لا يشرح كروبوتكين كيف أن السكان “يقبلون فكرة” الشيوعية.

لا شك أن هناك قدراً من العفوية في كل الحركات الجماهيرية وفي كل الثورات. حتى إنها من أسباب قوتها في البداية. بشكل عفوي، يتدفق ملايين الأشخاص الذين لم يشاركوا في السياسة من قبل إلى الشوارع، ويفاجئون الطبقة الحاكمة. في أغلب الأحيان، يفاجئ اندلاع الثورة حتى الثوريين. في ثورة فبراير في روسيا عام 1917، كان البلاشفة في بتروغراد متخلفين عن الأحداث لدرجة أنهم نصحوا العمال، في اليوم الأول للمظاهرات، بعدم الخروج إلى الشوارع!

لكن هل العفوية كافية للإطاحة بالرأسمالية؟ يبين التاريخ لنا أن الأمر ليس كذلك.

وفي الواقع، الحقيقة هي أنه في كل حركة وكل نضال وكل ثورة، بغض النظر عن مدى عفوية هذه الأحداث، هناك مجموعات أو أفراد يلعبون دوراً قيادياً.

سواء أحببنا ذلك أم لا، فإن جماهير العمال تعبر عن نفسها من خلال المنظمات، أو على الأقل من خلال الأفراد الذين يلعبون دور القادة بعد كسب ثقة زملائهم.

حتى في حركة تبدو عفوية، يلقي شخص ما الخطاب الذي يقنع زملاءه بالإضراب في الجمعية العامة. تقوم منظمة أو فرد بكتابة منشور يقدم للعمال أسباباً للإضراب. تأتي منظمة أو أفراد بفكرة احتلال مكان العمل. كل هذه الأفكار لا تأتي من العدم.

على العكس من ذلك، في الحركة العمالية، تمارس المنظمات أو الأفراد سلطتهم لكبح النضال. يقدم الناس أو المنظمات الحجج لوقف الإضراب. سيقول بعض الناس أنه لا يمكنكم احتلال مكان عمل لأن ذلك سيكون انتهاكاً لحقوق الملكية الخاصة لرجال الأعمال.

معركة الأفكار والأساليب هذه لا يتم حسمها مقدماً. لا يتوصل جميع العمال إلى نفس الاستنتاجات في نفس الوقت. ستدرك أقلية قبل البقية ضرورة احتلال المصانع والإضراب العام وما إلى ذلك. في الثورة، ستدرك الأقلية أن هناك إمكانية لسيطرة العمال على الاقتصاد. وظيفتهم هي التنظيم لإقناع بقية العمال. 

حتى في حركة تبدو عفوية، ستلعب المنظمات فيها دوراً رائداً في النهاية . 

كما يشرح تروتسكي في “الطبقة والحزب والقيادة”:

التاريخ هو سيرورة الصراع الطبقي. لكن الطبقات لا تحمل ثقلها الكامل تلقائياً وفي نفس الوقت. في عملية النضال، تخلق الطبقات أجهزة مختلفة تلعب دوراً مهماً ومستقلاً وتخضع للتشوهات … يمكن أن تصبح القيادة السياسية في اللحظات الحاسمة من المنعطفات التاريخية عاملاً حاسماً مثل دور القيادة العامة خلال اللحظات الحرجة للحرب. التاريخ ليس عملية أوتوماتيكية. وإلا فلماذا القادة؟ لماذا الأحزاب؟ لماذا البرامج؟ لماذا النضالات النظرية؟

تعبر الميول المختلفة للحركة العمالية عن نفسها من خلال المنظمات المختلفة. يريد الماركسيون أيضاً أن ينظموا ويؤسسوا حزباً ثورياً.

ما هو الحزب الثوري؟

مصطلح “حزب” له دلالة سلبية عند بعض شرائح الحركة العمالية والشباب. ولسبب وجيه! تقوم الأحزاب السياسية القائمة بكل شيء لدفع هذه الشرائح بعيداً. حتى الأحزاب اليسارية المزعومة، بمجرد وصولها إلى السلطة، تنحني لإملاءات البنوك وتقوم بالأعمال القذرة للرأسماليين، وأحياناً تكون أكثر شراسة من اليمين. كان هذا هو الحال مع واحدة من أحدث الحكومات اليسارية، حكومة سيريزا، في اليونان في عام 2015.

عندما يتحدث الماركسيون عن الحاجة إلى حزب ثوري، فإننا لا نفكر في آلة برلمانية. الحزب يتكون، أولاً وقبل كل شيء، من الأفكار، وبرنامج يعتمد على تلك الأفكار، وطرق تنفيذ البرنامج، وعندها فقط يتكون الهيكل، المنظمة التي يمكنها نشر البرنامج في جميع أنحاء الحركة العمالية وكسب الناس إليها.

كما أوضحنا، فإن الميل إلى التنظيم موجود بالفعل داخل الطبقة العاملة، مما يؤدي إلى تشكيل النقابات والأحزاب. يتم التعبير عن الاتجاهات المختلفة للحركة العمالية من خلال المنظمات المختلفة.

تهدف النقابات العمالية، بطبيعتها، إلى جمع أكبر عدد ممكن من العمال. من يقترح أن تشمل النقابات العمال الثوريين فقط؟ ستكون في هذه الحالة نقابات ضعيفة. لكن الحزب الثوري يتكون بشكل مختلف عن النقابات العمالية.

في “رسالة إلى أحد النقابيين الفرنسيين حول الحزب الشيوعي”، يوضح تروتسكي:

كيف يجب أن تتكون هذه المجموعة الطلائعية [الحزب]؟ من الواضح أنه لا يمكن تشكيلها من قبل مجموعة مهنية أو إقليمية. إنها ليست مسألة عمال المعادن، وعمال السكك الحديدية، ولا النجارين الحرفيين، بل هي مسألة أكثر أعضاء البروليتاريا وعياً في كل بلد. يجب عليهم أن يجتمعوا معاً، وأن يضعوا برنامج عمل محدد جيد، وأن يعززوا وحدتهم من خلال نظام داخلي صارم، وبالتالي يضمنوا لأنفسهم تأثيراً توجيهياً على كل العمل النضالي للطبقة العاملة، على جميع أجهزة هذه الطبقة، و قبل كل شيء على النقابات.

لا تتوصل كل شرائح الطبقة العاملة والشباب إلى نفس الاستنتاجات في نفس الوقت. يعتقد بعض العمال أن الرأسمالية هي أفضل نظام. آخرون لا يحبون الرأسمالية لكنهم لا يعتقدون أنه يمكن الإطاحة بها. البعض الآخر ببساطة غير مبال. لكن البعض الآخر توصل إلى استنتاج مفاده أن النضال من أجل الاشتراكية ضرورة. بعد أن فهموا ذلك، سيرغب هؤلاء بالضرورة في توجيه الحركة العمالية في هذا الاتجاه. 

بطبيعة الحال، فإن مهمة هذه الأقلية الاشتراكية (يطلق عليهم تروتسكي “الكوادر”) ستكون تنظيم أنفسهم لكسب ثقة الشرائح الأخرى من الطبقة العاملة في النضال. ستكون هذه المهمة أكثر فاعلية إذا تم تجميع هذه الأقلية في منظمة ذات برنامج مشترك.

يوضح تروتسكي في “مناقشة البرنامج الانتقالي”:

الآن، ما هو الحزب؟ على ماذا يستند تماسكه؟ هذا التماسك هو فهم مشترك للأحداث والمهام، هذا الفهم المشترك – هو برنامج الحزب. مثلما لا يستطيع العمال الحاليين العمل بدون أدوات، خلافاً للبرابرة، فإن البرنامج هو أداة الحزب. بدون البرنامج، يجب على كل عامل أن يرتجل أداته، وسيتناقض أحدهم مع الآخر.

يجب بناء البرنامج والمنظمة قبل الثورة، بالضبط مثلما يحتاج العامل لأداة مصنوعة قبل الشروع في مهمة معينة.

الثورة الإسبانية: طبقة بلا حزب أو قيادة

ماذا يحدث عندما لا تكون هناك قيادة ثورية ولا تنظيم ثوري؟ أو عندما تعيق المنظمات الموجودة الحركة؟ 

يتحدث تروتسكي في “الطبقة والحزب والقيادة” عن هزيمة الثورة الإسبانية 1931-1939. ربما يكون هذا الحدث الملهم هو المثال الأكثر مأساوية لما يحدث عندما تفعل الطبقة العاملة كل شيء للإطاحة بالرأسمالية بينما لا توجد قيادة ثورية، أو عندما ترفض المنظمات الموجودة الاستيلاء على السلطة.

ضربت أزمة الثلاثينيات إسبانيا بشدة. تم سحق الطبقة العاملة والفلاحين في الفقر المدقع. لقد قام ملاك الأراضي والرأسماليين بتخفيض ظروف معيشة الأغلبية إلى حالة بائسة من أجل الحفاظ على الأرباح. في عام 1931، في مواجهة غضب الجماهير المتزايد، اضطرت الطبقة الحاكمة للتضحية بالملكية وأعلنت الجمهورية. لكن الانتقال إلى جمهورية ديمقراطية بحد ذاته لم يفعل شيئاً لحل مشاكل الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء.

في فبراير 1936 ، بعد عامين من الحكم اليميني، أوصلت الجماهير الجبهة الشعبية إلى السلطة. كانت هذه الحكومة مكونة من اشتراكيين وشيوعيين وحزب العمال الماركسي الموحد (POUM)، حزب يدعي الماركسية لكنه يتأرجح باستمرار بين الثورة والإصلاحية، وحتى الفوضويين الذين قادوا الاتحاد النقابي الرئيسي، الاتحاد الوطني للعمل (CNT). المشكلة كانت أن هذه المنظمات العمالية ضمت الجمهوريين البرجوازيين إلى الجبهة الشعبية. وجود الأحزاب الرأسمالية أجبر الحكومة على تعديل برنامجها، وإبطاء الإصلاحات التي تخدم الفلاحين والعمال، وترك الملكية البرجوازية سليمة. بل إن حكومة الجبهة الشعبية ذهبت إلى حد قمع العمال المناضلين.

دون انتظار الإصلاحات التي وعدت بها الجبهة الشعبية، طبق العمال نظام 44 ساعة عمل في الأسبوع وزيادات في الأجور بأنفسهم، وأطلقوا سراح السجناء السياسيين الذين سجنوا في ظل الحكومة اليمينية السابقة. بين فبراير ويوليو 1936 ، شهدت كل مدينة إسبانية كبرى إضراباً عاماً واحداً على الأقل. أضرب مليون عامل في أوائل يوليو 1936.

بالنسبة للرأسماليين كان هذا جموح زائد عن اللزوم من قبل الحركة العمالية. في 17 يوليو 1936، أطلق الجنرال فرانسيسكو فرانكو صعود فاشية، بدعم كامل من رجال الأعمال الصناعيين وملاك الأراضي الإسبان. كان الهدف هو الإطاحة بالحكومة وتدمير النقابات والأحزاب العمالية، وبناء حكومة قوية حتى يتمكن الرأسماليون من إدامة استغلال العمال والفلاحين دون نضالهم المضاد المستمر. في مواجهة الانقلاب الفاشي، رفضت أحزاب الجبهة الشعبية تسليح العمال للمقاومة.

على الرغم من ذلك، وبشكل عفوي، بذل العمال كل ما في وسعهم لصد الفاشيين. أخذوا العصي وسكاكين المطبخ وأسلحتهم الأخرى التي في متناول أيديهم، وتآلفوا مع الجنود، واقتحموا الثكنات للعثور على أسلحة فعالة. بنى العمال ميليشيات حلت محل البوليس البرجوازي. بالإضافة إلى هذه الإجراءات الدفاعية “العسكرية” ضد الفاشية، اتخذ العمال إجراءات اقتصادية. في كاتالونيا، كان قطاع النقل والصناعات في أيدي اللجان العمالية ولجان المصانع بشكل كامل تقريباً. إلى جانب الحكومة المركزية في مدريد وحكومة كاتالونيا، ظهرت سلطة أخرى للوجود، سلطة العمال.

لكن ماذا حدث بعد ذلك؟ قيادة جميع المنظمات – الاشتراكيون والشيوعيون وحزب العمال الماركسي والأناركيين في الاتحاد الوطني للعمل – أعاقت الحركة. في كتالونيا شاركوا في تفكيك اللجان العمالية. كان الاشتراكيون والشيوعيون هم الطليعة في مطالبة العمال بالعودة إلى ديارهم، وعدم الاستيلاء على المصانع، والسماح للحكومة البرجوازية بقيادة الكفاح ضد الفاشية. تذيل حزب العمال الماركسي الموحد المنظمات الأخرى، ودخل الحكومة البورجوازية الكتالونية في خريف عام 1936، وأقر سياسات تهدف إلى كبح جماح الثورة.

من الأمور ذات الأهمية الخاصة موقف القادة الأناركيين للاتحاد الوطني للعمل. خلال هذه الفترة، تفاخر الاتحاد بأنه كان بإمكانه الاستيلاء على السلطة: “إذا كنا نرغب في الاستيلاء على السلطة، لكنا أنجزنا ذلك في مايو [1937] على وجه اليقين. لكننا ضد الدكتاتورية”.

لأنهم كانوا فوضويين وبالتالي ضد السلطة بشكل عام، رفض قادة الاتحاد ترسيخ الديمقراطية العمالية التي ولدت. ضاعت الفرصة. لكن هؤلاء الفوضويين أنفسهم، بعد أن رفضوا الاستيلاء على السلطة باسم الطبقة العاملة، انضموا لاحقاً إلى الحكومة البرجوازية في كاتالونيا! لا يمكن لأحد التوفيق بين هذه الأفعال.

كان العمال محبطين تماماً. انتهت هذه القصة المأساوية بانتصار فرانكو والفاشيين في الحرب الأهلية التي استمرت بين عامي 1936 و 1939.

لماذا هُزمت الثورة الإسبانية؟ 

قام العمال بشكل تلقائي بدفع الفاشيين إلى الوراء وسيطروا على أماكن العمل، وخاصة في كاتالونيا. العمال كانوا يتحركون في الاتجاه الصحيح. لكن قادة المنظمات العمالية كبحوا حركة الجماهير ووضعوا لها حدوداً. كما يوضح تروتسكي في “الطبقة والحزب والقيادة”، في مثل هذه الحالة ، ليس من السهل على الطبقة العاملة أن تتغلب على نزعة قادتها المحافظة. يجب أن يكون البديل موجوداً بالفعل: 

لا يجب على المرء أن يستنتج على الإطلاق في مجال العلاقات المتبادلة بين الطبقة والحزب، بين الجماهير والقادة، العبارة الجوفاء المكررة التي تقول بأن الجماهير الإسبانية قد اتبعت قادتها وفقط. الشيء الوحيد الذي يمكن قوله هو أن الجماهير التي سعت في جميع الأوقات إلى شق طريقها إلى وجهتها الصحيحة وجدت أنه يفوق قوتها أن تنتج في نيران المعركة قيادة جديدة تتوافق مع متطلبات الثورة. أمامنا عملية ديناميكية عميقة، مع انتقال بين مختلف مراحل الثورة بسرعة، مع انتقال القيادة أو الأقسام المختلفة للقيادة بسرعة إلى جانب العدو الطبقي.

و يضيف:

لكن حتى في الحالات التي كشفت فيها القيادة القديمة عن فسادها الداخلي، لا يمكن للطبقة أن ترتجل على الفور قيادة جديدة، خاصة إذا لم ترث من الفترة السابقة كوادر ثورية قوية قادرة على استغلال انهيار الحزب القيادي القديم.

ليس تاريخاً قديماً

إن الثورة الإسبانية بعيدة كل البعد عن كونها مثالاً منعزلاً أو مثالاً ينتمي إلى الماضي. 

عام 2019 اجتاحت موجة ثورية أمريكا اللاتينية وشمال إفريقيا والشرق الأوسط. شهدت تشيلي والإكوادور وكولومبيا والعراق ولبنان والجزائر والسودان إضرابات عامة وحركات جماهيرية أو ثورات. وفي كل مكان طرح سؤال القيادة الثورية نفسه، وترك غياب الإجابة بصماته على الأحداث.

حالة السودان ملفتة للنظر بشكل خاص. في ديسمبر 2018، اندلعت حركة جماهيرية ضد الديكتاتور عمر البشير. دفع الفقر المدقع والتقشف الذي يفرضه صندوق النقد الدولي والبطالة الهائلة الجماهير إلى الشوارع. حتى أن الثوار أقاموا اعتصاماً جماهيرياً في العاصمة الخرطوم.

أوضح مقال في فاينانشيال تايمز أن:

لا يمكن للمرء أن يعرف على وجه اليقين كيف شعرت روسيا في عام 1917 أثناء الإطاحة بالقيصر، أو فرنسا في عام 1871 في الأيام المثالية لكومونة باريس التي لم تدم طويلاً. لكن لا بد أنهم شعروا بشيء مثل الذي شعرت به الخرطوم في أبريل 2019.

كانت هذه ثورة حقيقية! في أبريل، أُجبرت الطبقة السائدة على الإطاحة بالديكتاتور. تم تشكيل لجنة عسكرية انتقالية لضمان احتفاظ الجيش بالسلطة.

كان التنظيم الرئيسي وراء الاحتجاجات هو تجمع المهنيين السودانيين. دعا هذا التجمع إلى التظاهر، ثم دعا إلى إضراب عام نهاية مايو، للمطالبة بتخلي الجيش عن السلطة. أصابت هذه الإضراب البلاد بالشلل التام.

في أوائل يونيو، أرسل النظام ميليشيات لقمع اعتصام الخرطوم. وبدلاً من إخافة العمال السودانيين، نظم تجمع المهنيين السودانيين إضراباً عاماً آخر، مما أدى إلى شل البلاد مرة أخرى. وتشكلت لجان المقاومة.

هنا كان هناك فرصة حقيقية للعمال لتولي السلطة، للسيطرة على الاقتصاد. لكن بدلاً من ذلك، دعا تجمع المهنيين السودانيين إلى إنهاء الإضراب. ثم تفاوض مع المجلس العسكري على اتفاق لفترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات قبل إجراء الانتخابات. نتيجة لذلك، الآن وبعد عامين، لا يزال الجيش في السلطة والبؤس مستمر.

ما الذي كان ينقص السودان؟ خاض العمال إضرابين عامين، واعتصموا رغم القمع، وشكلوا لجان قاعدية لتنظيم الحركة. قام العمال بكل ما في وسعهم. كان بإمكانهم الاستيلاء على السلطة.

لكن المنظمة الرئيسية التي كانت تتمتع بالنفوذ بين الجماهير ساومت الجيش بدلاً من تولي السلطة. كما أوضحنا من قبل، في مثل هذه الحالة لا يمكنك ابتكار منظمة جديدة على الفور.

شئنا أم أبينا، القيادة هي حقيقة من حقائق الحياة. لا يمكن الهروب من الحاجة إلى التنظيم. بينما تتولى القيادة الخاطئة الحركة العمالية، بينما تعيق منظمات الطبقة العاملة الحركة، فإن المهمة المطروحة هي بناء بديل مقدماً – حزب ثوري حقيقي.

الثورة الروسية عام 1917

عند مناقشة دور الحزب الثوري، من المستحيل تجاهل الثورة الروسية عام 1917. 

لم يكرس الماركسيون الكثير من الوقت لدراسة هذه الثورة عبثاً. لأول مرة في التاريخ، باستثناء الحلقة القصيرة لكومونة باريس عام 1871، استولى العمال والمضطهدين على السلطة وأطاحوا بالرأسمالية واتخذوا الخطوات الأولى نحو إقامة ديمقراطية عمالية ومجتمع اشتراكي. لبناء انتصارات المستقبل، يجب على الثوريين دراسة انتصارات الماضي.

لم يحدث انتصار العمال الروس في أكتوبر 1917 من تلقاء نفسه.

في فبراير 1917، عصفت الحرب العالمية الأولى بروسيا. لم يعد العمال والفلاحون الذين يرتدون الزي العسكري في الجبهة يريدون القتال من أجل قضية لا تخصهم. كان العمال في المصانع وعائلاتهم يتضورون جوعاً. لم يعد الوضع الراهن حينها قابلاً للاستمرار. بمبادرة من العاملات في بتروغراد، أضرب عمال المدينة، وبعد أسبوع من التعبئة الجماهيرية، أُجبر القيصر على التنازل عن العرش.

تم تشكيل سوفييت بتروغراد، في خضم الصراع، ثم انتشرت السوفييتات في جميع أنحاء روسيا. كانت السوفييتات عبارة عن لجان إضراب موسعة، بدأت في السيطرة على سير المجتمع. في الواقع، لقد كانت السلطة في أيديهم.

لكن إلى جانب السوفيتات، رتبت البرجوازية لتشكيل حكومة مؤقتة، كانت تحرص على عدم سقوط الرأسمالية. استمرت حالة “ازدواجية السلطة” تلك حتى أكتوبر 1917.

بين فبراير وأكتوبر، من خلال تقلبات الثورة، أظهرت الحكومة المؤقتة أنها لا تنوي تلبية مطالب الجماهير: السلام، الخبز للعمال، والأرض للفلاحين. 

داخل السوفييتات، حظيت الأحزاب الإصلاحية في ذلك الوقت، الاشتراكيون الثوريون والمناشفة، بثقة غالبية العمال والفلاحين خلال الأشهر الأولى للثورة، واستخدمت تلك الأحزاب مواقعها لجعل السوفييتات تدعم الحكومة المؤقتة البرجوازية. حتى أن قادتهم اشتركوا في هذه الحكومة. اعتقد المناشفة والاشتراكيون الثوريون أنه “من السابق لأوانه” استيلاء الطبقة العاملة على السلطة، وأنه ينبغي السماح للبرجوازية بأن تحكم، وأن النضال من أجل الاشتراكية سيأتي لاحقاً.

مع مرور الأشهر، وجد المناشفة والاشتراكيون الثوريون أنفسهم فقدوا مصداقيتهم تماماً في أعين العمال والجنود والفلاحين. لكن لحسن الحظ، كان هناك بديل. تحولت الجماهير نحو البلاشفة بقيادة لينين وتروتسكي. بعد أن أمضوا شهوراً يشرحون بصبر أنه من الضروري والممكن الاستيلاء على السلطة وانتزاعها من أيدي البرجوازية، وبعد أن كسبوا ثقتهم، تمكن البلاشفة من توجيه الطاقة الهائلة ومبادرة الجماهير نحو النصر في أكتوبر 1917.

لينين والحزب البلشفي

مع الثورة الروسية، ولأول مرة في التاريخ، استولى العمال على السلطة وتمكنوا من الحفاظ عليها. لماذا نجحوا في حين فشلت حركات أخرى كثيرة؟

لا يمكن تفسير ذلك ب”نضج” العمال الروس مقارنة بالعمال الإسبان في الثلاثينيات، على سبيل المثال. ليس الأمر أن العمال الروس كانوا أكثر قتالية من الإسبان. كما لم يكن أن العمال الروس كانوا أكثر ذكاءً بشكل خاص، أو أي شيء من هذا القبيل. كان الاختلاف هو وجود الحزب البلشفي.

لم يخلق البلاشفة الثورة الروسية. على الرغم من أن النشطاء البلاشفة قد لعبوا دوراً في فبراير، إلا أن الرأسمالية، بسبب الوضع الكارثي للبلاد، هي التي خلقت المزاج القتالي لدى الجماهير. يشرح تروتسكي ذلك في كتابه تاريخ الثورة الروسية : “إنهم يتهموننا بخلق مزاج الجماهير. هذا خطأ، لقد حاولنا فقط صياغته”.

هذا هو بالضبط دور المنظمة الماركسية: أن تصوغ بوعي ما يفهمه العمال بطريقة شبه واعية أو غير واعية.

لكن الحزب البلشفي لم يظهر بشكل عفوي في عام 1917. لا يمكنك تغيير العالم بين عشية وضحاها. يتطلب بناء حزب ثوري وقتاً وطاقة.

بدأ الماركسيون الروس عملهم في ثمانينيات وتسعينيات القرن التاسع عشر من خلال إنشاء مجموعات صغيرة معزولة نظمت حلقات نقاش حول أساسيات الماركسية. تأسس حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي (RSDLP) رسمياً في عام 1898. حدث الانقسام بين البلاشفة والمناشفة في عام 1903، حيث أصبحا فصيلين داخل حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي. كان البلاشفة عنيدون في دفاعهم عن الماركسية، وافترقوا عن المناشفة نهائياً في عام 1912، ليصبحوا حزباً مستقلاً.

نسمع أحياناً اليوم أن على اليسار أن يتحد ببساطة وأن يضع خلافاته جانباً. يسألوننا لماذا يوجد الكثير من المنظمات الاشتراكية أو اليسارية؟ لماذا يشدد التيار الماركسي الأممي كثيراً على النظرية الماركسية؟ الحقيقة هي أنه إذا اتحدت المجموعات دون اتفاق حقيقي، فهذه وصفة للشلل. ستظهر الاختلافات النظرية في كل قضية مهمة، ولن تتمكن تلك المنظمة “الموحدة” من المضي قدماً. إذا وجد شخصين يجدفان في اتجاهين متعاكسين سيدور القارب في دوائر لا تنتهي، بينما أن يجدف شخص واحد سيتمكن من التحرك إلى الأمام. 

يجب أن تقوم أي مجموعة سياسية على حتى ولو قدر من النظرية. هذا هو أحد الدروس الأكثر قيمة في تاريخ البلشفية. كما أوضح لينين في وقت مبكر من عام 1900: 

قبل أن نتمكن من الاتحاد، ومن أجل أن نتحد، يجب علينا أولاً وقبل كل شيء رسم خطوط فاصلة ثابتة ومحددة. وإلا فإن وحدتنا ستكون خيالية بحتة، وستخفي الارتباك السائد وتعيق القضاء عليه جذرياً. لذلك، من المفهوم أننا لا ننوي جعل منشوراتنا مجرد مخزن لوجهات نظر مختلفة. على العكس من ذلك، يجب أن نتصرف بروح تيار محدد بدقة. يمكن التعبير عن هذا التيار بكلمة: الماركسية.

على مدى عشرين عاماً قبل الثورة، بنى الماركسيون في الحزب البلشفي بصبر منظمة قائمة على برنامج مشترك، لتعليم النشطاء مسبقاً أفكار الماركسية، بهدف لعب دور قيادي في الحركة العمالية. تعتبر دراسة النظرية والتاريخ ضرورية لبناء منظمة ثورية اليوم.

لو تُرِك المناشفة والاشتراكيون الثوريون بأجهزتهم الخاصة، لكانوا قادوا الثورة إلى الهزيمة. لحسن الحظ، كان هناك بديل مع البلاشفة، الذين كسبوا العمال خلال عام 1917، على أساس تجربة الجماهير ذاتها بين فبراير وأكتوبر. هذا ما شرحه تروتسكي في “الطبقة والحزب والقيادة”:

فقط بالتدريج ، فقط على أساس خبرتهم الخاصة عبر عدة مراحل، يمكن للفئات العريضة من الجماهير أن تقتنع بأن القيادة الجديدة أقوى وأكثر موثوقية وأكثر ولاءً من القيادة القديمة. من المؤكد أنه خلال الثورة، أي عندما تتحرك الأحداث بسرعة، يمكن للحزب الضعيف أن يتطور بسرعة إلى حزب عظيم شريطة أن يفهم بوضوح مسار الثورة ويمتلك كوادر قوية لا تثمل بالعبارات ولا ترهب من الاضطهاد. لكن مثل هذا الحزب يجب أن يكون موجوداً قبل الثورة، لأن عملية تثقيف الكوادر تتطلب فترة زمنية طويلة والثورة لا تمنح هذا الوقت.

في روسيا، كان هذا الحزب موجوداً في وقت مبكر. كان هناك 8000 بلشفي في فبراير 1917، وبحلول وقت الاستيلاء على السلطة في أكتوبر، بناءً على منظور سياسي صحيح، وصلوا إلى 250 ألف عضو.

دور القيادة داخل الحزب

لكن كيف توصل البلاشفة إلى منظور سياسي صحيح؟ هل الحزب في حد ذاته كاف؟

لم يكن صعود البلاشفة إلى السلطة خطاً مستقيماً. لا يعلم الجميع أنه في مارس وأبريل 1917 ، لم يكن لدى قيادة الحزب البلشفي أي نية للقتال من أجل السلطة. مع استمرار لينين وتروتسكي في محاولة شق طريقهما من المنفى إلى روسيا، كان ستالين و كامينيف قادة البلاشفة الرئيسيين الموجودين في بتروغراد في ذلك الوقت. تحت قيادتهم، دافعت جريدة “برافدا” البلشفية بشكل أساسي عن سياسة المناشفة: أنه “من المبكر” للعمال أن يستولوا على السلطة.

بعض النشطاء القاعديين في الحزب البلشفي رفضوا هذه الأفكار. نظراً لكونهم نشطين على الأرض، فقد رأوا أنه من الممكن والضروري للعمال الاستيلاء على السلطة من خلال السوفييتات. في الواقع، كانت السوفييتات هي التي تحكم البلاد، لكن كان لا يزال يتعين عليها تعزيز سلطتها. ولكن ما الذي يمكن أن يفعلوه للرد على الحجة القائلة بأنه “من المبكر جداً” الاستيلاء على السلطة؟

كما يشرح تروتسكي في كتابه تاريخ الثورة الروسية : “هؤلاء العمال الثوريون يفتقرون فقط إلى الموارد النظرية للدفاع عن موقفهم. لكنهم كانوا على استعداد للاستجابة إلى نداء واضح يوجه لهم”.

جاء هذا النداء مع عودة لينين إلى روسيا في أبريل 1917. في تلك اللحظة، كان لينين حاسم: يمكن للطبقة العاملة، المتحالفة مع الفلاحين الفقراء، الاستيلاء على السلطة من خلال السوفييتات. ليس فقط لتحرير الفلاحين، وإحلال السلام وجلب الخبز إلى العمال، ولكن لتبدأ المهام الاشتراكية وتبدأ الثورة الاشتراكية العالمية.

في أبريل 1917، كان لينين القائد الوحيد في الحزب البلشفي الذي دافع عن هذا المنظور (لم يكن تروتسكي قد وصل بعد إلى روسيا، وانضم إلى الحزب في يوليو). ولكن بسبب نفوذه الشخصي الهائل، وخاصة بسبب حقيقة أن سياسته تتوافق مع تجربة المناضلين البلاشفة في القاعدة، نجح لينين في جعل الحزب يتبنى وجهة نظره في مؤتمر الحزب البلشفي الذي عقد في أواخر أبريل. منذ تلك اللحظة، وضع الحزب البلشفي، تحت قيادة لينين، لنفسه هدفاً واضحاً وهو أن يشرح للعمال بصبر ضرورة استيلاء السوفييتات على السلطة. 

ماذا كان سيحدث لو لم يتمكن لينين من الوصول إلى روسيا؟ الوقت عامل رئيسي في الثورة. ربما كان من الممكن أن القادة البلاشفة الآخرين سيفهمون الحاجة إلى سلطة السوفييتات، لكن ليس هناك ما يشير إلى أنهم كانوا سيفهمونها في الوقت المناسب، بينما كان العمال لا يزالون محتشدين. لا يمكن للطبقة العاملة أن تظل في صراع دائم. في مرحلة ما، إما أن تفوز الثورة، أو يبدأ الشك واللامبالاة في الظهور. إذا لم يتدخل لينين في عام 1917، فإن قيادة الحزب البلشفي كانت، على الأرجح، ستضيع فرصة الاستيلاء على السلطة. لذلك لا يكفي أن يكون لدينا حزب. يجب أن يكون لهذا الحزب قيادة تعرف إلى أين تتجه. 

لا يمكن القيام بثورة اشتراكية وضمان انتصارها بدون مشاركة الطبقة العاملة. لكن يجب أن يكون لهذه الطبقة حزب. ويجب أن يكون لهذا الحزب قيادة تعرف ماذا تفعل. هذه المكونات الثلاثة هي مفتاح نجاح الثورات المستقبلية.

دور الفرد في التاريخ

قد يتساءل المرء عند مقارنة إسبانيا وروسيا: أليس مجرد حظ أن الطبقة العاملة الروسية تمكنت من أن تعتمد على شخص مثل لينين؟ ألم يكن يتطلب الأمر مجرد لينين إسباني، ويصبح كل شيء على ما يرام؟ 

بادئ ذي بدء، لم يولد لينين نفسه لينين الذي نعرفه: لقد كان، إلى حد ما، نتيجة للحركة العمالية الروسية. كان لينين نتيجة بناء حزب ثوري، ساهم بشكل كبير في بنائه. بدون الحزب، لم يكن لينين لينشر أفكاره في عام 1917 ولما استطاع أن يلعب الدور الذي قام به. ولكن في نفس الوقت، جاء نفوذ لينين في حزبه من حقيقة أنه أمضى ما يقرب من 25 عاماً في بنائه بصبر.

يلخص تروتسكي هذه الأفكار تماماً في “الطبقة والحزب والقيادة”:

كان لينين عاملاً هائلاً في نضج البروليتاريا الروسية في فبراير أو مارس 1917. لم يسقط من السماء. كان تجسيد للتقليد الثوري للطبقة العاملة. لكي تجد شعارات لينين طريقها إلى الجماهير، كان لابد من وجود كوادر، على الرغم من قلة عددها في البداية، كان لا بد من وجود ثقة عند الكوادر في القيادة، ثقة تستند إلى كامل تجربة الماضي، دور ومسؤولية القيادة في عصر ثوري ضخم.

وبالمثل في تاريخ الثورة الروسية :

لم يكن لينين عنصراً عرضياً في التطور التاريخي، بل كان نتاجاً للتاريخ الروسي بأكمله. كان متأصلاً فيه بأعمق الجذور. إلى جانب طليعة العمال، عاش نضالهم خلال ربع القرن السابق. لم يعارض لينين الحزب من الخارج، بل كان هو نفسه تعبيره الأكثر اكتمالاً. أثناء تعليم الحزب كان يعلم نفسه في نفس الوقت.

لم تأت القيادة الثورية التي وفرها لينين والبلاشفة من فراغ. لقد كانت نتيجة ربع قرن من العمل الصبور في بناء منظمة. في بناء الحزب لينين أصبح لينين كما نعرفه. كما أصبح الآلاف من البلاشفة الآخرين، من خلال بناء الحزب، قادة للحركة العمالية. تتلخص هذه الحقيقة في العبارة القائلة بأنه في عام 1917، كان بإمكان بلشفي واحد في مصنع ما أن يكسب جميع زملائه لبرنامج الحزب. جاء هذا النفوذ من كل العمل السابق لبناء الحزب. بناء الحزب، ديالكتيكياً، بنى هؤلاء الأفراد الذين لعبوا دوراً كبيراً لاحقاً.

الثورة الروسية مثال واضح على دور الفرد في التاريخ. إن بناء منظمة ثورية، جهد جماعي، يجعل من الممكن تكوين أفراد يمكنهم لعب دور حاسم في الحركة. الكل أكبر من مجموع أجزائه، وبناء الكل يقوي أجزائه! يجب أن نتعلم من هذا اليوم، ونكرر ما فعله البلاشفة.

من المأساوي أن مصيراً مختلفاً كان ينتظر الماركسية العظيمة روزا لوكسمبورغ خلال نفس فترة البلاشفة. بينما قضت حياتها في محاربة البيروقراطية الإصلاحية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني (SPD)، لم تقم لوكسمبورغ ببناء فصيل ثوري منظم داخل الحزب، كما فعل لينين في حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي (RSDLP) مع البلاشفة. تم تأسيس رابطة سبارتاكوس عام 1916، وكانت عبارة عن شبكة لامركزية أكثر من كونها منظمة ثورية.

عندما اندلعت الثورة الألمانية في تشرين الثاني/نوفمبر 1918، لم يكن للعصبة صلة تذكر بالجماهير. في ديسمبر، حولت العصبة نفسها إلى الحزب الشيوعي. لكن منذ البداية استشري في الحزب عصبوية أعاقته بشكل خطير. رفض نشطاء الحزب العمل في النقابات العمالية، وقاطع الحزب انتخابات مجلس الأمة مما كان سيعطيه فرصة ليكون له منبر لنشر أفكاره. في هذا الحزب الشيوعي الشاب، عارضت روزا لوكسمبورغ هذه السياسة اليسارية المتطرفة. لكنها لم يكن لديها مجموعة من الكوادر الذين يفهمون الوضع السياسي كما تفهمه ويستطيعون حمل أفكارها. ارتكب الحزب الشيوعي الخطأ تلو الآخر. 

في يناير 1919، دعت الحكومة الاشتراكية الديمقراطية الطبقة العاملة في برلين من أجل عزل وقمع العمال المتقدمين، وعلى رأسهم الحزب الشيوعي. سقطت قيادة الحزب الشيوعي، عديمة الخبرة وغير المنظمة، في فخ هذا الاستفزاز. خلال تلك الأحداث، قُتلت روزا لوكسمبورغ، مع القائد البارز الآخر كارل ليبكنخت. وهكذا، فإن عدم قيام روزا لوكسمبورغ ببناء حزب ثوري مقدماً أدى إلى هزيمة مأساوية وموتها، مما أدى إلى قطع رأس قيادة الطبقة العاملة الألمانية. بعد ذلك، من عام 1919 إلى عام 1923، لم يتمكن الحزب الشيوعي، الذي حُرم من قيادة شخصيتين رئيسيتين، من قيادة الطبقة العاملة الألمانية إلى السلطة. تعمل الثورتان الروسية والألمانية على التأكيد على نفس النقطة، وإن كان ذلك من زاويتين مختلفتين: الحاجة الحيوية لقيادة ثورية.

قبل أيام قليلة من اغتيالها، توصلت روزا لوكسمبورغ إلى استنتاجات من الأشهر الأولى للثورة الألمانية. إن استنتاجتها بعيدة كل البعد عن “العفوية” التي ينسبها إليها أتباعها المزعومون اليوم:

إن غياب القيادة، وعدم وجود مركز مسؤول عن تنظيم الطبقة العاملة في برلين، لا يمكن أن يستمر. إذا كان سبب الثورة هو التقدم، إذا كان يمكن انتصار البروليتاريا، إذا أريد للاشتراكية أن تكون أكثر من مجرد حلم، يجب على العمال الثوريين أن ينشئوا منظمات قيادية قادرة على توجيه واستخدام الطاقة النضالية للجماهير.

قيادة الحركة اليوم

ليس سراً أن الحركة الماركسية في جميع أنحاء العالم قد تراجعت طوال فترة تاريخية كاملة. أرسى ازدهار ما بعد الحرب العالمية الثانية أسس الإصلاحية في الغرب، في حين رافق سقوط الاتحاد السوفيتي هجوم أيديولوجي غير مسبوق ضد الماركسية. حتى أن الأكثر طنانة، مثل فرانسيس فوكوياما، أعلنوا “نهاية التاريخ”، والتي كان من شأنها أن تجد إنجازها في الديمقراطية الليبرالية. 

كما شهدت الحركة العمالية انتكاسات خلال الثمانينيات والتسعينيات، في حين كانت السبعينيات فترة حركات وثورات جماهيرية. خلال العقود التي تلت ذلك، انتقلت قيادة الحركة العمالية لليمين. 

في كيبيك (كندا)، على سبيل المثال، في الثمانينيات من القرن الماضي، توقف صندوق التضامن (FTQ)، أكبر نقابة مركزية في المقاطعة، عن الحديث عن “الاشتراكية الديمقراطية”، وتخلت ثاني أكبر نقابة، اتحاد النقابات الوطنية (CSN)، عن الأفكار المناهضة للرأسمالية التي تم التعبير عنها في بيان “نعتمد فقط على وسائلنا الخاصة”. في كثير من الأحيان يوجد اليوم في قمة الحركة العمالية قادة يتعاونون مع أرباب العمل بدلاً من حشد أعضائهم. قال الرئيس الحالي لاتحاد النقابات الوطنية (CSN)، على سبيل المثال، بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيس نقابة أرباب العمل (Conseil du patronat)، مركز برجوازية كيبيك: “أحيانا نختلف ويكون لدينا وجهات نظر مختلفة، لكننا نتوافق جيداً عندما يتعلق الأمر بتعزيز التوظيف، وتعزيز ظروف العمل الجيدة وضمان النمو الاقتصادي في كيبيك”. هذا أبعد ما يكون عن مثال معزول. هذه هي حالة قيادة الحركة العمالية اليوم.

أحد أهم الهجمات على الماركسيين، في الحركة العمالية، هو الكاريكاتير الذي يصورنا نقول أنه إذا كانت هناك قيادة ثورية، فسيظل العمال دائماً في حالة نضال، ومستعدون دائماً للقتال. وفقاً لهؤلاء الأشخاص، فإننا ننتقد قادة النقابات كما لو كان من الممكن للقادة أن يحدثوا حركات جماهيرية بطريقة سحرية.

هذه الفكرة هي صورة كاريكاتورية كاملة للتحليل الماركسي للعلاقة بين الطبقة العاملة وقيادتها.

كما أوضحنا من قبل، فإن العمال ليسوا في صراع دائم. الثورات هي استثناءات تاريخية تنشأ حتماً من الصراع الطبقي نفسه. لكن ماذا يحدث قبل الثورة؟ ماذا يجب أن يكون دور قيادة الحركة العمالية عندما لا يكون الوضع ثورياً – أي في معظم الأوقات؟

الطبقة العاملة ليست متجانسة. حتى يوم الثورة، ستكون هناك شرائح لا مبالية، وشرائح متشككة، بينما سيرغب آخرون في محاربة هجمات أرباب العمل. إن الصفة المتناقضة وغير المتجانسة للوعي الطبقي هي حقيقة ليس لدينا خيار سوى التعامل معها.

لا يملك قادة النقابات القوة السحرية لإحداث حركة. لكن الدور الذي يمكن أن تلعبه القيادة الجيدة في الصراع الطبقي هو إعداد الصفوف، ووضع خطة عمل، وتثقيف أعضاء النقابة من أجل إحداث حركة جماهيرية. لا، ليس من الممكن تنظيم حركة بطريقة سحرية. لكن نعم، من الممكن تثقيف العمال حول الحاجة إلى هذا المطلب أو ذاك، لهذا الأسلوب أو ذاك من النضال.

يمكن العثور على مثال ممتاز لما يمكن أن تحققه القيادة السياسية الجيدة في إضراب الطلاب لعام 2012 في كيبيك، كندا. في عام 2010، ألمحت حكومة كيبيك الليبرالية إلى أنه سيتم رفع الرسوم الدراسية. بالفعل، بدأ الطلاب النشطاء في التنظيم. في مارس 2011 ، تم الإعلان رسمياً عن زيادة الرسوم الدراسية بنسبة 75٪، ليتم تنفيذها في خريف عام 2012.

أمضت قيادة جمعية تضامن اتحاد الطلاب (ASSÉ)، وهو الاتحاد الطلابي الأكثر راديكالية في ذلك الوقت، عام 2011 في تثقيف الطلاب حول ما تعنيه الزيادة في الرسوم الدراسية، وحشدت الطلاب بخطة واعية لتنظيم إضراب عام مفتوح. بعض نشطاء (ASSÉ)، وكثير منهم لديهم ميول أناركية، لن يعجبهم بالتأكيد مصطلحات “القيادة” أو “القادة” المرتبطة بهم، لكن لا يمكن تغيير الواقع من خلال تغيير الاسم – لقد لعبوا بالتأكيد دورا قيادياً، وقاموا به بشكل جيد!

مع الخطة الواعية لتنظيم الإضراب، ولأن أساليب النضال هذه كانت ما احتاجته الحركة في مواجهة حكومة غير مرنة، نظمت قيادة (ASSÉ) أكبر إضراب طلابي في تاريخ أمريكا الشمالية.

إن لعب دور قيادي لا يتعارض بأي حال من الأحوال مع المشاركة الشعبية الكاملة. على العكس من ذلك، ما حدث هو نتيجة لقيام قيادة (ASSÉ) بتوفير التوجيه، وتثقيف الآلاف من النشطاء حول الحاجة إلى محاربة الزيادة، وإطلاق العنان للروح القتالية والإبداع لمئات الآلاف من الطلاب المشاركين في الحركة عبر كيبيك.

يوضح مثال الإضراب الطلابي دور القيادة الجيدة. إن إظهار الطريق إلى الأمام يخلق الظروف لآلاف الأشخاص للمشاركة بنشاط في النضال. من المؤكد أن قادة (ASSÉ) قد ارتكبوا بعض الأخطاء. في صيف عام 2012، عندما أعلن الليبراليون إجراء انتخابات، رفضوا دعم حزب تضامن كيبيك (Québec solidaire)، الحزب الرئيسي الوحيد الذي يدعم التعليم المجاني، وتجاهلوا الانتخابات بشكل كامل، بينما أنهى معظم الطلاب الإضراب واوقفوا القتال من أجل طرد الليبراليين. لقد قمنا بتحليل العملية برمتها من قبل. لكن هذا الخطأ لا ينتقص من الدرس الرئيسي: الحاجة إلى القيادة.

إن مسألة القيادة هي قضية ملحة في الحركة العمالية وفي النقابات العمالية حول العالم. كم مرة نسمع أن العمال هم من لا يريدون النضال؟ لا يمكنك تنظيم إضراب بإشارة من إصبعك؟ في كيبيك، كانت نقابات القطاع العام في مفاوضات منذ أكثر من عام. حكومة تحالف من أجل كيبيك اليمينية (CAQ) لن تتزحزح وستقدم ظروفاً سخيفة لعمالها. بينما تتجه بعض نقابات المعلمين نحو إضراب شامل، صوتت نقابات أخرى على تفويضات مدتها خمسة أيام فقط، ليتم تنفيذها “في الوقت المناسب”. لقد انتقدنا هذا الوضع من قبل. في اجتماع عام نظمته حركة “نضال العمال” في كيبيك، أوضح رئيس محلي لإحدى هذه النقابات بتفويض من الإضراب لمدة خمسة أيام وجهة نظره حول دور قيادة النقابة على النحو التالي: 

ليس علينا [قيادة النقابة] أن نقرر [الإضراب]، بل على أعضائنا، ويمكنهم أن يقرروا ما إذا كنا سنبلغهم … في FSE [الاتحاد] كان بإمكاننا الدعوة إلى الإضراب الشامل، لكن في النقابات المحلية لم أرى أي مندوب يقول “دعونا نذهب للإضراب الشامل”… علينا أن نتشارك المعلومات، فنحن دمى عندما نكون [قادة] نقابيين، فنحن لسنا أولئك الذين يجب أن يخبروا الناس بما يجب عليهم فعله … في الجمعية العامة المحلية، إذا جاء أحدهم وقال “أريد إضرابا شاملاً”، أود ذلك، أعتقد أني سأنفجر فرحاً.

هذا المنطق، وقد تم أخذه إلى حدوده القصوى، موجود في جميع أنحاء الحركة. وفقاً لهذا المنطق، إذا كان العمال لا يتحدثون عن إضراب شامل، فليس من مسؤولية قادة النقابات اقتراحه. هذا المنطق هو نبوءة تحقق ذاتها: إذا لم يفعل القادة أي شيء ولم يقترحوا حلاً جريئاً للأعضاء (بمعني “إخبار الناس بما يجب عليهم فعله”)، فمن الطبيعي إذن أن يفقد العمال الثقة في قدرتهم على القتال والفوز، وأن لا يقترحوا بأنفسهم طرقاً قتالية للكفاح!

نحن لا نقول أنه يمكن تنظيم حركة جماهيرية عن طريق الإشارة بالإصبع. لكن ما نقوله هو أن دور قادة النقابات هو توفير القيادة، وليس فقط أن يكونوا مكتباً للمعلومات وينتظروا أن يصل الأعضاء إلى استنتاجات جذرية بأنفسهم. تحتاج قيادة النقابة إلى وضع خطة وتثقيف الأعضاء ومنحهم الثقة، وبالتالي تهيئة الظروف للأعضاء ليكونوا مستعدين لسير طريق الصراع الطبقي الذي لا هوادة فيه – تماماً كما فعلت قيادة الحركة الطلابية في عام 2012.

بناء قيادة اشتراكية للحركة

في الوقت الحالي، يقود الحركة العمالية أناس يؤمنون بالنظام الرأسمالي ولا يؤمنون بإمكانية الإطاحة به. قادة النقابات أصبحوا منفصلين عن ظروف العمال. إنهم يفضلون الوضع الراهن على محاربة أرباب الأعمال. إنهم متشككون ولا يؤمنون بالإبداع والروح القتالية لأعضائهم.

سوف تتعارض القيادة الحالية للحركة العمالية بشكل متزايد مع واقع الرأسمالية. سيطبق التقشف يوماً ما قريباً جداً. سوف تُظهر الرأسمالية نفسها أكثر فأكثر على حقيقتها: الرعب بلا نهاية للعمال. لقد بدأنا بالفعل رؤية هذا مع كوفيد-19.

لكن ماذا سيحدث إذا سمح قادة الحركة العمالية بالهجوم على العمال ولم يفعلوا شيئاً؟ سوف يفقدون مصداقيتهم في عيون العمال الذين من المفترض أن يمثلوهم. يشرح تروتسكي كيف تتطور هذه العملية:

تتشكل القيادة في عملية الاشتباكات بين الطبقات المختلفة أو الاحتكاك بين الشرائح المختلفة داخل طبقة معينة. بعد ظهور قيادة، فإنها تبرز بشكل ثابت فوق طبقتها وبالتالي تصبح عرضة لضغط وتأثير الطبقات الأخرى. قد “تتسامح” البروليتاريا لفترة طويلة مع قيادة عانت بالفعل من انحطاط داخلي كامل ولكن لم يتح لها الفرصة بعد للتعبير عن هذا الانحطاط وسط الأحداث العظيمة. صدمة تاريخية كبيرة ضرورة للكشف بحدة عن التناقض بين القيادة والطبقة.

يعد كوفيد-19 والأزمة الاقتصادية التي بدأت للتو واحدة من هذه الصدمات التاريخية. يتصاعد غضب الجماهير في جميع أنحاء العالم. العمال يعانون من البطالة، من تدهور ظروف عيشهم وعملهم، بينما الأغنياء يكدسون ثروات تزداد يوماً بعد يوم. مع دخولنا حقبة ثورية في جميع أنحاء العالم، لا تزال قيادة الحركة العمالية عالقة في الماضي.

إذن ما الذي يمكن أن يفعله الاشتراكيون؟

في مقال حديث بعنوان “القادة الاشتراكيون لن ينقذوا النقابات”، قال ناشط في منظمة عمال الصناعة في العالم (IWW):

يعتقد الناس أن القيادة هي مسألة امتلاك وشاح وتاج، وأنه بحكم انتخابك لمنصب، سوف يكون لديك كل المصداقية، وسوف يستمع إليك الجميع – وهذا ببساطة ليس صحيحاً.

تحتاج في الواقع إلى تنظيم الأرضية. ولا يعني ذلك أنه لا يمكنك القيام بذلك بصفتك موظف نقابة، الأمر ليس كذلك، أن كونك موظف نقابي لا يساهم في ذلك.

بمعنى ما، نحن نتفق مع رفاقنا الأناركيين النقابيين. إنهم يهاجمون نزعة الاشتراكيين الفرديين إلى القفز بالمظلات إلى مناصب قيادية في اتحاد لا قاعدة له في صفوف العمال لسن سياسات اشتراكية متشددة. هناك حالات عديدة لنشطاء جيدين اتخذوا طرقاً مختصرة وانتهوا لينعزلوا في الهياكل القيادية وابتلعتهم البيروقراطية. الماركسيون يعارضون تماماً تولي مناصب قيادية دون بناء قاعدة أولاً.

لكن هذا الانقسام بين التنظيم على مستوى القاعدة والقيادة النقابية معيب بشكل أساسي ولا يرى سوى نصف المشكلة. في الواقع، يوافق العديد من قادة النقابات الإصلاحيين على فكرة أن القادة المنتخبين لا يمكنهم تنظيم القاعدة الشعبية، لأن ذلك يعفيهم من العمل! علاوة على ذلك، فإن تعبئة القاعدة هي في حد ذاتها عمل قيادي -يعني قيادة زملائك نحو مسار عمل معين. ولكن بمجرد قيامك بتنظيم القاعدة، ماذا سيحدث بعد ذلك؟ ماذا لو سعى الأشخاص في المناصب القيادية النقابية إلى تشويش الأرضية بشكل فعال؟ حينها نحتاج إلى منعهم من القيام بذلك. كيف؟ إذا لم نكن مستعدين لاستبدال هؤلاء الأشخاص بقادة نقابيين يريدون القتال، فهذا يعني ترك السيطرة في أيدي القادة السيئين. وسواء أحببنا ذلك أم لا، فإننا نعود إلى الحاجة إلى قيادة جيدة للحركة، لكي يستطيع مقاتلي الطبقة المناضلة مواجهة قادة النقابات المنفصلين عنهم.

ما هو إذن دور الاشتراكيين في الحركة العمالية؟ نقول، نعم، يجب علينا أن ننظم صفوف العمال، وأن ندافع عن أساليب الصراع الطبقي، ونعلم العمال ضرورة محاربة الرأسمالية. وعلى هذا الأساس يمكننا كسب ثقة العمال الآخرين لتولي مناصب قيادية في النقابات وقيادة الحركة. وأفضل طريقة للقيام بذلك هي أن نكون في نفس المنظمة الثورية. 

الحقيقة هي أن هناك بعض الأفراد، مديرين تنفيذيين لبعض النقابات، يطلقون على أنفسهم اسم اشتراكيين في كيبيك، وهم في الواقع لا “ينقذون النقابات”. تكمن المشكلة في أنهم معزولون، وليس لديهم منظمة تسمح لهم حقاً بتطبيق سياسات اشتراكية، ضد القادة الآخرين للحركة الذين لا يريدون القتال. من الضروري أن يتحد في نفس المنظمة أولئك الذين فهموا ضرورة الاشتراكية، لكي يكون لهم وزن حقيقي في الحركة.

أظهر التاريخ أكثر من مرة، ليست فقط الحركة العمالية هي التي على هذا النحو، ما يحدث للأفراد الاشتراكيين أو الراديكاليين الذين لا يبنون منظمة ثورية. سوف يستسلم هؤلاء الأشخاص حتماً للمنظمات القائمة. على سبيل المثال، تخلت أنجيلا ديفيس، وهي ناشطة شيوعية سابقة تحظى باحترام كبير، منذ فترة طويلة عن فكرة بناء حزب ثوري، انتهى بها الأمر بدعم الحزب الديمقراطي وجو بايدن في الانتخابات الأخيرة. الأمر نفسه ينطبق على الأناركي نعوم تشومسكي أو الأكاديمي الماركسي المزعوم ديفيد هارفي. السياسة تتم من خلال المنظمات. عندما لا تبني بديلاً، ستقع حتماً في “أهون الشرين” لما هو موجود.

تفاؤل ثوري

الوعي الطبقي هو شيء يتطور بسرعة كبيرة. كم عدد المشاركين في النضال الطلابي لعام 2012 لم يعرفوا شيئاً عن ارتفاع الرسوم الدراسية قبل أشهر فقط من الإضراب؟ كم من هؤلاء الطلاب كانوا غير مبالين وغير مهتمين قبل شن الحملة للتحضير للحركة؟ يمكن طرح نفس الأسئلة على كل حركة جماهيرية أو ثورة. الوعي محافظ، لكن لديه القدرة على أن يصبح راديكالياً وثورياً.

يرتكز المشككون على الجانب الضعيف من الطبقة العاملة، على شرائحها اللامبالية والمحبطة، ويستنتجون أن الثورة غير ممكنة. على العكس من ذلك، يعتمد الماركسيون على الإمكانات الثورية الهائلة لطبقتنا. 

لا، العمال ليسوا دائماً مستعدين للقيام بثورة. لكن من خلال النضال الآن من أجل أن تكتسب الأفكار الاشتراكية النفوذ في الحركة العمالية، يمكننا أن نساهم في انتصار الثورة عندما تتحرك الجماهير.

مع جائحة كوفيد-19، ينتشر البؤس غير المسبوق لملايين العمال في كل مكان. ولكن من هذه الفوضى ينشأ جيل جديد من الشباب الذين يريدون محاربة النظام الرأسمالي. 

لقد أظهرت الحركة الجماهيرية الرائعة في الولايات المتحدة التي أثارها مقتل جورج فلويد أنه حتى أعظم قوة إمبريالية لا يمكنها الهروب من الغضب المتصاعد. يتم تهيئة الظروف للحركات الثورية في جميع أنحاء العالم. على هذه الإمكانية يقوم التفاؤل الثوري الذي لا يتزعزع للماركسيين.

لن تحدث الثورة الاشتراكية بشكل تلقائي. يتطلب نشطاء للدفاع بشكل واعي عن برنامج اشتراكي داخل الحركة. بصفتك ناشطاً اشتراكياً منعزلاً، لا يمكنك إنجاز أي شيء. لكن متحدين تحت راية مشتركة، مع برنامج مشترك وأفكار مشتركة، يمكن أن يكون لدينا تأثير أكبر بما لا يقارن مما يمكن أن يكون لأي ناشط منفرد. من خلال الانضمام إلى منظمة ثورية، فإنك تبني نفسك وتساعد في بناء الآخرين. من خلال الانضمام إلى منظمة ثورية، فإنك تبني بديلاً للمنظمات القائمة التي تقود الطبقة العاملة من هزيمة إلى هزيمة، بدلاً من قبولها والاستسلام لها. من خلال الانضمام إلى منظمة ثورية، فإنك تساعد في إيصال الأفكار الماركسية إلى الطبقة العاملة بطريقة لا يستطيع أي فرد القيام بها بمفرده. هذا ما يقدمه التيار الماركسي الأممي للعمال والشباب. ندعوكم للانضمام إلى هذا المشروع الذي هو أكبر منا جميعاً منفردين.

سنترك الكلمة الأخيرة لتروتسكي، الذي ترك لنا هذه السطور الملهمة قبل بضعة أشهر من اغتياله:

لا مخرج للعالم الرأسمالي، ما لم يؤخذ في الاعتبار عذاب الموت المطول. من الضروري التحضير لسنوات طويلة، إن لم تكن عقوداً، من الحروب والانتفاضات وفترات الهدنة القصيرة والحروب الجديدة والانتفاضات الجديدة. يجب على الحزب الثوري الشاب أن يرتكز على هذا المنظور. سيوفر التاريخ للحزب ما يكفي من الفرص والإمكانيات لاختبار نفسه، و مراكمة الخبرة، والنضوج. كلما اندمجت صفوف الطليعة بشكل أسرع، كلما تم تقصير فترة التشنجات الدموية، كلما قل الدمار الذي سيعاني منه كوكبنا. لكن المشكلة التاريخية الكبرى لن تحل بأي حال من الأحوال حتى يقف حزب ثوري على رأس البروليتاريا. إن مسألة الوتيرة والفترات الزمنية لها أهمية كبيرة، لكنها لا تغير المنظور التاريخي العام ولا اتجاه سياستنا.

جوليان أرسينو

5 أبريل/نيسان 2021

المقال مترجم عن موقع” الدفاع عن الماركسية”:

The class, the party and the leadership: How to organize revolution